هل إنتهى داعش بإنتهاء معركة الموصل؟؟؟؟؟

                                                   

                         الدكتور صبحي ناظم توفيق                
(عميد ركن متقاعد- دكتوراه في التأريخ العربيّ الإسلامي)
27/تموز/2017 

تمهيد

هل إنتهى داعش  بإنتهاء معركة الموصل؟؟؟؟؟

حالما وضعت "حرب تحرير الموصل" أوزارها بعد معارك ضروس طالت (9) أشهر عُجاف، فقد دارت الطروحات عن أن تنظيم (د.ا.ع.ش) في -واقعه- قد ولّى وإنتهى في "العراق" الـمُبتلى منذ عقود متلاحقة -وما زال- بالدماء والخراب والدمار بشكل ربما ليست له سابقة في تأريخه.
لست أبداً في سبيل كيل المديح لأحد أو الإستخفاف بـ(حرب تحرير الموصل) التي كلّفت باهظاً في كل منحى وصوب، وأصابت (د.ا.ع.ش) في عمودها الفقري... ولكن العشرات من وسائل الإعلام المتنوعة تبتغي إظهار هذا التنظيم الإرهابي بحكم المنتهي لأسباب معروفة ومكاسب سياسية مشهودة، رغم تعاكس ذلك حيال العديد من تصريحات قادة التحالف الدولي ودراسات المحللين المستقلين وتقارير وسائل إعلامهم المتنفّذة في عموم العالم.
فهل كانت إستعادة الدولة العراقية سيطرتها على مدينة "الموصل" نهاية لـ(د.ا.ع.ش) في "بلاد الرافدين" خصوصاً والمنطقة على وجه العموم؟؟؟
هذا ما نحاول تسليط بعض الضوء عليه بإختصار شديد، وبرؤية إستراتيجية وعسكرية صريحة، من دون الخوض في المناحي السياسية.
على ماذا يسيطر "العراق؟؟؟
سأناقش مدى سيطرة الدولة العراقية على أرضها ومياهها على شكل نقاط مختصرة:-

    

          خريطة توضّح الحدود العراقية-السورية-الأردنية

•فلو فرشنا الخارطة أمام ناظرَينا سنجد أن قوات "العراق" المسلّحة -بمختلف مسمّياتها- قد أبعدت الخطر الذي كان داهماً على "بغداد" وعدد من المحافظات ذات الأهمية الخاصة، وأعادت سيطرة الدولة خلال السنوات الثلاث المنصرمات بشكل ((شبه)) محكم على العشرات من المدن الكبيرة والصغيرة والبلدات الواقعة على الطريق الدولي والطرق الرئيسة، بدءاً من الغرب حيث مدينتَي "هيت، والرطبة" مروراً بـ"الرمادي-الفلوجة- ضواحي بغداد- سامراء- تكريت- شرقاط الغربية- القيارة- حمام العليل- الموصل" ثم نحو "سنجار" التي أضحت بيد قوات "البيشمركه" النظامية الكردية وعدد من الفصائل المسلّحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (P.K.K) -الموصوف رسمياً ودولياً بالإرهاب- وصولاً إلى ضواحي مدينة "تلعفر" المحاصَرة بإحكام منذ مطلع العام الجاري... في حين أن (د.ا.ع.ش) ما زال يتمسّك بهذه المدينة الكبيرة التي تُعَدّ أكبر مركز "قضاء" في عموم "العراق"، مُعلِناً أن مسلّحيه سيستميتون بالدفاع عنها لا سيّما بعد إعلان التنظيم نقل خلافته المزعومة من "الموصل" إليها.
ماذا بقي بيد (د.ا.ع.ش) في "العراق"؟؟
ظلّ (د.ا.ع.ش) لحد يومنا الراهن باقياً في بقاع شاسعة وذات كثافة سكانية أدنى من المناطق المسترجعة، والتي أسردها كذلك على شكل نقاط مجملة:-
•"قضاء الحويجة" بمساحة حوالي (50×70) كلم إضافة إلى الجانب الشرقي عبر "نهر دجلة" من "قضاء الشرقاط" ما فتئا بمثابة (سكينة خاصرة) بيد (د.ا.ع.ش)، وبالإخص وسط بقاع متاخمة لـ"كركوك".
•المدن العامرات والباقيات في جميع "محافظة الأنبار" والواقعات على الطريق الدولي الرابط بين "حديثة" ذات الضواحي الهشة، إلى المدن الكبيرة المطلّة على "نهر الفرات"، ومن كُبرَياتها "الفحيمي- عانه- راوه- الكرابلة- القائم" وحتى الحدود العراقية- السورية بواقع (170) كلم ما زالت بيد (د.ا.ع.ش).
•ومن "الرمادي" على طريق السير السريع الدولي الأهم الذي يربط "العراق" بدولتَي "الأردن وسوريا"، وصولاً إلى "الرطبة" التي تفصلهما (300) كلم من البراري، ثم "الرطبة" ذاتها وحتى "منفذ الوليد" الدولي نحو "سوريا"... وكذلك من "الرطبة" لغاية "منفذ طريبيل" الحدودي إجتيازاً نحو "الأردن"، فضلاً عن طريق "الرطبة- طريفاوي- الحدود السعودية"، وكل من هذه الطرق الثلاثة بطول (150) كلم لا تنشر القوات العراقية في جميعها سوى نقاط سيطرة متناثرة.
•ويضاف إلى كل ذلك البراري الشاسعة في المثلث الذي يشكله طريقا "الرمادي- القائم" و"الرمادي- الرطبة" والصحراء القاحلة في جنوبي "الرطبة" بلوغاً نحو الحدود السعودية، كلها ما فتئت بيد (د.ا.ع.ش).
•وإذا ما عرفنا أن المسافة الأفقية بين "طريبيل-القائم" مروراً بـ"عُكاشات" المليئة بحقول الفوسفات والمعادن في أقصى غربي الوطن تبلغ حوالي (290) كلم، لتصورنا حجم القوات المسلّحة والجهد المطلوب والوقت اللازم والأموال الهائلة لبسط السيطرة عليها ومواصلة مراقبتها بالطائرات والدوريات الآلية لإحكام القبضة بحقها.
•ويُضاف إلى كل ذلك تلكم البراري الواقعة إلى الغرب من طريق "بغداد- الموصل" وشمالي "نهر الفرات"، والتي تشتمل "بحيرة الثرثار- الحضر- البعاج- الحدود السورية"، وكلها تحت سيطرة (داعش)، أو ذات هشاشة غير مريحة مطلقاً.
•وكل تلك تُضاف إليها الحدود العراقية-السورية بطول (650) كلم... (450) كلم منها تحت سيطرة (د.ا.ع.ش) عموماً في جانبيه العراقي والسوري... أما الـ(300) كلم في شماليها فإن "الحشد الشعبي" لوحده يتحرك في محيط "البعاج"، أما الأعلى منها فهي تحت سيطرة الـ"بيشمركه وPKK" الكرديتين في "سنجار" بالجانب العراقي، وهناك كذلك ما بين أيدي "قوات سوريا الديمقراطية/الكردية" المدعومة أمريكياً  في الطرف السوري.
وماذا عن (د.ا.ع.ش) في "سوريا"؟؟؟
وهناك المزيد لدى  (د.ا.ع.ش) في الأرض السورية المتاخمة أو القريبة من حدودها مع "العراق"... لذلك فلو فرشنا الخريطة فسنرى الكثير:-
•عموم الحدود السورية-العراقية الممتدة (650) كلم تُعَدّ سائبة تماماً، حيث لا تسيطر حكومتا "دمشق" و"بغداد" سوى على بُقَع ضئيلة على طولها، ولا يوجد لكلتاهما فرد واحد من قواتهما المختصة لمسك الحدود وإدارة معابرهما الرسمية بين الدولتين الجارتين المتعاونتين في مجال مكافحة الإرهاب.
•معظم محافظة "الحسكة" -ذات الأغلبية الكردية- تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" المعارضة لـ"دمشق"، وتدعمها "واشنطن" التي تقود تحالفاً دولياً أسّسته بزعامتها في (آب-آغسطس/2014)، إذْ تعتبر خارجة عن سطوة الحكومة السورية.
•النسبة العظمى من محافظة "الرقة" -التي تُعدّ ذات أهمية إستراتيجية ومعنوية بالغة- ما زالت تحت سطوة (د.ا.ع.ش)، وهناك قتال شوارع ومناطق مبنية يجري في ربوع أحيائها السكنية في مركزها المتمثل بـ"مدينة الرقة"، والتي تفصلها عن أقرب نقطة حدودية مسافة أفقية لا تقل عن (250) كلم، تتضاعف لتبلغ (350) كلم في حالة حساب السير على الطرق البرية.
•أما "محافظة دير الزور" المتاخمة تماماً للحدود السورية مع العراق، فإنها بمركزها "دير الزور"، وهي على مسافة (150) كلم عن الحدود، ومدينتيها الكُبرَيَين "الميادين، وألبو كمال" بالكامل تحت سيطرة (د.ا.ع.ش).
•مدينة "تدمر" تشوبها هشاشة وإشتباكات بين كر وفر، وهناك مساحة شاسعة تفصلها عن الحدود مع "العراق" بواقع مسافة أفقية تقدّر بـ(300) كلم عن معبر "ألبو كمال"، و(180) كلم عن معبر "التنف"، تتضاعف في حالة السير على الطرق المعبدة.
•كما يُضاف إلى ذلك إقتحام نخبة من القوات الأمريكية المسلّحة بشكل مفاجئ لـ"لمثلث السوري-العراقي-الأردني" وإنشاؤها معسكراً ميدانياً كبيراً وسط بقعة مركزها "معبر التنف الحدودي"، وفرضها (منطقة عدم إشتباك) بواقع قطره (55) كلم، وهي مزوّدة بدبابات ومدرعات ومدافع وراجمات صواريخ أسلحة مقاومة طائرات مدعومة بالطائرات، وقرار "واشنطن" بحرمان أية قوات نظامية أو فصائل مسلّحة من التقرّب لهذه المنطقة لأي غرض كان... وهذا ما يعقّد الأمور على هذا الجزء الحسّاس من الحدود بين "سوريا والعراق".

الإستنتاج
بعد هذا السرد المختصر، ومع حقيقة الأذى الكبير الذي أصاب (د.ا.ع.ش) بإسترجاع القوات العراقية معظم المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ومقتل الآلاف من مسلّحي هذا التنظيم وفقده معظم أسلحته ومكامن قوّته، ومع إستبعاد ((نظرية المؤامرات)) الدارجة على الألسن.
وتركيزاً على الجانب العراقي، فإننا نستنتج أن قواته المسلّحة -بدعم التحالف الدولي- ما لم:-
•تتمّ السيطرة الكاملة على جميع هذه المناطق وتحكم القبضة.
•تضبط كامل حدود "العراق" مع "سوريا".
•تعيد أو تستحدث العشرات من المخافر.
•تحقّق مراقبة تلك البراري الشاسعة بإستثمار طائرات متنوعة ودوريات أرضية تعمل على مدار الساعة.
•تشكّل قوات متأهبة عديدة ومتناثرة تنتشر للتدخل الجريء والفوري في أية بقعة تتعرض لطارئ.
•تُدِم زخمها في كل هذه البقاع المتسعة لمنع أية عمليات تسلّل أو تهريب أو تجمّع، أو الحدّ منها إلى أدنى مستوىً مقبول يُستطاع معالجته سراعاً.
فإن (د.ا.ع.ش) وكل ما يتعلق به (((في العراق لوحده))) ناهيك عن "سوريا"، لا يمكن إعتباره منتهياً أو قد قُضِيَ عليه تماماً، وينبغي عدم المبالغة في هذا الشأن لأغراض إعلامية.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع