منازل "العقول" في بغداد تتحول إلى متاحف ومراكز ثقافية

شفق نيوز- بغداد:تفخر الأمم والشعوب بتخليد عظمائها ومبدعيها عبر إقامة النصب والجداريات، وإطلاق أسمائهم على الشوارع والساحات، في دلالة على عمق العلاقة بين الفكر ومنجزاته وبين الذاكرة الجمعية للشعوب التي تستمد من تاريخها وحضارتها أسباب الفخر والاعتزاز.

وفي العراق، ولا سيما في العاصمة بغداد، برزت أسماء لامعة تركت بصمات لا تُمحى في الوجدان العربي والعالمي، من بينهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والعلّامة الشيخ أحمد الوائلي والعلامة أحمد سوسة، والمفكر الاجتماعي الدكتور علي الوردي، وغيرهم من القامات الفكرية والأدبية التي صنعت مجدًا معرفيًا ظل أثره ممتدًا إلى اليوم، كما تزخر بغداد ببيوت وقصور تراثية كانت يومًا ما حافلة بالحياة، شاهدة على مراحل مختلفة من تاريخ البلاد.

وفي هذا الإطار، أطلقت أمانة بغداد مبادرة نوعية تمثلت في استملاك عدد من دور العلماء والمفكرين والبيوت التراثية، وإعادة تأهيلها وتطويرها وفتحها أمام الزوار لتتحول إلى منتديات ثقافية نابضة بالحياة خطوة وصفت بأنها جديرة بالاهتمام، كونها تمثل إحياءً لذاكرة بغداد الثقافية وترسيخًا لمكانتها كحاضنة للإبداع والفكر.

وعن هذه المبادرة، كشف المتحدث باسم أمانة بغداد، عدي الجنديل، عن استحداث قسم في المديرية العامة للعلاقات والإعلام في الأمانة، وهو (قسم الشؤون الثقافية)، يعنى بالبيوت التي كانت تسكنها شخصيات مرموقة ومؤثرة في المجتمع".

وأضاف الجنديل، لوكالة شفق نيوز، أن "لأمانة بغداد دور في اعادة تاهيل بيوت المفكرين والادباء والعلماء وتحويلها الى منتديات ثقافية ومتاحف ومعارض ومراكز ثقافية تجذب الزوار المحليين والعرب والأجانب"، مؤكداً ان "الهدف من ذلك هو تنشيط السياحة وتعريف المجتمع والسائحين بدور هؤلاء المفكرين والعلماء والشخصيات المؤثرة".

وبحسب الجنديل، فإن "احدى اجراءات امانة بغداد بهذا الخصوص، قيامها باستملاك هذه الدور لتكون مركز اشعاع فكري تعكس هوية بغداد الثقافية"، لافتاً الى "استملاك امانة بغداد لدار شاعر العرب الاكبر (الجواهري) من أسرته عام 2011 ، وإجراء عمليات تأهيل الدار وتطويرها".

وأشار إلى افتتاح بيت الجواهري عام 2022، ويضم حالياً معرضاً لممتلكات الشاعر ودواينه وصوره الشخصية، إضافة إلى اطروحات الطلبة المتعلقة بشعر الجواهري التي حصلوا خلالها على شهادات الماجستير والدكتوراه، فضلاً عن توثيق مراحل حياة الشاعر".

وتحولت دار الجواهري، منذ سنوات إلى فضاء ثقافي مفتوح تحتضن بين جدرانها الندوات والجلسات الفكرية والقراءات الشعرية، لتصبح ملتقى للأدباء والمفكرين والمثقفين من مختلف التوجهات.

وباتت هذه الدار التي فتحت أبوابها أمام الزوار من داخل العراق وخارجه، منبراً للمعرفة والحوار حيث تشهد تنظيم فعاليات متنوعة في الأدب والفن والثقافة، لترسخ مكانتها كإحدى أهم المنارات الثقافية في بغداد.

ولفت الجنديل، إلى "وجود مبادرة مماثلة، اذ تم إعادة تأهيل وتطوير بيت الخطيب والعلامة الشيخ احمد الوائلي بمدينة الكاظمية بعد استملاكه عام 2014، وافتتاحه عام 2024"، ويضم بيت الوائلي الذي تحول الى منتدى فكري وثقافي، العديد من مؤلفات الشيخ الوائلي، وعدد من المقتنيات.

يحتضن بيت الوائلي في الوقت الحاضر، الامسيات الثقافية والادبية، فيما اصبح البيت يستقطب الزوار والمثقفين من داخل العراق وخارجه، وتقام فيه الفعاليات والانشطة المتنوعة، اضافة الى جلسات تصوير لبعض القنوات الفضائية والتي يتم خلالها استضافة ناشطين معنيين بإحياء التراث البغدادي.

ووفق المتحدث باسم امانة بغداد، فإن "الهدف من إعمار بيوت الشخصيات وجعلها منتديات ثقافية هو التعريف بمنجز الثقافة العراقية وتعزيز قيم التعايش السلمي"، منوهاً، بأن "لأمانة بغداد مشاريع مستقبلية لاحياء البيوت التراثية، إذ تم استملاك بناية القصر الابيض التراثية التي يعود انشاؤها الى عام 1934، وتسعى الامانة حالياً لإعادة تأهيلها وتطويرها، ليكون القصر الابيض التراثي احد مراكز الاشعاع الفكري في العاصمة بغداد".

كما نبه الجنديل، إلى وجود دارين تراثيين في شارع حيفا ، كانا يستخدمان من قبل القوات الامنية، وتم اخلاؤهما وسيتم تأهليهما وتطويرهما، فضلا عن سعي الامانة لاستملاك دار المعمارية زها حديد، وبيت رئيس الوزراء الاسبق محمد فاضل الجمالي، وبيت الاديب الدكتور حسين علي محفوظ، وبيت الدكتور علي الوردي"، مشيرا إلى أن "جميع هذه البيوت تقع ضمن الرؤية المستقبلية لأمانة بغداد في استملاكها وإعادة تأهيلها".

ووضعت مبادرة "نبض بغداد" التي أطلقها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في وقت سابق، الحجر الاساس، لإحياء الشوارع والبيوت التراثية وبيوت المفكرين والعلماء والادباء، التي اسهمت وزارة الثقافة وأمانة بغداد ورابطة المصارف بإعادة تأهيلها.

إلى ذلك، أشار إياد كاظم، مدير عام التراث في هيئة الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة العراقية، إلى وجود نوعين من الابنية التي تم ترميمها، ومنها تسعة ابنية تعود ملكيتها إلى وزارة الثقافة، وقد تم ترميم بعضها، فيما سيكتمل بعضها الآخر خلال الفترة المقبلة.

وذكر كاظم، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "مجموع الأبنية الأخرى التي شملتها اعمال الترميم ضمن مبادرة نبض بغداد، وبالتعاون مع رابطة المصارف، وضمن المراحل الثلاث الاولى، بلغت 150 موقعاً بين بيت ومحل، ومن بينها شارع الرشيد وشارع المتنبي ومحمود السراي".

وبين أن "هناك 10 مساجد تراثية تم ترميمها واعمارها بالتعاون مع الوقفين الشيعي والسني"، مؤكدا اكتمال اعمال الترميم في بعض المساجد، فيما ما يزال بعضها قيد الترميم، ومنها مرقد السفير الثاني في منطقة السراي.

وفتح إعمار وتأهيل بيوت المفكرين والمواقع التراثية الأفق واسعاً أمام إعادة احياء التراث البغدادي، والشخصيات الفكرية التي تركت بصماتها في خارطة الإبداع العالمي.

في مقابل ذلك، أكد الاديب والمختص بالتراث علي ورد، لوكالة شفق نيوز، أن عبق الحياة يطل علينا من خلال التراث العراقي والشخصيات المعطاءة في مختلف المجالات العلمية والدينية والثقافية والسياسية.

ورأى ورد، أن "بيت الشاعر الجواهري اصبح محطة جذب للزوار العراب والاجانب، فضلا عن الزوار العراقيين الذين يقصدونه من مختلف المحافظات، اذ تتم فيه استضافة ادباء ومفكري العراق من جنوب البلاد وشماله"، منوها بأن "النهضة العمرانية التي تشهدها بغداد، وخاصة في مجال إعادة تأهيل وإحياء التراث، تعكس الق وعمق الثقافة العراقية، وتدفع الى استذكار تاريخ الحضارة والتراث العراقي المشرق بالابداع والاخوة والتعايش السلمي بين مختلف المكونات الاجتماعية".

ويتفاعل العديد من المواطنين مع المبادرات الرامية الى اعمار التراث وفتح شوارع بغداد، بما ينسجم مع ماضيها الحافل بالجمال، حيث ترى المواطنة رشا العبيدي، أن "من الضروري امتلاك هذه الدور من الجهات المتخصة حتى لا تتحول فيما بعد الى مطاعم او كافيهات"، مؤكدة أن "حملات الاعمار والتأهيل وإعادة فتح الشوارع والمواقع الاثرية، وان كانت متأخرة ، لكنها جيدة".

فيما تجد المهندسة المعمارية لمى محسن، في حديثها للوكالة، أن "استعادة التراث بنمط عصري امر رائع لتواصل الاجيال الجديدة مع التراث البغدادي".

وبصفتها مهندسة معمارية، لمست لمى "البصمة العصرية في البيوت التراثية التي تم إنجازها"، من دون ان تمس الاسس العمرانية الاصيلة لتلك البيوت، ما يدل على حنكة ومعرفة المهندس العراقي في التعامل مع اعادة بناء البيوت التراثية، بحسب قولها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

494 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع