أبطال ومواقف....الحلقة الأولى

     

                   أبطال ومواقف...

    

             

                                                                           

                                

سبق ان طلب مني الشيخ جلال چرمگا استذكار بعضاً من الادوار البطولية لعدد من ابطال وشهداء القوة الجوية العراقية الذين استشهدوا ودافعوا من اجل العراق العظيم لنشرها في الكاردينيا الثقافية .

وتلبيتاً لطلبه ساذكر قصة موجزة في كل مرة عن احد الابطال والشهداء ممن عايشتهم في القادسية الثانية اثناء الحرب مع ايران ولحالات مميزة جداً ، وقبل ذلك اليكم هذا المدخل الموجزعن الطيار المقاتل وكيف يتم اعداده وتربيته وتعويده على تلقي الشهادة بكل رحابة صدر في كل الظروف سواء اثناء القتال اوالتدريب دون ان يكون لديه رد فعل سلبي تجاه اية مهمة مهما بلغت صعوبتها .

في الحقيقة أن طياري المقاتلات القاذفة (الهجوم الأرضي) بشكل خاص يتعرضون أكثر من غيرهم من الطيارين إلى اصابه أو تدمير طائراتهم من قبل اسلحة الدفاع الجوي المعادي تبعاً لطبيعة واجباتهم وقساوتها وقد حددت الدراسات الاستراتيجية في الحرب العالمية الثانية نسب معينة في خسائر طائرات المقاتلات القاذفة في حرب بين دولتين ذات قوتين جويتين متعادلتين ودفاعات جوية فعالة بلغت 2/3 طائرات الدولة المهاجمة لفترة محددة وبزخم طيران عالي (هذه النسبة تشمل الاصابات والتدمير والاعطال والاضرار البسيطة وكل ما يمنع الطائرة من الطيران).

       

في حربنا مع ايران اختلفت هذه الدراسات بعد التخطيط والمباغته والعزم لقواتنا الجوية والدفاع الجوي كونها تهدف الى انهاء حالة معينة وهي اعادة الحق الى نصابه وفرض أمر واقع وذلك عندما قامت قواتنا المسلحة للفترة من22 أيلول1980 وحتى 5 ت1 1980 تحقيق الهدف القومي للحرب المحدد من قبل القيادة السياسية وهو (استعادة كافة الاراضي المحتلة من قبل ايران ثم التوصل الى تسوية عادلة ومشرفة للنزاع العراقي الايراني) فمنذ الايام الأولى للحرب عرض العراق السلام على ايران وابدى استعداده الكامل للانسحاب من الاراضي الايرانية واقامت علاقات طبيعية معها كما وافق العراق على قرار مجلس الأمن رقم 479 في 28 ايلول (سبتمبر)1980 لوقف القتال واعلن من جانبه وقفاً لاطلاق النار ، من29 منه ولمدة ثلاث ايام الا ان ايران ارادتها حرباً طويلة كان العراق فيها أكثر اقتداراً من ايران فبدلاً من استنزاف لقواتنا الجوية كان هناك بناء جديد لهذه القوات واصبحت خلال سنوات الحرب بوضع أفضل مما كانت عليه قبل الحرب وبذلك ارتفعت كفاءتها النوعية واصبحت معادلة للقوة الجوية الايرانية ثم تفوقت عليها للفترة 1984-1988 هذا لا يعني عدم وجود خسائر بالطائرات أو الطيارين ولكن كان هناك تعويض أكثر من الخسائر سواء بالطيارين أو الطائرات اضافة الى أسلوب القيادة والسيطرة على استخدام القوة الجوية الذي كان يُحسم من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة بعد التنسيق مع قيادة القوة الجوية مما حافظ على جهدنا الجوي لفترة طويلة وعلى العكس من ذلك فقد خسرت ايران معظم جهدها الجوي في هذه الحرب بحيث اصبحت طائراتنا تتعرض للاهداف الايرانية الاستراتيجية والعسكرية بحُرية تامة مؤكدة تفوقها الجوي على القوة الجوية الايرانية.

كان نهج عملنا مع الاسراب المقاتلة عموماً ينصب على هذا الاساس فالطيار الهاوي المحب للطيران يتفوق دائماً على الطيار الذي يتقدم للقوة الجوية لايجاد فرصة عمل معينة لأن الطيران المقاتل يتجسد فيه العلم والفن والاحترام والحرص والمتابعة والتضحية بكل المنافع الشخصية ونكران الذات فضلاً الى عدم امتهان العمل بالمفهوم التقليدي لكنه يجب أن يكون ممزوجاً مع الهواية ... وبذلك أقول بدون تحفظ وفق هذه المفاهيم قد نجحت اسرابنا المقاتلة والقاصفة وطيران الجيش محققة أفضل النجاحات في المعارك كافة التي خاضتها سواء على المستوى القومي أو الوطني ومنها حربنا مع ايران حيث برهن ابطالها على اصالتهم العالية في الذود عن حياض الوطن مضحين في الغالي والنفيس في سبيله... ولنا مع عدد من هؤلاء الابطال قصص لا تنسى لفترة اشتغالي في القوة الجوية يفتخر بها بطلها شخصياً مع عائلته ونفتخر بها نحن كآمرين وقادة لهؤلاء الابطال وسأتناول بعضاً من هؤلاء الابطال .

   

الشهيد البطل النقيب الطيار هاتف مدلول حمد

النقيب الطيار هاتف مدلول حمد احد افراد السرب الخامس سوخوي/22 شارك معي في بناء السرب الخامس (مقاتلات قاذفة) عام 1976 وكان مثال الضابط الطيار الهادئ الملتزم الخلوق المحب للطيران والرياضي الاول ضمن فريق القوة الجوية لكرة السلة والطائرة مستواه عالي في الطيران نفذ العديد من الواجبات القتالية في ايران منذ بدايتها في 22 ايلول(سبتمبر)1980 ، وبالنظرلزخم الطيران العالي فقدنا العديد من طياري الهجوم الارضي سواء طياري ( السوخوي او الميج/ 23 ، او الميراج ف1، والقاصفات وحتى احياناً من طياري المتصديات الابطال بطائراتهم الفير مخصصة لمثل هذه الواجبات التي كنا نكلفهم بها ) معظمهم من الطيارين الجيدين كآمري الاسراب والرفوف وطياري الرف،منهم بطلنا النقيب الطيار هاتف مدلول ،

   

كان المومى اليه في السرب الخامس وقد تم استخدامه في السرب/44 بقاعدة تموز(الحبانية) الجوية لتدريب وإعداد الطيارين الاحداث على الطائرة سوخوي/22 لغرض رفد هذه الاسراب التي تعاني نقصها منهم باستمرار ، شاءت الظروف ان المومى اليه قد قرر عقد قرانه وسبق لآمر سربه منحه اجازة في بغداد لاتمام مراسيم زواجه كان ذلك في مايس 1982 ، في هذه الأثناء طلبت قيادة القوة الجوية ان يقوم الضباط الطيارون الذين سبق لهم تنفيذ عدد من المهام على جزيرة خرج تكرار تنفيذ احد هذه المهام ، كان أحدهم النقيب الطيار هاتف مدلول مما اُجبر آمر سربه ان يستدعيه من الاجازة لتنفيذ واجب معين ، لكنه قبل ان يمتثل للامر اتصل معي من داره في بغداد يتوسطني بينه وبين القيادة والسرب لاختيار طيار آخر بدلا عنه لتنفيذ الواجب ،كوني كنت اتابع ضباطي في حل مشاكلهم الشخصية والانسانية خاصة انه قد اكمل كافة الترتيبات اللازمة لعقد قرانه والذي يصادف في اليوم نفسه الذي استدعي فيه ، وقد اقتنعت بوجهة نظره كعامل انساني مقبول ، في حينها اتصلت بالعميد الطيار الركن سالم سلطان عبد الله البصو مدير الحركات الجوية آنذاك ورجوته اختيار طيار آخر بدلاً من المومى اليه واوضحت له ان زواجه سيتم هذا اليوم واعتقد ان من الجانب الانساني ان نبارك له هذه الخطوة ، سيما انه من الطيارين الجيدين ولم يتأخر يوماً عن تنفيذ أي واجب قتالي ومن المحتمل جداً ان تنفيذه الواجب لايكون بالمستوى المطلوب ، لكنه لم يقتنع بوجهة نظري وطلب مني الايعاز له بالغاء اجازة عقد القران والالتحاق فوراً الى قاعدة تموز ومنها يطير بطائرة سوخوي/22 للسرعة الى قاعدة الوحدة الجوية( الشعيبة) لتنفيذ الواجب على ان يتم مراسيم الزواج لاحقاً، ومع ذلك اتصلت
بآمر قاعدة تموز المقدم الطيار الركن مظهر محمد الفرحان وطلبت منه التدخل بالموضوع لكنه اوكل الامر الى آمر جناح طيران القاعدة وهذا الرجل لم يفعل شيئاً واعتبر الامر منتهي ، اتصلت بالنقيب هاتف في داره واعتذرت منه عن عدم تمكني من تلبية طلبه وقد شكرني على ما قمت به من جهود واخبرني بانه سيلتحق فوراً بالقاعدة لتنفيذ الامر ، ومنها طار باحدى طائرات السرب/ 44 الى قاعدة الوحدة( الشعيبة ) الجوية مؤجلاً موضوع زواجه لوقت آخر...

         

واشترك في تنفيذ الواجب وكان من الواجبات الصعبة ضد جزيرة خرج الايرانية بتشكيل مؤلف من 4 طائرات سوخوي22 بقيادة الرائد الطيار محمود رشيد البياتي الذي حضر هو الاخر من قاعدة الحرية (كركوك ) الجوية وعضوية كلا من النقيب الطيار هاتف مدلول رقم (3) والنقيب الطيار محمد راجح رقم (2)والملازم الاول الطيار باسم رقم (4) ، يذكرالنقيب الطيار محمد راجح ، انه قبل وصول التشكيل جزيرة خرج هاجمتهم طائرتين ايرانيتين نوع ف/14 مما اضطر التشكيل الى الانحدار الى أمتار قليلة فوق سطح البحر كي يُفشلوا الهجوم المعادي الذي اطلق صواريخه باتجاههم دون ان تصيب اعضاء التشكيل ، كان مدى الرؤيا قليل بسبب الضباب الاشعاعي الذي تكوّن على سطح البحر شاهد طائرة المومى اليه تلامس سطح الماء بشكل تدريجي ثم ترتطم به دون ان يقذف منها ويقول لقد ناديته ولم يتخذ أي اجراء مما يدل على انه كان في حالة من التعب او الارهاق التي قد تصيب الطيار ادت الى استشهاده في الحال ،كما يذكر الطيار محمد راجح تمكن الطيار المعادي من اصابة وتدمير طائرة قائد التشكيل وهو يهاجم الجزيزة ادى الى ارتطامها بالجزيرة ، ثم القينا انا ورقم 4 اسلحتنا على الجزيزة دون تركيز بسبب الارباك الذي سببته لنا طائرات ف /14، وعليه اعتبرت المهمة شبه فاشلة ولم تحقق غرضها مع خسائر طائرتين سوخوي /22 بطياريها وعودة اعضاء التشكيل الاخرين بشكل منفرد الى القاعدة ، هكذا هم ابطال الهجوم الارضي يتعرضون للمخاطر اكثر من غيرهم بحكم طبيعة واجباتهم رحم الله شهداؤنا الابرار واسكنهم فسيح جناته.

ان الدروس والعبر التي نستنبطها في مثل هذه المواقف عظيمة في معانيها كبيرة في تضحياتها قل مثيلها في التاريخ المعاصر... من الناحية الاخرى ان الطيار حالة خاصة يستوجب العناية به وعدم تركه للظروف او اهماله لان العمل الذي يقوم به ليس عملاً تقليدياً سهلاً وانما يحتاج إلى تفهم خاص لمشاكله وظروفه والانطلاق منها هذا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار انه يقود الطائرة لوحده دون مساعد وان أي خطأ بسبب حالته الصحية او النفسية قد يؤدي بحياته والطائرة ، فعندما منح طيارنا الشهيد اجازة الزواج ينبغي على الآمر ان يكون لديه الحل البديل اذا ما طلب منه تنفيذ واجب بمستوى واجب جزيرة خرج وظروفه الصعبة ، كان يتطلب من الآمر المباشر ان يبادر فوراً بتحمل مسؤولية الواجب وايجاد البديل وترك موضوع زواج النقيب هاتف مدلول ان يتم لاسيما ان هناك استحضارات لهذا الزواج وفرح وبهجة وسرور انقلبت فجأةً الى حزن عميق اثر فينا جميعاً في حينه بشدة فكيف مع اهله واحبائه واصدقائه قد ينعكس ذلك سلباً على باقي الطيارين ويفقدهم ثقتهم بآمريهم وبقيادتهم، وقد يكون نفس السبب في استشهاد قائد التشكيل الرائد الطيار محمود البياتي وهو الطيار الكفوء في اداءه لمهامه وهو بمستوى آمر سرب مقاتل حضر لتنفيذ الواجب من كركوك ولا نعرف ظروفه الخاصة وزج به مباشرةً في هذا الواجب هذه دروس وعبر كتبت بالدماء الزكية لطياري المقاتلات القاذفة الشجعان ، يجب ان نقف عندها ونتأملها طويلاً ونتعض منها للمستقبل نتجنب تكرارها خاصة ان الطائرات الشرقية بمعداتها التقليدية لاتساعد الطيار اثناء الملاحة والوصول للهدف ثم التسديد عليه وتجنبه العديد من الاخطاء التي قد يقع بها الطيار المقاتل .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع