حقائق مثيرة و مذهلة عن بلد الغرائب و العجائب/ خالد حسن الخطيب

    

     

             

في سنة 1984 تم قبولي في كلية الزراعة الواقعة في منطقة ابو غريب احدى كليات جامعة بغداد العريقة حيث التحقت بقسم الصناعات الغذائية الذي كان يضم 32 طالبا وطالبة  حيث كان عدد الطلاب العرب في قسمنا  يساوي عدد الطلاب العراقيين  ان ذاك

والتحق معنا  طالب من الجمهورية اللبنانية اسمة جميل بطرس وقد صدق ذويه عندما اسموه جميل لشدة وسامته وبهاء طلعته الاخاذة . وكان زميلنا جميل ينحدر من اصول لبنانية عريقة جعلت التجارة مهنتها والصدق طريقها والصداقة عنوانها. وعندما تم انتسابنا الى الكلية المذكورة جاء جميل مع والده من لبنان من اجل التسجيل وإجراءات القبول في الكلية وإيجاد السكن المناسب حتى يتمكن جميل من مواصلة الدارسة لاحقا . وفي اليوم الاول من تعارفنا بزميلنا اللبناني شاهدنا زميلنا وقد ازدان وجهه بفرحتين الاولى هي فرحة قبوله في كلية الزراعة العراقية والتي كانت حلما له وأصبحت حقيقة والثانية هي شفاء والده من مرض جلدي مزمن قد احل به لفترة طويلة نغصت حياته  السابقة بالكامل . وكان والد جميل في العقد الخامس من العمر ذو لهجة لبنانية صارخة وملامح شرقية دامغة ولباقة كلامية حاسمة . فكانت دهشتنا عظيمة عندما اعلن جميل امام طلاب قسم الصناعات الغذائية في اليوم الرابع  تحديدا منذ التحاقنا بالكلية عن وجود  مأدبة غداء على شرف والده في احد المطاعم اللبنانية المنتشرة في بغداد. فكان قبولنا جماعيا حيث استأجر والد جميل سيارات (الكوستر) وذهبنا بعد خروجنا من الكلية صوب مطعم اسمة المطعم الشامي الذي يقع في منطقة الوزيريه ببغداد وكان صاحب المطعم لبناني الجنسية  يدعى ابو ياسر حيث تلونت شواربه باللون الاصفر بسبب نيكوتين السكائر التي كان يدخن الواحدة بعد الاخرى وبصورة مستمرة حيث يستخدم عود ثقاب واحد لا غير يستعمله صباحا في ايقاد السيكاره الاولى . وبعد الترحيب بنا وتجمعنا نحن طلاب الصف الاول لقسم الصناعات الغذائية على مائدة طويلة  قام والد جميل بفرح عظيم وسرور ملفت للنظر بطلب المقبلات اللبنانية الشهيرة وتوزيعها بيده على الطلاب  مثل التبولة و الفتوش والبابا غنوج وغيرها من المقبلات التي اشتهر بها المطبخ اللبناني العربي الاصيل  بعدها جاء الطبق الرئيسي لكل ضيف من ضيوف ابو جميل وهواكلة ( العرايس اللبنانية الشهيرة ) وكانت الاجواء رومانسية حالمة على اصوات الاغاني والدبكات  المنبعثة من جهاز الصوت الذي كان يشدو بأغاني فريد الاطرش وصوت فيروز و وديع الصافي , وفي هذه الاثناء  وقف بين الحضور والد جميل  بعد ان اغلق الجهاز وقال  بصوت مرتفع :

ابنائي الاعزاء ... بناتي العزيزات... فخيم الصمت على الحاضرين فقلت مع نفسي ماذا يريد هذا الرجل وما هو سر هذا التجمع بعد اربعة ايام من التحاقنا بالكلية ... فتكلم ابو جميل بعد ان حمد الله كثير وقال .. اولادي الأحباء... كما تعلمون فانا وجميل من لبنان واني في غاية السرور بقبول ولدي جميل في كلية الزراعة العراقية وبهذا التخصص الرائع , كما يشرفني دعوتكم وحضوركم هذه المأدبة الصغيرة والمقامة على شرفي بعد شفائي من مرض جلدي مزمن قد اصبت به منذ ثمانية سنوات جعل حياتي تتشح بالسواد وأيامي حزينة قاتمة  فقد ابتليت بمرض جلدي عبارة عن  دمامل  بقدر حبة السمسم ظهرت في بادئ الامر في ظهري وسرعان ما انتشرت في بقية جسدي فتوجهت فورا الى المستشفى الامريكي في بيروت حيث كان هناك اطباء اختصاص امريكان على درجة عالية من التخصص بالإمراض الجلدية , وبعد اجراء الفحوصات والتحاليل الطويلة والمكلفة ماديا ... وصفوا  لي الدواء المناسب وقد استمريت على العلاج  شهرا كاملا لكن دون فائدة بل زاد الامر سوءا... فأيقنت ان هؤلاء الاطباء الامريكان لا فائدة منهم , واخذ القيح يخرج من هذه الدمامل وينقطع ... يخرج وينقطع .. وأخذت هذه الدمامل تنتشر في وجهي ويدي بشكل كثيف ومخيف .. تخف وتظهر .. فبادرت بالذهاب الى المستشفى الفرنسي في بيروت وكان هنالك اطباء فرنسيين اختصاص في مشاكل الدمامل والتقرحات الجلدية وبعد اجراء فحوصات الدم والتحليلات الاخرى كتب لي الدكتور الفرنسي بعض المراهم والأدوية التي يجب استعمالها لمدة ثلاثة اسابيع  ولكن للمرة الثانية دون جدوى فأيقنت ان لا جدوى من هؤلاء الاطباء الفرنسيين على الاطلاق  , فاستمرت حياتي على هذه الحال دون تحسن حتى اخذت حياتي تتأقلم وتتماشى مع هذا المرض الجلدي الذي ابتليت به , حتى ايقنت ان لا شفاء من هذا المرض سوى الموت فأصبحت في عزلة عن الناس وتركت عملي بعد ابتعاد الناس والتجار مني فكنت سجين البيت كل يوم وكل ساعة  وأمنت بالله رب العالمين . وبعد تخرج ولدي جميل من الثانوية وقبوله في كلية الزراعة العراقية قررت السفر معه الى بغداد من اجل تسهيل اموره والاطمئنان عليه لكنني تفاجئت واندهشت بشدة بعد يومين من وصولنا بغداد بالاختفاء التدريجي لهذه الدمامل المقززة وما ان انتهى الاسبوع الاول من اقامتنا في بغداد حتى اختفت تقريبا  هذه الدمامل واخذ جلدي يتحسن لونه فاسترجعت عافيتي وصحتي المفقودتين وعادت لي البسمة والفرحة بعد ان غادرت بيتنا ثمانية سنوات فقمت بالاتصال فورا بزوجتي وأخبرتها بحقيقة ما جرى لي فكانت فرحتها وسعادتها لا توصف واني اليوم احمد الله كثيرا على شفائي من هذا المرض الجلدي المزمن والذي لا يعرفه اطباء العالم اجمع حتى ذهبت الى مستشفى مدينة الطب العريقة الواقعة في باب المعظم والتقيت بالأطباء العراقيين هناك وشرحت لهم ما حدث لي وكيف كنت اعاني مرضا طوال ثمانية سنوات فرد علي احد الاطباء العراقيين الاختصاص الابطال بان تغير المناخ وتغير نوعية الماء والهواء وتغير نوعية الطعام هي التي جعلتك تشفى بإذن الله من هذه الدمامل المتقيئة  واني احمد لله كثيرا ... الذي شفاني من هذه الدمامل التي نغّصت حياتي واني اشكركم عميق الشكر على حضوركم هذا واشكر الله تعالى الذي جعل ابني جميل يقبل في جامعة  بغداد حتى ازورها واستشفي من هوائها وترابها ومائها وشمسها التي لا تغيب ... فصفق الحاضرون تصفيقا  حارا وطويلا ... اكراما لزميلنا جميل وإكراما الى والد جميل ... فرد احد الزملاء قائلا ... هاي خوش سالفة عمو ابو جميل ... حقائق مثيرة  ومذهلة عن العراق  بلد العجائب والغرائب فضحك الجميع دون استثناء ... فقال والد جميل... سأرجع الى لبنان فإذا رجعت هذه الدمامل مرة ثانية فاني سأرجع الى بغداد لأفتتح عيادة طبية مجانية اسمها بغداد الشفاء  .... فغص الجميع بالضحك ودعوا له بشفاء التام فقام والد جميل بتقبيل زملائي  جميعا .

     

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

747 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع