مشاهد من زيارتي الأخيرة للعراق !! الحلقة الثانيـة

                                           

                             عباس العلوي


مشاهد من زيارتي الأخيرة للعراق !!/الحلقة الثانيـة

في بغداد

زرت العراق مؤخرا لمدة 12 يوما بدأت تحديدا في 25 / 9 / 2013

وأنا في النجف تلقيت دعوة من قناة الفرات الفضائية للظهور في احد برامجها السياسية فكان لزاما عليّ ان اسافر الى عاصمتنا الحبيبة التي يكتويها الأرهاب بشكل يومي .

استغرق مشواري في العاصمة مايقارب 13 ساعة وكنت ضيفا مكرما على الأعلامي الرائع الأستاذ حسن كريم الذي اصطحبني امسية ذلك اليوم بسيارته لرؤية معالم بغداد وقد بدأ مشوارنا السياحي بالكرادة < داخل وخارج > ثم الجادرية ليستقر المقام بنا في شارع ابي نؤاس الذي قطعنا الجزء الأكبرمنه سيرا على الأقدام وهنا لابد ان اسجل العديد من الشواهد < المؤلمة > التي يراها القادم من وراء الحدود بعينه الى الحاضرة التي قال عنها ياقوت الحموي:

بغداد أم الدنيا وسيدة البــلاد !

الجزء الأكبر من الأبنية المطلة على الشوارع الرئيسية مازالت عتيقة متهالكة متهاوية قبيحة المنظر فضلا عن سرطان < الكوبونايد > الذي غلّف العديد من الابنية ليغيّر هوية بغداد التاريخية والجمالية التي كانت فخرها مدى العصور / بدأت تختفي شناشيل العاصمة الجميلة والابنية المحاكاة بالآجر الذي عرفت به منذ العصر العباسي وأنا هنا لاأتحدث عن شارع الرشيد < ايقونة بغداد > الذي يشيّع الآن الى مثواه الأخير ولاعن معالم العاصمة التراثية والثقافية الأخرى التي اكتنفها التخريب والأهمال او بيوت الصفيح والطين التي داهمت اركانها

في شارع الكرادة المختنق بألآف السيارات تجد اصحاب محلات الأجهزة الكهربائية والألكترونية كدسوا بضاعتهم على الأرصفة ليجبروا المواطن السير في نهر الشارع مجازفا بحياته / هذا المشهد المخزي يحدث يوميا تحت سمع وبصر المسؤولين في امانة بغداد .

مدخل شارع السعدون الى فندقي المريديان والشيراتون تجده بعد فترة الغروب قد تحول الى اشبه مايكون بالمقبرة الموحشة الخالية من الناس وكأن جدرانه تصرخ وتستغيث بمن ينتشله من هول هذه الكارثة . لاتجد في بغداد رافعات البناء / عجلة الاعمار توقفت تماما / كل مايلفت نظرك هو

فوضى المرور والكتل الخرسانية والسيطرات الأمنية ومشهد المتسولين و اكداس القمامة التي اكتسحت شوارع واحياء العاصمة دون رحمة في دراما تعيدنا الى دولة الخروف الأبيض والأسود !

وما يُلفت نظرك من مشاهد < ازمة الاخلاق > !

سياسي الصدفة يفاخر بعدد عجلاته المظلله

وزعيق الصفارات التي يطلقها موكبه المجوقل

وقطع حركة المرور على كل الناس

والسيرُ مثل الحرامية < عكس الأتجاه > بشوارع العاصمة التي يعتبرها واحدة من أملاك ابيه !!

شارع ابو نؤاس الذي صرف عليه مؤخرا اكثر من عشرة ملايين دولار لتأهيله من قبل شركة تركية لاتجد فيه < بطوله وعرضه > وردة واحدة ولانافورة واحدة مجهزة بالأنارة الليزرية يبدو ان امانة بغداد كغيرها مازالت تعاني من ازمة الذوق ولا غرابة في ذلك قطعا حينما نجد اغلب الكادر المتقدم فيها جاء عن طريق المحاصصة الحزبية !

بدأنا المشي سوية بعيدا عن نهر الشارع العريق المقفر في المساء الى الجانب المحاذي لمجرى النهر بلوغا الى الحدائق التي اقيمت فيه مؤخرا وسط ظلام حالك افتش عن اعمدة الأنارة لم اجد اي أثر لها وهنا سألت مضيفي الكريم : في أي بلد بالعالم تؤسس فيه حدائق بهذا الحجم من دون أنارة ؟! الحدائق المظلمة التي اتحفتنا بها امانة بغداد تصلح وبأمتياز ان تكون في جوف المساء مكانا خصبا للأرهاب او لعلاقات جنسية غير شريفة . الف مبروك على هذا العقل الأجرب !!

ابو نؤاس يبحث الآن عن هويته المفقودة في شارعه الذي خلا من مطاعم المسكوف والكازينوات والسهرات التي كان يعج بها ايام زمان ورحم الله الصاحب بن عباد الشاعر والوزير الذي قال يوما: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد !

كل شيء في ظل ديمقراطيتنا العرجاء يمشي بالمقلوب !

صباح اليوم الثاني ذهبت بصحبة الاستاذ حسن كريم الى الجادرية للتسجيل وقبل الدخول الى الاستوديو بدقائق تسلمت دعوة تلفونية من الاخت الأعلامية الكريمة سميرة جياد مدير الفضائية العراقية الثانية لتسجيل حوارآخر عن الارهاب الذي يطحن العراقيين حاليا

ما ان انجزت مهمتي في الفرات توجهت بسيارة القناة المذكورة الى مبنى شبكة الاعلام العراقي في الصالحية وسط زحام مروري خانق وخوف من عوادي الزمن وطوارق المحن وعندما انتهيت من الحديث التلفزيوني تم دعوتنا مشكورين لتناول طعام الغذاء في الكافتريا الخاصة بالشبكة ولابد هنا من الأشارة الى واقع المرافق الصحية القذرة للكافتيريا وبدوري ادعو السيد المدير العام الأخ محمد عبد الجبار الشبوط للوقوف بنفسه على واقعها المزري المعيب الذي لايشرف الشبكة الاعلامية الكبرى في العراق

لم يبق لي بعد ان بان افق شمس الغروب غير العودة سريعا الى النجف رغم الدعوات الأخرى التى تلقيتها هاتفيا من الفضائيات لأن الوضع الامني بحكم توقعاتي لايبشر بخير وفعلا صباح اليوم الثاني وأنا في مدينة النجف سمعت بعشرة انفجارات دامية هزت عموم بغداد / ثلاثة منها كنت متواجدا بأماكنها في اليوم السابق !

حفظ الله العراق

السويد في 26 / 10 / 2013

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

629 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع