فنجان قهوة مع ألكاتب ألصحفي ألكبير ألاستاذ أمير ألحلو

  

         فنجان قهوة مع ألكاتب ألصحفي ألكبير ألاستاذ أمير ألحلو  

           

                   

                           إيمان البستاني

                        

                

ضيفنا هذه ألحلقة ياسادة ياكرام لايكفي معه فنجان قهوة بل قهوتنا ستكون كافية  لمضيف شيخ..!!

      

كان أسمه يطالعنا كل صباحات ألاربعاء ...كعطر قداح حديقة دارنا أيام كنا نتكئ على ألوطن ... مجلة ألف باء ....تلك ألمجلة ألتي كان ألكل حريص على تصفحها من ألغلاف ألى ألغلاف....كان يرأس تحريرها لاأكثر من عشر سنوات...
أنه أمير ألصحافة ألكاتب ألصحفي وألاعلامي ألكبير ألاستاذ أمير ألحلو ...

 مواليد ألنجف ألاشرف ١٩٤١, بكالوريوس اقتصاد /جامعة بغداد , خريج معهد التدريب الاذاعي في القاهرة 1966, مدير الاذاعة العراقية 1967  و رئيس تحرير مجلة الف باء 1991-2002
الحديث مع أمير الحلو مزيج من تفاصيل تجربة عريضة وملونة واستعادة لذكريات مهنية وشخصية وقصص عن زملاء وحوادث، نرصد مواقف سياسية واجتماعية مختلفة تمثل صفحات من تاريخ الصحافة العراقية، فضلا عن دلالاتها الاجتماعية والسلوكية لضيفنا ألاستاذ أمير الحلو وزملائه المغرمين بمهنة المتاعب..

      
   اميرالحلو هو الابن الصغير للمعلم المعروف سيد جواد الحلو

اما الابن الكبير فهو الفنان التشكيلي سمير الحلو الذي مات سنة 1962 في حادث سير قرب المحمودية وهو في عز شبابه وعطائه  فبقى والده حزيناً جداً وطلب إحالته على التقاعد..
جده لوالده رجل  معمم مناهض للانكليز وكان احد الذين وقعوا عريضة الاحتجاج على الحصار الانجليزي للنجف عام 1920والعريضة محفوظة في المتاحف الوطني للوثائق ببغداد..
أما جده لأمه فهو أية الله السيد عبد الرزاق الحلو الذي ذكره  د. علي الوردي في الجزء الثالث من كتاب (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق المعاصر) وكان احد ثلاثة معتمدين لدى السيد محمد سعيدالحبوبي عند اعلانه الثورة ضد احتلال الانجليزي لجنوب العراق عام 1915 وهم السيد محسن الحكيم والسيد محمد رضا الحلو والشيخ علي الشرقي..
      

أهلا وسهلا أستاذنا ألكبير في موقع مجالس حمدان الثقافية ولنا ألشرف بأستضافتك أليوم ...لنبدأ من ألبداية كيف كانت سنين ألطفولة؟؟؟

   

تحية شكر وتقدير
ولدت في النجف عام 1941 وأكملت دراستي الثانوية فيها وقد إنتميت عام 1955 الى منظمة الشباب القومي العربي التابعة الى حزب الاستقلال ثم انتميت الى حركة القوميين العرب بعد ثورة 14 تموز1958 حتى وصلت عام 1963 الى عضو في قيادتها في العراق...لم تكن طفولتي كأقراني فقد أتجهت الى القراءة ومحاولات الكتابة حتى أنني أكملت قراءة جميع كتب المكتبة الحكومية المركزية في النجف في سن مبكرة..كان والدي معلما ووضعنا متوسط ولكني تشبعت بالافكار التقدمية خارج نطاق العائلة

       

هل تحكي لنا عن بدايات ١٩٦٣ حيث تقول أنك تدربت على يد ألشهيد غسان كنفاني ....ماهي ألقصة ؟؟.
في عام 1963 أصدرت حركة القوميين العرب التي انتمي الى قيادتها جريــــدة باسم ( الوحدة) ورئيس تحريرها الشهيد باسل الكبيسي الذي اغتاله الموساد في باريس كما اغتال غسان كنفاني في بيروت .
لم تكن لدينا خبرة في العمل الصحفي فطلبنا من قيادتنا فـــي بيروت مساعدتنا فأرسلوا لنا غسان كنفاني ومحمد تشلي ، وكنت أراقب غسان وهو يكتب ويحرر ويخط ويرسم بطريقة عجيبة ، فالتصقت به وتعلمت كيف نفعل من ( الحبّة قبّة ) فقد كان يحصل على خبر صغير فيحوله الى تحقيق طويل من خلال خلفية الخفر وشخوصه وصوره وغيرها ، ولكن الجريدة أغلقت بعد ذلك وجرى ضرب الكبيسي ثم اعتقالنا وغادر غسان الى بيروت حيث أصبح رئيس تحرير جريدة المحرر.

                           
 ألاستاذ أمير ألحلو عضو قيادة حركة القوميين العرب في العراق 1963/1966 ....كيف كانت ألبداية؟؟
انتميت الى حركة القوميين العرب عام 1958 بعد الثورة وكنت قبلها عضوا في منظمة الشباب القومي العربي التابعة لحزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبّة .
وقد تدرجت في العمل الحركي الى ان وصلت عام 1963 الى عضو قيادة العراق وقد حضرت المؤتمرين القوميين للحركة في بيروت عامي 1964 و 1965 واستدعيت الى كلية الضباط الاحتياط فأنقطعت عن العمل .

كيف كانت فترة بداية التنظيم أستاذنا ألعزيز؟؟
تقرر خلال مؤتمر عمان اوائل عام 1954 تأسيس فروع للحركة في الاقطار العربية ترتبط بالتنظيم القومي المركزي.

        

وكلف حامد الجبوري ( عراقي من عشائر الجبور في الفرات الاوسط وخريج الجامعة الامريكية في بيروت ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية واحد اعضاء الخلية المؤسسة للحركة في بيروت ) ، وصالح شبل ( فلسطيني يزاول الاعمال التجارية ) بتأسيس فرع بشكل جنيني للحركة في العراق عام 1955 وقد استثمرا علاقاتهما الشخصية في تكوين عدة خلايا بسيطة ضمت بعض العراقيين والفلسطينين . وعندما حضر الشهيد باسل الكبيسي الى بغداد عام 1956 بعد انهاء دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الامريكية تعزز وضع الحركة التنظيمي بحكم سعة دائرة علاقات باسل الاجتماعية .

وكان ابنا لاحد الشخصيات المعروفة في العهد الملكي وهو المرحوم رؤوف الكبيسي مدير الاوقاف العام في العراق ، وكما ان عائلته ترتبط بعلاقات المصاهرة والقرابة بعدد من العوائل العربية والكردية المعروفة ، ومع ان باسل كان رافضا لكل ما قد يرتب عليه هذا الوضع الاجتماعي من ( امتيازات) وكانت شخصيته من النوع الثوري والمناضل العنيد ، الا ان معارفه من الشباب القومي آنذاك كانوا مادة صالحة للتنظيم في الحركة كــغازي القصاب وزهير رايح العطية وعدنان الكيلاني وموسى الجلبي ، كما ان علاقاته الواسعة وخصوصا في منطقة الاعظمية تمخضت عن تكوين عدة خلايا تنظيمية ، وامتد نشاطه الى بعض ضباط الجيش العراقي واستطاع تنظيم بعضهم.
ويمكن القول ان اوضاع الحركة التنظيمية في الفترة التي سبقت 14/ تموز / 1958 كانت بسيطة ومحدودة تعتمد على العلاقات الاجتماعية لاعضائها ، لذلك لم يكن اسمها بارزا في الشارع بالرغم من بعض المشاركات الجماهيرية التي ساهم فيها المنتظمون كالمظاهرات التي صاحبت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، والاعتصام في كلية الاداب ، حيث كان باسل الكبيسي عضوا في اللجنة المشرفة على الفعاليات الجماهيرية المعارضة ، ويظهر انه اراد تطوير تلك الفعاليات ، فقد تحطمت سيــارة باسل في 18 آذار / 1956 في باحة قصر الزهور الملكي بسبب متفجرات وضعت في السيارة التي كانت معدة لمرافقة الوفدين الاردني والعراقي الى المطار بعد الاتحاد الهاشمي ، وكان باسل موظفا في وزارة الخارجية. ولكنه استطاع ابعاد التهمة عنه ، وقد تم ابعاد صالح شبل من العراق وبقي حامد الجبوري وباسل الكبيسي قطبي الحركة في تلك الفترة.

   

وماذا بعد بعد 14 تموز 1958؟؟
كان من الواضح من تشكيلة مجلس السيادة والوزراء التي اعلنت يوم 14 تموز 1958 ان العسكريين الذين نفذوا الحركة العسكرية ، قد اشركوا القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية في الحكم ، وهي حزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الوطني الديمقراطي وشخصيات كردية معروفة ، وعناصر محسوبة على الحزب الشيوعي .

وبعد فترة قليلة ارسلت قيادة الحركة السيد هاني الهندي الى بغداد ليساعد القيادة المحلية على رسم خطة عمل جديدة في العراق .

ويقول باسل الكبيسي في اطروحته عن حركة القوميين العرب ان وجود هاني كان مفيدا في دفع هذا التنظيم الى امام ، فنمن ناحية وافق على توجيه القيادة المحلية بالظهور باسم محدد ، وهكذا اطلق اسم حركة القوميين العرب لاول مرة على القوميين العرب الذين طالما اعتبروا خطأ من اتباع حزب الاستقلال ، وكانت هذه هي الخطوة العملية الاولى التي ساعدت الحركة الناشئة على اظهار وجودها كتنظيم سياسي مستقل ، كما قام هاني الهندي بالتخطيط من اجل قيام التجمع التقدمي الذي حقق تحالف كافة القوى القومية الموجودة على الساحة ، ووافق هاني على توصية القيادة المحلية الداعية الى السماح لها بالعمل في صفوف الجيش . وتشير التقديرات الى ان حجم التنظيم يوم قيام ثورة 14 تموز 1958 كان عشرين عضوا في اقل التقديرات وسبعة وعشرين عضوا في اقصاها ، كان البعض منهم لما يزل مقيما في بيروت . وقد جرى تعزيز القيادة المحلية بشكل كبير ومؤثر من قبل المركز فقد التحق بالقيادة السيد سلام احمد بعد ان انهى دراسته في الجامعة الامريكية في بيروت
( علوم سياسية ) وتفرغ للعمل التنظيمي واستلم مسؤوليات قيادية هامة منها مسؤولية الموصل ،..

                         

كما التحق بالقيادة الاقليمية السيد نايف حواتمة ( اردني ) ، ولما يملكه من خصائص نضالية وتنظيمية فقد مثّل وجوده في القيادة الاقليمية ثقلا كبيرا ساعد على تركيز القواعد التنظيمية ومن ثم التوسع في التنظيم والقيام بممارسات نضالية على الساحة والتعريف بالحركة بشكل واضح وواسع وقد استلم مسؤوليات تنظيمية متعددة منها في بغداد والموصل والفرات الاوسط .

وللواقع نقول ان نايف حواتمة قد لعب دورا كبيرا في بروز فرع العراق تنظيميا ونضاليا ، وعلى الرغم من وجوده غير القانوني في العراق فقد كان يشارك اعضاء الحركة في الجلوس في مقاهيهم ومناطقهم الشعبية ، كما قاد عدة مضاهرات بنفسه ولم يتوان عن الصعود فوق الايدي للهتاف وترديد الاناشيد القومية بلهجته غير العراقية .
والتحق بقيادة الاقليم كذلك السيد عمر فاضل الذي استلم مسؤوليات تنظيمية في الكرخ في بغداد ، وفي النجف وكان شخصية هادئة ومحبوبة من الجميع ، وجرى تعزيز القيادات الوسطية بعناصر كفؤة وديناميكية ومنهم السيد عبد الحليم حربي ( لبناني ) والسيد ابراهيم قبعة ( فلسطيني ) . فعملوا مع القيادات الوسطية العراقية التي نضجت وامتدت وتوسعت تنظيماتها ومنهم السادة كامل الجزائري وكاظم كلو ومحمد علي الرماحي وعبد الامير الوكيل .

وكانت اغلبية القيادات العراقية الجديدة وتنظيماتها قد جاءت من اوساط شعبية خلافا للحلقة الاولى التي مثلت ابناء بعض العوائل العراقية الراقية والثرية .

كيف توسعت دائرة ألعمل ألتنظيمي وكيف برز أسم ألحركة؟؟
لابد من تأشير حقيقتين في الاوضاع السياسية العراقية والعربية ساعدتا على ذلك :
الاولى : التطورات السياسية في العراق واحتدام الصراع الشديد بين التيار اليساري الذي مثله الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وبدعم مباشر من عبد الكريم قاسم ، والتيار القومي الذي مثله حزب البعث العربي الاشتراكي ، وحزب الاستقلال وحركة القوميين العرب وبعض التنظيمات القومية الصغيرة .

                                             
                           رشيد عالي الگيلاني

وقد اصبح ذلك الصراع دمويا وقاسيا وحادا وخصوصا بعد اقالة عبد السلام عارف من مناصبه ومحاكمة رشيد عالي الكيلاني ثم فشل ثورة الشواف في الموصل واعدام عـــدد كبير من الضباط القوميين ، واستقالة القوميين والبعثيين من مجلس السيادة ومجلس الوزراء مع اعتقالات واسعة لمختلف عناصر التيار القومي .

هذه الحالة مثلت تحديا كبيرا امام الفئات القومية واصبحت بحاجة الى وسائل عمل سرية ونضالية في آن واحد لتفادي المواجهة والحماية ، وكان وضع القوميين المنتمين الى حزب الاستقلال قــلقا بسبب ان الحزب المـذكور لا يعتمد وسائل سرية ومحكمة في تنظيمه ، ولا تتحقق اجتماعات حقيقية او دورية بين كوادره ، كما ان جماهيره تفتقد التنظيم الحقيقي الذي يمكن ان يمدهم بالتماس المطلوب مع الاحداث السياسية المتلاحقة وسبل مواجهة التحديات ، لذلك فأن كوادر حزب الاستقلال اصبحت تواجه فراغا تنظيميا ، فاتجه العديد والكثير منها الى حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب بالدرجة الاولى ، كما ان هذين التنظيمين تحركا بشكل مثابر على تلك الكوادر لضمها الى تنظيماتها ولا غرابة في القول ان اكثر عناصر حركة القوميين العرب التي انتهت في تلك الفترة كانت من شباب حزب الاستقلال ومن الامثلة على ذلك ما حدث في مدينة النجف التي كان وجود حزب الاستقلال وواجهته منظمة الشباب القومي العربي قويا وفاعلا ، اذ قامت المنظمة المسؤولة عن الطلبة والمتكونة من عبد الاله النصراوي وامير الحلو وعلي كمونة وعلي منصور بالانتماء الى حركة القوميين العرب التي كانت منظمتها في النجف تتكون من اربعة او خمسة اشخاص والتحق الثلاثة الاُول بالتنظيم القيادي وتمكنوا من كسب اعداد كبيرة من الطلبة وغيرهم بحيث اصبح تنظيم الحركة في النجف بعد ذلك واسعا وشارك في جميع الاحداث التي وقعت في النجف خلال فترة حكم عبد الكريم قاسم وما بعدها ، وكان ارتباط قيادة النجف مع السيد عبد الامير الوكيل ( مدرس ثانوية ) في كربلاء وهو من اوائل من التحق بتنظيم الحركة في العراق كما تمكنت منظمة النجف من مد تنظيمها ومسؤولياتها الى مدن الكوفة والديوانية والشامية وخان النص،واصبحت من اهم معاقل الحركة في العراق .

           

الثانية : ويمكن تحديد فترتها في اواخر عام 1959 عندما ظهر الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وحزب البعث العربي الاشتراكي على السطح وتقديم الوزراء البعثيين استقالاتهم في الاقليم السوري ، فقد كانت اكثر الجماهير القومية في مختلف تنظيماتها ناصرية في انتمائها وولائها العفوي والحقيقي ، لذلك فأن عمليات الكسب الجديد بالنسبة لحركة القوميين العرب كانت تعتمد على اتجاه القوميين الى الانضواء تحت لواء تنظيم قومي ناصري ، وكانت تلك سمة حركة القوميين العرب آنذاك ، ونستطيع القول ان اكثر المنتمين الى الحركة كانوا ناصريين اختاروها بدلا من حزب البعث العربي الذي اختلف مع عبد الناصر وحتى عندما بدأ مركز الحركة يطرح عبر مجلة (الحرية) ونشراته آراء مختلفة عن سياسة عبد الناصر خصوصا بعد نكسة الانفصال في 28 ايلول 1961 ، فعندما كانت الحركة تقوم بنشاطات جماهيرية كانت جماهيرها تهتف لعبد الناصر وترفع صوره بشكل عفوي غير متقيدة بالشعارات التي وضعتها القيادة ، ولا بالمناسبة التي جرى التظاهر من اجلها وبقيت هذه الحالة ترافق عمل الحركة في العراق ولم تكن الانتقادات الجادة لسياسة عبد الناصر تعمم بشكل واضح على جميع المستويات ، واقتصرت على العناصر القيادية بمستوياتها المختلفة
وقد كانت القوى القومية تساهم بشكل متعاون من خلال الجبهة القومية في النشاطات الجماهيرية والنقابية كانتخابات نقابة المعلمين والطلبة. وكانت تضم حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب ووجوه تقليدية من حزب الاستقلال .كما اصدرت بيانات ضد نظام عبد الكريم قاسم بأسم الجبهة القومية ولكن هذه الجبهة بصفتها الائتلافية انهارت بعد انسحاب الحركة منها وذلك بسبب الانفصال السوري عام 1961 وتوقيع السيدين اكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار على وثيقة الانفصال.ولا شك ان هذا الانسحاب من الجبهة جاء نتيجة العلاقات الوثيقة مع عبد الناصر، وترافق الانسحاب مع انشقاقات قامت في حزب البعث والتي مثلها فؤاد الركابي في العراق وعبد الله الريماوي في الاردن . و ترتب على انسحاب الحركة من الجبهة القومية انهيار((اللجنة القومية العليا للضباط الاحرار )) وانشقاقها الى لجنة بعثية ولجنة قومية او ناصرية متحالفة مع حركة القوميين العرب*. وكان نايف حواتمة يمثل الحركة في الجبهة القومية.
وتعزيزا لنشاطاتها اصدرت الحركة نشرة بأسم الوحدة كانت تطبع على جهاز الرونيو في بغداد وتوزع على التنظيم داخل العراق وكانت اكثر اعدادها تعبر عن النضال من اجل وحدة العراق الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة ، كما كانت تفضح ممارسات نظام عبد الكريم قاسم المعادية للوحدة والتيار القومي ، ولغرض نشر اسم الحركة كان التنظيم ينظم حملات للكتابة على الجدران ويبرز اسم الحركة تحت الشعارات ، كما ان المناطق التي كان للحركة وجود فاعل فيها شهدت رفع لافتات كبيرة وبشكل علني بأسم الحركة ومنها منطقة الكرخ .
(يذكر اسم المسؤول عن الطباعة ومن يشاركه في ذلك .. واذكر ان باسل الكبيسي وعدنان الشطب وسهام المتولي كانوا يشرفون على الطباعة . وقد ذهبت عام 1962 مع باسل الكبيسي في سيارته التي يقودها الضابط شهاب الاعظمي الى النجف لنقل جهاز طابعة مع رونيو لمنظمتها ).
كما كانت تصدر بأسم حركة القوميين العــــــرب في العـــــراق كراســـات ( اعتقد انها تطبع خارج العراق ) حول الوحدة العربية ومعارضة شعار الحزب الشيوعي العراقي حول الاتحاد الفيدرالي.
            
* حركة القوميين العرب – محمد جمال باروت

كيف كان واقع التنظيم في تلك الفترة و ما دور نايف حواتمة وسلام احمد؟؟

                     
بعد ان رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار مشاركته في الحكم بشكل علني ، وبعد ان زاد تدخل المقاومة الشعبية التي يسيطر عليها الشيوعيون في شؤون الحكم والناس وزيادة وزنها كتنظيم عسكري واصطدامها مع اختصاص الجيش والاجهزة الامنية ، بدأ عبد الكريم قاسم بأتخاذ اجراءات خفف من خلالها الضغط على التيار القومي وذلك بأطلاق سراح اعداد كبيرة منهم ، ومن بينهم البعثيين الذين حاولوا اغتياله ، خصوصا بعد شعوره بالاطمئنان النسبي نتيجة الانفصال السوري ، كما جرى السماح بصدور بعض الصحف القومية كالحرية والحياد الايجابي وبعض المطبوعات التي تهاجم الشيوعين ودورهم في احداث الموصل وكركوك .

وبالمقابل شدّد قاسم الضغط على الشيوعين وجرت اعتقالات في صفوفهم ، كما شجع على فك التعاون بينهم والحزب الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي ، كما اجاز حزبا شيوعيا صوريا بقيادة داود الصايغ ومنحه امتياز جريدة يومية .
في هذا الجو السياسي بدأت القوى القومية بنشاط علني واسع النطاق ، كان حذرا في البداية من الاصطدام بشكل مباشر مع عبد الكريم قاسم تشجيعا له على المضي في صدامه مع الشيوعين . ويمكن القول ان نشاط الحركة التنظيمي قد استفاد كثيرا من هذا الجو المنفرج نسبيا ، فبدأ التوسع في التنظيم افقيا وعموديا ، فعلاوة على بغداد التي تركز النشاط فيها في منطقة الكرخ فأن تنظيم الموصل قد حضي باهتمام القيادة وتناوب عليه
نايف حواتمة وسلام احمد ، وكذلك تنظيم الفرات الاوسط ( النجف – كربلاء – الحلة-الديوانية ) اذ اصبح التنظيم في النجف قويا جدا واخذ يمد نشاطاته الى المدن والقرى القريبة وقد تناوب على الارتباط به من القيادة نايف حواتمة ، وعمر فاضل .

كما ان التنظيم العمالي قد توسع كثيرا وكان لــهاشم علي محسن دور كبير في تعزيز هذا التنظيم ووقوفه منافسا للتنظيمات العمالية العريقة في العراق كالشيوعيين والبعثيين .
وقد كانت الحركة بحاجة الى التعريف بأسمها ووجودها بشكل واسع لدى الناس وابراز خصوصيتها ، وكان من بين الاساليب المتبعة في هذا المجال الطلب من المنتسبين والمؤيدين خط الشعارات بالطباشير والفحم والاصباغ على الجدران في كل مكان مع وضع اسم الحركة عليها بشكل بارز وكذلك استثمار بعض المناسبات الوطنية والقومية لرفع اللافتات من القماش بأسم الحركة في الساحات الرئيسية والشوارع العامة واماكن الاحتفالات ، كما قامت الحركة بتنظيم مظاهرات منفردة انطلقت اغلبها من منطقة الكرخ رفعت خلالها شعارات مكتوبة باسمها وكان اشهرها مظاهرات رشيد عالي الكيلاني ، وكمال الدين حسين / وزير التربية في الجمهورية العربية المتحدة ، واحمد بن بلا ، وكذلك مظاهرة كبيرة خرجت صبيحة يوم 28 أيلول 1961 بعد القاء عبد الناصر لخطابه حول الانفصال في سورية ، حيث عبرت من جانب الكرخ الى شارع الرشيد ومرّت من امام وزارة الدفاع حيث مقر عبد الكريم قاسم ثم توقفت امام سفارة الجمهورية العربية المتحدة في منطقة الكسرة قرب الاعظمية حيث اصطدمت مع الشرطة وتوقفت بالقوة . كما ساهمت الحركة بشكل فاعل في الاضراب الذي حدث احتجاجا على زيادة عبد الكريم قاسم لاسعار البنزين عام 1961 ، وسيطرت على اجزاء رئيسية من منطقة الكرخ واصطدمت مع القوات الحكومية بالسلاح .
كان للمظاهرات والاضرابات التي ساهمت بها الحركة اثر كبير في خروج الحركة الى دائرة النشاط العلني وحصلت اعتقالات عديدة في صفوف منتسبيها ، مما جعل الاجهزة الامنية تهتم بمراقبة نشاطها وكانت بعض النوادي الرياضية كنادي الاعظمية مركزا من مراكز نشاط الحركة ، وكان لباسل الكبيسي دور كبير في ذلك حيث استقطب بعض المثقفين وابناء العوائل المعروفة والعسكريين . وقد اقدمت الحركة على انشاء النادي الثقافي العربي في الاعظمية حيث اخذ يرتاده العديد من المثقفين واساتذة الجامعات وجرى تنظيم سلسلة من المحاضرات والندوات والافلام السينمائية ، ولكن الخطأ الذي حصل في استثمارهذا النادي ، ان عناصر قيادية من الحركة اخذت تتردد عليه بشكل مستمر ، مما لفت انظار الجهات الامنية وباتت تراقب النادي ونشاطاته وروّاده وكان ذلك سببا في مراقبة نايف حواتمة ومن ثم القاء القبض عليه في الوكر الذي كان يسكن فيه مع عبد الاله النصراوي في منطقة الوزيرية .
من الامور التنظيمية المهمة في تلك الفترة اقدام حامد الجبوري عضو قيادة الاقليم على الانشقاق وكالعادة في مثل هذه الامور والحالات فانه يطرح نفسه ومجموعته كممثلين شرعيين للحركة وكان معه اخوه عداي الجبوري و د . عصام السرطاوي (فلسطيني) ويوسف الخرسان وعدد قليل جدا من الاعضاء ، وقد استطاعت القيادة من تطويق هذا الحدث بسرعة وافقاده لاية قيمة تنظيمية ولم يحصل أي تأثير يذكر إلى التنظيم ، وقد عزى الجميع هذا الانشقاق لاسباب شخصية بحتة منها توتر العلاقة بين حامد الجبوري ونايف حواتمة واقدام الجبوري على اطلاق الرصاص على حواتمة مما ادى الى فصله من الحركة وبقرار مركزي .وبعد فترة انضم الجبوري الىحزب البعث ، وانتهى الموضوع وقد انضم الى قيادة الاقليم في تلك الفترة عبد الاله النصراوي وتولى مسؤولية الفرات الاوسط ومهمات تنظيمية اخرى .
كان للحركة نشاطها في الجيش والذي بدأه باسل الكبيسي بحكم علاقاته الواسعة مع بعض الضباط من معارفه وكما هو الحال بالنسبة للتنظيم المدني ، فأن العوامل السياسية التي ذكرناها ساعدت هي الاخرى على زيادة النشاط في صفوف الجيش حيث توسعت دائرة التنظيم والاصدقاء والمؤيدين والمتحالفين من كتل عسكرية قومية كانت قائمة اصلا ، وكان باسل يستثمر العسكريين في مساعدة التنظيم المدني خصوصا في نقل اجهزة الطباعة والمنشورات والاسلحة من مكان لاخر.وفي الحصول على المعلومات عن النظام الحاكم ومنها اوامر القاء القبض اذ كان باسل يحصل عليها قبل تنفيذها وينبّه المشمولين بها ، وكذلك نشاطات الكتل العسكرية الاخرى من صديقه ومعاديه.
ومع توسع التنظيم وظهور بوادر الضعف في نظام عبد الكريم قاسم وتحجيم نشاطات الشيوعيين ، كان لابد لقيادة الحركة من التفكير والتخطيط لاحداث تغيير في النظام تقوده بالتحالف مع اصدقائها ( المعلومات التفصيلية لدى سلام احمد ونايف حواتمة وعبد الاله المنصوري ) .

                

           عبدالكريم قاسم في المستشفى بعد محاولة اغتياله

هل تذكر لنا أن كانت هناك محاولات لأغتيال عبدالكريم قاسم؟؟
اشير الى بعض المحاولات ومنها ارسال مجموعة من اعضاء الحركة الى سورية عام 1959 للتدريب والاعداد لعملية اغتيال عبد الكريم قاسم وقد تهيئات المجموعة لذلك ولكن حزب البعث العربي الاشتراكي اقدم على المحاولة قبل ذلك ، وقد اشار السيد اياد سعيد ثابت عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي انذاك في احد كتبه ان تنسيقا بين البعث وحركة القوميين العرب كان قائما لعملية الاغتيال ، ولكنهما افترقا بعد ذلك وقام كل منهما بالتخطيط بمفرده . اما المحاولات الاخرى فأذكر ان السيد حواتمة قد جاءني بشكل مستعجل مساء احد ايام الشتاء عام 1962 وكنت عضوا في شعبة الكرخ وطلب مني وضع الجهاز تحت الانذار وتهيئة بعض قطع السلاح المخبّأة لدى بعض الاعضاء والاصدقاء ، ثم جلس معي في داري ولم ننم حتى الصباح .

وعند الساعة المحددة لافتتاح اذاعة بغداد في الصباح الباكر قام نايف بفتح جهاز الراديو وبعد ان استمع الى اشارة الافتتاح التقليدية وبدء البرامج المعتادة ، تمتم ببعض الكلمات الغاضبة وطلب مني رفع الانذار وغادر داري غاضبا . وليست لدي معلومات عما كان سيحدث او ماذا حدث بعد ذلك بحكم وضعي التنظيمي .
اما الحادثة الاخرى ، فكما قلت بان نايف حوتمة قد اعتقل في اواخر عام 1962 وكان يسكن في وكر للحركة التنظيمية في منطقة الوزيرية في بغداد مع عبد الاله النصراوي ، وبعد التحقيق معه احيل الى دائرة الاقامة بتهمة الاقامة غير المشروعة في العراق ، وقد خططنا بالتعاون معه لتهريبه من سجن الموقف في بغداد وكان من المؤمل تسفيره خارج العراق ، وكان عبد الاله النصراوي خارج الوكر عند اعتقال نايف وعندما عاد اعتقله رجال الامن الذين كانوا يقبعون داخل الدار ولكنه استطاع اقناعهم بطريقة واخرى بعدم علاقته بالوكر ، فاطلقوا سراحه لقاء رشوة بسيطة وجاء مسرعا ليبقى عندي في داري في الكرخ ، وبعد ايام قليلة وبينما كان احد افراد الامن يحرّك احد مصابيح النيون العاطلة تساقطت من خلفه مجموعة من الاوراق التي تحتوي بيان رقم (1) ويبدأ بعبارة ( ان قواتنا المسلحة عندما تنهي حكم الطاغية عبد الكريم قاسم ……الخ .) وخرج رجال الامن وسارعوا الى مديريتهم لينقلوا الاوراق ، وتم نقل نايف حواتمة الى مديرية الامن العامة.. حيث اشرف مدير الامن العام عبد المجيد جليل على التحقيق معه شخصيا، وللأمانة نقول انه بالرغم من كل وسائل التعذيب التي مورست مع نايف الا انه بقي صامدا ولم يعترف بشيء وبقي مربوطا الى شجرة حتى صباح يوم 8 شباط 1963 وسقوط حكم عبد الكريم قاسم حيث اطلق سراحه بنفسه وعاد ليمارس عمله التنظيمي في تلك الظروف الصعبة مع اعضاء قيادة الاقليم.

ويمكن القول بناءا على المعلومات والوقائع الاكيدة ان قوة العراقيين داخل الجيش كانت كبيرة وفي مواقع مؤثرة ، ولكن هناك نوع من التردد الذي اسماه البعض بـ ( التأني ) في الاقدام على انقلاب يطيح بالسلطة في حين ان البعثيين الذين كانوا اقل عددا وقوة داخل الجيش اقدموا على التفجير في عمــــــلية جريئة صباح 8 شباط 1963 ، وجعلوا القوميين يسارعون الى المشاركة الفاعلة في الصفحة الثانية التي ساعدت في حسم الموقف بعد ان قاوم عبد الكريم قاسم الىظهيرة اليوم التالي.

                               
                        صبحي عبدالحميد

يقول السفير المصري انذاك امين هويدي في كتابه ( كنت سفيرا في العراق ) وقد ايّـد السيد صبحي عبد الحميد ما ذكره السيد هويدي :
( كان القومييون قد اعدوا حركة ضد قاسم في نهاية رمضان 1963 تبدأ باغتياله في نادي الضباط اول ايام العيد ، الا انه البعث قام بحركته في 14 رمضان 1963 ويشير هويدي الى ان الفريق الركن صالح مهدي عمّـاش زار باسل الكبيسي في بيته ونصحه بعدم الاقدام على حركة عسكرية لان عبد الكريم قاسم يعلم بها وسيستغلها لتصفية كل التيار القومي.
هذا وكان باسل الكبيسي وسلام احمد قد تعاقبا على مسؤولية التنظيم العسكري في الحركة .


   

هل كانت ألحركة تصدر مطبوعات ضد عبدألكريم قاسم؟؟
كانت تصدر في تلك الفترة نشرة دورية مطبوعة على الرونيو بأسم الوحدة كانت توزع على نطاق واسع وتتضمن تعليقات واخبار ضد حكم عبد الكريم قاسم .
اما المادة الفكرية التي كانت تقرأ في الاجتماعات الاسبوعية فهي:
1) مع القومية العربية : تأليف الحكم دروزة.
2) اسرائيل : فكرة، حركة، دولة : هاني الهندي ومحسن ابراهيم.
3) في التثقيف القومي .. مركزي.
4) كراسات حركة القوميين العرب المركزية.
5) الشيوعية المحلية ومعركة العرب القومية : الحكم دروزة .
6) مجلة الحرية الاسبوعية.
7) كتب عن القومية العربية : تأليف كتّاب خارج الحركة كساطع الحصري وقسطنطيني رزيق ومنيف الرزاز وغيرهم.
كما ان هناك مرونة لدى المسؤول وخصوصا في الحلقات القيادية في قراءة واعداد تلخيصات لبعض الكتب الخارجية ، واشير هنا الى ان نايف حواتمة كان يشجع على قراءة بعض الكتب الماركسية كما انه يبدي ملاحظات واضحة على بعض المفاهيم التي تطرحها كتب ونشرات الحركة ، وهذا ما يشير اليه الشهيد باسل الكبيسي في اطروحته عن الحركة حيث وردت عبارة نصّها ( كان محسن ابراهيم ونايف حواتمة قد استخدما الماركسية للتحليل منذ عام 1959 وكان لذلك اثره في تقبل بعض القيادين للافكار الماركسية منذ ذلك الوقت.


     


كيف تروي لنا ٨ شباط ١٩٦٣..؟؟
اعلن البعثيون الاضراب في جمــيع المدارس والكليات قبل هذا التاريخ بشهرين تقريبا ، ومن خلال حادثة بسيطة وقعت في احدى المدارس ، واخذ الموقف يتصاعد من خلال المواجهات بين الطلبة وقوات الانضباط العسكري خصوصا بعد اعتصام مجموعة من الطلبة البعثيين في مقر جامعة بغداد ، وقد ساند القوميون البعثيون في اضرابهم في حين وقف الشيوعيون ضده وكان من الواضح ان للاضراب اهدافه الاخرى غير المعلنة وفي مقدمتها ايجاد ازمة حادة مع النظام والمبالغة في اضعافه بعد ان فقد الكثير من رصيده لدى جميع الاطراف ، واستثمار هذا الجو المتوتر لتوجيه ضربة الى النظام ، وكان الجميع يعرفون هذا الهدف لذلك اقدم عبد الكريم قاسم على اعتقال قيادين عسكريين ومدنيين من البعثيين ومنهم الفريق الركن صالح مهدي عماش وعلي صالح السعدي عضوي القيادة القطرية ، وكانت مساهمة القوميين في الاضراب فاعلة ولكن بدون هدف واضح لدى الاعضاء سوى معارضة النظام.

            

وفي الساعة التاسعة من صباح 8 شباط قام البعثيون بقيادة المــــرحوم احمد حسن البكر باحتلال مرسلات الاذاعة في أبي غريب واذاعة البيان رقم ( 1 ) الذي اعلن الثورة ضد قاسم وفي نفس الوقت قامت ثلاث طائرات بقصف مبنى وزارة الدفاع حيث مقر عبد الكريم قاسم الذي جاء من داره الى مقره وبقي اسير مكانه بعد ان وصلت بعض الدبابات وسط مقاومة شديدة من الشيوعيين في الشارع والدفاع المستميت لقوات الانضباط العسكري داخل وزارة الدفاع ، وكلما مضى الوقت ازداد عدد الدبابات والقوات العسكرية التي احاطت بالمبنى من كل مكان وكذلك تصاعد قصف الطائرات وبأعداد اكثر واستمرت المعركة حتى ظهر اليوم التالي 9/2 حيث استسلم قاسم واعدم بعد وصوله الى مبنى الاذاعة .
" بعد نصف ساعة تقريبا من اذاعة بيان الثورة من الاذاعة جاءني الشهيد باسل الكبيسي الى الكرخ حيث كنت مسؤولا عنها وطلب مني اخراج جميع الاسلحة التي لدينا ، واشرف بنفسه على اخراجها حيث وزّعناها على الاعضاء ثم اتجهنا الى مراكز الشرطة في المنطقة وقمنا بالاستيلاء على الاسلحة الموجودة فيها ووزّعناها كذلك على الاعضاء والانصار وذهبنا الى ساحة الشهداء التي تمر بها الدبابات والقوات العسكرية المتجهة الى وزارة الدفــاع ومهما كـانت فائدة ذلك او اهميته على مجرى الامور فأنه دليل تأييد واسناد ، ولكن الاسناد العسكري من جانب القوميين العسكريين كان مؤثرا جدا فقد قام عشرة ضباط بارزين وفاعلين باذاعة بيان في الساعة الواحدة ظهر 8 شباط عن طريق الاذاعة يؤيدون فيه الثورة ويساندونها وكان من بينهم صبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان ، وصدرت قرارات عن المجلس الوطني لقيادة الثورة بتعيين عدد من الضباط القوميين في مراكز حساسة وهم عبد الكريم فرحان آمرا لموقع بغداد وعبد الهادي الراوي آمرا لمعسكر الرشيد ومحمد مجيد مديرا للخطط العسكرية ، كما كلف المجلس هادي خماس ومحمد مجيد بالمساهمة في الهجوم على وزارة الدفاع كما ان اللواء الثامن في الحبانية تحرك بافواجه الثلاثة بقيادة ضباط قوميين ودخل الى بغداد لتعزيز الثورة . كان المجلس الوطني لقيادة الثورة بعثيا عدا عبد السلام عارف ويضم القيادة القطرية للحزب باكملها ، كما ان الحكومة كانت بعثية ولم تضم أي قومي منهم الى التنظيم .
كانت الحركة في تلك الفترة تحتفظ بكامل تنظيمها المدني والعسكري ولم تكن العلاقة مع البعث ودية ولكنها ليست عدائية ايضا يسودها الحذر بسبب العلاقات السابقة وانعكاس العلاقة بين البعث وعبد الناصر على ذلك وبعد ان سمحت قيادة البعث باصدار الصحف اليومية من قبل القوى القومية قررت الحركة اصدار الجريدة اليومية باسم الوحدة تولى الشهيد باسل الكبيسي رئاسة تحريرها وقد ارسلت القيادة من بيروت الشهيد غسان كنفاني والسيد محمد كشلي للمساعدة في اخراجها وقد رافق اصدرها طرح شعارات الوحدة بشكل متباين من قبل البعث من جهة والقوميين من جهة اخرى فقد دعا البعث الى وحدة ثلاثية تضم مصر وسوريا والعراق ، في حين دعا القومييون الى اعادة الجمهورية العربية المتحدة فورا بوحدة مصر وسوريا مجددا ثم ينضم العراق اليها لاحقا ، كما بدأت مباحثات الوحدة في القاهرة في تلك الفترة لذلك تبنت جريدة الوحدة في افتتاحياتها ومقالاتها موضوع وحدة مصر وسوريا وقد لعب نايف حواتمة دورا كبيرا في تحرير تلك الموضوعات ( حادثة الافتتاحية التي يكتبها نايف ) وقد تم اعتقال باسل لفترة قصيرة ثم جرى تعطيل جريدة الوحدة كما اغلق المركز الثقافي العربي وجرت اعتقالات واسعة في صفوف واعضاء الحركة ومؤيديها خلال مباحثات الوحدة بسبب المظاهرات التي قامت بشكل عفوي لتأييد الوحدة فبات من الواضح ان العلاقة قد توترت بين البعث والحركة وزادها اعتقال حواتمة ثم تسفيره خارج العراق ( مجيء هاني ) وقد عززت قيادة الاقليم عضويتها فاضافت امير الحلو وهاشم علي محسن ووليد قزيها بعد ان غادرها نايف حواتمة وقام باسل بتجميد عضويته وسافر الى القاهرة ، وكان سلام احمد مسؤولا عن التنظيم العسكري وكانت القيادة تعقد اجتماعات متواصلة لمواجهة التطورات وفي بداية الشهر الرابع من عام 1963 ابلغ سلام احمد القيادة بأن التنظيم العسكري للحركة وبعض الكتل العسكرية المتحالفة معه متوجسة من الاوضاع وقد بدأ البعث باحالة البعض على التقاعد ونقل الاخرين الى الشمال بعد تجدد الحركات العسكرية ضد الاكراد.

وهناك خشية من فقدانهم لقوتهم ، اضافة الى التطورات السياسية بعد فشل مباحثات الوحدة في القاهرة وبدء حملة اعلامية مبطنة ضد عبد الناصر ونظامه وحلفائه من ( الذيلين ) ….الخ ، وانهم يريدون التخطيط للقيام بانقلاب عسكري وقد تكرر هذا الطلب في جميع اجتماعات القيادة وعند عرض الموضوع على المركز لم يكن هناك تحبيذ لهذه الفكرة ولكن الوضع الحرج الذي كان يهدد بالصدام المباشر والتصفية للتنظيم المدني والعسكري جعل القيادة تأخذ قرارا بالموافقة على الشروع بالاعداد لانقلاب عسكري واعداد خطته والقوات المكلفة بالتنفيذ ، وبمرور الايام الصعبة وبناءا على المعلومات التي تشير الى ان العسكريين قد قطعوا شوطا كبيرا في الاعداد باشرت القيادة في بحث الامور السياسية والداخلية في حالة التنفيذ والنجاح ، لذلك جرى ترشيح اسماء لرئاسة الجمهورية والوزراء بحيث تضم اعضاء من الحركة في مناصب هامة وكذلك حلفائها (1) من العسكريين مع حقائب وزارية لجميع القوى القومية الموجودة في الساحة عدا البعثيين (2) وبعد منتصف شهر ايار بقليل اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة بيانا اعلن فيه اكتشاف مؤامرة على النظام اعدها (الحركيون والذيليون ) وجرت عمليات اعتقال لجميع منتسبي الحركة واصدقائها من المدنيين والعسكريين ،وقد اجتمعت القيادة بشكل سريع لدراسة الاوضاع وقد تقرر اختفاء سلام بأية وسيلة لان البيانات تركز عليه وهو المعروف كليا بأنه عضو في القيادة ، وبعد ايام قليلة جرى اعتقال امير الحلو وسلام احمد وغادر وليد قزيها العراق لانه غير معروف وبقي عبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن وتم الاعلان عن تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة التآمرين ولكن المحكمة لم تنعقد بالرغم من انتهاء التحقيق واحالة الاوراق اليها .

                                  

                        عبدالناصر وعبدالله السلال

ويذكر البعض ان الرئيس اليمني عبد السلال قد نقل رغبة الرئيس عبد الناصر الى البعث بعدم ايقاع العقاب بالقوميين خلال زيارته للعراق في آب 1963 وبالفعل تم اطلاق سرح اعداد كبيرة من المعتقلين المدنيين والعسكريين وبقي في السجن سلام وامير وبعض العسكريين حتى تشرين الثاني 1963 .

اما عن وضع قيادة الاقليم تلك الفترة فقد غادر عبد الاله النصراوي العراق وبقي هاشم علي محسن لذلك قام المركز بتعزيز القيادة بشكل سريع اذ عاد الى العراق د . غسان عطية وجرى ادخال ثلاثة عناصر قيادية من الكويت هم : سليمان العسكري والمحامي علي رضوان والنقابي العمالي عبد العال ناصر والفلسطيني عزام كنعان حيث تشكلت القيادة منهم ، وفي اواخر شهر ايلول 1963 جرى اعتقال جميع المذكورين عدا غسان عطية الذي هرب خلال اعتقاله وعادت الاعتقالات من جديد لاعــــضاء الحركة من المدنيين ، ويظهر ان وساطة حصلت لاطلاق سراح الكويتين الذين غادروا بعد فترة.
خلال تلك الفترة كانت الاوضاع الداخلية قد تأزمت في صفوف قيادة البعث وتعقدت العلاقة مع عبد السلام عارف ومجموعة علي صالح السعدي واصبحت الصراعات معروفة ثم جرت اعتقالات وتسفيرات لبعض اعضاء القيادة في 11 تشرين الثاني 1963 وحصلت صدامات عسكرية ( منذر الونداوي) في 13 تشرين الثاني وانتهت الامور بقيام عبد السلام عارف بحسم الامور لصالحه في 18 تشرين الثاني 1963 .

        

وبروح موضوعية اقول ان محاولة الانقلاب التي حددتها القيادة لم تكن صحيحة ليس من حيث التنفيذ فقط وانما في تقييم المرحلة التي تعقبها لو نجحت ، فلم تكن القيادة الاقليمية قادرة على استلام الحكم وتحقيق الانسجام مع القوى القومية الاخرى كما ان العسكريين لم يكونوا في تركيبتهم الفكرية وطبيعة علاقتهم مع الحركة ونظرتهم للحياة الحزبية بمؤمنين على الاستمرار في التعاون او الخضوع لاوامر القيادة ، وكان يمكن ان يدخلوا في صراعات شديدة بينهم ومع القيادة كذلك وقد لمست ذلك من خلال معايشتي لهم فترة السجن معهم.

   


وماذا حصل بعد ذلك؟؟
لم تستقر الامور كليا لعبد السلام عارف والمجموعة العسكريـة القوميـة المتعاونـة معه ( صبحي - كريم – عارف ) الا بعد ان انفردوا بالسلطة بخروج البعثيين الذين شاركوا في السلطة في البداية ( البكر- حردان – الوزراء) وكان من الطبيعي ان يتجه هذا النظام الى القاهرة نظرا لتركيبته ولكن لم يكن هناك طرح للوحدة السريعة والمباشرة كما كان الامر سابقا

                    

ولكن على صعيد التنظيم الشعبي فقد نصح عبد الناصر،عبد السلام عارف بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي الاول في 23 ك2 1964 انشاء تنظيم شعبي يكون قاعدة جماهيرية للنظام وكذلك انشاء تنظيم عسكري سري في الجيش ، وقد جرت مداولات عديدة بين عبد السلام عارف وطاهر يحيى وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد والوزيرين عبد الكريم هاني وشامل السامرائي للاعداد والقيام بالتنظيم الشعبي .

وقد استقر الرأي على تشكيل هيئة تحضيرية لقيام الاتحاد الاشتراكي العربي واعداد ميثاقه مسترشدين بميثاق الاتحاد الاشتراكي العربي المصري ، وتألفت اللجنة من عبد الكريـــم فرحان وصبحي عبد الحميد وشامل السامرائي ود عبد العزيز الدوري وفؤاد الركابي ، غربي الحاج احمد (عربي اشتراكي) وعبد الهادي الراوي (عسكري) وعبد الستار علي الحسني(استقلال) واياد سعيد ثابت (الوحدويون الاشتراكيون) هشام الشاوي(رابطة قومية) سلام احمد(حركة القوميين العرب) ،عبد الكريم هاني (وزير) عبد اللطيف الكمالي(مستقل) وبعد ان انسحب منها ممثل حزب الاستقلال انظم اليها عبد الاله النصراوي (حركة) واحمد الحبوبي (عربي اشتراكي) .ومرت عمليات اعداد الميثاق ووضع الاسس التنظيمية واختيار القيادات بسلسلة من الصعوبات والمناورات الحزبية واصطدامات بمزاجيات عبد السلام عارف وعدم محبته للحزبيين اساسا حتى جرى انتخاب اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي بعد ان افتتح مؤتمره الاول في 14 تموز 1964 بحضور السيد حسين الشافعي وتم تسمية عبد السلام عارف رئيسا للاتحاد الاشتراكي وفاز بعضوية اللجنة من الحركة السادة سلام احمد وعبد الاله النصراوي ، ولا يعنينا هنا التحدث عن الاتحاد الاشتراكي ومدى فعاليته ولكن من الواضح ان هناك عدم انسجام بين عبد السلام عارف وبقية اعضاء اللجنة التنفيذية من العسكريين والحزبيين واخذ عبد السلام يعرقل اعمال وفعالية الاتحاد ويسخر من قيادته ولم يعطه أية مسؤوليات سياسية او عملية ، كما كانت هناك خلافات بين الاعضاء انفسهم لدوافع حزبية وشخصية وازاء هذا الوضع قدّم ستة وزراء قوميين استقالتهم من الوزارة في 11 تموز 1965 وكان من ضمن المستقيلين عبد الكريم فرحان الامين العم للاتحاد الاشتراكي ونائبه فؤاد الركابي وبذلك جمـّدت اللجنة التنفيذية اعمالها واهمل عبد السلام عارف الاتحاد الاشتراكي ولم يدع اللجنة للاجتماع بعد ذلك، فـمات الاتحاد غير مؤسوفا عليه.
كان هذا هو الوضع السياسي والتنظيمي انذاك ، اما بالنسبة للحركة فقد تم اتخاذ قرارا في البداية بتعليق عضوية سلام احمد واميــر الحلو في القيادة حتى حضور محكمة الحركة من المركز وكانت مؤلفة من السيد نايف حواتمة وعمر فاضل ومحمد مصطفى بيضون حيث حققت معهما حول ظروف وملابسات اعتقالهما السابق وعند عودتها صدر قرار من المركز باعادة عضويتهما الى القيادة علما بأن سلام احمد كان خلال فترة التعليق يمارس نشاطه كممثل للحركة في العلاقات مع الاحزاب القومية الاخرى والتحضير للاتحاد الاشتراكي ، كما مارس امير الحلو نشاطات فكرية وكتابية وقد انضم الى قيادة الاقليم بفترات متلاحقة السادة د غسان العطية ، د صبحي عودة (فلسطيني) و-----(فلسطيني) ، د خلف الصوفي (استاذ جامعي) ، وبما ان عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي كانت تشترط حل التنظيمات الحزبية والانضمام الى الاتحاد بموجب ذلك ،فقد اتخذت القيادة قرارا بتكليف السادة سلام احمد وعبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن بتمثيل الحركة في الاتحاد الاشتراكي وقيام بقية اعضاء القيادة باستلام التنظيم الحزبي الذي بقي على وضعه السابق ولم نجد صعوبة في هذه الازدواجية وكان لاستلام هاشم علي محسن للجهاز العمالي الحزبي ورئاسته للاتحاد العام لعمال العراق في نفس الوقت اثره في سيطرة الحركة على نقابات العمال وفتح المجال امام هاشم لتوجيه الانتقادات المباشرة الى عبد السلام عارف وتصرفاته من خلال جريدة العمال والفعاليات الجماهيرية التي كان يقوم الاتحاد بها وكان ذلك يثير عبد السلام عارف كثيرا ويزيد من كرهه للحركة ولممثليها في الاتحاد الاشتراكي فأخذ يهاجمها في اجتماعاته الرسمية ومجالسه الخاصة .كما استلم السيد سلام احمد رئاسة تحرير جريدة ( الثورة العربية ) اليومية التي تصدر عن اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي ، ولم تكن مسيرتها الاعلامية علاوة على توجيهات عبد الكريم فرحان وزير الارشاد وعبد اللطيف الكمالي عضو اللجنة التنفيذية ومدير عام الاذاعة والتلفزيون تنسجم مع سياسة عبد السلام وتصرفاته وطموحاته الخاصة في السيطرة التامة على مقاليد الامور .
ويمكن القول بأن بقاء الحركة على تنظيماتها بالرغم من انتماءها الى الاتحاد الاشتراكي كان خطوة حكيمة ومدروسة مما جعل الحركة تمارس نشاطاتها التنظيمية والجماهيرية بشكل اعتيادي كما انها حافظت على وجودها وفعاليتها بعد تجميد الاتحاد الاشتراكي العربي واصطدام التنظيمات القومية مع عبد السلام عارف بعد انهيار الاتحاد الاشتراكي جرى الاتفاق بين المستقيلين من اللجنة التنفيذية وعناصر اخرى من ممثلي الفئات القومية على انشاء حركة سرية معارضة للسلطة بأسم الحركة الاشتراكية العربية وجرى انتخاب السادة التالية اسماؤهم لعضوية لجنتها التنفيذية في اوائل شهر آب 1965 وفاز بها صبحي عبد الحميد ،واديب الجادر وخير الدين حسيب وفؤاد الركابي وعبد الكريم فرحان وخالد علي الصالح وعبد الستار علي الحسني وثلاثة من قيادة حركة القوميين العرب هم سلام احمد وعبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن وفاز السيد صبحي عبد الحميد بمنصب الامين العام لها بالاجماع وفي نفس الوقت كان صبحي يمسك بتنظيم العسكريين القوميين من جميع الفئات القومية ، ولكن هذا التنظيم العسكري قام بحركة 15 أيلول 1965 بقيادة عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء آنذاك بدون ان يعلم قيادة الحركة المدنية واعتبر ذلك مخالفة تنظيمية وتقرر محاسبة العسكريين بعد خروجهم من الاعتقال .واستمرت الحركة القومية الاشتراكية العربية في نشاطاتها الجماهيرية بعد ان ضمت اكثر العناصر التي كانت تعمل في الاتحاد الاشتراكي ، ولكن تطورا حصل عندما عاد اديب الجادر في بداية عام 1966 ليبلغ خيري الدين حسيب وصبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان بأن فتحي الديب اخبره بأن الرئيس عبد الناصر قد انشأ تنظيما قوميا بأسم (الطليعة) يمتد الى كل الدول العربية وله قيادة قومية مركزية ،وان هذه القيادة قد اختارت السادة المذكورة اسماؤهم اعلاه ليكونوا قيادة التنظيم في العراق وقد اقترح بعضهم ان تكون القيادة الجديدة مكونة من قيادة الحركة الاشتراكية العربية كلها منعا للازدواجية ، ولكن جواب القاهرة كان بالموافقة على قبول خالد علي الصالح فقط وتأجيل قبول سلام احمد وفؤاد الركابي وعبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن وذلك بسبب وجود خلاف بين حركة القوميين العرب والقيادة المصرية ، والخشية من ان ينعكس موقف قيادة الحركة في المركز على قيادتها في العراق فتكشف ( سر التنظيم ) ، وبعد فترة وافقت القاهرة على انضمام د عبد العزيز الدوري الى قيادة تنظيم الطليعة وجرى اختيار 90 عضو في الحركة الاشتراكية بشكل سري ليكونوا تنظيم الطليعة في العراق مع استمرار الحركة الاشتراكية العربية في تنظيمها ونشاطها .وفي 30 حزيران قام عارف عبد الرزاق بمحاولته الانقلابية الثانية على حكم عبد الرحمن عارف وجرى اعتقال اغلب القيادة العسكرية للتنظيمين ، ولم تشعر القيادة المدنية ايضا بالمحاولة الانقلابية .وناب اديب الجادر عن صبحي عبد الحميد في قيادة التنظيمين خلال فترة اعتقال صبحي عبد الحميد بعد ان جمـّد عضويته في حركة القوميين العرب قبل ذلك بفترة طويلة ، وفي اواخر عام 1966 حصل انقسام في الحركة الاشتراكية العربية مثّله من جانب خيري الدين حسيب واديب الجادر وخالد علي الصالح وصبحي عبد الحميد ، ومن الجانب الاخر فؤاد الركابي وعبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن ، واخذت كل جماعة تصدر نشرة بأسم الحركة الاشتراكية العربية ، وتواصلت الانشقاقات داخل هذه الكتل ، وكل يــدّعي وصلا بـــليلى ! .
اما عن وضع حركة القوميين العرب في مرحلة الانضمام الى الاتحاد الاشتراكي ثم الحركة الاشتراكية العربية فقد كانت ( كما قلت ) قد احتفظت بتنظيمها الخاص كما استمرت في علاقاتها مع المركز في بيروت ، وقد حضر مؤتمر 1964 كل من عبد الاله النصراوي وهاشم علي محسن وأمير الحلو وحضر مؤتمر 1965 امير الحلو وخلف الصوفي وقد انعكست اجواء تلك المؤتمرات التي شكلت بدايات الانشقاق المركزي على وضع القيادة الاقليمية في العراق ، ولا يسعني في هذه العجالة التحدث عن هزيمة المؤتمرين واجوائهما وقد حضرتهما شخصيا ، ولكن كان من الواضح في مؤتمر 1965 على الاخص ان هناك تيارين رئيسيين داخل القيادة مـــثّل احدهما محسن ابراهيم ونايف حواتمة ابتدأت طروحاته منذ مؤتمر 1964 حول كون الحركة رافدا من روافد الناصرية وصولا الى طرح الفكر والنهج الماركسي بعد ذلك ، في حين كان التيار الاخر الذي مثّله د جورج حبش والاستاذ هاني الهندي والمرحوم وديع حداد اعتمد النهج القومي المستقل للحركة اولا ثم بدأت طروحاته اليسارية والماركسية بعد ذلك ايضا .

                 

                           جورج حبش

وقد ظهر ذلك واضحا من قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ممثلين للتيارين المذكورين .واذا كانت غالبية قيادة اقليم العراق قد تأثرت بتلك التطورات فأنها حافظت على وحدتها التنظيمية شكليا حتى حصول الانشقاق النهائي في المركز.حيث واصل عبد الاله النصراوي وجواد دوش ومن معهما في العمل مع الحركة الاشتراكية العربية ، في حين اتجه هاشم علي محسن الى تنظيم د جورج حبش الفلسطيني والحزبي.
وفي عام 1966 جرت لاول مرة انتخابات لقيادة الاقليم في العراق عن طريق مؤتمر (قطري) وبالانتخاب السري وعقد المؤتمر اجتماعاته في دار هاشم علي محسن وفاز في الانتخابات كل من السادة :
سلام احمد.
عبد الاله النصراوي.
هاشم علي محسن.
نوري نجم المرسومي.
عبد الحسين الربيعي.
جواد دوش.
آخرون ( قد يتذكّرهم السيد عبد الاله النصراوي).
1. قائمة بالتشكيلة الوزارية المقترحة
2. تم اعداد خطة الانقلاب العسكري من قبل الاطراف العسكرية المشاركة مع ممثلي الحركة من العسكريين وقد ذكر سلام احمد للقيادة بأن امكاناتهم العسكرية كانت كبيرة داخل بغداد وفي اطرافها وكان الثقل ينصب على احتلال الاذاعة بواسطة المقدم جابر حسن حداد يرافقه عضو قيادة الاقليم عبد الاله النصراوي ، اما التنظيم المدني فكانت مسؤوليته احتلال مراكز قيادات وفروع الحرس القومي البعثي في بغداد وا‘ وكل لامير الحلو الاعداد لاحتلالها في منطقة الكرخ ، ولعدنان الشطب في منطقة الاعظمية ، وكانت تتوفر لدى الحركة الاعداد البشرية والاسلحة اللازمة للقيام بذلك ولكن بتضحيات جسيمة من الجانبين ان وقعت.

    

هل تحدثنا عن  خفايا واسرار محاولة الانقلاب لحركة القوميين العرب في الخامس والعشرين من ايار 1963؟؟
في مساء الخامس والعشرين من شهر آيار 1963 اصدر ( المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي يضم اعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ومجموعة من الضباط ، بياناً الى الشعب لعراقي اعلن فيه عن اكتشاف محاولة انقلاب فاشلة ، فبعد مقدمة طويلة عن ( الثورة ) وما تعرضت له من مؤامرات وما حققته من ( منجزات ) حدّد عناصر المؤامرة السوداء بـ( الزمر التافهة المعزولة عن الشعب كالحركيين والرجعيين والذيليين والانتهازيين وكل الزمرة الحاقدة الاخرى التي انصاعت لحكم قاسم وابتعدت عن مسيرة الشعب ) .
كما اطلق على القائمين على هذه المحاولة الانقلابية عبارة ( العناصر التافهة من عسكريين ومدنيين ابتعدت عن الثورة وامتلات حقداً عليها بسبب ضعفها امام كريم قاسم وترددها عن مقاومته وتخاذلها المفضوح عند قيام الثورة ) !
ومن المقرر ان يبدأ تنفيذ الخطة كاملة في الساعة الثالثة من بعد ظهر أحد ايام الخميس وقد اختير ذلك التوقيت لان الجو الحار يقلل من حركة الناس والقطعات والحرس وان الدوام الرسمي يكون قد انتهى مبكرا وفي الثاني والعشرين من أيار 1963 كانت قيادة الحركة في اجتماع في دار المرحوم هاشم علي محسن في بغداد الجديدة فأخبرنا السيد سلام أحمد بأن البعثيين قد القوا القبض على الرائد رحيم سلمان العاني وهو مسؤول عسكري مهم في الحركة ويعرف كل تفاصيل الخطة ،كما ان اعتقالات اخرى قد حصلت بين صفوف ضباط قوميين من الحركة وخارجها مما يعطى انطباعا بأن البعثيين قد امسكوا ببعض الخيوط ، وعلينا اتخاذ اجراءات طوارئ وخصوصاً بالنسبة للقيادة ، لذلك جرى اسكان السيد سلام احمد الذي ركز عليه البعثيون في بياناتهم واطلقوا عليه صفة (المعلم سلام احمد) في حين انه خريج الجامعة الامريكية في بيروت ولم يمارس التعليم في حياته ، واختفى في دار السيد نجم السعدون صديق الحركة وسلام والبعيد عن شبهات البعثيين حتى القي القبض عليه في طريقه الى الكوت ونقل الى قصر النهاية حيث جرى تعذيبه بقسوة شديدة..
اما أنا وعبد الاله النصراوي و وليد قزيها فقد اختفينا في وكر الحركة قريب من دار المرحوم عبد الكريم قاسم في العلوية وفي يوم 25 آيار 1963 اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة بيانه حول (محاولة انقلاب فاشلة) التي اراد القيام بها الحركيون والذيليون والرجعيون وكذلك صدرت الاوامر بأعتقال جميع القوميين من دون استثناء ولم يقتصر الامر على منتسبي حركة القوميين العرب.

 

وجرت عمليات واسعة لاعتقال القوميين وزجهم في المعتقلات ومقرات الحرس القومي
وقد تابع السادة عبد الاله النصراوي ووليد قزيها وأنا  تطور الاحداث من الوكر الحزبي ولكن انتهاء الطعام بعد ثلاثة ايام دفعني الى (التبرع) بالخروج لشراء كمية من المواد الغذائية ، وبعد دخولي احد المطاعم بالقرب من الجندي المجهول (القديم) جرى القاء القبض علي من قبل الحرس القومي وارسلت الى مقر الحرس في الاعظمية ثم الى نادي المنصور الذي تحول الى معتقل كبير للقوميين الذين كبلت اياديهم من الخلف وعصبت عيونهم ، واذكر بأنني وضعت في احد (مراحيض) النادي بصحبة المرحوم الشاعر عدنان الراوي الذي لم تكن له علاقة بـ(المؤامرة) وعاتبه احد البعثيين قائلاً : اهذه هي بغداد ياعدنان الراوي التي انشدت لها وقلت لها ساعود اليك .. وها انت تعود الى مراحيضها ؟ وقد عرفت من خلال هذه المحادثة الاخلاقية ! بوجوده لانني كنت معصوب العينين ومشدود اليدين الى الخلف ، ولا اريد هنا الحديث عن (الحفلة ) التي بدأت معي معلقاً في السقف بحبل من الساعة السابعة مساءً حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، ولكن الذي اذكره انهم بعد ان انزلوني من التعليق وكنت قد (اعترفت) بأنني مسؤول ثقافي في الحركة واكتب بياناتها ، ليقولوا لي بسخرية انهم عرفوا بانني عضو القيادة ومشارك في اعداد خطة المؤامرة ، لذلك نقلوني الى مكان جديد اكتشفت بعد مدة انه (قصر النهاية) حيث كانت تجري (الحفلات الليلية) الصاخبة والدامية بحق جماعتنا من العسكريين والمدنيين ، وقد تألفت لجنة تحقيقية (غير لجنة التعذيب) بدأت بالتحقيق معنا مكونة من القاضي شامل الشيخلي والضباط الرائد صلاح الطبقجلي والرائد فاضل العاني وسكرتاريتها السيد قيس المختار المحامي ، والواقع ان اللجنة لم تمارس اي ضغط جسدي علينا وسمحت لنا بالقول ان ما قمنا به هو مجرد خطة احترازية لم نقم بتنفيذها ، ولكن المجلس الوطني لقيادة الثورة اصدر مرسوماً جمهورياً برقم 373 في 1963/5/25 ينص على تأليف محكمة الثورة لمحاكمة المتآمرين على امن وسلامة الجمهورية
على الشكل الاتي
1- العقيد شاكر مدحت السعود رئيساً
2- المقدم الركن حسين عبد الجبار عضواً
3- المقدم الركن حسن مصطفى النقيب عضواً
4- الرئيس فاضل جاسم العاني عضواً احتياطياً
اما الادعاء العام فقد تألف من :
1- الملازم الاول الحقوقي راغب فخري
2- الحاكم صلاح بيات
3- الحاكم شامل رشيد الشيخلي

وهل جرى عرضكم على ألمحكمة؟؟؟
لم يجر عرضنا على المحكمة ولكنا احلنا عليها بمادة تقضي بايقاع حكم الاعدام بمن تثبت ادانته بالمشاركة في (المؤامرة) ،ولعل السبب في ذلك يعود الى عوامل خارجية وداخلية ، منها الضغوط من جانب الزعيم جمال عبد الناصر وعبدالله السلال والقوى القومية والوطنية للتخفيف من الاجراءات المتخذة بحقنا ، والداخلية هي قيام البطل الشيوعي حسن السريع بمحاولته الانقلابية الجريئة في معسكر الرشيد في 1963/7/4 والتي اربكت البعثيين وجعلتهم (يلتهون) باعدام وتعذيب الشيوعيين فقد جرى اعدام المرحومين نافع يونس والدكتور محمد الجلبي بوجودنا في قصر النهاية ، ثم جرى نقلنا الى سجن رقم (1) بعد نقل اعداد كبيرة من الشيوعيين بقطار الموت الى سجن نقرة السلمان حيث مات المئات في القطار وفي سجن رقم (1) جرى اطلاق سراح بعض العسكريين وبقى البعض منهم مع مدنيين اثنين هما سلام احمد وامير الحلو فقط ولم يجر التحقيق معنا في السجن ، ولكن المفارقة التي لابد من الاشا رة اليها اننا وقد سمعنا اصوات الانفجارات في المطار العسكري المجاور للسجن في معسكر الرشيد بعد قيام منذر الونداوي بقصف الطائرات الجائمة على ارض المطار ، ثم تتابع البيانات في الاذاعة والتي تشير الى وجود ازمة حقيقية في قيادة حزب البعث ، فقد زارنا مساء 17/ تشرين الثاني في السجن كل من الرائد صلاح الطبقجلي معاون آمر الانضباط العسكري والرائد علي كريم سكرتير صالح مهدي عماش وزير الدفاع ليعلمونا (وسط دهشتنا) بانهم سيشاركون بانقلاب عسكري ضد (الحرس القومي) بقيادة عبد السلام عارف وعلينا ان لاننام هذه الليلة لانهم يخافون علينا من آمر السجن الرائد حازم الصباغ (الاحمر) المشهور بهواية الاعدام ..

                              

وفي الصباح سمعنا من الاذاعة البيان الذي اذاعه عبد السلام عارف بصوته معلناً سقوط حكم (الحرس اللاقومي ) مع مشاركة البعثيين معه فقد جرى تعيين احمد حسن البكر نائباً لرئيس الجمهورية وحردان التكريتي وزيراً للدفاع وعزت مصطفى وزيراً للصحة وعبد الستار الجواري وزيراً للتربية مع ايقاف بعض القيادات البعثية العسكرية …

وفي الساعة الثانية عشرة بعد الظهر جاءت بعض المدرعات العسكرية بقيادة المقدم خالد حسن فريد وقامت باطلاق سراحنا ونقلنا الى وزارة الدفاع حيث قابلنا طاهر يحيى رئيس اركان الجيش الذي اخذ يشتم البعثيين والحرس القومي ثم ، قابلنا المقدم الركن صبحي عبد الحميد مدير الحركات العسكرية الذي كان اقرب الناس لنا حيث رحب بنا وهو يدير الحركات العسكرية ويوجه مصادر النيران مما يؤكد بانه المسؤول الحقيقي عن احداث 18 تشرين الثاني 1963 ، وقيل لنا ان صالح مهدي عماش موجود (من دون عمل) في مكتبه في حين يشارك سكرتيره في الانقلاب ومن المضحك بعد ذلك ان يسمي البعثيون وعلى رأسهم احمد حسن البكر وصدام حسين احداث 18 تشرين الثاني بانها (ردة) في حين انهم ساهموا مساهمة فعلية فيها ويقال بان صدام حسين قد ذهب الى الاذاعة والتلفاز يشرف على البيانات الصادرة من (الانقلابيين) ضد (رفاقه) من البعثيين والحرس القومي !

  

الموضوع طويل وفيه الكثير من التفاصيل التي قد نتطرق اليها في المستقبل ولكني اود ان اشير في الختام الى ان البعثيين ارادوا تشويه محاولتنا الانقلابية فاصدروا اوامر بالقاء القبض على بعض عناصر العهد الملكي وما يسمى بالاقطاعيين والرجعيين وارفقت اسماؤهم باسمائنا في حين لم تكن لنا اية علاقة بهم حتى اننا لا نعرفهم شخصيا
في حال نجاح محاولتكم ألانقلابية كيف كان ألمخطط أن تكون تشكيلاتكم؟؟
في حالة نجاح محاولتنا الانقلابية فكانت تشكيلاتنا ستكون على الشكل الاتي :
1- محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال وعضو مجلس السيادة السابق رئيساً للوزراء .
2- سلام احمد من قيادة حركة القوميين العرب نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية .
3- العميد عبد الهادي الراوي متعاون مع الحركة وزيراً للدفاع .
4- العقيد جميل السعودي متعاون مع الحركة وزيراً للداخلية .
5- زاهد شفيق من الحركة وزيراً للارشاد .
6- د. عزيز محمود شكري مستقل وزيراً للصحة .
7- جلال الطالباني قائد كردي وزيراً للدولة .
8- د. عبد الحسن زلزلة قومي عربي اشتراكي وزيراً للمالية .
9- د. حسن ثامر قومي وزيراً للنفط
10- اديب الجادر قومي وزيراً للنفط
11- د. خير الدين حسيب قومي وزيراً للتخطيط
12- فؤاد الركابي قائد قومي وزيراً للاصلاح الزراعي
13- اياد سعيد ثابت قومي وزيراً للدولة
14- فؤاد عارف كردي وزيراً للدولة
15- هشام الشاوي الرابطة القومية وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية
16- فاضل المشهداني وزيراً للدولة
ولم يجر ابلاغ غير الحركيين بذلك ، اما الوزراء الحركيين العسكرين والمدنيين فقد كانو على علم بذلك . وقد ذكرت ذلك (باعترافاتي) مما جنب الاخرين الاعتقال، وبودي القول بأني عندما نقلت الى قصر النهاية وجدت المحققين والمعذبين يضعون امامي خارطة للدولة واشخاصها واسماء اعضاء القيادة وقد علمنا ان المرحوم الرائد رحيم سلمان العاني قد فاتح (ببراءة) زميله الرائد خير الله عسكر خلال جلسة لهما في النادي العسكري فقام الثاني بابلاغ المرحوم طاهر يحيى رئيس اركان الجيش الذي ابلغ القيادة البعثية وجرى ما جرى ، ولست هنا بصدد تقييم ما حصل ولكني اود القول ان الدرس الذي تعلمته في السجن ان الانقلاب العسكري لم يكن الوسيلة الصحيحة لمعالجة الامور.

هذا بعض ما اتذكره حول تلك المحاولة الانقلابية تاركاً الحكم عليها للتاريخ !

   
      
بعدها .....عام ١٩٦٧ كنت مديرا لإذاعة بغداد ...ماهو تقييمك وذكرياتك عن تلك ألتجربة؟؟
تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد فرع الاقتصاد للعام الدراسي 1963 – 1964 وقد خسرت سنة دراسية لأني كنت في سجن رقمه 1 خلال الامتحان عام 1963 ....وبعد التخرج أراد المرحوم صبحي عبد الحميد وزير الخارجية أن أتوظف فيها ، ولكن الاستاذ الصديق عبد اللطيف الكمالي طلبني رئيساً للقسم السياسي في الاذاعة وتعينت عن طريق مجلس الخدمة العامة وكنت أكتب التعليق السياسي اليومي بعد الأخبار ثم أصبحت معاوناً لمدير الاذاعة وذهبت للدراسة في معهد التدريب الاذاعي في القاهرة وبعد عودتي قام وزير الاعلام آنذاك الدكتور مالك دوهان الحسن ومدير عام الاذاعة والتلفزيون د. نزار الطبقجلي بتعييني مديراً للاذاعة العراقية لأنهما ضمن التيار القومي العربي الذي كنت أنتمي إليه ولكني اكتسبت خبرة جيدة في دراستي وأدخلت طريقة وضع البرامج في خارطة لمدة ثلاثة أشهر ، الملاحظ ان الوزير أو المدير العام لم يطيعا رئيس الجمهورية عبد السلام عارف ورئيس الوزراء طاهر يحيى وينفذان أفكارهما ( أرفق مقالا حول ذلك ) وفي 17 تموز 1967 استلم البعثيون الاذاعة والتلفزيون وطلب مني محمد سعيد الصحاف البقاء في عملي ولكني وسطت الصديق مام جلال الطالباني لدى وزير الاعلام الدكتور عبد الله سلوم السامرائي لنقلي الى الوزارة بحجة أن هذا المنصب سياسي ويجب أن يديره منتمياً الى حزب البعث .


   

هل ألفترة بعد ١٩٦٧ قضيتها بين مسؤولا في وزارة الإعلام، ومديرا عاما في وزارة الثقافة مناصب مهمة في فترة سياسية كانت تغلي ...كيف توفقت بين ترأس هذه ألمناصب وألجو ألسياسي ألاوحد أنذاك؟؟
في عام 1973 أرسل صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك بطلب أربعين شخصية قومية وكنت ضمنهم ودار حوار طويل بيننا كانت نتيجته أنه قال بأنهم لن يسمحوا بقيام حزب خارج حزب البعث ولن يسمحوا بالتحرش التنظيمي بالجيش وأنهم سيتعاملون بقسوة وشدة لمن يقوم بذلك ، أما عدا هذين الشرطين فهناك خياران فمن يريد الانتماء الى حزب البعث فهناك استمارة يملأها ويصبح عضواً فوراً بأمر منه ، ومن لا يريد فعليه ألا يتقاطع مع الحزب وسياسته وسيبقى بحماية صدام حسين على حد تعبيره ..

      

وقد اخترت الخيار الثاني ، وخلال عملي في الوزارة وجد الاستاذ طارق عزيز وهو مثقف ومتحضرً في شخصيتي امكانيات أعجبته إعلامياً فاستحصل موافقة صدام حسين على تعييني مديراً عاماً في الوزارة ، ولم يقم أي من الوزراء بعد ذلك بـ( التحرش) بي واستقلاليتي وعدم انتمائي الى الحزب لأني كنت أجيب بأن الرئيس صدام حسين هو الذي طلب منا العمل حتى من دون الانتماء الى الحزب، كانت هناك خطوط حمراء في العمل السياسي والاعلامي كنا نعرفها ولا نتجاوزها كما أن الاعلام كان مركزياً وحرية الحركة محددة وذلك ما يجعل الشخص مدركاً لحدوده وصلاحياته، لذلك عملت بالخبرة وليس بالانتماء .
وقد استطيع الادعاء بأني بعد نجاحي في تجربة جريدة القادسية ولكني مع ذلك تعرضت الى المحاكمة ثلاث مرات احداها رفعها عليّ حسين كامل

    
ماقصة ألازمة ألوزارية بسبب خبر تلفزيوني؟
اصدر العميد الركن المتقاعد الدكتور صبحي ناظم توفيق (كاتب صحفي) ، كتابا ضمنه ذكرياته عندما كان في حماية رئيس الجمهورية الأسبق عبد السلام عارف عام 1965 ، وقد ورد في الكتاب إشارة الى حادثة كنت طرفا فيها ولكنه لم يذكر التفاصيل (الطريفة ) فيها ، فقد زار عبد السلام عارف مدينة الموصل يوما وألتقى بقائد الفرقة الرابعة هناك وقد بث تلفزيون بغداد الخبر في اليوم نفسه ، ولم يكن لدينا فيديو لتسجيل الأخبار بل كانت تصورّ بواسطة كاميرا لذلك لا يستغرق الخبر أكثر من دقيقة في أحسن أو (أسوء ) الاحوال .... وفي اليوم التالي غادر مدير عام الأذاعة والتلفزيون آنذاك المرحوم عبد اللطيف الكمالي مبنى الاذاعة وذهب الى دار السيد فيصل حسون رئيس تحرير جريدة الجمهورية ، وأبقاني في غرفته لادارة العمل ، وفي حوالي الساعة السابعة مساء جاء المرحوم الرائد عبد الله مجيد مرافق رئيس الجمهورية فرحبت به منتظراً ما يريده ، فأذا به يقول أن (السيد الرئيس) يسلم عليكم ويرجو إعادة خبر زيارته الى الموصل يوم امس مع الفيلم المصاحب له فهو لم يشاهده ، قلت له إن ذلك ليس من صلاحيتي وعليّ الاتصال بالمدير العام ، فقال : نعم إتبع الاصول الرسمية ، فرفعت سماعة الهاتف وطلبت دار فيصل حسون وتحدثت مع الكمالي وأخبرته بطلب رئيس الجمهورية ، فأجابني أخبر المرافق بأن (التلفزيون ليس ملك عبد السلام عارف) لنعيد خبرا جرى بثه أمس ، واذا يرغب برؤية نفسه فأعطه الفيلم ليراه على أن يعيده لأنه ملك الدولة !
حاولت أن اقنعه بالقول أن الفيلم قصير جداً وبالامكان اعادته (كان المرافق يستمع الى حديثي) ، فأجابني الكمالي محتداً : أخبره بما قلته لك، أخبرت مرافق رئيس الجمهورية بالاعتذار عن إعادة الفيلم ، فقام من دون أن يعلق وسلم عليّ وخرج .
ويظهر أن الكمالي أخبر عبد الكريم فرحان وزير الأرشاد آنذاك بالموضوع فأذا بنا نتلقى تعميما بتوقيع الوزير الى كافة العاملين في الاذاعة والتلفزيون بعدم تلقي الاوامر من القصر الجمهوري إ"لا عبر الوزير ..واعطى نسخة من التعميم الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء للعلم ....
كما يذكر المؤرخون فأن أزمة وزارية قد حدثت بعد ذلك إذ قدم عبد الكريم فرحان استقالته وتبعه خمسة وزراء من مؤيديه ، وأصبح ذلك الفيلم القصير ورفض الكمالي إعادته سبباً في أزمة وزارية .
                                             

الف باء مجلة أسبوعية عراقية مشهورة تأسست في حزيران 1968 وكان أول رئيس لتحريرها الاستاذ سجاد الغازي  وكانت تصدر عن المؤسسة العامة للصحافة في عهد الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف ثم صارت تصدر عن دار الجماهير للصحافة وبعدها صارت تصدر عن دار الف باء ....ترأست تحريرها من عام ١٩٩١ ولغاية ٢٠٠٢ ....ماهي معاناة تلك ألتجربة؟؟
أكتسبت خبرة جيدة لتطوير مجلة (ألف باء) فازدادت مبيعاتها الى ربع مليون نسخة اسبوعياً وحاولنا الابتعاد عن السياسة قدر الامكان وحولناها الى شركة عامة تغطي مصاريفها وتحقق أرباحاً توزع على العاملين كما أصفت لها مجلة نسائية وأخرى فنية وكتاب ( شهر) وذلك ما جعل الوزراء الذين تناوبوا على المهمة لم يقدموا على نقلي ، ولكن قراراً مركزياً صدر عام 2002 ينص على عدم جواز بقاء المدير العام أو رئيس التحرير أكثر من 5 سنوات في منصبه ، لذلك جرى نقلي الى مدير عام دائرة التدريب الاعلامي حتى سقوط النظام . ومن تجربتي كان هناك مجالً للدس السياسي وتغليف الآراء بطريقة تجعلها غير مكشوفة ولدي الكثير من الامثلة على ذلك مع عدم الادعاء بالبطولة .

    
ثم تعيين رئيس القسم السياسي رافع الفلاحي رئيساً لتحرير ألف باء بالنيابة وتوقفت بعد الاحتلال وأصبحنا من الكيانات المنحلة وقد أحلت نفسي على التقاعد فوراً عن طريق زميلي في الدراسة الجامعية عادل عبد المهدي ، وقد حاول مدير تحرير المــــــجلة الاسبق محسن خضير ( أبو رسالة ) اصدار المجلة ومحاولة الحصول على دعم من جهات سياسية ولكن جرى اغتياله بعد أن أصدر عدة أعداد ساذجة تعتمد على صور الممثلات والاخبار الساخنة .  

  

كيف أخترت نائبا لرئيس تحرير جريدة القادسية وخاصة علاقتك لم تكن جيدة بنجل ألرئيس عدي صدام حسين؟؟
أنا من دورة ضباط الاحتياط العشرين وقد أستدعيت الدورة خلال الحرب العراقية – الايرانية ، وكانت جريدة القادسية أشبه بالنشرة من الجريدة اليومية ، لذلك قام السيد عبد الجبار محسن مدير التوجيه السياسي آنذاك بطلبي عن طريق المكتب العسكري للحزب وتمت الموافقة على تنسيبي الى دائرة التوجيه السياسي نائباً لرئيس تحرير جريدة القادسية وأزعم بأني طورت الجريدة وصدرت بستة عشرة صفحة يومياً وبمعدل نصف مليون نسخة وملحقين اسبوعيين مع مجلة حراس الوطن المشابهة لمجلة ألف باء .
وقد لجأت الى طريقة طلب أكثر الصحفيين والأدباء والمثقفين الملتحقين بالخدمة العسكرية والاحتياط ، وكونت فريق عمل جيد استطاع أن يوصل الجريدة الى مستوى صحفي جيد ، وقد جرى نقلي منها بعد خلاف مع وزير الدفاع آنذاك حسين كامل لأنني لم أنفذ أمراً منه بأخراج السيد أحمد عبد المجيد رئيس تحرير جريدة الزمان ( طبعة العراق ) الآن ، وتوجد لدي المخاطبات الخاصة بهذا الموضوع وقد شعرت بالسعادة لأني خرجت لسبب مشرّف .
كان لعدي صدام حسين رئيس التجمع الثقافي صفحته الخاصة وعلى رأسها بابل وعدد كبير من الصحف والمجلات ، لذلك لم تكن لي علاقة به خصوصاً وأن تعييني تم من خلال خاله المرحوم عدنان خير الله .

    
قلت مرة أن اكثر مايثير شاعر العرب الكبير الجواهري ان تسأله عن عمره ....هل تحكي لنا عن تلك ألواقعة ؟؟
تربطنا مع عائلة الجواهري أواصر الجيرة في النجف ، وهو يعرف عائلتي جيداً ، وقد أخبرني صديقي المرحوم فرات محمد مهدي الجواهري أن أكثر ما يغيظ والده سؤاله عن عمره، لذلك ففي أحدى دعوات الجواهري لي وللشاعر علي الحلي لتناول وجبة ( تمن وماش ) النجفية في داره حرضني فرات على سؤاله عن عمره ، فتوقف عن الاكل غاضباً ، وقال انني من عمر عمك يوسف وكنا نلعب سوية فاسأله هو عن عمره ، وبالفعل سألت عمي يوماً عن ذلك فقال أنه كان طفلاً صغيراً عندما كان يرى الجواهري شاباً مهيباً بطوله وشخصيته ثم بشعره ، ولم اتحرش بالجواهري بعد ذلك .


                
ماهو موضوع فتح اضبارة عبد الكريم قاسم في ادارة الضباط.... قصة غريبة لو تفضلت بسردها ؟؟
تأكيدا لأيماني بأن القناعات السياسية مرتبطة بمرحلة معينة وظروفها ومعطياتها ،أكتب هذه المعلومة عن المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم الذي لم تكن نظرتي له (ودية) آنذاك لاسباب لامجال لذكرها ولعدم فتح سجال لا مبرر له بين أناس يحبون الوطن سوية.
في أحدى دعوات ضباط الاحتياط المتكررة سابقا جرى تنسيبي الى ادارة الضباط،وكانت الخفارات الليلية مستمرة طيلة الحرب العراقية – الايرانية ،وقد وجدت أن الجلوس مع زملائي مملا وغير مفيد لان أغلبه ينصب على كباب الكاظمية وباجة الاعظمية وغيرها،فقررت أن أجلس وحدي في القاعة التي تضم أضابير ضباط الجيش العراقي منذ تأسيسه ..

      

وبدأت بنوري السعيد وجعفر العسكري مرورا بعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف والمهداوي وغيرهم .. والذي أسجله لادارة الضباط وللمسؤولين أنهم لم يتلاعبوا بأية أضبارة وبقيت المعلومات والوثائق كما هي في حين كان بأمكان أي قائد عسكري خصوصا الذي تحول الى قائد سياسي (كالعادة)أن أن يرفع الاوراق والمعلومات السلبية من أضبارته ..

وجدت الكثير عن الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قد اكتبه مستقبلا ولكن حالة(إيجابية ) وددت تسليط الاضواء عليها بعيدا عن رومانسية الطعام البسيط والدار المستأجرة وغيرها ..فقد كان المقدم الركن عبد الكريم قاسم أمر أحد الافواج الموجودة ي منطقة سواره توكه في شمال العراق وكانت العمليات العسكرية موجودة في نهاية الأربعينات،وأضطر الامر أن ينام في العراء وسط البرد،ويظهر أنه أصيب بمرض ( البيتروتايفوئيد) وعند علاجه في بغداد لم يستجب للأدوية ونظرا لخطورة حالته تقرر ارساله الى بريطانيا للعلاج على حساب الدولة،ويظهر أن علاجه كان مكلفا وطويلا بما جعل صديقه الملحق العسكري العراقي في لندن آنذاك حسن مصطفى أن يستمر بالصرف عليه حتى تجاوز المبلغ المقرر بأكثر من ستمائة دينار عراقي،وعندما عاد الى بغداد أصدر رئيس اركان الجيش أمرا بتحميله المبلغ الاضافي وقطعه بالاقساط من راتبه،وقد شعر الزعيم أن في ذلك غبنا له فهو مريض من جراء الخدمة وأداء الواجب، فكتب العريضة تلو الاخرى (بقلم الكوبية) وهي محفوظه جميعا في أضبارته ،ولكن لم تحصل الموافقة على أعفائه من المبلغ الاضافي..

وعندما أصبح رئيسا للوزراء قدم طلبا عنوانه من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم الى مجلس الوزراء الذي هو رئيسه يعيد فيه شرح قضيته ويطالب باعادة المبلغ الذي دفعه من دون وجه حق اليه (وقد توقفت عنذ ذلك وأتهمت الرجل مع نفسي باصراره على استرداد مبالغ حكومية)ولكن بعد قلبت الصفحات الاخرى في أضبارته وجدت قرارا من مجلس الوزراء بالموافقة على اعادة المبلغ المذكور الى الزعيم الركن عبد الكريم قاسم،ولكني لاحظت أن النسخة المحفوظة في الاضبارة مؤشر عليها بعبارة تقول (يفتح حساب في مصرف الرافدين باسم جيش التحرير الفلسطيني ويوضع هذا المبلغ كبداية فيه) والتوقيع لعبد الكريم قاسم .
أكبرت للرجل موقفه الوطني، ولكني بالمقابل (ولست خبيرا سايكولوجيا) وجدت أنه من النوع الذي لايتنازل عن حق يعتقد أنه مغبون فيه مهما طال الزمن.
الذي أريد قوله وقد يعترض البعض عليّ واستنادا الى التقارير الطبية الموجودة في الاضبارة (يمكن الرجوع اليها) واتمنى ان تكون محفوظة وسليمة،تشير الى أن المرض قد أصاب جهازه التناسلي وقد يكون قد سبب له العقم،وذلك بأعتقادي سبب عدم زواجه .
أرجو أن يكون ما قلته بردا وسلاما عن المحب وغير المحب على أن يأخذ كلاهما الموضوع من باب تسجيل الوقائع للتاريخ خصوصا أن ما ذكرته (مسند) بالوثائق والمستندات وبخط المرحوم الزعيم نفسه وبتقارير طبية صحيحة.

ماهو تقييمك لتجربتك في ليبيا ؟؟
زرت ليبيا مع وفد اعلامي وسياسي مستقل عام 2004 ويظهر أنهم أرادوا استطلاع آرائنا في الاوضاع في العراق ومحاولة إيجاد موطئ قدم ليبي في الاحداث ، وبعيداً عن التفاصيل أود أن أروي بعض الحوادث التي توضح كيف يفكر الحكام في ليبيا ، ففي لقا ئنا مع مسؤول الاعلام في اللجان الشعبية تحدثت عن واقع الصحافة في ليبيا وجلبت معي بعضاً منها وهي عبارة عن أربعة أوراق (فارغة) تماماً من أية اخبار مجدية أو تحليلات ، وقلت له :

لماذا لا تستفيدون من تجارب غيركم في فشل الاعلام عندما يكون مركزياً ومحدوداً ، ومع ذلك فأن ما (كان) لدينا أفضل بكثير مع ما موجود عندكم حالياً ولا أجد في صحافتكم ما يمكن قراءته والاستفادة منه ،
نظر لي الرجل شزراً وتمنى مع نفسه أن أكون ليبيا ليعرف كيف يتصرف معي أو أنه له صلاحية (التغييب ) ليلحقني بالسيد موسى الصدر ، ولكنه قال لي بأنفعال شديد :
ان مشكلتكم في المشرق العربي أنكم لا تفهمون طبيعة النظام في ليبيا ، فالقذافي ونحن لا نحكم ليبيا وانما الشعب هو الذي يحكم وهو الذي يدير وسائل الاعلام وغيرها وما تنتقده أنت هو من نتاج الشعب الليبي ..

وقد وجدت أن من العبث النقاش مع شخص يتحدث بما لا يؤمن به وبما لا يوجد على أرض الواقع ، لذلك تجاوزت الحديث معه .
في مساء اليوم نفسه كنا نتجول في السوق الشعبي الكبير في طرابلس وهو مزدحم ويسهر الى ساعات متأخرة من الليل وتجد فيه مختلف السلع ، وقد لفت نظري أن أمرأة كبيرة في السن تفترش الأرض وأمامها طبق فيه ثمار التوت ، فأقتربت منها وسلمت عليها فردت عليّ على الرغم من ترددها في الحديث مع (غريب) كما هي العادة في الانظمة المماثلة ، فقلت لها بلؤم وكان معي الدكتور هاني الياس الحديثي عميد كلية العلوم السياسية سابقاً :

هل أنت تحكمين في ليبيا يا خالة ؟

استغربت سؤالي وأجابتني بعفوية أنها فقيرة وتود أن تبيع ما لديها من التوت وقد تحصل على دينار تعود به الى عائلتها ، فقلت لها أن الحكومة الليبية تقول أنك من الشعب الليبي الذي يحكم ليبيا فعل تقومين بأي عمل (سلطوي) نفت ذلك بشدة ورجتني أن أشتري منها وأتركها بسلام ، ولم أنتبه الى وجود بعض الشباب الليبي بالقرب منا ، ولكن احدهم تقدم نحوي وأعتقدته (مخابرات) وسألني :

من أين الأخوان ؟

قلت : من العراق ..

فسألني:

كم استغرقت عملية احتلال بغداد ؟

قلت ليس طويلاً ولكن المسافة بين أم قصر في الجنوب وبغداد أخذت ثلاثة عشر يوماً لوصول قوات الاحتلال الى بغداد ..

فضحك وقال:

أن ذلك كثير جداً فأحتلال طرابلس لا يستغرق عشرة دقائق .

فسألته : ألا تدافعون عنها ..؟؟

أجاب :

هل تريدنا أن ندافع عن النظام و( الكذافي)؟
وجدت مفارقة غريبة فعلى الرغم من الدخل الهائل الذي تحصل عليه ليبيا من عائدات النفط ، إلا أن كل ما هو جميل أبتداء من الفندق الذي نزلنا فيه الى المطاعم والبنايات هي من (مخلفات الاستعمار الأيطالي ) وأن ما قدمه النظام للشعب الليبي هي أعداد كبيرة من صور القائد معمر القذافي بمختلف الاشكال و(البوزات) والاحجام ، مع (بادرة) ظهورها نهاراً وليلاً عن طريق الأنوار الكاشفة ، ولاشك أن ذلك مكسباً كبيراً حصل عليه الشعب الليبي .
أتمنى أن تمر الأزمة الليبية بسلام وأقل قدر ممكن من الضحايا وبأنتصار الشعب الليبي الذي ذهبت أكثر أمواله للتعويض من ضحايا اسقاط القذافي لطائرة لوكربي المدنية ولدعم جيش التحرير الايرلندي والحرب مع تشاد وتكوين فرق المرتزقة الافارقة الذي يحاربون اليوم دفاعاً عن النظام ويقتلون الشعب الليبي بالجملة .
أللهم أدفع (البلاء) عن ليبيا وشعبها الشقيق لتلحق بركب الدول التي أنتفضت على الظالمين .. والحبل على الجرار .

ماهي حكايتك سيدي مع ألمرحوم ألسيد احمد الصالحين الهوني  وزير ألاعلام في العهد الملكي في ليبيا؟؟
المرحوم احمد الصالحين الهوني كان وزيراً للاعلام في العهد الملكي في ليبيا وقد تم سجنه مع الوزراء الآخرين،وهو شخصية اعلامية ورئيس تحرير جريدة(العرب)التي تصدر في لندن ويمتلك الكثير من خفة الدم والصراحة في احاديثه،وقد ربطتني معه علاقة وثيقة وكان يسميني(يا ولدي)،وقد حدثني ان من جملة التهم التي وجهت له خلال محاكمته من قبل نظام القذافي انه استضاف كوكب الشرق أم كلثوم في ليبيا حيث أحيت عدة حفلات غنائية عام 1967 بعد حرب حزيران وكان ريعها للمجهود الحربي المصري،ودفع لها خمسة الاف دينار ليبي عن كل اغنية جرى تسجيلها على الفيديو وأصبحت ثروة الآن لعدم وجود هذه الاغاني على تسجيلات وتذيعها الآن مختلف المحطات التلفزيونية،وقد حاول الدفاع عن نفسه ولكن من ضمن الاحكام التي صدرت عليه تغريمه مقدار المبالغ المالية التي دفعها لام كلثوم !!.
بعد اطلاق سراحه سكن مع عائلته في لندن وأصدر جريدة(العرب)بدعم من الحكومة العراقية آنذاك ثم دخل القذافي على الخط ليدفع له اموالاً كبيرة على شكل اعلانات يومية عن(النهر العظيم)الذي انشأه القذافي لسحب مياه الصحراء الجوفية الى شمال ليبيا(لتصب في البحر)لعدم وجود اراضي زراعية صالحة حوله!.

وخلال زيارتي الى ليبيا عام 2004 التقيت بالهوني في فندق (البحر العظيم)وحدثته عن انتقادي للصحافة الليبية امام مسؤول ليبي كبير،فقال لي:

لماذا تفعل ذلك يا ولدي ،لأن سور الصحافة الليبية يجعل المواطن يشتري جريدة(العرب)وابيع 75 الف نسخة يومياً يجد فيها القارئ اخباراً (يمكن قراءتها)على الاقل.
وفي احدى جلساتنا بمطعم يطل على البحر قال لي انظر الى هذا الاسطول من السفن الضخمة على ساحل البحر وهي الناقلة للتجارة الواردة الى ليبيا ويمتلكها سيف الاسلام احد اولاد القذافي،والسؤال من أين جاء بالاموال (الجماهيرية)لشراء كل هذا الاسطول وكم يحصل على عائدات منه ؟.

وعندما كنا نحلل شخصية القذافي معاً واستغل معرفته به قال لي:

انك (أنيق)وتلبس منذ عرفتك ملابس جميلة،ولكني صدقني لو رآك القذافي على كل ما عنده لغار منك ولدبر لك مؤامرة،فهو لايريد ان ينافسه احد حتى في الملبس،ويحقد على اقرب المقربين اليه اذا سلطت وسائل الاعلام عليه الاضواء .
وعندما كنا نتناول طعام الفطور في مطعم الفندق يوماً وهو شكل(بوفيه) ،ضحك الهوني وقال لي :

ان مظاهر التدهور في ليبيا ولا أبالية العاملين انك ستجد نفاد الطعام دون ان يأتي احد لادامة وجوده،..

قلت له من غير المعقول في هذا الفندق الضخم ان يحدث مثل ذلك؟؟، وبالفعل وبعد دقائق كان اكثر النزلاء يشكون من نفاد الطعام من المائدة الرئيسية ولا أحد يقدم لهم الخدمات .
من الامور المعتادة في الفنادق وحتى غير الكبيرة ان تستخدم جهاز التلفون في غرفتك وتتصل داخلياً او خارجياً ويجري احتساب الكلفة مع غيرها وتدفعها عندما تغادر،ولكن في ليبيا هناك (سياق)آخر ،فاذا اردت الاتصال بالخارج تذهب الى الاستعلامات اولا وتقدم المعلومات المطلوبة عن الرقم والدولة والمدة التي تريد ان تتكلم بها،ثم تقوم الحسابات بتقدير المبلغ المطلوب فيأخذوا منك (امانات) نقدية تفوق القيمة المقدرة للمكالمة ، ثم تذهب الى غرفتك وتتصل،ثم تهبط الى الحسابات لتسوية المبلغ،وهو(ابتداع)لا أدري اذا كان موجوداً في(الكتاب الاخضر)كشكل من اشكال التميز الجماهيري عن الجمهوري او الملكي الذي يتبع طرقا بالية في احتساب اجور المكالمات التلفونية.
لقد كانت قلوبنا مع الشعب الليبي الذي يدفع من امواله (اجور)القتل في الخارج والتآمر والنهب وشراء نادي ايطالي مشهور من قبل احد اولاد القذافي وضرب احدهم لمواطن سويسري وعند(محاولة)التحقيق منه هدد القذافي بقطع النفط عن سويسرا ،وقال ابنه :لوعندي قنبلة ذرية لالقيتها على سويسرا ... المتخلفة !


       

في نعمة ألعقل أحدى مقالاتك تطرقت حول تحليل شخصية ألقذافي وماذا كان جواب ألصحفي والدبلوماسي الفرنسي المعروف (اريك رولو) حين سألته هل ألقذافي مجنون؟؟
لست من المختصين في علم النفس لاخوض نقاشاً حول الحالة من الناحية الطبية ولكني مع جميع المتابعين لمسيرة القذافي منذ استلامه للسلطة نلمس تناقضاته و(صرعاته)التي تخرج عن المنطق في الكثير من الاحيان وخصوصاً في اسطورة تحويل الجمهورية الى جماهيرية عظمى،وقد دفعتني العديد من تصرفاته الى طرح سؤال محدد على الصحفي والدبلوماسي الفرنسي المعروف (اريك رولو)الذي تربطه بالقذافي علاقات وثيقة،فقد استفسرت منه وكنت  في داره في باريس اذ تربطني علاقة صداقة معه وزوجته المرحومة روزي رولو :هل ان القذافي مجنون؟فاجابني كلا بل انه مصاب بعقدة العظمة فقط ومن اجل ذلك فانه يرسم(بدقة)لما يمكن ان يقوم به لتعزيز هذه القناعة واظهار نفسه امام العالم كله بانه(متفرد)في افكاره وسياسته وتصرفاته،وكمثال على ذلك فانه عندما تلقى دعوة لحضور مؤتمر قمة عربي في المغرب،فكر في الاجراءات التي يمكن ان يتخذها ليسحب وسائل الاعلام واهتماماتها اليه من دون الحكام الآخرين،لذلك فقد قرر ان يلبس (قفازات)بيضاء حتى لا تتلوث يداه وهو يصافح الحكام العرب،كما انه ابتدع قضية السكن في خيمة كبيرة عند حضوره المؤتمرات العربية والدولية بدلا من اماكن اقامة غيره من الرؤساء،ففي مؤتمر عدم الانحياز في يوغسلافيا برئاسة تيتو فوجيء الجميع بالقذافي وهو ينصب خيمة كبيرة بالقرب من الفندق ووسط احد الميادين ويضع بعض الجِمال حولها ليقوم بحلبها وشرب حليبها مع اعتماده على طعامه الخاص الذي يقدمه له كادر اجنبي بقيادة المرأة البولونية الشهيرة،لذلك وحسب ما ذكره لي اريك رولو فان القذافي يتعمد هذه التصرفات على قاعدة (خالف تعرف) ،واستبعد ان يكون(مجنوناً)بل مهووساً ويعتقد انه قد جاء لانقاذ البشرية من خلال (الكتاب الاخضر)الذي قد يصلح ان يكون سماداً للزرع الاخضر !
يقال ان دوائر المخابرات في الدول المتقدمة تدرس الشخصيات من خلال عدد رمشات العين وحركة اليدين والرأس خلال القاء الخطابات وتستنتج حالتهم المعنوية وبعض ملامح شخصياتهم العامة،وباعتقادي ان خطابي القذافي الاخيرين في طرابلس يصلحان ان يكونا نموذجين لدراسة نفسية لشخص يعرف انه قد انتهى ولكنه يريد بالمقابل ان يقتل اكبر عدد من الشعب،لسبب وحيد هو الحقد والكراهية التي جعلته يحكم بلداً غنياً بالظلم والسرقة والشعوذة طيلة اكثر من اربعين سنة.

              

كان اهلنا يقولون (الجنون فنون)واعتقد ان القذافي يمثل النموذج المتقدم لهذه الحالة،فهو(يرفس النعمة)التي هبطت عليه عندما استلم الحكم عام 1969 في بلد غني وقليل السكان ومن السهولة الارتفاع بمستواه المعيشي وتنميته وجعله بمستوى اغنى وارقى الشعوب،ولكنه ترك ذلك كله ليصبح(ملك الملوك)واختصاصي في الازياء الغريبة التي يرتديها وقصات الشعر الكريهة ولهجة الاستعلاء التي يتحدث بها للناس والعالم .
ان نعمة العقل من اعظم النعم التي وهبها الله للانسان،فلماذا يسيء(البعض)استخدامها،ليتحولوا الى مجانين وسراق وظالمين للآخرين،وهناك اكثر من قذافي في اكثر البلدان..مع الاسف الشديد .

تواصل اليوم نشرَ مقالاتك اليومية والدورية في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية، وتفخر إذ أنه كتبَت ونشرت، وبدون انقطاع، خلال السنوات الأخيرة 500 مقالة يومية في صحيفة "الجريدة" البغدادية لماذا تشعر بأحباط وتقول... ما من مسؤول يطالع ألوسائل ألاعلامية ...ماهي رسائلك لهؤلاء ألمسؤولين؟؟
كتبت لحد الأن أكثر من 600 عمود يومي في جريدة ( الصباح الجديد) ، وأرأس تحرير جريدة الجريدة التي تصدرها الحركة الاشتراكية العربية وأمينها العام صديقي وزميلي في قيادة حركة القوميين العرب الاستاذ عبد الاله النصراوي وأكتب فيها كثيراً ، ولكني لاحظت أن ما نكتبه من ملاحظات وآراء وانتقادات لا يهتم بها أحد ويستمر المسؤول في غيه غير متسائل عن رأي الناس ، وبعض المقترحات مهمة للناس والبلاد ولكن لا تجري المحاسبة أو المتابعة مما ولدّ حالة من التمييع واليأس والشعور بوجود تواطؤ ورشاوى .


    

ماحكاية أللقاء ألتلفزيوني (تلفزيون الشباب) عندما طلبت منك المذيعة أن تغني ...لماذ غضبت ؟؟
كان عدي صدام حسين ( ينصب) المقالب للآخرين ويضحك عليهم واستثمر تلفزيون الشباب وصحفه في هذا المجال ، وكنت أدرك ذلك عندما أجرى تلفزيون الشباب لقاء معي ، فأنا رئيس تحرير مجلة وما هي علاقتي بالغناء شخصياً فهو يقصد إضحاك نفسه والمشاهدين من خلال ذلك.


 

أين هي ألان قرينتك ألسيدة أبتسام عبدالله , تلك ألايقونة للثقافة وألهدوء ...كانت بقصة شعرها ألفرعونية ...ورخامة صوتها ...وكم ألثقافة ألقابع خلفها ...جعلها نموذج لايتكرر
زوجتي إبتسام عبد الله كانت رئيسة تحرير مجلة الثقالفة الاجنبية حتى الاحتلال وهي ضليعة باللغة الانجليزية، وصحفية عملت في التلفزيزن كمترجمة للاخبار ثم في مجلة ألف باء ثم في جريدة الجمهورية وهي الان بعد تقاعدها رئيسة قسم الترجمة في جريدة(ألمدى) اليومية...

     

وقد أجرت قناتي الشرقية والعراقية لقاءات تلفزيونية معها تحدثت عن سيرتها الذاتية وكتاباتها للروايات والقصص وترجماتها لأمهات الكتب العالمية التي صدرت عن دار الثقافة المصرية ومنها ديوان الشاعر د.ج..لورنس
كما تعلمين جرى تشتيت العائلة بالتقاعد والسجن والنقل عندما صدر الحكم على أخوي زوجتي إبتسام بالاعدام  وكان نصيبي النقل من جريدة القادسية بقرار من المكتب العسكري للحزب وعندما وصلت نسخة منه الى صدام ألغاه وبقيت في مكاني

كلمة أخيرة للاأستاذ ألصحفي ألكبير أمير ألحلو يخص بها موقع مجالس حمدان الثقافية..
مجالس حمدان الثقافية موقع متميز أحرص على الاطلاع عليه حتى قمت بالمشاركة في الكتابة فيه تلبية لدعوة كريمة من الاستاذ جلال چرمگا كم تعجبني إختيارته للاحداث السياسية والاجتماعية فهي غنية بالمعلومات التأريخية..أرجو الموفقية والتقدم لحمدان ومجلسه والقائمين عليه
أما كلمتي ألاخيرة فهي لو قيل لأي صحفي محترف بفن ألمحاورة  بأنك ستستضيف ألكاتب وألصحفي ألكبير ألاستاذ أمير ألحلو لقضى ليلته متقلباَ في فراشه كالسمكة يتوسد كومة أوراقه
أما أنا و كيف وضعت نفسي في هذا ألمأزق فتلك مشيئة ألقدر
 في أمان ألله ....لضيفنا ولكم

      

جلال چرمگا:كل الشكر للأستاذ الكبير الصحفي والكاتب وألأكاديمي العراقي /أمير الحلو على هذه الأجوبة الصريحة ..مع تمنياتي له بالصحة والعافية..

فقط للعلم :شقيقي ألأستاذة (إبتسام) كل من الدكتور ضرغام ووسام ،كنا سويا في معتقل أبو غريب ولكنني خرجت قبلهما..

أما أنتِ أختي العزيزة وزميلتي سكرتير التحرير (إيمان البستاني) والنبي صحفية محترفة أعتقد حتى أستاذنا /أمير الحلو ..يأيدني..

ملاحظة: المقابلة ليست بجديدة..اجريت قبل أكثر من الثلاث سنوات تقريبا.. نعيد نشرها بمناسبة رحيل الصحفي والأعلامي الكبير.. رحمه الله والى جنات الخلد ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

619 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع