نفّذت القوات الأميركية سلسلة تحركات بالفترة الأخيرة
العربي الجديد/بغداد ــ محمد علي، النجف ــ زيد سالم:بعد نحو أسبوعين من تحركات للجيش الأميركي في الفلوجة والرمادي وهيت والقائم والموصل وتكريت غرب وشمال العراق وأخيراً في بغداد، وُصفت بالاستفزازية، بعضها عبر دوريات راجلة للجنود الأميركيين في محيط مقرات فصائل "الحشد الشعبي" في تلك المناطق، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن أن بلاده تحتفظ بوجود عسكري في العراق لمراقبة إيران، لتفجّر أزمة جديدة في العراق.
هذه الأزمة "تهدد بانتقال الصراع من سياسي إلى عسكري"، بحسب مسؤول عراقي رفيع في بغداد تحدّث لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن طرفي الصراع سيكونان القوات الأميركية، والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، التي باتت تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية"، ومن أبرزها "العصائب" و"الطفوف" و"النجباء" و"الإمام علي"، و"كتائب حزب الله" العراقية، التي هددت في بيان القوات الأميركية بأنها أهداف مشروعة لها.
تحركات أميركية وارتباك رسمي
منذ العشرين من الشهر الماضي، نفّذت القوات الأميركية، ولأول مرة، سلسلة من الدوريات والتحركات عبر أرتال مدرعة أو قوات راجلة تتبع قوات المارينز، في الفلوجة والرمادي وهيت والقائم ومنطقة ذراع دجلة والتاجي وبيجي والموصل والبعاج والقيارة والشرقاط وتكريت، بلغت، بحسب مسؤول عراقي رفيع تحدث لـ"العربي الجديد"، 38 دورية، قامت بالتجوال بين المحلات والأسواق وفي محيط مقرات فصائل مسلحة في "الحشد الشعبي".
وكشف المسؤول نفسه، أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي "كان يتواصل عبر شخصيات دينية وسياسية مع قادة الفصائل الأكثر ارتباطاً بإيران ويطلب منهم عدم الاحتكاك بالأميركيين أو محاولة التعرض لهم"، معتبراً أن تصريحات ترامب وقعت كالصاعقة على الحكومة التي باتت مطالبة بموقف واضح وصريح من القوات الأميركية، لافتاً إلى أن "الضغط الآن على رئيس الحكومة قد يدفعه إلى أخذ موقف محدد، وفي كل الأحوال لن يكون في صالح الوضع العراقي"، وفقاً لقوله. وأضاف أن "الربط بين الوجود الأميركي في العراق ومراقبة إيران، يعني أن الموضوع بات معلناً، وعلى الحكومة العراقية اتخاذ موقف مؤيد لهذا الإعلان أو رافض له"، مرجحاً أن يحاول رئيس الوزراء امتصاص الأزمة.
وبدا الارتباك واضحاً على الرئيس العراقي برهم صالح في كيفية صياغة رد على سؤال وُجّه له خلال مؤتمر بحثي في بغداد أمس حول كلام ترامب، فذكّر بأن القوات الأميركية موجودة في العراق بموجب اتفاق بين البلدين، إلا أنه أضاف أن "ترامب لم يطلب إذناً من العراق لوجود عسكري أميركي لمراقبة إيران". وأضاف أنه ينتظر ورود توضيح بشأن أعداد ومهمات القوات الأميركية في العراق، مؤكداً رفض بلاده استخدامها منطلقاً للاعتداء على دول أخرى، وذلك ما يمنعه الدستور العراقي.
من جهته، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عقب تصريحات ترامب، عن تسلّم رئاسة البرلمان مقترح مشروع قانون بسحب القوات الأجنبية من العراق موقّعاً من 52 نائباً، مشيراً إلى أن الرئاسة ستبحث تمرير القانون. وقال الحلبوسي، في تصريح له على هامش مشاركته في المؤتمر البحثي في بغداد، إن "رئاسة مجلس النواب تسلّمت مقترح مشروع قانون موقّعاً من قبل 52 نائباً من مختلف الكتل السياسية لسحب القوات الأجنبية وتنظيم وجودها في العراق"، وأضاف أن "ملف الوجود الأجنبي في العراق بحاجة إلى إيضاح من الحكومة، كون مجلس النواب لا يعلم بتفاصيل وجودهم ومهامهم بشكل تفصيلي".
والطلب المقدّم إلى البرلمان هو بهدف تحديد موعد بقاء القواعد والوجود الأميركي في العراق، بالإضافة إلى "توجيه السؤال إلى القائد العام للقوات المسلحة عن عدد القوات العسكرية والقواعد في العراق".
تصعيد سياسي وأمني
شهدت الساعات الماضية، أكبر تصعيد سياسي عراقي وأمني تجاه وجود القوات الأميركية في البلاد منذ عام 2011. فقد تسابق مسؤولون عراقيون على شجب تصريح ترامب، الذي قال فيه إن "الوجود العسكري الأميركي في العراق أمر مهم، لمراقبة إيران، لأنها تمثّل مشكلة حقيقية". وعبّرت غالبية الأحزاب السياسية عن رفضها لهذا المنطق الذي "استهتر" بالقوانين الدولية وسيادة البلدان، وصدرت، حتى مساء أمس الإثنين، أكثر من 10 بيانات ونحو 30 تصريحاً لقوى وشخصيات سياسية عراقية مختلفة، رافضة تصريح ترامب، ومدافعة عن "سيادة العراق"، معتبرة أن المواقف السياسية والتحركات العسكرية الأميركية الأخيرة في الأراضي العراقية، تمثّل "انتهاكاً للسيادة العراقية"، و"تحدياً صارخاً للإرادة السياسية الحرة الهادفة إلى تحييد العراق عن أي صراع إقليمي، وتجنيب الدولة خوض حرب بالوكالة عن إرادة ومصالح من لا يريد بالعراق والمنطقة خيراً".
كذلك علمت "العربي الجديد" أن عدداً من قادة فصائل "الحشد" البارزة والقريبة من طهران، سيعقدون لقاء، اليوم الثلاثاء، لبحث ما يمكن اعتباره موقفاً موحداً من تصريحات ترامب والوجود الأميركي، وتسليم رئيس الحكومة مطلبهم النهائي حيال الملف. وبحسب مصادر مقربة من "الحشد الشعبي"، فإن بعض قيادات "الحشد" اقترحت تحديد جدول زمني تلتزم به الحكومة لإنهاء الوجود الأميركي في العراق قد يكون سبيلاً لوقف التصعيد الكلامي الحالي والتحركات العسكرية على الأرض بالنسبة لفصائل مسلحة مختلفة.
ميدانياً، قال عقيد في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، أمس الإثنين، إن فصائل "الحشد" زادت من عديد قواتها في الأنبار إلى الضعف، وتتجمّع حالياً في مناطق هيت والرطبة والقائم ومناجم الفوسفات والكيلو 160 غرب الأنبار، وكلها قريبة من قاعدة عين الأسد التي يوجد فيها "المارينز"، إضافة إلى موقع قرب المدينة السياحية في الحبانية غربي الفلوجة، على بعد نحو 15 كيلومتراً فقط من قاعدة التقدّم ومطار الهضبة العسكري الذي يحتوي على قوات أميركية أيضاً. وبحسب المصدر ذاته، فإن عديد الفصائل الموجودة يبلغ أكثر من 15 ألف عنصرـ جميعهم ضمن "الحشد الشعبي"، موضحاً أن هذا العدد هو الأعلى منذ معركة استعادة مدينة القائم نهاية عام 2017، لافتاً إلى أن أغلب تلك الفصائل معروفة بقربها من إيران، كاشفاً عن أن التحقيقات التي أجرتها مديرية الاستخبارات العسكرية في الفرقة السابعة في الجيش العراقي خلصت إلى أن محاولة قصف قاعدة عين الأسد بالصواريخ، نهار السبت الماضي، لم تكن من قبل تنظيم "داعش"، بل جهة أخرى.
543 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع