ريان الكلداني زعيم مليشيا بابليون المسيحية العراقية (فيسبوك)
أسامة مهي/ إيلاف من لندن: كشف معهد سياسي أميركي عن محاولات لزعيم مليشيا مسيحية عراقية موال لإيران وخاضع للعقوبات الاميركية للاستحواذ على ممتلكت للمكون تقدر بمليارات الدولارات متهماً الرئيس العراقي بالخضوع لإرادة هذا المليشياوي.
وقال معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في آخر إصدار له تابعته "ايلاف" اليوم أن زعيم ميليشيا بابليون ريان الكلداني المدعوم من إيران والخاضع للعقوبات الأميركية يهدف إلى تهميش البطريرك الكلداني في العراق لويس ساكو والاستحواذ على ممتلكات مسيحية تُقدر بمليارات الدولارات.
اعتزال البطريرك
وأشار المعهد في تقرير كتبه يعقوب بيث أدي هو خبير عراقي في قضايا الأمن والميليشيات في منطقة سهل نينوى ومايكل نايتس وهو زميل في معهد واشنطن وأحد مؤسسي منصة "الاضواء الكاشفة للمليشيات" التابعة للمعهد الى انه في 12 من الشهر الحالي سحب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد "المرسوم رقم 147" وهو الأمر التنفيذي الصادر في بغداد عام 2013 والذي يعترف بتعيين الكاردينال لويس روفائيل ساكو رئيساً (بطريركاً) للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية "في العراق والعالَم" ويكلّفه بمسؤولية "أوقاف الكنيسة".
وفي اليوم التالي اصدرت محكمة منطقة الكرخ في بغداد أمراً باستدعاء البطريرك بسبب تصريحات له حول ريان الكلداني مؤسس "اللواء 50" في قوات "الحشد الشعبي" العراقية المعروف أيضاً باسم كتائب بابليون وهو أحد منتهكي حقوق الإنسان المدرجين على لائحة العقوبات الأميركية) ثم انسحب البطريرك إلى ديرٍ في إقليم كردستان العراق الشمالي كما فعل قسراً قادة مسيحيون كلدان سابقون في أوقات الاضطهاد.
اعتراض السفارة الأميركية
ونوه الى المعهد أنه سرعان ما اعترضت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي على إجراءات الحكومة، وتم استدعاؤها من قبل مكتب رشيد بسبب انتقاداتها.
واعتبر أن السفيرة تتخذ موقفاً شجاعاً ضد هذه الانتهاكات المستمرة واستيلاء الميليشيات المدعومة من إيران على السلطة، وستحتاج إلى دعمٍ قويٍ من البيت الأبيض، ووزارة الخارجية والكونغرس الأميريكيين .
وشدد المعهد على أنه لا يجب السماح للكلداني بالاستمرار في تشويه سمعة البطريرك وإضعافه وإثبات نفسه كزعيم لمسيحيي العراق، وهو دورٌ من شأنه أن يضع الأوقاف المسيحية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تحت تصرفه.
حملة لتقويض التسامح بين الأديان
وأوضح المعهد أن "المرسوم رقم 147" يشكل جزءاً من تقليد رمزي قديم العهد للتسامح بين الأديان في العراق، وتعود جذوره إلى الحقبة الإسلامية المبكرة واستمر العمل به في عهد الإمبراطورية العثمانية وصولاً إلى العصر الحديث.
وفي الماضي كان الخليفة في بغداد يُصدر مرسوماً يمنح بموجبه كل بطريرك جديد سلطة مؤقتة على السكان المسيحيين تسمح له بالإشراف على شؤون الأحوال الشخصية وفقاً لقانون الكنيسة وتكليفه بتحصيل الجزية للخزينة كممثل عن الخليفة. وكانت مراسيم مماثلة تصدر لزعماء الديانات والطوائف الأخرى (على سبيل المثال، الكنيسة السريانية الكاثوليكية، واليزيديين، والصابئة المندائيين).
السيستاني يتضامن مع البطريرك
وبين المعهد أن سحب المرسوم هذا الشهر تسبب بإدانات من مختلف الأديان فقد اتصل مكتب آية الله السيد علي السيستاني الذي هو المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق، بساكو في 15 تموز/ يوليو الحالي وأعرب عن "استيائه" من طريقة التعامل مع الكاردينال، في حين عارضت "هيئة علماء المسلمين" التي يرأسها السنّة في بغداد الخطوة المتخَذة ضده.
خطوة مسيحية غير مسبوقة
وفي 22 تموز/يوليو اتخذت خمسة من الأحزاب السياسية الكلدانية-السريانية-الآشورية في العراق خطوة غير مسبوقة تمثلت بالاتحاد ضمن قائمة واحدة في الانتخابات المحلية المقبلة التي ستجري أواخر العام الحالي وقد دفعتها إلى ذلك جزئياً الحملة المستمرة للكلداني والتلاعب بمقاعد الحصة "الكوتا" المسيحية .
عقبات أمام زعيم بابليون
وسعى الكلداني مؤخراً إلى الهيمنة على المجتمع المسيحي في العراق، ولكن العديد من العوامل تظهر أنه لا يمكنه الاستحواذ على هذه المكانةى وهي بسبب "القاعدة المزيفة من الناخبين المسيحيين" إذ إنه على الرغم من أن الكلداني يسيطر على أربعة مقاعد من أصل مقاعد الكوتا الخمسة المخصصة للمسيحيين في مجلس النواب الوطني إلا أن حركته لم تفز بهذه المقاعد بفضل دعم المجتمع المسيحي. ووفقاً للفحص الدقيق الذي أجراه المؤلفان للبيانات الانتخابية التي تعود إلى عامَي 2018 و 2021، حصل مرشحوه على آلاف الأصوات من المحافظات ذات الأغلبية الشيعية التي لا تضم سوى مجتمعات مسيحية صغيرة بسبب النزوح على مدى عقود.
فساد قادة مسيحيين
وأشار المعهد الى أن هناك نمطاً من فساد القادة المسيحيين واستقطابهم حيث أنه بعد مبادرات متكررة، نجح الكلداني أخيراً في إقناع رئيس الأساقفة السابق للسريان الكاثوليك يوحنا بطرس موشي بالتوقف عن معارضة خطط "كتائب بابليون" لتأسيس قاعدة قوة في قضاء الحمدانية. ونتيجة لذلك، أُرغمت مؤخراً "وحدات حماية سهل نينوى"، وهي آخر فوج للميليشيا المسيحية في العراق، على الانضواء تحت راية "كتائب بابليون".
تبعية الكلداني لإيران ووكلائها
وعن تبعية الكلداني لإيران ووكلائها يقول المعهد أن الكلداني سردية الميليشيا المدعومة من إيران والتي تُعتبَر غريبة تماماً عن المجتمع المسيحي في العراق فهو لطالما ظل مقربًا من كبار الشخصيات المصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية ابتداءً من الراحلين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ووصولاً إلى زعيم الميليشيا الحالي قيس الخزعلي.
وأكد المعهد أن ريان الكلداني قد سمح لقوات الميليشيات بنهب الأديرة المسيحية في "سهل نينوى"، فضلاً عن انتهاكات أخرى.
ونوه المعهد الى أنه على نحو غير مفاجئ، تم رفض الكلداني وأنصاره رفضاً تاماً من قبل المجتمعات المسيحية في العراق والعالَم ففي الفاتيكان، رفض البابا فرنسيس ضمان جمهور له ولأعضاء دائرته (على سبيل المثال، وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو) وفي عام 2017، اكدت بطريركية ساكو أن الكلداني "لا يمثّل المسيحيين بأي شكلٍ من الأشكال. إن تصريحاته المؤسفة تهدف إلى خلق فتنة طائفية مقيتة".
تطلع للاستحواذ على القرار المسيحي
وأكد المعهد السياسي الاميركي الى انه في نهاية المطاف، يهدف الكلداني إلى أن يصبح صانع القرار الوحيد فيما يتعلق بالأوقاف التي تركها المسيحيون العراقيون وراءهم بعد عقدين من الاضطهاد أو القتل أو الفرار قسراً من منازلهم.
ولتحقيق هذه الغاية يحاول الكلداني ترهيب ساكو البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً لكي يذهب إلى المنفى والتقاعد حتى يتمكن من استمالة خلفه لكنه في حين أن الركائز السياسية والأمنية لمجتمع المسيحيين قد ضعفت، إلّا أن الكنيسة أصبحت المؤسسة العراقية الوحيدة المتبقية التي يمكنها الدفاع عن مصالحهم.
وتنتشر الأوقاف المعنية بالمسيحيين في مختلف أنحاء العراق ولكنها تتركز في بغداد ونينوى، وتبلغ قيمتها الإجمالية مليارات الدولارات. ومن بين مليونَي مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل الحرب في عام 2003، لم يبقَ سوى 5-6 في المائة وقد وثّقت تقارير مختلفة على نطاقٍ واسعٍ المصادرة غير القانونية، والمستمرة، لأراضيهم وممتلكاتهم الأخرى.
وتُعتبَر دائرة الكلداني و"كتائب بابليون" الجهة الرئيسية التي تزور الوثائق من أجل تسهيل بيع الأوقاف في بغداد وعندما يحاول مسيحيو الشتات المطالبة قانوناً بما سُرق منهم، غالباً ما تهدد الميليشيات المحامين الذين ينوبون عنهم.
تداعيات على السياسة الأميركية
ويشير المعهد الى أن هذه القضية تخلف تداعيات واسعة النطاق على المصالح الأمنية الأميركية في العراق تتجاوز الهدف المهم المتمثل في حماية القادة المسيحيين.
وبناءً على ذلك يرى المعهد انه من الضروري أن تتحرك واشنطن وتحث بغداد على التحرك أيضاً حيث تُعَدّ الخطوات التالية الأكثر أهمية على المدى القريب بسحب رشيد "المرسوم رقم 147" بعد يومٍ واحدٍ فقط من لقائه مع الكلداني والرئيس رشيد صديق قديم للولايات المتحدة، ولن يسرّه سماع أن واشنطن ترى بشكل متزايد أنه يتجه بشكلٍ مقلقٍ مع حزبه، "الاتحاد الوطني الكردستاني"، نحو إيران والميليشيات الوكيلة عنها ومنتهكي حقوق الإنسان التابعين لها.
قلق الرئيس العراقي
ويقول المعهد أنه من الواضح أن رشيد قلقٌ بشأن الإضرار بسمعته كما تبين عندما حاول التقليل من أن عملية سحبه للمرسوم الرئاسي علاوةً على ذلك، لم يسحب مراسيم مماثلة تحمي الديانات والطوائف الأخرى، مما يؤكد أن هذا العمل كان هادفاً وأعطى في إطاره الكلداني رئيس البلاد تعليمات بشأن ما يجب فعله، علماً بأن الكلداني لا يتمتع بأهمية تُذكر مؤسسياً على صعيد النطاق الأوسع نطاقاً للحكومة الوطنية العراقية. ولا يستطيع رشيد التهرب من المسؤولية عن هذا العمل؛ يجب على واشنطن أن تحثه على إصلاح الضرر.
وستشكل مساعدة ساكو على العودة إلى بغداد بأمان وزيارته في مقر إقامته هناك بداية جيدة، لأن هذا من شأنه أن يعزز إقرار الحكومة بأهمية البطريرك الدينية والوطنية والدولية.
وضع حد لتزوير أصوات المسيحيين
وشدد المعهد على ضرورة تشجيع الولايات المتحدة القادة العراقيين بهدوء على ضمان أن تشمل قوانين الانتخابات كوتا مغلقة، يستطيع في إطارها أعضاء هذا المجتمع فقط التصويت لمقاعد الحصص المخصصة لهم إذ يمكن للوقف المسيحي إصدار بطاقات تصويت خاصة لمنع التلاعب في المقاعد المخصصة للمسيحيين.
وأشار المعهد الى أن هذه القضية تخلف تداعيات وطنية واسعة النطاق لأن الكلداني وشركائه الأكراد سيحاولون على الأرجح الهيمنة على مقاعد الحصة المسيحية في الانتخابات البرلمانية القادمة لـ "إقليم كردستان العراق" في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024 مما قد ينذر باعتماد تكتيكات مماثلة في الانتخابات الفيدرالية المستقبلية.
وقف المساعدات الأميركية
وحث المعهد الإدارة الأميركية الى الاستفادة من التقرير الأميركي حول الحرية الدينية مبينًا أنه عندما تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بإعداد "تقرير الحرية الدينية الدولية" في وقت لاحق من هذا العام لإصداره في أيار/مايو 2024، يجب أن يعكس ما إذا كانت الحكومة العراقية تحمي مجتمعها المسيحي بشكل مناسب. وإذا فشلت بغداد في هذا الصدد، يجب على الكونغرس الأمريكي أن يعدّل عملية تقديم المساعدة الخارجية وفقاً لذلك.
كما دعا الى إنشاء قاعدة أكثر استقراراً للسلطات الدينية الخاصة بالأقليات مؤكدا على ضرورة تشجيع مجلس النواب العراقي على إضفاء الطابع الرسمي على سلطة القادة الدينيين المسيحيين في الدستور الفيدرالي، بحيث لا يمكن استخدام الإجراءات التنفيذية مثل "المرسوم رقم 147" كوسيلة ضغط ضدهم. ويمكن أن تُصدر وزارة العدل العراقية بسرعة صكوك الوقف لرؤساء الكنائس العراقية كافة لطمأنة الجميع بأن الدولة لا تضع خططاً للاستيلاء على الأراضي أو الممتلكات التابعة لمجتمعهم.
القضاء العراقي في خدمة المليشيات
ونوه المعهد الى أهمية تشجيع القضاء العراقي على اتخاذ إجراءات بشأن القضايا القانونية المرفوعة ضد الكلداني من خلال احالته إلى المحكمة بسبب التعليقات التشهيرية التي أدلى بها حول ساكو والتي لم تسفر عن أي إجراء.
ورأى أن ذلك يشير إلى أن رئيس "مجلس القضاء الأعلى" فائق زيدان والسلطة القضائية الأوسع نطاقاً يخدمان مصالح الميليشيات وليس القانون ولذلك فأن على واشنطن أن تحث زيدان على إنهاء هذه الممارسة.
ملاحقة شبكة أخوة الكلداني
وشدد المعهد على ضرورة التحقيق في شبكة الكلداني قائلاً أنه يجب على سلطات العقوبات الأميركية إلقاء نظرة عن كثب على الدور الذي لعبته دائرة الكلداني لتسهيل انتهاكات الميليشيات ومن بين أولئك الذين يجب التدقيق فيهم واحالته إخوة كلداني بالدم وهم: أسامة قائد "كتائب بابليون و"وأسوان"عضو في مجلس النواب و"سرمد" نائب وزير الهجرة السابق .
508 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع