الأزمة السياسية في العراق: هل من حلول؟ وما الفرق بين ما يجري في العراق وما جرى ويجري في دول عربية أخرى

                                                  

                            د. سعد ناجي جواد

الأزمة السياسية في العراق: هل من حلول؟ وما الفرق بين ما يجري في العراق وما جرى ويجري في دول عربية أخرى

من الواضح جدا ان الازمة في العراق قد وصلت الى طريق مسدود، ليس بسبب انها عصية على الحل، وإنما بسبب السياسيين المسيطرين على العملية السياسية منذ عام 2003 ولحد الان ومن كل المكونات، وإصرارهم على نفس النهج الذي اتبعوه طوال اكثر من ستة عشر عاما. وهذا الإصرار يتمثل في التمسك بالحكم والإصرار على سرقة المال العام وتسمية مرشح من بينهم، رغم رفض الشارع لأي من الوجوه التي شاركت في العملية السياسية منذ بداية الاحتلال او تسنمت منصبا وزاريا، أو محسوبة على احزاب السلطة. والأهم والاخطر هو اللجوء الى العنف المفرط منذ اليوم الاول في مواجهة المتظاهرين السلميين دون اعتبار لحقهم في التظاهر ولحقوق الإنسان ولمواد الدستور السيء الذي يتبجحون به. وتنوعت أنواع العنف بين القتل العمد والاغتيالات والاختطاف والتعذيب. واذا ما قارنا ما يجري في العراق مع ما يجري في لبنان لوجدنا اختلافا كبيرا جدا في التعامل مع الازمة، مع العلم ان النفوذ الإيراني واضحا في البلدين، والفرق هو ان غالبية الساسة في لبنان ومن كل الأطراف تصرفوا بحكمة وعقلانية اكثر في هذه الأزمة، التي تميزت في البلدين برفض شعبي واسع للسياسات الطائفية وللفساد المستشرى وأسلوب المحاصصة والخضوع للإرادة الأجنبية. طبعًا هنا يجب ان لا ننس ان الإرادت الأجنبية الاخرى الرافضة للنفوذ الإيراني والتي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل هي أسوا بكثير من نفوذ الطرف الآخر، وهي بالأساس من أوصل المنطقة الى هذا المنحدر الخطير باحتلال العراق ودعم الغطرسة والتوسع الاسرائيلي في المنطقة والإصرار على إشعال فتن داخلية بدعوى محاربة النفوذ الإيراني، الذين هم من مكنه في التغلغل في العراق مثلا. المهم ان اغلب المتنفذين في لبنان، والذين كما في العراق، رفضوا ويرفضون هذه الانتفاضة الشعبية، لم يلجأوا إلى القوة المسلحة في مواجهتها ولم يعتمدوا أسلوب الاغتيالات والخطف، وركزوا على إختيار شخصيات (مستقلة) لتشكيل الوزارة الجديدة. وهكذا فانه في الوقت الذي وصل فيه عدد الشهداء في العراق الى اكثر من خمسمائة شهيد وعشرات آلاف الجرحى والمصابين، لم يسجل في لبنان حالة قتل واحدة. وحتى عندما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل إشعال فتنة طائفية وداخلية وأهلية في لبنان كان الحكماء من كل الأطراف يسارعون الى وأدها في مهدها. بينما في العراق فان كل قرارات واجراءات الأطراف والأحزاب المتنفذة والحاكمة، عربية كانت ام كردية، كانت و لا تزال تثير الفتنة و تشعلها، وتستفز مشاعر العراقيين، وكذلك تصريحات واحاديث المدافعين المنافقين والمنتفعين مما جرى ويجري.

من ناحية أخرى هناك من يقارن بين ما يجري في العراق بما حدث في مصر والجزائر والسودان، هذه الأقطار التي شهدت انتفاضات شعبية قادت الى تغيير في النظام. وبغض النظر عما اذا كان هذا التغيير دستوريًا ام لا، فان الحالات الثلاث تختلف عما موجود في العراق وذلك لان الجيش في الدول الثلاث كان ولا يزال القوة الأهم الذي استطاع ان يمنع حربًا وفتنة داخلية و تدخل في الوقت المناسب، وباستثناء حالة واحدة، فلقد كانت النتيجة اختيارا مدنيا مقبولا من الناس. أما في العراق فلقد جرى تهميش دور الجيش وإضعافه بطريقة كبيرة عن طريق عزل قياداته الكفوءة واستبدالها بقيادات تابعة للحشد الشعبي والأهم هو، كما تردد، تم سحب الأسلحة من الوحدات العسكرية و منعها من مغادرة معسكراتها، و تنصيب قيادات غير كفوءة وغير مؤهلة كان همها الاول والأخير هو الفساد وسرقة الميزانية الهائلة لهذه المؤسسة، وإلا كيف يمكن للإنسان ان يتصور ان هذه المؤسسة العريقة التي كانت دائما تمثل نبض الشارع وتهب للوقوف الى جانبه، تسكت هذا السكوت التام وتقف بألم موقف المتفرج الساكت عن الجرائم التي ترتكب؟ طبعًا الحديث هنا لايشمل من تحاول الولايات المتحدة ان تستقطبهم، او استقطبتهم لصالحها على أمل ان يُحدِثوا تغييرا أمريكيا سيئا اخر في العراق، ومع الأسف اصبح هذا الأمر خيارا مقبولا حتى من بعض الوطنيين.
وأخيرا فان الحديث عن الازمة الخانقة لا يمكن ان يُستَكمل بدون الحديث عن الدورين الإيراني والكردي العراقي. بالنسبة للطرف الاول فلقد اثبتت الطريقة التي تعاملت بها إيران ولا تزال تتعامل بها مع الازمة العراقية بانها، وهذا اقل ما يمكن ان يقال عنها، قصيرة النظر وفاشلة ولا تنسجم مع يقال عن (الدهاء السياسي الإيراني). وإلا كيف يمكن ان يُفَسر اصرار المسؤولين عن الملف العراقي على التمسك باشخاص فاسدين فاشلين مرفوضين شعبيا ومرتكبي جرائم ويرأسون فصائل مسلحة او بالأحرى ميليشيات تعمل قتلا واختطافا بكل من ينتقد ممارساتهم، ويضيفون على ذلك الدخول في استثمارات مالية تستنزف الخزينة العراقية وبدون اي مردود إيجابي على المجتمع. وكيف يمكن لسياسي حصيف وذكي وبعيد النظر ان يصر على تدوير نفس الوجوه المرفوضة والتي هي اساس المشكلة، لمجرد انها تمثل أدوات طيعة له، ولا يفكر ولو للحظة في دعم اسماء مقبولة شعبيا ولا ترضى بان تكون أدوات أمريكية – اسرائيلية تستخدم للإضرار بايران او تشعل حربًا ضدها. ثم كيف يمكن لسياسي نبيه ان يستمر في طرح حلول سوف لن ينتج عنها سوى زيادة النقمة الشعبية في العراق ضد ايران. والدليل على ذلك واضح في الهتافات ومهاجمة المقرات الدبلوماسية ورفض كل الوجوه المحسوبة على ايران، ومن يقوم بذلك هم ابناء المناطق والمكون الذين طالما اعتبرتهم ايران والأحزاب التابعة لها في العراق، بل وادعوا انهم (حاضنتهم ومراكز نفوذهم). ان رد الفعل العكسي على العلاقات العراقية- الإيرانية اذا ما استمرت هذه السياسة والنهج، والذي لا يمكن وصفه سوى بانه يمثل عدم احترام للمشاعر الشعبية والوطنية العراقية، سيكلف ايران غاليا وستندم على اعتمادها هذا الأسلوب ولكن بعد فوات الأوان.
أما الطرف الكردي العراقي، وخاصة حكومة الإقليم وقيادات الأحزاب الكردية بالذات، والتي اثبتت منذ بداية الاحتلال، بل وحتى قبله، ولحد اللحظة بان وجود عراق قوي موحد هو اخر ما يطمحون اليه أو يفكرون به، وان إضعاف العراق واستنزاف ثرواته والعمل على تفتيته واغتنام الفرص لتحقيق مكاسب خاصة لهم، وليس حتى لعامة الأكراد الغالين على قلوب كل العراقيين، هو أساس كل مخططاتهم. وخير دليل على ذلك هو بحثهم عن صفقات ومكاسب مادية في كل أزمة يمر بها حكام بغداد، وليس ايجاد حلول تحترم مشاعر الغالبية من العراقيين، او إصلاحات تحمي العراق،الذي يفترض انهم جزءا منه. إن أي حرب أهلية في العراق أو انهيار هذا البلد سوف لن يزيدهم قوة كما يعتقدون، أو ان مثل هذه الحالة ستوفر لهم فرصة للانفصال عن العراق، على العكس فان انهيار العراق وذهابه إلى الفوضى سيكون وبالا على كل المنطقة وأول من سيكتوي بهذه النتيجة هو اقليم كردستان العراق. وان كان قِصَر النظر قد يُنسي البعض ما جرى بعد احتلال تنظيم داعش الإرهابي للموصل و توجهه إلى حدود الإقليم، وما حصل آنذاك في أربيل وما حولها، فان هذا الاحتمال وليس غيره يبقى واردا جدا في حالة تشرذم العراق. (والأمر نفسه يسري على بعض الدول الخليجية التي تحاول ان تغذي كل ما يساعد على تفتيت العراق على أساس ان عراق ممزق لن يشكل خطرا عليهم وسيؤدي، حسب تعبير دبلوماسي خليجي إلى تفتيت إيران!!!!). و إن كان هناك من نصيحة متواضعة يمكن تقديمها لحكومة الإقليم والأحزاب المتنفذة فيه فهي عدم المساومة على الدم العراقي ومستقبل العراق والتعاون مع احزاب وشخصيات دمرت العراق وفاشلة ومرفوضة شعبيا. ولمن نسي تجربة الاستفتاء عليه ان يتذكرها، ولمن لا يعلم فان ديون الإقليم الان هي من الضخامة بحيث تجعل من أية دولة كردية (مستقلة) دولة فاشلة وغير قادرة على الاستمرار مهما أعطيت من وعود خارجية كاذبة، وعود هي بالأساس ليست حبًا بالحقوق القومية الكردية المشروعة وإنما كرها بالعراق ومحاولة واضحة لتدميره.
ختاما فان ما يجري في العراق إذا لم يعالج بحكمة تتمثل اولا في ابعاد ومحاسبة كل الأطراف الفاسدة والفاشلة والتي أجرمت بحق العراقيين لأكثر من ستة عشر عاما، وثانيًا في اختيار الأشخاص الاكفاء وحسب ما ورد في شروط ومطالب المتظاهرين والمحتجين، وثالثا العمل على خلق عراق ديمقراطي مستقر وموحد ومنيع يحفظ حقوق كل ابناءه من شماله الى جنوبه، ويسخر ثرواته الهائلة لخدمتهم. فان الكارثة ستعم الجميع. وبالتأكيد فان العراقيين فقط هم وحدهم وبكل مكوناتهم الأصيلة قادرين على معالجة وإصلاح الأمور في بلدهم، صحيح ان الازمة العراقية منذ بداية الاحتلال ولحد الان هي أزمة غير مسبوقة، الا ان العقل العراقي يبقى قادرا على ايجاد الحلول الناجعة لها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1066 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع