حقيقة الموقف في الانبار

                                              

                              د.وليد الراوي

فشل رئيس وزراء العراق نوري المالكي في إخماد الأصوات المناوئة له ولسياساته الطائفية بالرغم من سيطرته على الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية و تفرده المطلق بالسلطة ، هذا الفشل في التعاطي مع الاعتصامات السلمية في المحافظات الست الثائرة, أعطى للمعتصمين فرصة كسب التعاطف الشعبي مع مطالبهم الشرعية والدستورية خصوصا في المناطق السنية.

في ظل هذا التعاطف الذي يعتبر منعطفاً مهما , عمل المالكي وحلفائه داخل العراق وخارجه على إيجاد مبررات للتصدي لهذه التظاهرات فتارة يصفها بالارهابية ومرتبطة بالقاعدة وتريد فصل غرب العراق وضمه الى المحافظات السورية الغربية( الدولة الاسلامية في العراق والشام) وتارة ينعتها بالطائفية التي تسعى لتقسيم العراق وتارة تتلقى الدعم والاسناد من السعودية وتركيا وقطر والى غيرها من الاكاذيب .
ان اصرار نوري المالكي على عدم الاستجابة لمطاليب المتظاهرين السلمية في مطالبهم المشروعة والدستورية , تقف ورائه دوافع عدة ,من اهمها ضمان تاييد محلي واقليمي ودولي لبقائة زعيماً لولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، بحجة مكافحة الارهاب و التخويف من (تنظيم داعش)، وهو اختصار ( الدولة الإسلامية في العراق والشام( .
الا ان المالكي يريد لعب ذات السياسة التي لعبها الرئيس السوري بشار الأسد، وتكون بحجة "ضرب الإرهاب وملاحقة المتشددين" , ان هذه المبررات تعتبر الطريق الأقرب لتنفيذ السياسات الدكتاتورية وضرب المعارضين والمدنيين الآمنين، وهي البوابة الأوسع لحصول المالكي على دعم إقليمي ودولي، يتم بموجبه تجاهل ما يسفكه من دماء الأبرياء خصوصا في محافظة الأنباروالعراق عموماً.
ان السيد نوري المالكي في حربه ضد أهل الأنبار، يعلن تمسكه بلغة السلاح والدم، وإلا فإن المعتصمين في الأنبار وغيرها من المدن الثائرة كانوا حريصين على سلمية الإعتصامات، وأطفئوا نار الفتنة التي أوقدها المالكي في الحويجة محافظة كركوك وجامع سارية في محافظة ديالى؛ رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها المسالمين المدنيين.
 موقف عشائر الانبار :
 
خرجت عشائر الانبار منذ اكثر من عام بمظاهرات سلميه تطالب بحقوقها التي كفلها الدستور وقد اعترف المالكي بمشروعية  تلك المطالب ومن اهمها :
1. اطلاق سراح المعتقلين الابرياء.
 2.عدم الاقصاء والتهميش الطائفي في الجيش والاجهزه الامنيه يبلغ نسبة الضباط السنة في المؤسسة الامنية والعسكرية العراقية (2%). .
3. اعادة النظر في الماده (4)ارهاب والتي اطلق عليها العراقيون (4 سنه)لانها لاتطبق الا على اهل السنه فقط.
4. اطلاق سراح النساء المعتقلات والتي اشار اليهن تقرير (هيومن رايتس ) حيث حدد يبلغ عددهن باكثر من 5000 امراءة.
و نتيجة للضغوطات الخارجيه المتمثله بايران والداخليه المتمثله بالاحزاب الطائفية  المرتبطه بايران , اتخذ المالكي قرارا بعدم تنفيذ مطالب المتظاهرين. مع اصرار المالكي على استخدام القوة المسلحة لضرب تلك المظاهرات حيث بدأها في مدينة الحويجه في محافظة كركوك وقد قتل اكثر من (50)متظاهر وجرح المئات وسط صمت رهيب .
ثم عاد ليضرب جوامع المصليين في محافظة ديالى شرق بغداد وبالتحديد "جامع ساريه وابو بكر الصديق" ذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى.
 اما العشائر السنيه  في المناطق التي تحيط العاصمه بغداد والتي تسمى "حزام بغداد" فقد عانت ولاتزال من حملات والتهجير والقتل مستهدف تغير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة.
لقد ادرك المالكي وبتوجيه ايراني من ان الفوز بولايه ثالثه يمر عبر اكتساح ساحة اعتصام مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار واول مابدا به هو اتهام تلك الساحه بالارهاب وقال ان في الساحه يوجد (36)ارهابيا وقامت حكومة الرمادي بتشكيل لجنه مؤلفه من قائد شرطة الرمادي واعضاء من مجلس حكومة الرمادي وبعض شيوخ العشائر بتفتيش خيم المعتصمين ولم يجدوا اي شيء مما ذكره المالكي ونسى المالكي قوله بان صحراء الانبار مليئه بالارهابيين وهي المنطقه المحاذيه للحدود السوريه –الاردنيه- العراقيه  ,لقد سمحت عشائر الانبار بمرور قطعات كبيره من الجيش الى الصحراء مرحبين ومساندين في ذلك بل مرت القطعات العسكرية على الطريق السريع المار بقرب ساحة الاعتصام وبمسافة (300) متر فقط وعندما ذهبوا الى الصحراء قتل قائد الفرقه السابعه في وادي حوران الذي يبعد عن مدينة الرمادي مسافة اكثر من (100كم ).                                   تدعي قطعات الجيش قيامها بتدمير معسكرات الارهابيين في الصحراء واطلقوا على تلك العمليه اسم( الثار للقائد) ,وقال المالكي انه تم القضاء على الارهاب في الصحراء.
 ثم قام بحشد الجيش واكتسح ساحه الاعتصام في الرمادي كماقامت قواته بعمليه مداهمة بيت النائب في البرلمان  عن محافظة الانبار الواقعه في مركز مدينة الرمادي  الدكتور احمد العلواني حيث تم اعتقاله ثم قاموا بقتل اخيه . ثارت عشائر الانبار وبدات الدفاع عن نفسها والجدير بالذكر ان محافظ الانبار احمد خلف كان احد قادة الاعتصام حيث نسب مسؤلا امنيا لساحة الاعتصام وقد تم ترشيحه من قبل اهل الانباروتم رفضه من قبل حكومة المالكي واصدروا بحقه مذكرة القاء القبض بحجة انه ارهابي وتم استدعاءه الى بغداد وتمت المقايضه المشروطه حيث تمت الموافقه على تعيينه محافظا مقابل ان يصرح ان الخيم  كلها ارهابيون على ان يؤيده في ذلك رئيس مجلس المحافظه المدعو صباح كرحوت اما وزير الدفاع فقد ذهب اكثر من ذلك حيث قال ان ساحات الاعتصام كلها ملغمه حتى علبة البزاليا.
  بدا المالكي حربه على شعب الانبار وعمم روايته المزعومه انه يقاتل الارهاب .
لقد عمل جيش المالكي الى اعتماد مبدا الارض المحروقه حيث تقوم مدفعية جيشه بصب قنابلها على السكان المدنيين في كل من البوفراج والبوبالي والبوعبيد والبوهزيم والملاحمه في قضاء الخالديه (30كم)شرق الرمادي, اما الفلوجه فالقصف مستمر يوميا ولم تستثنى منه مستشفى الفلوجة وقد منعت المساعدات الانسانيه من الوصول اليها كما يستهدف القصف  عشائر الحلابسه وصبيحات وزوبع والبوعيسى والبوفهد في قضاء الكرمه


هل  يوجد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام:
لايمكن انكار وجود تنظيم القاعدة في العراق والمتمثل " بالدولة الاسلامية في العراق والشام" في المحافظات السنية المنتفضة , بل باتت عملياتهم الارهابية تشمل جميع مدن العراق ولكن بنسب متفاوته.
ان ثوارعشائر الانبار والمحافظات السنيىة الاخرى قادرون على دحرهم مثلما فعلوا اول مرة ولكن لايمكن الشروع بذلك في الوقت الحاضر وجيش المالكي على الابواب يهدد مناطقهم بالاقتحام والتدمير.
موقف الثوار والفصائل المسلحة:
ان الوضع في الانبار والمحافظات السنية المنتفضة هو اقرب للسيناريو السوري ليس من حيث التاثير المباشر فحسب بل من حيث اليات التنفيذ والعمل .
حيث توجد ثلاث قوى متصارعة على الارض فهناك قوات حكومة المالكي وبالضد منهم القوى العشائرية المنتفضة وهناك تنظيم القاعدة, وفي حال تمكن ثوار العشائر المسلحة من ايقاف هجوم قوات الحكومة ضد مناطقهم فسيتولون هم قتال وطرد تنظيم القاعدة.
لقد تطور العمل المسلح حيث سرعان ما انظم غالبية ضباط الجيش العراقي السابق ومن الرتب المختلفة ومن ذوي الخبرة والذين ( عانوا من حيف وتهميش واقصاء وسلب حقوق شرعية منذ الاحتلال عام 2003 ولحد الان ) لابناء عشائرهم  وشكلوا المجالس العسكرية المناطقية وكل حسب منطقته.
ان الفعل الميداني بشكله العام يدل على ان زمام الامور بيد قوى ثوار العشائرالمسلحة وليس بيد تنظيم القاعدة وبدلالة مايلي:
1.مناشد ثوار العشائر لعشائر العراق الاخرى في مناطق وسط وجنوب العراق بسحب ابنائهم من جيش الحكومة , وهذا الفعل لم يفعله تنظيم القاعدة عبر تاريخ وجوده في العراق.
2.طلب ثوار العشائر من الهلال الاحمر والصليب الاحمر للتدخل في اخلاء جثث قتلى جيش الحكومة.
3.طلب ثوارالعشائر من الهلال الاحمر العراقي استلام الاسرى من الجنود الحكومة.
4.تامين وصول الجنود الذين يسلمون انفسهم الى عشائرهم بعد اطعامهم واكسائهم.
5.طلب الثوار من مسعود البرزاني او السيد مقتدى الصدر التدخل لحل الازمة.
في المقابل زج نوري المالكي بكل ثقله العسكرية في معركة الانبار حتى بلغ حجم القطعات المشتركة في المعارك اكثر من ( 3 فيالق) يساندهم جهد استطلاع جوي وطيران جيش, كل هذا الجهد والدعم المالي الا محدود مصاحب بحلف الغادرين وما يضمه من صحوات لم يستطيع ان يحسم معركة واحدة لصالحه حيث تكبدوا خسائر فادحة ومعنويات متردية.
طبيعة علاقة مجلس العشائر مع المجالس العسكرية:
ان طبيعة العلاقة بين الطرفين متاثرة بشكل مباشر بالحالة العشائرية حيث ان الصراع بدا مناطقيا اول الامر بالنسبة لثوار العشائر عندما هبت كل عشيرة للدفاع عن منطقتها مستعينة بابنائها العسكرين خصوصا بعد ان هاجمت قوات حكومة المالكي منطقة عشيرة البو علوان في الرمادي" والذين سرعان ما شكلوا مجلس عسكري كما سارعت بقية المناطق في تشكيل مجالس عسكرية مثل " مجلس العسكري في منطقة الفلوجة والكرمة" وغيرها والتي انضمت جميعها الى مجلس عسكري عام موحد.
بعد تطور عمل المجالس العسكرية وجمعها بمجلس عسكري موحد بقية العلاقة متجانسة بين مجلس العشائر والمجلس العسكري الموحد ومجالس المناطق وبالرغم من دخول فصائل مسلحة في حلبة الصراع والتي لاتعمل وفق طبيعة عشائرية لكنه يبقى التنسيق عال المستوى بينهم وبين ثوار العشائر,
مستقبل الحراك الشعبي في المناطق السنية:
يرهن مستقبل الانتفاضة الشعبية وتصديها المسلح في الدفاع عن مناطقها  وعشائرها بقدرة الحكومة على الحسم العسكري او الاستجابة للمطالب المشروعة.
فكلما تقدم الزمن وكثرة الخسائر وزاد الحشد الاعلامي الوطني من جانب الثوار والطائفي من جانب القوى السياسية الداعمة للحكومة, تعقد المشهد وزاد سقف المطالب.
ان مستقبل الحراك في جانبه الايجابي رهين بقدرة الحكومة على حل الازمة عبر وساطات ثقة مقبولة من جانب الثوار مثل السيد مقتدى الصدر او السيد مسعود البرزاني او اية جهة تكون محط ثقة مطلقة للثوار ويتم الاستجابة للمطالب المشروعة.
اما مستقبل الحراك في جانبه السلبي فمع تزايد القتال واتساع دائرته فلايقف الحراك عند حدود المطالب المعلومة بل يتوسع الى اسقاط الحكومة والعملية السياسية ومن ثم قد يتطور الى طلب الفدرالية لمناطق السنة او الانفصال وتقسيم العراق.

الدكتور
وليد الراوي

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1094 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع