علي الكاش
لا إستقرار ولا أمن مع فكر ثيوقراطي عفن
قال ابن أم الصاحب:
فَإنْ تَمْنَعُوا مَا بِأيْدِيكُمُ ... فَلَنْ تَمْنَعونِي إذَا أنْ أقُولاَ
(الوحشيات/219).
متى يدرك العراقيون بأن هناك اختلاف ما بين الولاء للوطن، والولاء للسلطة الحاكمة او المرجعية الدينية؟ الأول واجب والثاني تطوع.
ومتى يدركوا بأنه لا توجد منطقة وسطى بين الشرف واللاشرف؟ وهل مثل هذا الامر يحتاج الى شرح تفصيلي او مقتضب. قد يطول او يقصر؟ إفتونا يرحمكم الله!
التقريرالذي عرضته قناة الحرة حول فساد المرجعيات الدينية للسنة والشيعة، احدث الكثير من اللغط والتأويل، واثار حفيظة رجال الدين والسياسيين الرخيصين المتملقين للمرجعيات الدينية. اطلعنا على التقرير عدة مرات، ورأينا ان البرنامج لم ينصف الشعب العراقي حقه في فضح المرجعيات الدينية ولم يبين الحقيقة الكاملة حول فسادها، فما خفي كان أعظم بكثير مما جاء في التقرير، ولا أحد من العراقيين يجهل حجم الفساد في هذه المرجعيات الإنتهازية، والفيلم تجاوز الكثير من الحقائق ولم يكشف عن عشر الفساد في هذه المرجعيات، صحيح ان الفساد تأصل في كل مرافق الحكومة والبرلمان والقضاء والاعلام ومؤسسات الدولة كافة، لكن أقل ما يمكن ان يقال عن هؤلاء أنهم رجال سياسية ودنيا بما فيهم القضاة لأنهم جاءوا من خلال المحاصصة الطائفية، ولكن أن يتجذر الفساد في المرجعيات الدينية هذا هو الأمر الذي يجب التوقف عنده، حيث يفترض أن يكون المرجع الديني قمة في النزاهة والشرف والأمانة، وإن فقد إحدى هذه الصفات فقد شرعيته أمام الناس، ولا يجوز الإقتداء به، بل لا يجوز للمسلم أن يصلي خلف مرجع فاسد، وأن يقتدي بمرجع ديني فاسد او خائن لبلده.
صحيح ان الفيلم إعتمد على بضعة وثائق وشاهدي عيان أخفيت ملامحهما خشية من إنتقام الميليشيات المرتبطة بهذه المرجعيات، ولكن هذه الوثائق لا تمثل 1% من الوثائق التي تمتلكها هيئة النزاهة والتي لا تجرأ على عرضها، فإرهاب المرجعية لا يختلف كثيرا عن إرهاب داعش، وهي على حد قول الميليشيات المرتبطة أنها خطا أحمر لا يجوز تجاوزه، اليس الحشد الشعبي من مفقسات المرجعية؟ اليس هذا الحشد الشيعي مارس كل الكبائر والرذائل من قتل وإرهاب وخطف ونهب وتزوير وإبتزاز وإغتيال وجرف الأراضي والبساتين وتهجير المدنيين وسرقة ممتلكاتهم، والسكن في بيوت المهجرين ومصادرة معظمها، وتهريب النفط والآثار. إذن ما الفرق بين الحشد وهو منتج المرجعية وتنظيم داعش؟ الإرهاب واحد وإن تعددت وجوهه
كنا نتوقع ان يتحدث الفيلم عن موارد المرجعية الشيعية بصورة اكثر تفصيلا ودقة، فالمرجعية تحصل على الخمس والنذور والهدايا وغيرها من الموارد التي تزيد عن (6) مليار دولار سنويا، وتحصل على نسبة معينة من واردات النفط دون أن يتطرق لها أحد، علاوة على ايردات شركاتها ومشاريعها التي باتت معروفة للجميع، فما هو مصير هذه الأموال؟ ولماذا لا تخضع لسيطرة الحكومة وتوضع في خزينة الدولة، ومن يقوم بالتصرف بها وعلى أي أساس، وكم يبلغ حجمها الحقيقي، ولماذا التكتم عن هذه الموارد؟ اليس من المفروض ان تخضع لرقابة الدولة وتستوفي عنها الضرائب؟ إنها أموال سائبة بلا رقيب وربما تمارس المرجعية عملية غسيل الأموال وهذا ما يفسر الكتمان والغموض الذي يحيط بإيراداتها السنوية! وطالما انها تمتلك المليارات فلماذا لا تغطي مصاريف عاشوراء وغيرها من المناسبات الشيعية بدلا من أن تستوفيها من ميزانية الدولة كتخصيصات؟
لو رجعت الى موقع السيستاني ستجد إنه أقام معظم المشاريع التي لا تمثل إلا نسبة قليلة من جميع الموارد التي يتسلمها في وطنه الأصلي ايران، ومنها ملاعب ومدن رياضية ومدارس ومعاهد دينية وفنية، مع هذا هناك الاف العوائل تسكن في مقبرة السلام قرب مسكن السيستاني، ويأكلون من النفايات! إن كان المرجع الأعلى لشيعة يعرف وساكت عن هذه الحالة المأساوية فهذه مصيبة، وان كان لا يعرف فهذه كارثة، ونحن نتحدث عن المواطنين الشيعة فقط.
كنا نتوقع ان يتحدث التقرير عن الفساد في مطار النجف وعائديتة الحقيقة ومن يتسلم أرباحه، وما هي علاقة المرجعية بالمطار؟ هذا المطار سبق أن تحدث رئيس الوزراء السابق كبؤرة من الفساد، ولكنه بالطبع لم يمكن من فتح ملفه لأنه يتعلق بالمرجعية. لا نعرف في الحقيقة ما علاقة المرجعية بالدجاج وتبليط الشوارع وانشاء الجسور وبناء دور السكن، والتعاملات المصرفية، واستيراد المواد الغذائية،؟ هل هذه مرجعية دينة ام الدولة العميقة الثانية بعد دولة الميليشيات التي يقودها المالكي وابو مهدي المهندس وقيس الخزعلي ومن لف لفهم؟
كنا نتوقع ان يشير التقرير الى ممتلكات ممثلي المرجعية في العراق وايران من أرصدة وموسسات مالية وتجارية وعقارات سواء بأسمائهم او بأسماء ابتائهم واصهارهم. وان يسلط الضوء على مؤسستي السيستاني والخوئي المالية في لندن، فهذه مؤسسات تعمل في العلن وليس في السر. وان يسلط التقرير الضوء على الفلل والقصور التي تمتلكها عائلة السيستاني في بلاد الكفر (بريطانيا)، وماهي قيمتها ومصدر اموالها؟
أما الوقف السني فالتقرير سلط الضوء على الفساد السياسي اكثر منه عن الفساد المالي، ولا أحد من العراقيين يجهل ان رئيس الوقف السني الهميم فاسد حتى النخاع وإنتهازي قذر يميل اينما مالت دفة السلطة، يعني متلون بالضبط مثل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من بعثي في الحرس القومي الى شيوعي الى مستقل، الى اسلامي متطرف. وطالما التقرير تحدث عن فساد الهميم الاخلاقي، فلماذا لم يشر الى فضيحة الكامرات التي وضعها في مرافق السيدات داخل بناية الوقف السني؟ الهميم مدان ولكن لا أحد يقدر ان يدينه قضائيا، فالقضاء العراقي عاجز عن ملاحقة اي فاسد يقبع في حضن الولي الفقيه. هذا الهميم قَبًل الخامنئي من جبهته القذرة الملوثة بدماء العراقيين، وزار ضريح المقبور الخميني وقدم الولاء والطاعة للمشروع الايراني في العراق، فحصل مقابل ذلك على الحصانة. وهناك العشرات من الفضائح في الوقف السني سيما الإنفاق المالي الكاذب في إقامة الإحتفالات الدينية، فجزء قليل من المال يذهب للإحتفال الديني، والقسم الأكبر يدخل في جيب الهميم المحصن قضائيا.
كان موقف رجال السياسة من تقرير قناة الحرة معروفا ولا جديد فيه، فهؤلاء السفلة همهم الأول التملق للمرجعية الدينية التي سبق أن زكتهم في الإنتخابات الأولى علنا وما لحقها سرا، سواء كانوا من الشيعة او السنة، فكلهم في التملق سواء، وربما تملق السياسيين السنة يتفوق على أقرانهم الشيعة، فهذا هو المجال الوحيد الذي تفوقوا فيه على منافسيهم الشيعة. في الوقت الذي وجه الكثير من السياسيين الكرد انتقادات لاذعة لمرجعية النجف، لم يجرأ اي سياسي من أهل السنة ان يوجه إنتقادا واحدا لها او للوقف السني، ربما لأنهم يعرفون أن مصيرهم مرتبط برضا المرجعية الشيعية او الميليشيات التابعة لها عنهم!
أما موقف الذباب الالكتروني الشيعي من قتاة الحرة، فإنه الآخر لا يدعو الى الإستغراب، فالأجر مدفوع لبعضم، والبعض الآخر قد وضع العصبة على عينية ولا يرغب بأن ينظر الى الحقيقة، مع شدة وضوحها حتى لمن يشكو العشو أو قصر النظر. التعصب الطائفي احيانا يدفع بعض الكتاب الى نشر مقالات تدين كل من يتعرض الى المرجعيات بإعتبارها خط أحمر، مع ان المرجعيات نفسها لم تدافع عن نفسها، لأنها تعرف حجم فسادها، والسكوت أفضل طريقة لكبت الفضائح.
نسأل هؤلاء الكتاب اين كنتم عندما نشر بول بريمر مذكراته وبين علاقاته مع المرجع السيستاني وما كان يقبضه من اموال من الشيطان الأكبر؟ لماذا خرست ألسنتكم؟
أين كنتم من الرشوى التي تسلمها السيستاني من رامسفيلد (200) مليون دولار، والتي ذكرها في مذكراته؟ يا لفضيحتكم يا عبدة الأصنام البشرية!
هل ما جاء في تقرير الحرة اكبر مما ذكره بريمر ورامسفيلد؟ الا يستحق بريمر سيف علي بن أبي طالب كما استحقه رامسفيلد في شرعكم؟
السؤال المهم: هل يمكن ان تفتينا المراجع او الذباب الالكتروني العائد لهم: لماذا لم يجرأ لا السيستاني ولا بقية المراجع ولا وكلائه في الإعتراض او نفي ما جاء في مذكرات بريمر ورامسفيلد؟
ما يثير التساؤل انه جاء في تقرير الحرة انها فاتحت المراجع السنية والشيعية لتقديم رأيهما فيما سيعرضة التقرير من معلومات تعنيهما قبل ان يبث للناس، لكن المرجعيتين السنية والشيعية رفضتا وتهربتا من الإجابة، سؤال مهم للذباب الالكتروني: كيف تفسرون هذا التهرب المذل؟
لماذا لا ترد المرجعيات الدينية على ما ورد في تقرير الحرة بدلا من تحريك ذبابهم الالكتروني، فالحرة مفتوحة الأبواب لهم، وحق الرد مكفول لهم لحد الآن ؟
ان فضائح المرجعيات الشيعية والسنية في العراق كالشمس لا تُخفى بغربال، الفساد في هذا البلد شمل كل المؤسسات بما فيها المؤسسات الدينية. لقد صدق رسول الله بقوله " أنّا من غير الدّجّال أخوف عليكم. قيل: ومن هو؟ قال: الأئمة المضلّون". وقال ايضا" سيكون في أمّتي علماء فسّاق، وقرّاء جهّال". ( الامتاع والمؤانسه1/244).
أيها الشعب العراقي، كفاك ذلا وركوعا وسجودا لأساطين الفساد، الموقف جلي لكل عاقل ولبيب فهم اللعبة ما بين رجال الدين ورجال السياسة وأنت يا شعب كالكرة بين لاعبيهم، تتحمل الضربات وجامد جمود الكرة. ما فات من الزمن يكفي لكي تدرك ايها الشعب حقيقة من يحكمك من رجال الدين والسياسة، الذين سيجروك كالخروف الى المجزرة، إنهض ليس رحمة بنفسك الرخيصة، بل رحمة بالأجيال القادمة.
اعلم ايها الشعب المستغفل أن من خرجوا من كهوف الماضي السحيق، لا يمكن أن يحملوا مشاعل الحرية والثقافة والتطور؟
علي الكاش
687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع