قصة واقعية - اليتيم / الجزء الثاني

بقلم أحمد فخري

قصة واقعية - اليتيم / الجزء الثاني

لمن لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط:
https://www.algardenia.com/maqalat/61353-2023-12-07-11-40-08.html

هبطت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية على ارض مطار قرطاج الدولي ورَجِلَ منها حمّة مرتدياً ملابس فاخرة ذات العلامات العالمية الاكثر شهرة توحي للناظر بانه ميسور الحال. وفور الانتهاء من اجراءات الجمارك، تسلم حقائبه الثلاثة وخرج من بوابة الوصول الزجاجية ففوجئ بجمع غفير من الناس جاؤوا لاستقبال اقاربهم واصحابهم. لكن احداً منهم لم يكترث به او يستقبله او حتى ينظر اليه، فاخترق ذلك التجمع دافعاً عربته ليخرج من مبنى المطار. لوح بيده لسيارة اجرة ووضع حقائبه الثلاثة بداخلها ثم طلب من السائق ان يقله الى فندق الشيراتون.

فور وصوله الفندق اخذ ساعي الفندق الامتعة وادخلها الى مكتب الاستعلامات فقال حمّة بالفرنسية وبلهجة باريسية مميزة،

حمّة : مرحباً سيدي، لدي حجز في جناح هنا بهذا الفندق.

موظف الاستعلامات : مرحباً بك سيدي، باسم من؟

حمّة : باسم حمّة الشواشي.

موظف الاستعلامات : اجل سيدي تسلمنا حجزك من خلال (بوكنگ دوت كوم) جناح رقم 1015 وهو جناح الامراء المطل على متنزه جميل. تفضل واملأ القسيمة لو سمحت.

اخذ حمّة القسيمة البيضاء وعبئها بالفرنسية ثم اعطاها للموظف مع جواز سفره الفرنسي فاستلمها منه وقال،

موظف الاستعلامات : مرحباً بك سيدي، ستجد بهذه البطاقة الاسم والرقم السري للوايفاي. والآن سنوصل حقائبك الى جناحك مع الساعي، تفضل معه ومرحباً بك من جديد.

وضع حمة ورقة من فئة خمسة دنانير بيد موظف الاستعلامات فتقبلها منه وهو ممتن. ركب حمّة المصعد مع الساعي الذي وضع الحقائب بعربة مذهبة ليصعدوا سوية الى الطابق العاشر ثم اقتاده الى باب كتب عليه الرقم (1015). ادخله الجناح ووضع الحقائب بداخل خزان الملابس ثم اقترب من حمّة وسلمه المفتاح الالكتروني ليسأله،

الساعي : أتأمر بشيء آخر سيدي؟

حمّة : كلا، شكراً.

وضع بيده خمسة دنانير فخرج واغلق الباب ورائه. تجول حمّة بداخل الجناح وصار يتأمل المنظر الجميل من خلال الشباك لاجمل مدينة في العالم. تونس الحبيبة مسقط رأسه والمكان الذي سيمكنه من الاخذ بثاراته من كل من آلمه واستهزأ به وتسبب في أحزانه وصدماته النفسية. سوف لن ينسى ذلك الطبيب الذي استكثر على والده 5 دنانير كي يجري له الاشعة فينقذ حياته، وزوجة اباه التي حولت بيت العائلة الى ماخور رخيص تستقبل فيه كل الزناة الفاسقين. و(سلاح الاكحل) المجرم مع افراد عصابته الاشرار الذين دمروا حياته. فهو لايزال يشم رائحة البول كلما تذكرهم. وبينما هو يتأمل منظر الاشجار والزهور المنتشرة بكل مكان في المتنزه الاخضر الواسع امامه سمع طرقاً على الباب. فتحه ليجد احد السعاة يدفع عربة ملأى بالحلويات الفاخرة والاطعمة والمشروبات قال،

الساعي : الادارة تود ان ترحب بسعادتك يا سيدي.

حمّة : بلغ الادارة شكري وامتناني.

ادخل الساعي العربة وتركها بوسط الغرفة. وضع حمّة خمسة دنانير بيد الساعي وطلب منه ان يغلق الباب ورائه.

ولما صار الساعي خارج الغرفة رأى زميله واقفاً بالممر ينتظره فسأله،

الزميل : هل اعطاك شيء يا صاحبي؟

الساعي : اجل، خمسة دنانير.

الزميل : لقد اعطاني خمسة دنانير انا ايضاً عندما اوصلت له حقائبه واعطى موظف الاستعلامات الاخ سعيد مثلها.

الساعي : يبدو انه يحب شكل الخمسة دنانير التونسية هاهاها. اعتقد انه مليونير لكنه بخيل جداً.

جلس حمّة على السرير يلوك بلحة التقطها من العربة وراح يتأمل منظر الاشجار في المتنزه الواسع المفعم باللون الاخضر والمكحل بالازهار الحمراء والوردية من شباك جناحه ثم قال في سريرته، "دعني انام قليلاً ثم اخرج لاتنزه في الغد". فتح حقيبة من حقائبه واخرج بدلة نوم حريرية كي يرتديها بعد الاغتسال. ولما دخل الحمام وخلع ملابسه كلها سمع هاتفه النقال يرن فالتقطه ليسمع صوت حبيبته شانتيل تقول،

شانتيل : حبيبي حمّة، اردت ان اطمئن عليك. الم تعدني بمهاتفتي فور وصولك تونس؟

حمّة : لقد وصلت الفندق قبل دقائق فقط وانا الآن عارٍ بلا ملابس لانني كنت ساخذ حماماً.

شانتيل : هل قلت عارٍ؟ اوووووف ليتني كنت معك لمنعتك من الدخول الى الحمام.

حمّة : سيكون لدينا الوقت الكافي لذلك فيما بعد لا تقلقي يا حبيبتي. ساتصل بك.

شانتيل : احترز ولا تورط نفسك بمشاكل حبيبي. فأولئك الاوغاد لا يستحقون ان تدخل السجن وتُحرَم حريتك من اجلهم.

حمّة : اطمئني يا شانتيل لا داعي للقلق، انا اعي ما افعل. ساسير على الخطة التي رسمتها لهم.

شانتيل : مع ذلك، اريدك ان ترجع إليّ سالماً فانا احبك كثيراً واريدك الى جانبي دائماً.

حمّة : وانا احبك أكثر. وداعاً يا عمري.

اغلق الهاتف معها وتوجه للحمام كي يعرّض جسده الواهن لدوش ساخن استرخت فيه كل عضلاته وصار يغني، "تحت الياسمينة في الليـــــــل ... نسمة والورد محاذينـــــي، الأغصان عليا تميــــــل ... تمسحلي في دمعة عيني". بعد ان انتهى من الحمام ارتدى بدلة نوم حريرية فضفاضة وجلس على كرسي وثير ثم فتح حاسوبه النقال وراح يضرب على ازراره حتى وصل الحاسوب بالواي فاي ثم عثر على رقم هاتف كان يبحث عنه. اخذ الرقم وسجله في ذاكرة هاتفه النقال ثم طلب الرقم فسمعه يرن حتى اجابه صوت انثوي فتي يقول،

المجيبة : شركة بربروس للحماية الشخصية تفضلوا.

كلمها حمّة باللغة الفرنسية إذ قال،

حمّة : مرحباً، انا اريد حارساً شخصياً يا آنسة.

المجيبة : لحظة واحدة سيدي ساحولك للسيد رضوان سكوري.

حمّة : شكراً لكِ يا آنسة.

انتظر قليلاً ثم سمع صوتاً يقول،

المدير : معك رضوان سكوري المدير التنفيذي لشركة خير الدين بربروس.

حمّة : تشرفت بمعرفتك سيد سكوري، انا اسمي حمّة الشواشي وقد وصلت للتو من باريس. انا في حاجة لحارس شخصي يتكلم اللغة الفرنسية.

رضوان : جميع حراسنا يتكلمون العربية والفرنسية والانكليزية، متى تريده؟ وما هي المدة؟

حمّة : اريده ان يأتيني غداً صباحاً الى فندق الشيراتون بجناح الامراء. والمدة مفتوحة.

رضوان : سيحضر اليك غداً حارس شخصي اسمه معتز العيادي وسيجلب معه عقد الشركة كي تطلع عليه وتوقعه إن وافقت على الشروط.

حمّة : سانتظره هنا في جناحي.

رضوان : وهو كذلك.

اغلق حمّة الهاتف واقترب من صينية وضع فيها سخان ماء كهربائي والكثير من اكياس القهوة وانواع الشاي الفاخرة فاختار كيس (شاي اخضر) افرغه بفنجان ابيض وصب عليه ماء مغلي وراح يترشف منه ويستمتع بالمنظر الساحر من الشباك الذي امامه. بعدها شعر بالنعاس يتسلل الى جسده المنهك فاستلقى على السرير واستسلم لنوم عميق هادئ.

في صبيحة اليوم التالي استيقظ على صوت هاتف الغرفة فرفع السماعة ليسمع موظفة الاستعلامات تخبره بوصول الحارس الشخصي فطلب منها ان تبعثه الى الجناح. بعد قليل سمع طرقاً على الباب ففتحه لشاهد شاباً طويل القامة قصير الشعر وسيم الطلعة يرتدي بدلة سوداء انيقة يتأبط ملفاً اسمراً. صافحه ودعاه للدخول ثم طلب منه الجلوس امامه على الطاولة فجلس. بدأ الحديث حين قال،

معتز : سيدي انا اسمي معتز العيادي من شركة خير الدين بربروس للحماية الشخصية.

حمّة : اهلاً بك يا سيد معتز . انا رجل اعمال فرنسي من اصل تونسي. لا اجيد التحدث بالعربية لذلك ساتحدث معك بالفرنسية هل هذا يناسبك؟

معتز : ليس هناك مشكلة ابداً سيدي. تفضل انظر الى العقد.

اخذ حمّة العقد من معتز وصار يقلبه فنظر للسعر وقال،

حمّة : يا الهـــــــــي 250 دينار باليوم!

معتز : أهو مبلغ باهض سيدي؟

حمّة : بالعكس، كنت اعتقد انه سيكون اكثر من ذلك بكثير. وانت يا معتز، كم هي حصتك من ذلك المبلغ؟

معتز : النصف سيدي. انه 125 دينار.

حمّة : هذا يعني انك تحصل على 3750 دينار شهرياً، اليس كذلك؟

معتز : اجل سيدي، تقريباً.

حمّة : انا لدي عرض شخصي خاص اليك سيكون اكثر من هذا المبلغ بكثير.

معتز : انا لا استطيع ان اترك عملي بالشركة سيدي. فقوانين الشركة صارمة جداً.

حمّة : وانا لم اطلب منك ان تترك عملك بالشركة. انت ستبقى تتقاضى مرتبك من شركتك وزيادة على ذلك، سوف تحصل مني على 500 دينار اضافية يومياً لك انت شخصياً.

معتز : وما المطلوب مني كي احصل على ذلك المبلغ السخي؟

حمّة : اريدك ان تعمل معي كمحقق.

معتز : لحسن الحظ سيدي انني كنت اعمل كمحقق بشرطة تونس لمدة 8 سنوات، بعدها تركت العمل هناك واشتغلت بوظيفتي الحالية مع شركة خير الدين بربروس.

حمّة : ولماذا تركت؟

معتز : لان مرتبي بالشرطة كان مجرد 850 ديناراً شهرياً وانا لدي زوجة وولدين. ومرتبي لا يكفي سيدي.

حمّة : امر مفهوم.

معتز : وكيف تريدني ان اعمل كمحقق؟

حمّة : انا ابحث عن مجرم عتيد يدعى سلاح الاكحل. على الاقل هكذا كان اسمه في طفولته. هل تعرفه؟

معتز : كلا سيدي لم يسبق لي ان سمعت بهذا الاسم. اين كان يسكن؟

حمّة : كان يتسكع بشوارع وحواري حي التضامن في طفولته. لكني لا اعلم مكانه الآن.

معتز : سافعل كل ما في وسعي لاجده لك سيدي.

حمّة : ارجوك نادني حمّة من الآن فصاعداً.

معتز : حسناً حمّة.

حمّة : إذاً انت موافق على عرضي؟

معتز : اجل سيد... اقصد اجل يا حمّة.

حمّة : تفضل العقد لقد وضعت امضائي عليه ولدي صك بمبلغ 5000 دينار كمقدمة لشركتك التي تعمل بها. اما انت فسوف امنحك مبلغ 5000 دينار نقداً.

معتز : لحظة واحدة، لدي طلب خاص يا حمّة.

حمّة : ما هو؟

معتز : بدلاً من المبلغ النقدي. هل بامكاني الحصول على ذلك المبلغ بحسابي بفرنسا؟

حمّة : بالتأكيد، اعطني اسم البنك ورقم الحساب.

معتز : انه BNP Paribas رقم حساب 223210947

رفع حمّة هاتفه وضغط على لوحاته ليتصل بالبنك. استغرب معتز من ذلك الامر لكنه فضل الصمت ليسأله فيما بعد. سمع حمة يتحدث مع البنك وحول على الفور مبلغ 4200 يورو. وعندما انتهى من المكالمة نظر الى معتز وقال،

حمّة : اصبح المبلغ بحسابك الآن.

معتز : لدي سؤال واحد فقط لو سمحت...

قاطعه حمّة وقال،

حمّة : انت اردت ان تعرف مني كيف علمت برقم هاتف البنك؟ اليس كذلك؟

معتز : اجل بالضبط (اكساكتيمو).

حمّة : انا لست ساحراً او محققاً مثلك. الحكاية وما فيها انني املك حساباً بنفس البنك، لذلك فان لدي خطاً مفتوحاً معهم. لقد منحني البنك رقماً سرياً وكلمة سر بامكاني استعمالها كي احول ما اريد عبر الهاتف.

معتز : انا جداً سعيد بخدمتك يا سيد... اقصد يا حمّة.

حمّة : والآن اذهب واودع ملف العقد لدى شركتكم ثم ابدأ بابحاثك. لاحظ انني اريد منك تقرير تطور الامور كل يوم.

معتز : بالتأكيد سيدي. سأبذل قصارى جهدي.

حمّة : سؤال اخير لو سمحت، هل لديك هاتف نقال؟

معتز : اجل. تفضل الرقم.

سجل حمّة رقمه وخرج معتز من الجناح ليغلق الباب ورائه. ارتدى حمّة ملابسه ونزل الى الاستعلامات ليخبرهم بانه ينتظر مندوب سيارات تأجير من شركة (عليسة ديدون) وجلس في بهو الفندق ينتظر حتى جائته فتاة تونسية في منتهى الجمال والاناقة تحمل حقيبة دبلماسية. ادت له التحية بكل احترام واعطته العقد ليوقعه ثم اصطحبته للخارج وعرضت عليه السيارة ثم اعطته المفاتيح ورحلت بسيارة اجرة. ركب حمة السيارة واقتادها الى حي التضامن. استغرب حمّة كثيراً لان الحي قد تغير بشكل ملحوظ نحو الافضل. فالشوارع التي كانت مشوهة بالحفر تحولت الى شوارع معبدة نظيفة تشرح الصدر وتملأه فخراً واعتزازاً. صارت هناك محال تجارية ذات تصاميم خارجية انيقة صدمته غير متوقعة في ذلك الحي الذي ولد وقضى جل طفولته فيه. وقف امام منزل والده ليراه ما زال على حاله، اظلم كئيب مزري مثير للشفقة يحتاج الى اطنان من الطلاء. ضغط على جرس الباب فخرجت له شابة في العشرينات من العمر ترتدي ملابس غير محتشمة، تفحصها جيداً من الاعلى الى الاسفل ثم قال،

حمّة : هل هذا بيت الحاج ناصر؟

الشابة : كلا، هذا بيت السيدة سلڤيا.

حمّة : ومن تكون السيدة سلڤيا؟

الشابة : انها صاحبة هذا المنزل.

حمّة : نادها لو سمحت.

الشابة : وهل لديك موعد معها؟

حمّة : كلا ولكن...

الشابة : إذاً خذ هذه البطاقة، ستجد فيها رقم، اتصل به كي ترتب لك موعداً.

هنا جن جنونه واندفع الى الامام مبعداً الفتاة جانباً ليدخل من الباب. صرخ بها قال،

حمّة : ابــــــــعدي عني ايتها المعتوهة. هذا بيت ابي، اين هي سهام؟

دخل الباب الرئيسي فرأى منظراً يندى له الجبين. فتيات العاريات مستلقيات على الارائك وبعضهن افترشن الارض في احضان الرجال. يتعاطين الارجيلة والخمر والمخدرات.

حمّة : يا الهي، أهذا هو بيت ابي؟

الشابة : قلت لك اخرج ايها المتوحش. انت لم تحصل على موعد مسبق.

حمّة : اين هي تلك القوادة الساقطة؟

صار يصرخ باعلى صوته، "سهام سهام سهام"

خرجت له سهام ترتدي بدلة نوم شفافة تبرز جميع تفاصيل جسدها العاري تحته. قالت بصوت هادئ بارد،

سهام : ما هذه الضوضاء؟ من الذي يصرخ؟

حمّة : انه انا يا سهام.

سهام : ومن تكون انت يا صبي ولماذا تحدثني بالفرنسية؟

حمّة : انه انا يا سهام الساقطة. انا حمّة.

سهام : ومن يكون حمّة؟

حمّة : حمّة ابن زوجك يا واطية.

سهام : ليس لدي زوج يا سيد. انت مخطئ في العنوان. انا لم اتزوج بحياتي فكيف يكون لي زوج؟

حمّة : الم يكن الحاج ناصر الشواشي زوجك يا وضيعة؟

سهام : كلا، ذلك العجوز كان عمي. لقد مات وارتحت منه قبل زمن طويــــــل جداً. هيا اخرج فقد طيرت مني (الزطلة) لعنك الله.

حمّة : لا حول ولا قوة الا بالله.

علم حمّة ان هذه المرأة اصبحت في خبر كانَ وان الحديث معها بات مستحيلاً لانها منتشية ولا يمكن ان يكلمها بشكل سوي. استدار وخرج من البيت ليأخذ سيارته ويقتادها الى دكان الرجل المسن العم مصطفى فرأى الدكان مغلقاً. اراد ان يقترب من الدار المحاذي للدكان فشاهد من بعيد شابة تتشاجر مع رجل هرم وتتبادل السباب معه امام باب المنزل. تسمر حمّة بمكانه ولم يرغب ان يتطفل على حديثهما وبقي يراقبهما من بعيد. ولما فرغت الفتاة من اسماع الرجل الواقف امامها كل انواع القذف والشتائم. رحل ليركب سيارته ويبتعد فدخلت الدار وغلقت الباب ورائها لتصفعه بقوة. هنا قرر حمّة ان يقترب من الباب ببطئ ليسأل عن العم مصطفى. ضغط على الجرس فخرجت له نفس الفتاة الغاضبة من جديد ليرى امرأة عشرينية جميلة، قالت بالعربية وبعصبية كبيرة وبصوت مرتفع كاد يصم اذنيه،

المرأة : تـــــــــفضل ماذا تريد انت الآخر؟

اجابها بالفرنسية قائلاً،

حمّة : انا اسمي حمّة، جئت لازور العم مصطفى؟ هل هو بالبيت؟

المرأة : الحاج مصطفى توفى منذ 5 سنوات. من انت؟

حمّة : لا حول ولا قوة الا بالله. هل انت ابنته؟

المرأة : كلا انا حفيدته واسمي كريمة .

حمّة : إذاً انت ابنة ولده الوحيد رضا.

كريمة : هذا صحيح، ابي هو رضا رحمه الله. هل تعرفه؟

حمّة : كنت اعرفه بالاسم فقط ولم التقيه، لكنني كنت اعرف الحاج مصطفى رحمه الله. لقد كان يعطف عليّ كثيراً في طفولتي.

هنا تغيرت نبرة صوتها فقالت بهدوء،

كريمة : تفضل بالدخول يا... يا... هل قلت ان اسمك حميد؟

حمّة : كلا، انا اسمي حمّة.

دخل حمة مع كريمة وجلس في الصالون فتركته لتحضر القهوة ثم عادت حاملة صينية عليها قدحان.

كريمة : يبدو انك تفهم العربية لكنك لا تحسن التحدث بها.

حمّة : اجل افهمها لكني لا اتلفضها بشكل جيد. سامحيني يا آنسة لكنني رأيتك تتحدثين بغضب مع الرجل الهرم على الباب.

كريمة : اجل، هذا الرجل اسمه الحاج قاسم ولو انني لا اعتقد انه ذهب الى الحج ولا يعرف الله ابداً. فهو صاحب الدار هذا الذي نسكنه الآن، انا واختي الصغرى منية. عجزنا عن تسديد الايجار لمدة شهرين لانني خسرت وظيفتي في البنك لذلك هو يريد طردنا من البيت. علماً باننا لا نملك مكان آخر نسكنه.

حمّة : (لا حول ولا قوة الا بالله). ولكن اخبريني يا آنسة كريمة اليس صاحب الدار هذا الحاج مسؤولاً كبيراً بالبلدية؟

كريمة : كلا انه لا مسؤول ولا هم يحزنون، انه صاحب قهوة بآخر الشارع اسمها قهوة قاسم، اسماها على اسمه. دعك منه الآن واخبرني، كيف تعرفت على المرحوم جدي؟

حمّة : كنت في طفولتي اسكن بحيكم هذا وكنت يتيم الابوين لذلك كان جدك مصطفى رحمه الله يعطف عليّ كثيراً ويعلمني الفرنسية قراءة وكتابة ونطقاً بشكل صحيح. والآن انا ممتن له كثيراً بعد ان استقريت بفرنسا وحصلت على الجنسية الفرنسية. ولما جئت لزيارة تونس لاول مرة قررت ان ازوره واتفقد احواله.

كريمة : هذا من اصلك الطيب سيد حمّة.

حمّة : ولكن اخبريني يا كريمة كيف توفى والدك وجدك العم مصطفى؟

كريمة : قبل حوالي خمس سنوات او اكثر بقليل دخل على دكان جدي رجلان من الاشرار طلبا منه ان يعطيهما المال مقابل حمايته من العصابات، وبمعنى آخر بلطجة. فاخبرهم بانه لا يملك الكثير، لكنهم اوسعوه ضرباً وهددوه بالقتل إن لم يعطيهم مبلغ الف دينار. وبينما هم يضربونه دخل عليهم ابي واراد ان يدافع عن والده لكنهم طعنوه بخنجر في بطنه فسقط على الاثر وصار ينزف بغزارة. ولما رأى جدي ذلك جن جنونه وهجم عليهم فطعنوه هو الآخر وتركوه مخضباً بدمائه وهربوا. توفى والدي على الفور لكن جدي بقي يصارع الموت ليومين آخرين ثم توفى بالمستشفى فيما بعد.

حمّة : هل تمكن جدك من اخباركم عن القتلة قبل ان يموت؟

كريمة : اجل، قال انهما اعضاء من عصابة (سلاح الاكحل).

حمّة : ولماذا لم تقبض الشرطة على العصابة إذاً؟

كريمة : قالت الشرطة ان الادلة غير كافية وان جدي قد توفى فعلاً قبل ان يتمكن من التعرف على وجوه الجناة.

حمّة : لا حول ولا قوة الا بالله. على العموم انا اشكركِ على ضيافتكِ والاستمتاع بقهوتك اللذيذة ورحم الله والدك وجدك مصطفى.

كريمة : اتمنى لك اقامة طيبة بتونس واتمنى ان تزورنا مرة اخرى قبل رحيلك. فقط إن كنا لا نزال نسكن هنا بهذا الدار.

حمّة : كوني متفائلة يا اخت كريمة. ستبقين بهذا الدار باذن الله. فالله لا ينسى عباده المظلومين.

خرجت كريمة خلف حمّة تودعه ثم رجعت بيتها فركب حمّة سيارته وانطلق يبحث عن (قهوة قاسم). وبعد ان عثر عليها سأل عنه فجائه رجل كهل يبدو على ملامحه شراً خطيراً يتطاير من عينيه. تبحر حمّة بوجهه ملياً ثم سَبِحَ بذكريات الطفولة فعادت له ذاكرته بوجه هذا الرجل الماثل امامه إذ انه كان احد زبائن زوجة اباه سهام عندما كان طفلاً صغيراً وقد كان يصرخ عليه ويصفعه كلما جاء للاستمتاع باوقاته معها. لكن حمّة لن يفصح عن هويته. وانما تصرف وكأنه لا يعرفه بتاتاً وجلس ليبدأ حديثه مع الحاج قاسم حين قال،

حمّة : انا اسمي حمّة واقطن بفرنسا. جئت الى تونس لارى حارتي القديمة ولاعيد ذكرياتي فيها. لذلك قررت ان اشتري منزلاً بهذه الحي. لقد سألت واستقصيت الامر كثيراً فاخبروني ان لديك منزلاً للبيع بآخر الشارع الموازي. انه يناسبني لموقعه المميز. هل انت مستعد لبيعه؟

قاسم : بالحقيقة المنزل مستأجر بالوقت الحالي وليس خالٍ. تسكنه فتاتين شابتين بعد وفاة والدهما وجدهما بحادث مؤسف لذلك كنت اتقاضى منهما ايجاراً رمزياً، رحمة مني لهما وكنت اعتبره صدقة جارية. ربما ساجد صعوبة باخراجهما منه واخلاء البيت بشكل قانوني كي اتمكن من بيعك اياه.

حمّة : انا لا اريدك ان تخرجهما. ساخذ البيت بمستأجريه، ما رأيك؟

قاسم : اجل ولكن ربما لا يناسبك ثمنه. او قد لا يعجبك المنزل لانني لم اقم بصيانته منذ امد بعيد.

حمّة : اخبرني بالثمن الذي يناسبك وخذ مني العرض. التجارة اخذ وعطاء اليس كذلك؟

فكر الحاج قاسم قليلاً ثم تفحص حمّة وملابسه وحالته العامة وسيارته المستأجرة ثم قال،

قاسم : بامكاني ان ابيعه ب 60 الف دينار.

علم حمّة ان هذا العجوز الجشع يحاول ان يستغل الموقف لكنه تغاضى عن كل شيء وقال،

حمّة : مع انني اعرف جيداً ان قيمة الدار لا تساوي اكثر من 35 الفاً لكنني وافقت على 60 الفاً. متى نستطيع التوقيع على العقد؟

قاسم : غداً إن كانت نقودك جاهزة. بامكانك ان تلتقيني في مكتب تسجيل العقارات بالبلدية مع الساعة العاشرة صباحاً. ولكن لا تنسى المبلغ كاملاً.

حمّة : حسناً ساكون هناك مع العاشرة تماماً

وساجلب المبلغ معي بالكامل. ارجو ان لا تتأخر على الموعد.

خرج حمّة من القهوة وهو في غاية السعادة لانه سيتمكن من ان يرد ولو بعض الجميل لذلك الرجل الطيب الحاج مصطفى. رجع الى الفندق فوجد رسالة كان قد تركها له حارسه الشخصي معتز تقول، "سأحضر لزيارتك اليوم مع الساعة الرابعة بعد الظهر". ركب حمّة المصعد ودخل جناحه ليغتسل ثم خرج من الفندق من جديد وتوجه الى شارع (باب بنات) بقلب تونس حيث دخل مطعماً شعبياً وتناول وجبة تدعى (الهرگمة). وبعد ان ملأ معدته بالطعام الدسم اللذيذ رجع الى الفندق كي ينتظر مجيئ حارسه الشخصي. وبينما هو جالس يتابع الاخبار سمع في التلفاز المذيعة تقول ان القناة التونسية قد استضافت رجلاً كبيراً بالشرطة يدعى العميد سمير الجلاصي. رحبت به المذيعة ثم سألته عن سبب ازدياد نسبة الجرائم بدولة تونس بشكل عام وبتونس العاصمة بشكل خاص فقال بانها ارتفعت بمعدل 400% بالآونة الاخيرة لذلك كان لزاماً على الجمهور التونسي التعاون مع الشرطة للادلاء باي امور غير اعتيادية كي تتمكن الشرطة من القبض على المجرمين. سحب حمّة دفتراً الصغير من حقيبته وسجل الاسم (العميد سمير الجلاصي). ابتسم وقال بسره، "ستكون انت جزءاً مهماً من خطتي يا عميد يا جلاصي".

وفي الساعة الرابعة تماماً سمع طرقاً على باب جناحه ففتحه ليجد معتز واقفاً امامه ويديه خلف ظهره كما يفعل الجنود. استدعاه للدخول واحضر له فنجان قهوة ثم جلس امامه وقال،

حمّة : هيا يا معتز اخبرني، هل حصلت على معلومات جديدة؟

معتز : لقد اخبرتك سابقاً بانني كنت محققاً بالشرطة وهذه الامور هينة بالنسبة لي. استمع الي جيداً، بعد الكثير من الابحاث عرفت البيت الذي يقطن فيه سلاح الاكحل وعصابته. انه منزل احد اقاربه من گابس. فماذا تريد ان نفعل؟ هل نبلغ الشرطة عن مكانه؟

حمّة : التبليغ عنه سوف لن يجدي نفعاً لانه سيفلت من العقاب لعدم توفر الادلة الكافية لادانته كما حصل في السنين السابقة. ولكن لدي خطة اريد ان اطرحها عليك ستمكننا من النيل من ابن الزانية.

معتز : ما هي الخطة، اخبرني؟ إذا كانت خطتك ضد القانون فبامكانك ان تعذرني لانني سانسحب فوراً.

حمّة : انا لا افكر ابداً بخرق القانون ولكن قبل ان اشرح خطتي، اريد ان اعرف إن كان لديك احد يعمل لدى مديرية الجمارك (الديوانة).

معتز : اصغي الي يا حمّة جيداً، لدي ابن عمي اسمه مهدي العيادي. هذا الشاب مثلي تماماً، كان يعمل كشرطي بالحرس الرئاسي ثم استقال من وظيفته والآن يعمل كموظف بالجمارك (الديوانة).

حمّة : هل يستطيع ان يتعاون معنا؟

معتز : ساتحدث معه لكنني متأكد من انه في حاجة ماسة الى المال لانه عقد قرانه مؤخراً ويريد ان يؤثث منزله الجديد. والآن اخبرني هل العملية غير قانونية؟

حمّة : كلا طبعاً، انها ليست ضد القانون، وانما هي ضد العصابة نفسها. هل سبق لك وان عملت عملية سرية. واقصد هنا انك تتخفى لدى الاشرار وتفضحهم؟

معتز : اجل لكن مثل هذا العمل يعتبر خطيراً للغاية.

حمّة : اولاً سوف اعطيك اي اجر تطلبه، ثانياً يجب عليك ان تجند ابن عمك ليساندنا بالعملية.

معتز : انا متأكد من ان ابن عمي سيوافق على العمل معنا ولكن كم هو المبلغ الذي ستعرضه عليه؟

حمّة : 5000 دينار مسبقاً و 5000 دينار بعد الانتهاء من العملية. وهذا ينطبق عليك انت ايضاً.

معتز : سيطير ابن عمي من الفرح عندما ازف اليه تلك البشرى.

حمّة : سؤال اخير، هل يستطيع ابن عمك قيادة الشاحنات المقطورة؟

معتز : ابن عمي هذا يقودها بشكل جيد. انا متأكد من ذلك.

حمّة : إذاً اكتملت الامور كلها كما نريد. تعال واجلس الى جانبي كي اشرح لك الخطة بالتفصيل.

سحب معتز كرسياً وجلس الى جانب حمّة فصار حمّة يشرح له كل تفاصيل خطته حتى فرغ من الشرح فرفع معتز رأسه وقال،

معتز : يـــــــــاه انت انسان عبقري يا حمّة.

حمّة : مع ذلك كان الناس في طفولتي يسموني (حمّة المهبول).

معتز : انهم هم المهابيل يا حمّة. خطتك عظيمة وسوف تنجح، على بركة الله.

حمّة : مع ذلك يجب ان اقابل ابن عمك مهدي اولاً واتحدث اليه وجهاً لوجه.

معتز : بعد الغد صباحاً سأحضره معي هنا بالفندق عند الساعة السابعة.

حمّة : ممتاز. اريدك ان تتهيأ بشكل جيد وسوف نتمكن من اعداد الخطة بعد ان نقابل مهدي ونتحدث معه بادق التفاصيل.

معتز : ساستأذنك الآن إذاً يا حمّة.

حمّة : كان الله بعونك.

خرج معتز من الجناح وتوجه مباشرة الى منزل ابن عمه مهدي ليزف له الخبر السعيد. وفي اليوم التالي ذهب حمّة مبكراً الى مبنى البلدية بحي التضامن وانتظر هناك قليلاً حتى رأى الحاج قاسم ينزل من سيارته فالقى عليه التحية ودخلا سوية ليكملا اجرائات نقل الملكية. وعند الانتهاء منها تسلم 60 الف دينار من حمّة امام موظف البلدية ليصبح البيت باسم حمّة. بعدها توادعا ورجع حمة الى الفندق.

وفي اليوم التالي مبكراً سمع حمّة طرقاً على الباب ففتحه ليجد معتز وبصحبته ابن عمه مهدي. ادخلهما واعد لهما القهوة ثم جلس امامهما وراح يتحدث مع الشابين إذ سأل،

حمّة : هل اخبرك معتز بما خططنا له؟

مهدي : اجل سيدي. اقصد اجل حمّة.

حمّة : وهل انت موافق عليها بالرغم من جميع المخاطر المحفوفة بتلك المهمة؟

مهدي : لدي ملاحظة واحدة فقط، وهي المبلغ. الا يمكنك ان تزيد من المبلغ قليلاً فانا اريد شراء سيارة بالاضافة الى تأثيث بيتي. اقصد... هل بالامكان ان يكون المبلغ 7 الاف مقدماً و7 الاف بعد الانتهاء من العملية؟

حمّة : هذا امر هين، انا موافق على مبلغ اجمالي وقدره 14 الف دينار، ستستلم منه الفين مقدماً و12 الف مؤخر لكل واحد منكما بعد الانتهاء من العملية.

نظر حمّة الى معتز وقال، "هذه المبالغ هي بالاضافة الى المبلغ الذي سبق وان اتفقنا عليه انا وانت قبل مجيء مهدي".

مهدي : انا شاكر لافضالك وموافق بالتأكيد.

معتز : وانا ايضاً موافق.

حمّة : إذاً، على بركة الله. والآن دعنا نتحدث بتفاصيل الخطة. بما انك تعمل بالجمارك يا مهدي، فهل لديك علم باي شحنة تجارية دسمة قد تصل الى موانئ تونس بالايام القريبة القادمة؟

مهدي : شحنة... شحنة... شحنة... اجل، هناك شحنة كبيرة وثمينة ستصل بباخرة الشحن (ليبيرتي) من كوالالمبور الى ميناء حلق الواد يوم الخميس القادم اي بعد ثلاثة ايام من الآن. الحمولة هي مجموعة تحفيات منزلية نادرة وساعات ذهبية ذات ماركات عالمية وحلى ومجوهرات يقدر ثمنها بـ 3 ملايين دينار.

حمّة : هل تعرف اسم التاجر الذي يستوردها هنا بتونس؟

مهدي : اجل، اسمه... اسمه... لحظة، اسمه محمد كعواش.

معتز : اتعرف اي شيء عنه يا حمّة؟

حمّة : كلا، لكنني متأكد من انك ستخبرني عنه الآن.

معتز : يقع مكتب محمد كعواش الرئيسي في شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة تونس. ومحمد كعواش هذا يعتبر من كبار تجار تونس إذ لديه عدة محلات تجارية تبيع المواد الكمالية الباهضة الثمن.

حمّة : إذاً الخطة قد تشكلت واكتملت. وهذا ما سيحصل...

هنا بدأ حمّة يفسر خطته بكل تفاصيلها الدقيقة لضيفيه معتز وابن عمه مهدي مستعملاً الرسم على الورق، ولما انتهى منها سألهما عن رأيهما فابدوا اعجابهما بها لانها في غاية الاحكام، واحتمالية الفشل ضئيلة جداً. بنفس اليوم ذهب معتز مرتدياً ملابس رثة متسخة وطرق الباب على المنزل الذي تتواجد فيه عصابة (سلاح الاكحل). فتح له عملاق بشري طويل، يبدو انه احد اعضاء العصابة الذي يكاد رأسه يلامس السقف وعضلاته المفتولة ترعب اشد الرجال بأساً. قال بصوت اجش مرعب،

العملاق : من انت وماذا تريد يا جحش؟

معتز : اريد التحدث مع سلاح الاكحل.

العملاق : ليس هناك احد بهذا الاسم. لقد اخفقت في العنوان. هيا ابتعد من هنا وتبخر.

معتز : انا لم اخفق بالعنوان وإذا لم تخبر سلاح عني فسوف تصاب بالندم.

فتح العملاق عينيه فانفرجت احداقه على اشدها وامسك بياقة معتز وسحبه اليه ثم رفعه للاعلى فوق رأسه وقال،

العملاق : اتوجه هذا الكلام إليّ انا ايها الفرزيط؟

معتز : لحظة، لحظة، هناك صفقة كبيرة سيجني منها معلمك سلاح الكثير من المال.

هنا، علم العملاق ان هناك امراً مهماً يطرحه هذا الرجل لذلك انزله أرضاً وفك قبضته الحديدة عن ياقته ثم سأله،

العملاق : من انت ومن الذي بعثكَ؟

معتز : اسمي سيف ولم يرسلني احد. لدي صفقة ستغنيني وتغنيكم بمال لم تحلموا به في حياتكم.

العملاق : اسمع يا سيف البهيم، إذا لم تتحرك من هنا فسوف افرمك واجعلك طعاماً للكلاب، مفهوم؟

بهذه اللحظة جائه رجل من الداخل من وراء ظهره داكن السمرة طويل القامة شديد البأس ذو عظلات مفتولة سأل،

رجل : ما الذي يجري هنا؟ لماذا كل هذه الجلبة؟

العملاق : سيدي، هذا الحلّوف يقول ان لديه عرض مهم لنا.

رجل : دعه يدخل يا عنتر وفتشه جيداً فنحن بحاجة للمال لاننا لم نعمل منذ امد طويل.

اتخذ عنتر خطوة الى الوراء ليفسح المجال امام معتز كي يدخل ثم اغلق الباب ورائه وقام بتفتيشه ثم اقتاده الى صالة فيها بعض الكراسي الحديدية القابلة للطي، اجلسوه على احداها فرأى خمسة رجال يتطاير الشر من اعينهم يدخلون الغرفة. تقرب ذلك الرجل الاسمر منه وقال،

رجل : تكلم والا سيكون اليوم هو آخر يوم بحياتك البائسة. دعنا نبدأ باسمك؟

معتز : انا اسمي (سيف باردو).

رجل : هل تستهزئ بي يا حيوان؟ ما هذا الاسم الغبي؟

معتز : انا لا املك لقباً حقيقياً لانني لقيط تربيت بمأتم بمنطقة باردو بتونس فسموني على اسم المأتم.

رجل : طيب يا باردو، ماذا تريد ان تقول؟ تحدث باختصار شديد فقد نفذ صبري واصبتني بالملل.

معتز : سوف لن اتكلم مع اي شخص باي تفاصيل سوى مع سلاح الاكحل.

هنا هجم عليه عنتر العملاق ورفعه مع الكرسي الحديدي الذي يجلس عليه واراد ان يبطش به لكن الرجل الاسمر امسك بكتفه وامره بانزال معتز ثم غمز اليه بعينه واومأ برأسه بمعنى اتركه. تقرب الرجل من معتز وقال،

رجل : اسمع ايها الاحمق، انا سلاح الاكحل، ها احكي... ماذا كنت تريد مني؟

معتز : اولاً انا جداً سعيد بلقائك سيدي فانا كنت اتمنى ان اصبح واحداً من رجالك منذ امد بعيد لانك مثالي الاعلى بالبأس والشجاعة. على كل حال، لدي صفقة سوف تجعلك تتقاعد عن العمل المحفوف بالمخاطر مدى الحياة. صفقة كبيرة حجمها 3 مليــــــــــــــون وانا لا اتحدث هنا عن مليونات من المليمات بل 3 مليون دينار. سوف تجعل حياتك وردية ولن تحتاج للعمل مستقبلاً. لكنني لن اهمس الا باذنك انت فقط يا سلاح.

نظر سلاح الى رجاله وامرهم بحزم، "ليخرج الجميع من الغرفة حالاً ويغلق الباب ورائه من يخرج في الآخر".

خرج الجميع من الغرفة واغلقوا الباب ورائهم فنظر الى معتز وقال،

سلاح : الآن بقينا وحدنا بالغرفة، تحدث بدون مقدمات ولا مراوغة. ادخل بصلب الموضوع.

معتز : حسناً اسمع مني جيداً: هناك شحنة تجارية ستصل الى تونس تقدر قيمتها بـ 3 مليون دينار وإذا اتفقنا فانا اريد حصتي وهي 50 الف دينار. وإذا تم الاتفاق بيننا على كل شيء وقتها ساعطيك التفاصيل الكاملة.

سلاح : متى تصل الشحنة والى اين؟ وهل ستصل بالجو ام بالبر؟

معتز : لن اخبرك بذلك. اريد الاتفاق اولاً.

سلاح : وكيف اعرف انك لا تكذب او انك لست مدسوساً من قبل الشرطة؟

معتز : بامكانك التأكد مني كما يحلو لك وبأي طريقة ترضيك.

سلاح : الاتفاق سيكون كالتالي: اولاً ستبقى هنا عندي في ضيافتنا بالبيت من الآن وحتى نتأكد من شخصيتك ثم نطور حديثنا الى التفاصيل الاخرى.

معتز : وهذا يناسبني تماماً.

بقي معتز جالساً على الكرسي بينما خرج سلاح من الغرفة وتحدث مع احد اعوانه ليطلب منه ان يتحقق من اسم (سيف باردو) ثم يرجع له بالخبر اليقين باسرع وقت ممكن. اختفى العون وبعد قليل رجع الى سلاح وقال،

العون : لقد تحدثت للشرطي (حبيب) وسألته عن هذا الرجل الجالس لدينا فاخبرني ان (سيف باردو) هو لص محترف مُقَيّد لدى سجلات شرطة تونس المركزية وانه مجرم خطير عليه احكام غيابية. وبعد بضع دقائق بعث لي بصورته عن طريق الهاتف. ان الصورة مطابقة تماماً لشكل هذا الرجل الجالس عندنا.

ابتسم سلاح ثم رجع الى معتز وقال له،

سلاح : يا سيف، لدي سؤال واحد فقط: لماذا لم تقم بتنفيذ العملية بنفسك ولماذا اردت ان تهديها الينا على طبق من ذهب؟

معتز : اولاً لو كان لدي رجال واسلحة وموارد كبيرة لقمت بالعملية بنفسي لكنني لا املك ذلك.

سلاح : طيب، الا تعتقد ان المبلغ الذي تطلبه مني كبيراً يا سيف يا ابن الحاج باردو؟

معتز : المبلغ هو نقطة في بحر مقابل المبلغ الاجمالي الذي ستحصلون عليه.

سلاح : حسناً انا موافق. سوف تحصل على 50 الف دينار فما هي التفاصيل؟

معتز : اولاً اريد ان اسألك سؤال، هل تعرف محلات كعواش للتحفيات المنزلية؟

سلاح : وهل هناك شخص بتونس لا يعرفها؟ لقد حاولنا ان نسرق فرعهم في منطقة المنزه الخامس ولكن عندما وصلنا هناك اكتشفنا ان المحل معبأ بالمجسات الالكترونية واجهزة الانذار والكامرات ذات الوضوح العالي لذلك رجعنا ادراجنا دون سرقتها.

معتز : جيد جداً. هناك شحنة كبيرة وثمينة ستصل بباخرة شحن عملاقة تدعى (ليبيرتي) من ماليزيا الى ميناء حلق الواد يوم الخميس القادم. الحمولة هي مجموعة تحفيات منزلية وساعات ذهبية وحلى يقدر ثمنها بـ 3 ملايين دينار.

سلاح : وكيف سنسرقها من (الديوانة) الجمارك، فالديوانة لديها جيش من رجال الامن المسلحين وسوف يقضون علينا خلال ثوانٍ معدودات؟

معتز : هنا يأتي التخطيط المنسق والذكي يا سلاح. قبل ان نبدأ بالتفاصيل، دعني اسألك سؤالاً مهماً جداً. هل لديك مستودعاً خاصاً بك نقدر ان نخبئ فيه البضاعة بشكل مؤقت؟

سلاح : اجل لدي مستودع كبير بمنطقة الدندان.

معتز : عظيم جداً، اولاً سنبعث باحد رجالنا كي يعترض الشاحنة الفارغة المتجهة الى الديوانة ثم يقودها بنفسه بعد ان ينزل سائقها من الشاحنة ويرميه على الارض. بعد ذلك يقود الشاحنة الفارغة الى مبنى الديوانة ليحمّل البضاعة من هناك. وعند الانتهاء من التحميل. بدلاً من ان يقودها الى مستودعات كعواش فانه سيقودها الى مكان سري في مستودعك انت بالدندان. وهناك سوف نقوم بافراغ البضاعة من الشاحنة ثم يقود صاحبنا الشاحنة الفارغة الى مكان مجهول في منطقة سيدي بوسعيد ويرميها هناك كي نبعد عن انفسنا الشبهات.

سلاح : هل لديك رجل يستطيع قيادة شاحنة بهذا الحجم؟

معتز : اجل انه صديقي المقرب، تعرفت عليه بالسجن وشاركني الزنزانة لمدة 3 سنوات وانا اعتبره مثل ابن عمي وهو رجل موثوق به.

سلاح : شيء جميل. ولكن كما اخبرتك سابقاً. انت لن تغادر هذا البيت حتى تنتهي العملية برمتها. فإذا كان ذلك فخاً، فسوف يقوم صاحبي عنتر باللازم لتصبح طعاماً للقطاطس.

معتز : وانا موافق. سابقى عندكم هنا ضيفاً حتى تنتهي العملية وتجلب لي حصتي من المسروقات. ساتصل الآن بابن عمي كي يأتي لمقابلتك.

اتصل معتز بابن عمه مهدي وطلب منه المجيء واغلق الخط معه.

رفع مهدي ابن عم معتز الهاتف واتصل بحمّة قال،

مهدي : يا حمّة الخطة تسير كما توقعنا بالضبط. دخل ابن عمي معتز الى وكر العصابة واقنعهم بشخصيته المزيفة ثم طرح عليهم الخطة وانا اتابعها واستمع لكل ما يدور بينهم هناك من خلال الميكرفون المثبت بداخل ساعة يد معتز.

حمّة : برافو يا معتز والله انت اسد. وماذا عن ابحاثهم؟

مهدي : لقد قاموا بالاتصال باحد رجال الشرطة القذرين الذي يتقاضى منهم الرشوة واسمه حبيب ليعطيهم معلومات عن المجرم (سيف باردو) فصدقوها تماماً لانه بعث اليهم بصورة معتز عبر الهاتف.

حمّة : وكيف حصل ذلك؟ كيف تمكنتم من ذلك؟ اخبرني.

مهدي : انا ومعتز كنا نعمل بجهاز الشرطة في السابق ولدينا صديق حميم يعمل بقسم الكومبيوتر. هذا الصديق تمكن من ازالة صورة المجرم الحقيقي (سيف باردو) واستبدلها بصورة ابن عمي معتز.

حمّة : وماذا عن الديوانة؟

مهدي : انا اعمل بالديوانة كما تعلم يا حمة وهذه لعبتي. سوف يمدهم زميلي فؤاد الذي يعمل على بدالة الديوانة بمعلومات صحيحة عن شحنة كعواش التي ستصل الى ميناء حلق الواد.

حمّة : إذاً العملية تسير على ما يرام تماماً كما خططنا لها.

مهدي : بقي عليك ان تقوم بزيارة العميد لتقنعه كي يتعاون معنا.

حمّة : سافعل ذلك اليوم إن شاء الله.

حوالي الساعة العاشرة صباحاً ركب حمّة سيارته وتوجه بها الى مقر شرطة تونس ليسألهم على العميد سمير الجلاصي فاقتادوه الى مكتب العميد. طرق الباب فسمع الاذن بالدخول، دخل وادى التحية إذ قال بالفرنسية،

حمّة : صباح الخير سيادة العميد.

العميد سمير : صباح الخير، من انت وكيف يمكنني ان اخدمك؟

حمّة : انا رجل اعمال تونسي الاصل مقيم بفرنسا. جئت قبل بضع ايام من باريس لازور بلدي تونس. بالامس وعن طريق الصدفة شاهدت اللقاء التلفزيوني الذي اجرته معك القناة الفضائية التونسية والذي ظهرت فيها حضرتك وطلبت من الجمهور التونسي التعاون مع الشرطة للادلاء باي معلومات غير اعتيادية او تحركات مشبوهة كي تتمكن الشرطة من القاء القبض على المجرمين. اليس كذلك؟

العميد سمير : اجل هذا صحيح، نحن نرحب بتعاون الجمهور معنا كي يعيننا في عملنا لنتمكن من القبض على المجرمين. وبذلك نرسي الامن والامان بالبلاد.

حمّة : إذاً، انا جئتك اليوم كي اعمل الصائب وابلغك بجريمة ستقع عن قريب لا محال.

العميد سمير : جيد جداً وانا اثني على جهودك الوطنية ولكن كيف حصلت على تلك المعلومة؟

حمّة : لدي صديق فرنسي يدعى سابي لامارتين اراد المجيئ معي الى تونس ليزورها للمرة الاولى لكنه ابا ان يركب الطائرة كونه يخاف من ركوب الطائرات لذلك قرر القدوم بالباخرة. وبينما هو على متن الباخرة سمع اثنان (الارجح انهما من المجرمين) يتحدثان عن مداهمة وسرقة ستقع لباخرة شحن اخرى تدعى (ليبيرتي) من ماليزيا الى ميناء تونس يوم الخميس القادم اي بعد ثلاثة ايام. تحمل هذه الباخرة حمولة ثمينة جداً. وهم ينوون سرقتها.

العميد سمير : انا آسف، لكنني لا استطيع ان اتحرك بمعلومة غير موثوق بها وغير مؤكدة. يجب علي ان اتحقق اولاً، الا توافقني الرأي يا سيد حمّة؟

حمّة : لقد سمع صديقي لامارتين ان رئيس تلك العصابة يدعى (سالا لاكال).

العميد سمير : ربما كان يقصد سلاح الاكحل.

حمّة : ربما. انت تعرف كيف يلفظ الفرنسيون الاسماء العربية.

هنا صار العميد يبدي اهتماماً أكبر فيما جاء به حمّة لان هذا العميد يطارد المجرم سلاح الاكحل منذ امد بعيد دون جدوى. فسأله،

العميد سمير : وهل لديك معلومات اكثر عن تلك الشحنة؟

حمّة : كلا سيدي. ولكن بامكانك التأكد من صحة المعلومات بنفسك بالنظر لمركزك الوظيفي.

العميد سمير : لحظة واحدة لو سمحت. ساحاول ان استقصي الامر.

رفع العميد سماعة الهاتف وطلب مديرية الجمارك (الديوانة) وتحدث اليهم ليسألهم عن باخرة الشحن (ليبيرتي) فاكدوا له انها ستصل يوم الخميس وانها تحمل بضاعة ثمينة جداً للتاجر التونسي الثري محمد كعواش. هنا ابتسم وبدت عليه فرحة لم يتمكن من اخفائها قال،

العميد سمير : كل المعلومات تؤكد صحة اقوالك سيد حمّة. وانا بدوري اود ان اقدم لك شكري وشكر وزارة الداخلية باكملها لاننا نتابع تحركات تلك العصابة منذ زمن بعيد ولم نتمكن من النيل منها. انت تونسي صالح.

حمّة : هذا واجبي كي اخدم وطني يا سيدي.

العميد سمير : اين تقيم الآن يا سيد حمّة؟ فقط إن احتجنا اليك من جديد.

حمّة : اقيم بفندق الشيراتون جناح رقم 1015.

العميد سمير : لقد سجلت تلك المعلومات عندي. إذا استجدت معك المزيد من المعلومات فارجو ان لا تبخل بها.

حمّة : بكل تأكيد، والآن لا اريد ان ابدد المزيد من وقتك الثمين سيادة العميد،وداعاً.

العميد سمير : سيد حمّة، قبل ان ترحل، لدي استفسار شخصي اتمنى ان تجيبني عليه لو سمحت. انت تبدو صغير السن ربما 19- 20 - 21 عاماً فكيف اصبحت رجل اعمال كبير وامتلكت كل هذا الثراء؟

حمّة : اولاً سني 23 سنة وعن قريب ساصبح 24. اما عملي فهو توفيق من عند الله، اليس كذلك يا حضرة العميد؟

العميد سمير : ونعم بالله.

خرج حمّة من مكتب العميد فرافقه العميد ليودعه الى خارج المبنى ثم عاد ودخل مكتبه من جديد ليحيك كميناً محكماً للعصابة.

في يوم الاربعاء اي يوم واحد فقط قبل وصول البضاعة الى المرفأ. ذهب حمّة ومهدي الى محيط البيت الذي يُحْتَجَز فيه معتز وصاروا يراقبونه عن بعد. بعدها نظر حمّة الى مهدي وقال،

حمّة : هيا يا مهدي توكل على الله وادخل الى المنزل كما خططنا كي تؤدي دورك دون تردد.

مهدي : سافعل، اما انت فبامكانك ان تستمع لجميع ما يدور من حديث بداخل بيت العصابة من خلال هذا الجهاز فهو موصل لاسلكياً بساعة ابن عمي. لا اريد ان اكرر لك يا حمّة، لو وقع لي اي مكروه او مت فارجوك اعتني بزوجتي.

حمّة : سوف لن يقع لك اي مكروه إذا التزمت بالخطة بحذافيرها. وانا اعدك بان زوجتك ستكون بالحفظ والصون. والآن توكل على الله. هيا دعنا نبدأ.

تصافح الرجلان فامسك حمّة بالناظور ليتابع دخول مهدي على وكر العصابة. طرق مهدي الباب ففتح له عنتر وادخله ليسأله،

عنتر : هل انت السائق (الطيارة) الحذق الذي سيقود الشاحنة؟

مهدي : اجل.

عنتر : ادخل، فالمعلم في انتظارك.

دخل مهدي الغرفة ليجد سلاح الاكحل جالساً امام ابن عمه معتز فحياهما وقال،

مهدي : السلام عليكم ابن عمي، السلام عليكم سيد سلاح، انا اسمي فيصل.

سلاح : اخبرني عنك صاحبك وقال انه تعرف عليك بالسجن واصبحتم اولاد عم هاهاها. والآن قل لي، هل تجيد قيادة الشاحنات يا فيصل؟

مهدي : اجل، اقودها وانا مغمض العينين منذ ان كنت مراهقاً.

سلاح : فقط لعلمك، فشاحنة كعواش تزن 20 طناً وهذا وزن كبير جداً.

مهدي : لقد قمت بقيادة شاحنات مقطورة بوزن 40 طن. وليس هناك أي مشكلة.

سلاح : طيب ستبقى معنا هنا بهذا البيت وسوف ننطلق معاً الليلة مع الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. بعدها سوف نعترض شاحنة التاجر كعواش الفارغة وهي في طريقها الى الديوانة بمرفأ حلق الواد وتحل انت محل السائق لتقودها الى الديوانة وسوف يعتقد عمال كعواش بداخل مبنى الديوانة انك تحل محل السائق الذي اصيب بالزكام بشكل مفاجئ. وعند الدخول من بوابة الديوانة ستستعمل البطاقة الشخصية المزورة التي جهزناها لك لتخولك الدخول الى الميناء. وعندما يبدأ العمال بتحميل البضاعة ستبقى انت جالساً بداخل قمرة القيادة حتى ينتهوا من تحميلها فيجلس بعدها الى جانبك احد موظفي كعواش ويطلب منك قيادة الشاحنة الى مستودعات كعواش. وبعد خروج الشاحنة المحملة بالبضاعة من بوابة الجمارك سوف توقف الشاحنة فاركب انا معك في الامام ويركب جميع رجالي في الخلف كي نبقى بداخل الشاحنة حتى نوصلها الى مقرّنا الذي تحدثنا عنه. هل لديك اسئلة؟

مهدي : اجل، وماذا ستفعل بموظف كعواش عندما نخرج من بوابة الديوانة؟

سلاح : هذا ليس من شأنك. ساتصرف معه بطريقتي.

مهدي : إذا كنت تنوي قتله فانا لن اوافق على ذلك واعتبرني منسحباً من العملية منذ الآن.

سلاح : تنسحب الآن ايها الوغد الحقير؟ العملية ستنفذ بعد ساعات وانت تريد ان تنسحب؟

مهدي : إذا وعدتني بعدم قتله، فانا لن انسحب وسننفذ العملية كما رسمنا لها.

سلاح : حسناً إذاً. سوف نرميه في الشارع كالكلاب.

مهدي : إذا كان كذلك فانا موافق.

كان كل هذا الحديث يصل الى مسامع حمّة من خلال المكرفون المثبت بداخل ساعة معتز. اخرج حمّة هاتفه النقال واتصل بالعميد سمير ليقول له،

حمّة : يا سيادة العميد، العملية جارية اليوم كما خطط لها سلاح الاكحل. لقد سمعته يتحدث مع عصابته من خلال جهاز تنصت زرعته بداخل بيته. سوف تدخل شاحنة الى الديوانة يقودها احد رجالي الذي اندس بداخل العصابة.

العميد سمير : ما كان عليك ان تتدخل بعمل الشرطة يا سيد حمّة لان رجالي سيقومون باللازم.

حمّة : لو كان رجالك يقومون باللازم لقبضتم عليه منذ امد بعيد. ارجوك استمع الي ولا تدعه يفلت من العدالة من جديد.

العميد سمير : حسناً، سوف أملأ عناصر الشرطة بداخل الديوانة إذاً.

حمّة : لا لا لا يا سيادة العميد، هذا خيار خاطئ. اولاً يجب ان تكونوا جاهزين ومتوزعين خارج الديوانة وبالتحديد في شارع الجمهورية وليس بداخل الديوانة لان العصابة سوف لن تكون بالداخل. وعندما تخرج الشاحنة المحملة بالحمولة من بوابة الديوانة سيركبها رجال العصابة جميعهم خارج الديوانة. وقتها ستلقون القبض عليهم جميعاً وهم متلبسين عندما يمرون بمكان تواجدكم حيث تنصبون لهم كميناً (مريگل) محكماً بشارع الجمهورية.

العميد سمير : وكيف تعرف انهم سيمرون من شارع الجمهورية؟ ربما سيستديرون الى طريق ثاني غيره.

حمّة : لأن الشاحنة كبيرة جداً وتسحب خلفها مقطورة طويلة. فهي لا تستطيع ان تمر بالازقة الضيقة لصعوبة الاستدارة فيها لذلك يجب ان تمر من شارع الجمهورية بكل الاحوال. لا تنسى ان من يقود الشاحنة هو احد رجالي الذي زرعته بداخل العصابة. وسوف يحرص على ان يأتي الى المكان الذي تترصدون لهم به.

العميد سمير : حسناً ساثق بك هذه المرة لانك خططت لكل العملية وكأنك تعمل معنا بسلك الشرطة.

حمّة : قلت لك سابقاً، انا مواطن مخلص سيادة العميد واريد تنظيف بلدي من المجرمين.

العميد سمير : إذاً سالقاك في موقع المداهمة بشارع الجمهورية.

حمّة : وهو كذلك، الى اللقاء.

وفي تمام الساعة الواحدة و45 دقيقة وقف رجلين من رجال العصابة ومعهم مهدي ينتظرون قدوم شاحنة كعواش الفارغة بوسط الشارع. من بعيد شاهدوا أضوائها تقترب منهم فسلطوا عليها مصابيحهم اليدوية وراحوا يلوحون بها فتوقفت الشاحنة. ذهب احد الرجال الى جهة السائق وتحدث معه قائلاً،

رجل العصابة : هل بامكانك ان توصلنا معك فلقد وقع حادث واصيبت طفلة نريد ايصالها للمستشفى.

السائق : انا آسف لا يمكنني فعل ذلك لانني في مهمة محددة بالديوانة والجميع ينتظرني هناك لتحميل حمولة كبيرة ولا يمكنني ان اتأخر.

رجل العصابة : ارجوك الحالة جداً خطيرة والطفلة قد تموت إن لم نسعفها.

السائق : يا اخي بالله عليك سامحني، بامكانك ان توقف سيارة صغيرة. فانا لا اريد ان اخسر عملي.

وبهذه الاثناء صعد رجل من رجال العصابة من الجهة اليمنى للشاحنة وشهر سلاحه على السائق فرفع السائق يده للاعلى فضربه بمسدسه على منطقة الرأس ليفقده الوعي وسحبه الى عنده لينزله الى خارج الشاحنة والقاه على الرصيف. اعطى الاشارة لمهدي كي يركب الشاحنة من جهة السائق اليسرى ويقود الشاحنة. وبذلك تم الاستيلاء على الشاحنة. وبعد قليل وصل مهدي بالشاحنة الى بوابة الديوانة فاوقفه الحراس هناك ليبرز لهم هويته المزورة فانطلت عليهم الحيلة وادخلوه الى موقع تحميل البضائع على الرصيف رقم 14. فور رجوعه الى الخلف بكل احتراف اوقف الشاحنة ونزل منها ليرجع الى مؤخرة الشاحنة فيفتح بابها. وقتها صار عمال كعواش المتواجدين بداخل الديوانة مسبقاً يحمّلون البضاعة الى داخل الشاحنة. استمروا بعملهم في الذهاب والمجيء بالبضاعة حتى امتلأت الشاحنة بالصناديق وانتهوا من تحميلها كاملة. أشاروا لمهدي كي يقود الشاحنة فتخرج من سور الديوانة. وفور خروج الشاحنة من بوابة الديوانة دخلت شارع طويل مقابل البوابة فوجد مهدي افراد عصابة سلاح الاكحل كلهم متجمعين هناك مدججين بالسلاح وينتظرونه بالشارع. اوقف الشاحنة فركبوا بداخلها في المقطورة الخلفية بينما جلس زعيمهم سلاح الاكحل الى جانب مهدي بالكرسي الامامي وقال،

سلاح : احسنت صنعاً يا فيصل. لقد كنت كالاسد في عملك.

مهدي : شكراً لك يا معلم. ولكن ماذا عن ابن عمي سيف؟ هل سيبقى محتجزاً في بيتك؟

سلاح : فورما نفرغ الشاحنة في مخازننا بمنطقة الدندان ونتخلص منها سنستقل حافلة صغيرة يحضرها لنا احد رجالي فتنقلنا جميعاً الى بيتي. وقتها ساسلمك انت وابن عمك حصتكم من النقود ثم ستذهبان الى اي مكان تشائون. بامكانكما الذهاب الى الصين إن اردتم.

مهدي : هذا تخطيط رائع.

ولما صارت الشاحنة بوسط شارع الجمهورية رأوا جيشاً كبيراً من رجال الامن يقفون امامهم مشهرين اسلحتهم ويشيرون لمهدي كي يتوقف. قال له،

سلاح : لا تتوقف يا فيصل لا تتوقف واصل السير بل اسرع وادهس جميع رجال الشرطة.

مهدي : هل جننت يا سلاح؟ هناك اكثر من 20 شرطياً امامي سوف يموتون جميعاً.

سلاح : قلت لك لا تتوقف واسرع. هيا ادعس على المعجل وادهسهم.

لكن مهدي لم يطعه ووضع قدمه الايمن على المكابح ليوقف الشاحنة تماماً ثم ابطل المحرك. وبنفس اللحظة تلقى ضربة شديدة بمقبض المسدس على رأسه من قبل سلاح ليفقده الوعي. وفجأة فتح رجال الشرطة الابواب من اليمين ومن اليسار ووجهوا رشاشاتهم الآلية صوب سلاح فرمى سلاح مسدسه بينما دخل الكثير من رجال الشرطة الى المقطورة الخلفية ليعتقلوا باقي افراد العصابة. اقترب حمّة من العميد سمير الجلاصي وقال،

حمّة : مبروك عليك النصر يا سيادة العميد.

العميد سمير : بكل صراحة، لولاك يا سيد حمّة لما تمكنا من القاء القبض على هذه الجرثومة التي عاثت بأمن تونس فساداً. سوف ينام التونسيون الليلة نوماً هانئاً وسوف يدعون لك بالخير والبركة والعمر المديد. والآن اخبرني، كيف استطيع ان اجازيك على ما قدمت؟ هل تريد مكافأة؟

حمّة : اطلب منك شيئاً واحداً فقط، اريدك ان تأذن لي كي اقابل سلاح الاكحل في مقر الشرطة المركزية واتحدث اليه لربع ساعة فقط لا غير.

العميد سمير : ما تطلبه امراً ينافي القانون وقد اتجاوز به صلاحياتي ولكن، بالنظر لما قدمته لنا من تسهيلات فانا مستعد للمجازفة حتى بوظيفتي كي احقق لك ما تريد. دع رجالي يقتادوه الى المقر اولاً ثم سامكنك من الدخول كي تتحدث اليه في مركز الشرطة على انفراد لانك كما يبدو لديك ثأر قديم معه. وانا اعرف تمام المعرفة ان صديقك الفرنسي لامارتين كان نسجاً من الخيال.

حمّة : لدي طلب ثاني سيادة العميد.

العميد سمير : اطلب تجاب يا حمّة الباهي.

حمّة : اريد من رجالك ان يداهموا بيته بحي التضامن بحذر شديد ويخلصوا احد رجالي المحتجزين لديه هناك والمؤمن لدى عملاق بشري اسمه عنتر.

العميد سمير : سابعث فريق من رجال النخبة عندي وسوف يجلبونه لك صاغ سليم الى المقر بكل ممنونية.

حمّة : إذاً سالقاك بمقر الشرطة المركزية بعد قليل.

ركب العميد سيارته وطلب من السائق ان ينطلق به الى المقر بينما ركب حمّة سيارته وتبع سيارة العميد. ولما وصلوا هناك طلب منه العميد ان ينتظر قليلاً حتى يكملوا الاجرائات الرسمية اللازمة لادخال المجرم سلاح وعصابته قيد التوقيف الدائم وتسجيلهم في السجلات الرسمية. وبعد ما يقرب من ساعة رجع العميد الى حمّة وقال له "لقد جاء دور زيارتك التي وعدتك بها، ولكن ارجوك لا تطيل. لديك ربع ساعة فقط، تفضل".

تبع حمّة العميد حتى وصلوا غرفة التحقيق فدخلوها قال،

العميد سمير : يا سلاح يا اكحل لقد جلبت لك قريبك كي يزورك.

رفع سلاح رأسه ونظر الى حمّة ثم ادخل اصبعه بانفه وقال،

سلاح : هذا ليس قريبي ولا اعرفه اساساً.

العميد سمير : انه يتكلم الفرنسية لذلك يجب عليك ان تحاوره بالسوري. ساترككما تدردشان على رسلكما.

قالها وخرج من الغرفة ثم احكم الباب ورائه. تقدم حمّة صوب الطاولة التي يجلس عليها سلاح وجلس على الكرسي الحديدي امامه قال،

حمّة : كيف حالك يا سلاح؟ وكيف تشعر الآن؟

سلاح : من انت؟ ولماذا جئت لتتحدث معي فانا لا اعرف غائطاً نتناً مثلك.

حمّة : بل انت تعرفني جل المعرفة. عجبي عليك يا سلاح! كيف تنسى اصدقاء الطفولة؟

سلاح : اي طفولة هذه يا حيوان، انا لا اعرفك. ولو كنت معي اثناء الطفولة فلماذا تتكلم بالسوري؟

حمّة : لاني لو تكلمت بالعربية لصرت افأفئ. انا اول ضحاياك يا سلاح المجرم. كانت لديك عصابة من اطفال حي التضامن حين كنت تَغيرْ على دكان العم مصطفى رحمه الله وتسرق ما بداخله وبعدها تطورت الامور ليصبح هو الآخر من ضحاياك مع ابنه يا قذر. قتلتموهما بدم بارد. كنت تسرق من بضاعته من الدكان وكنت تلعب كرة القدم مع اولئك الاطفال المتوحشين. الا تذكر ذلك الطفل اليتيم الذي كان يجلس بعيداً ويراقبكم بهدوء وانتم تلعبون؟ الا تذكر ماذا فعلتم به عندما طلب ان يلعب معكم؟

سلاح : اجل اتذكره جيداً. هاهاها قمنا بتكسيره ثم قمنا بالبصق عليه.

حمّة : وماذا فعلتم بعد ذلك؟

سلاح : تبولنا عليه. هاهاها.

حمّة : والآن هذا الولد اليتيم قام بالتبول عليك وعلى افراد عصابتك اجمعين. كنتم تسمونه (حمّة المهبول) اتذكر ذلك يا ظالم؟

سلاح : اهذا انت يا حقير يا غائط يا ابن الزانية؟ انت خططت لكل ذلك؟

حمّة : اجل انا... انا من بعثت لك بحارسي الشخصي معتز والذي اخبرك بان اسمه سيف. وقد كان يتّبع ارشاداتي في تنفيذ الخطة التي رسمتها للايقاع بك. كذلك بعثت لك بمهدي ابن عم معتز وقال لك ان اسمه فيصل. انه سائق الشاحنة التي ادخلتك السجن يا سلاح الاغبر. انا الذي انتصرت عليك بالنهاية لانك مجرم قذر والله الهمني ونصرني عليك ومكنني من الاخذ بثأري.

سلاح : هاهاها الآن يكون عنتر قد ذبح سيف وقطّع اشلائه ارباً اربا ليرميها للكلاب.

حمّة : اطمئن يا سلاح يا اكحل فمعتز الذي تسميه سيف يقف خارج هذه الغرفة هنا بالمركز وبصحبته عنتر البغل الذي كُبّلَ بسلاسل غليظة والذي سيؤنسك في السجن. لقد القي القبض عليه قبل قليل وجاؤوا به الى هنا. رأيتهما قبل ان ادخل عليك.

سلاح : يا لك من وغد حقير، كلب، سافل، غائط، قمامة.

حمّة : اشتمني يا سلاح اشتم اكثر ارجوك. فكلما شتمتني كلما افرحتني لان ذلك يخبرني بانك مغتاظ مني كما كنت مغتاظاً منك عندما كنت تعذبني في طفولتي. شكراً لك يا ربي، تمهل ولا تهمل.

سلاح : ساقتلك يا غائط ساقتلك.

حمّة : ومتى ستقتلني يا اسود يا مصخم؟ بعد 30 عاماً مثلاً؟ هاهاها.

بهذه اللحظة دخل العميد سمير الجلاصي من جديد وقال وهو يبتسم،

العميد سمير : هل انتهيت من حديثك الودي مع المتهم؟

حمّة : ارجوك سيادة العميد ضبط سلاح جيداً ولا تأخذك به رأفة ابداً. بامكانك ان تفعل به ما تشاء.

العميد سمير : اطمئن يا حمّة، سوف لن ترى عينه النور ولا حتى بعد 30 سنة وسينال عقابه بالقانون.

حمّة : شكراً لك سيدي، هناك امر اخير يجب ان اخبرك به.

العميد سمير : انت تأمر يا حمّة. قل ماذا تريد؟

حمّة : لديكم شرطي فاسد يدعى (حبيب) هو الذي كان يتقاضى الرشوة من العصابة وعليكم القاء القبض عليه.

العميد سمير : سنجلبه من انفه ونودعه السجن مع اصحابه.

حمّة : شكراً لك سيدي. وداعاً.

نظر الى سلاح وقال،

حمّة : وداعاً يا سلاح المصخم. سيرتاح التونسيون من شرّك وشر عصابتك القمامة. سوف لن تؤذي احداً بعد اليوم.

خرج حمّة من غرفة التحقيق تنتابه سعادة لا توصف. ولما اصبح بوسط المركز رأى معتز ومهدي فعانقهما عناقاً جماعياً واخبرهما بان مهمتهما قد انتهت وانه سوف يضع لهما مبلغاً اكبر مما اتفق معهما عليه ليودعه بحسابهما بباريس. كذلك منح مهدي مبلغ 20000 اضافية كي يشتري به الاثاث لبيته. بعدها ركب سيارته وعاد للفندق. وفور دخوله الباحة الرئيسية رأى حبيبته شانتيل واقفةً امام مكتب الاستعلامات. فورما رأته يدخل، ركضت صوبه وعانقته وصارت تقبله من شفتيه بحرارة فهمس باذنها وقال،

حمّة : انا سعيد لانك قدمت الى تونس. دعنا نكمل ما بدأنا به في الغرفة فانا مشتاق اليك كثيراً.

شانتيل : هيا حبيبي، لقد اشتقت اليك اكثر.

ركبا المصعد فتسلق بهما للاعلى ولم يفعلا شيئاً سوى العناق الساخن. وعندما وصلا الجناح، كان لقائهما متوجاً بجنس شغوف فوق السرير الوثير. وفور انتهائهما من ذلك نامت حبيبته على صدره العاري فسألها،

حمّة : كيف جرت الامور في باريس؟

شانتيل : اخاك سفيان اشترى منزلاً جميلاً حديث البناء وبه الكثير من الانشائات الكهربائية والانارة الحديثة. تصور حبيبي، لديه حوض سباحة في الحديقة الخلفية.

حمّة : إذا كان ذلك يعجبكِ فسوف اشتري لك مثله عندما نعود.

شانتيل : انا شخصياً لا احب السباحة. ولكن اخبرني هل سنعود الليلة الى باريس؟

حمّة : لا ليس الليلة. فهناك اشياء اخرى يجب ان افعلها. اولاً اريد ان ازور زوجة ابي كي اقنعها لتدخل مصح لمعالجتها من الادمان.

شانتيل : زوجة اباك؟ اليست هي من كانت تعذبك وتسبب لك الآلام عندما كنت طفلاً؟

حمّة : اجل ومع ذلك فهي تبقى زوجة ابي ولدي واجب اخلاقي تجاهها.

شانتيل : وهل لديك المزيد من الواجبات؟

حمّة : اجل واجب آخر. هناك حفيدة الحاج مصطفى.

شانتيل : أهو الرجل المسن الذي كان يعلمك اللغة الفرنسية؟

حمّة : اجل هو بعينه. يجب عليّ ان اتأكد من انها فتحت دكان جدها وصارت ترتزق منه بشكل جيد. سوف اكتب لها الدار باسمها وامنحها بعض المال كي تشتري بضاعة للدكان.

شانتيل : وماذا بعد؟

حمّة : كان لدي ثأر آخر لشخص استكثر على جدي 5 دنانير وتسبب بموته.

شانتيل : اتقصد الطبيب الذي لم يعالج والدك؟

حمّة : اجل، لقد فحصه لكنه لم يعطيه مبلغ 5 دنانير ثمن الاشعة.

شانتيل : دعني اسألك بهذا الخصوص حبيبي. كم هي المدة التي مضت ما بين ذهاب والدك الى الطبيب وما بين وفاته؟

حمّة : شهرين تقريباً.

شانتيل : اسمع مني حبيبي، الاحصائيات تشير الى ان مرضى سرطان الرئة يعيشون بعد اصابتهم بالسرطان لفترة ما بين 8 الى 14 شهراً. وهذا يعني ان المرحوم والدك كان قد اصيب بالمرض بزمن طويل قبل ذهابه الى الطبيب. وهذا يعني ايضاً انه دخل مراحل متقدمة من المرض قبل زيارة الطبيب. فحتى لو ان الطبيب قام باخذ الاشعة له فاحتمالية انقاذه بالاشعاع والكيمو سوف لن يجدي نفعاً لذلك فان الطبيب ليس مسؤولاً عن وفاة ابوك.

حمّة : هل انتِ متأكدة من كلامك هذا؟

شانتيل : طبعاً حبيبي، انا عملت كممرضة بقسم الامراض الصدرية لاكثر من سنتين واعرف ذلك جيداً.

حمّة : إذاً ساتراجع عن معاقبة الطبيب.

شانتيل : ذلك افضل يا حبيبي. خصوصاً واننا يجب ان نعود لكي نستعد لاستقبال ابنك.

حمّة : اجل، اجل... ماذا؟ ماذا قلت؟ هل قلت ابنك؟ هل انت...

شانتيل : اجل، حبيبي، انا حامل وقد قام طبيبي بعمل تخطيط الرنين الصوتي واخبرني بان الجنين ذكر.

حمّة : لا اصدق ذلك، انت منحتني افضل هدية يا حبيبتي. سوف يولد ابننا ويرى امه واباه متزوجان. فهل توافقين على...

قاطعته على عجالة وقالت،

شانتيل : اجل، اجل، اوافق ان اتزوجك يا عمري. دعنا نرجع الى باريس باسرع وقت.

بعد اسبوع كامل من الرحلات المتتالية التي اصطحب فيها حمّة خطيبته ليزوروا سيدي السحبي في القيروان ومدينة سوسة لؤلؤة الساحل ومدينة صفاقس وجزيرة جربة انطلقت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية وعلى متنها حمّة وخطيبته شانتيل وفي احشائها ناصر الذي اقلقها طوال الرحلة بركلاته التي لم تنقطع.

...تمت...

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

994 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع