حتى لا يتحول المتقاعدون الى حال (شمهوده) !

                                                 

                               صبري الربيعي

حتى لا يتحول المتقاعدون الى حال (شمهوده) !

رئيس الحكومة
اللجنة القانونية في (مجلس النواب) , وزير المالية
نبدأ بمفارقة فيها بعض طرافة , حيث عاشت شريحة معدمة من المواطنين العاملين في سلك الشرطة , بمنتصف السبعينات ظروفا اقتصادية ومعاشيه صعبة بسبب ضآلة رواتبهم ,مما دعا زميلنا (المنسلخ) حسن العلوي الى نشر عديد المقالات المتسلسلة في مجلتنا (الف باء) داعيا الى تشريع قانون يعدل رواتب الشرطة ,وبعد فترة صدر ذلك القانون فعلا,و(عرفانا) بدور الصحفيين في رفع الحيف عن افراد الشرطة ,بقينا الى مدة طويلة (نرفل) ببعض الاستثناءات في السماح لنا بإيقاف سياراتنا في شوارع بغداد , الى درجة انني تمتعت ذات مرة برؤيتي شرطيا على دراجته يفتح لي طريقي في شارع مزدحم ! كما حظينا بكثير من مشاعر الشرطيين وأحيانا قبلاتهم , مصحوبة بكثير من الدعوات بالرحمة على آباءنا و(الديس اللي رضعنه منّه).

اذن كانت مبادرة من زميل واحد , جلبت لنا تلك المودة ودعوات الرحمة على والدينا , رغم ان اصدار القوانين الناظمة والمنصفة ,هي من اولى واجبات اية سلطة تنفيذية كانت ام تشريعية,وأية عمل في هذا المجال لايعد منّة !

و لكم  تخيّل كم من الدعوات بالرحمة على آباءكم(رغم ان بعض اخوتي سيأخذون عليّ كتابة هذه الكلمات الاربع) , فيما لو شرّعتم قانونا عادلا ينصف المتقاعدين,ويؤمن لهم حياة كريمة تتناسب مع جهودهم , واستحقاقاتهم القانونية والشرعية, التي يجب ان تعالج بدوافع اخلاقية تنطوي على الوفاء لمن بنى وأسس في ظروف صعبة,مهما كانت توصيفات ذلك الجهد البناء !

دوافعي لكتابة هذه السطور التي قصدت  خلوها من المجاملات ,وعبارات التوسل والتفخيم والتعظيم, كونها تطالب بحق, وصاحب الحق كما نصت الشرائع السماوية هو الاعلى ..تلك الدوافع تكمن في رؤيتي مئات الآلاف من الآباء والأمهات الذين ضجت شوارع العراق بهم مطالبين بالعدل وحقوقهم (المدفوعة عنها توقيفات تقاعدية ) ,من اجل تقاضي رواتب تكفل معيشتهم وكرامتهم في سن العجز عن العمل .. وإذا بهم يتقاضون رواتب لاتشكل نسبة % 1 مما يتقاضاه عضو ب(مجلس النواب) في حالة تقاعده عن(عمل مفترض) لمدة 4 سنوات ,ربما لا تتوفر له الشهادة العلمية او الخبرات المتراكمة , او العمل في ظروف صعبة,كما عمل المتقاعدون ..فهل في ذلك عدالة ؟

ايها السادة .. لكم ان تتذكروا ان  شريحة المتقاعدون في دول أنعم الله عليها ب(العدالة الاجتماعية الحقيقية) وليست (الزائفة), يشكلون الشريحة المرفهة , التي ينظر اليها العاملون الحاليون بشيء من الغبطة , إذ يتاح لها التمتع بالتأمينات الإجتماعية والصحية يدفعون عنها من رواتبهم التقاعدية, فيما يعدّون من اكثر الشرائح تمتعا بالعطلات السنوية التي يجوبون  خلالها  جهات العالم الأربعة الى جانب التمتع ببرامج  نهاية الإسبوع , كما يعدون الرقم الأعلى في مبتاعي بطاقات التهنئة بالأعياد العامة والشخصية ..فأين متقاعدونا من اولئك ؟ لا لشيء إلا بسبب من ان (سلطاتنا) لم ولا تف بمتوجبات شعارات  يرفعها ويتباهى بها مسئولون حملتهم (الصدفة) الى مواقعهم  فتناسوا ان عليهم واجبات , شرعية وقانونية واخلاقية !

لا نريد بعد الآن قانونا لرواتب المتقاعدين  يرمي ب(50 أو 100 أو حتى 300 مئة الف دينار زيادة عن رواتبهم التافهة الحالية )! بل نريد رواتب لا تقل عن مليونا ونصف المليون,يوضع لها سلما واقعيا يأخذ بالاعتبار مدة الخدمة  وطبيعة العمل, كما ان زيادة سنوية بنسبة تتناسب مع مستوى معدل الأسعار السنوي, يجب ان تضاف الى تلك الرواتب,لتتماشى مع ارتفاع المستوى المعاشي ..فلم يعد مقبولا بعد اليوم  رؤية قاضيا اقدما يعمل رئيسا لمنطقة (البياع) هو الصديق الأستاذ عمر الكبيسي لم  يغطي راتبه الشهري 3 آلاف دينار ثمن حذاء واحد لولده..العراق بلد غني , بل يعد في حقيقة الأمر الأغنى في منطقته , فيما ينوء متقاعدوه بآلامهم في ثلث اعمارهم الأخيرة, وهو في هذا مثل ( شمهودة التي تلطم  حتى تدمى , وعند الغداء يصبون لها مع الأطفال)!

نريد قانونا لرواتب المتقاعدين يعيد الحق ,ويقره لكل من عمل وتقاعد او ترك الوظيفة الحكومية او وظائف القطاع الخاص,لأي سبب او مدة كانت ..فهل من الحق والعدالة عدم تقاضى مثل هؤلاء راتبا تقاعديا عن خمس او عشر او خمسة عشر سنة امضاها في العمل ,مع انه دفع عنها توقيفات تقاعدية من ماله الخاص ؟ وهل من العدالة أن تصادر (الحكومة الغنية) توقيفات تقاعدية دفعها المتقاعد دون مدة 25 سنة حلم بادخارها لتعينه وتضمن كرامته في شيخوخته ؟  وهو يعاني اليوم من معضلات اساسية تعجز الحكومات المتعاقبة عن معالجتها بما يؤمن كرامة المتقاعد !

هل تعرفون ايها السادة المسئولون أن المتقاعدون في الدول التي تؤمن العدالة المتوجبة لمواطنيها, تغطي مانسبته 40% من ايجارات مساكن ذوي الدخل المحدود وفق نظام (دعم السكن) لشريحة ذوي الدخل المحدود , وهم ممن لا يعملون لأسباب صحية او لفصلهم من العمل لأي سبب كان !

وانهم يتمتعون بخفض بنسبة مناسبة في تذاكر وسائل النقل العام والأنشطة الثقافية والترويحية  ويشمل ذلك ارتياد دور السينما والمسارح والمتاحف والمسابح ..وان تسابقا يجري من قبل عشرات المنظمات المدعومة ماليا من الحكومة لتقديم الرعاية لهم  !

وهل تعلمون ان عراقيون مهاجرون خدموا بلدهم عقودا لم يتلقوا رواتبهم التقاعدية من بلدهم ؟ تلقوها هناك واحتسبت لهم حسب اعمارهم,التي ما ان تبلغ 65 سنة ,حتى يتلقى الفرد منهم اشعارا بإحالته على  التقاعد وتلقيه راتبه التقاعدي عبر حسابه الشصي في يوم محدد من كل شهر !

أمر غير بعيد ذلك الذي حدث ! عندما وجدت حكومة (هولندا) عن تدقيقها حسابات الموازنة السنوية , ان مليارا وبعض ملايين قد ظهرت فائضة عن تلك الموازنة..ماالذي فعلت به الحكومة التي قد يقول بعض مثاباتكم انها (كافرة) , لقد تلقى كل مواطن اشعارا بنكيا باضافة 100 يورو, الى حسابه الخاص ! (سليمة لتطم الحكومة ونوابها).

نريد لمتقاعدينا الشرفاء المتعففون ,الذين تحمل شرائح واسعة منهم في عقولهم الفكر والخبرات,الى جانب ضمائر يقظة وقلوب نبضت وتنبض بحب العراق ,مؤطرة بسلوكيات النزاهة…فهم واصلو بناء العراق , ووفروا لكم مرتكزات دولة تنعمون اليوم في (حكومتها) , وشيدوا لكم المدارس والجامعات ودور العبادة , وزرعوا لكم اشجارا تتفيئون في ظلالها , واوصلو المياه والكهرباء الى بيوتكم , وأشاعوا لكم ثقافة تتباهون بها (ان كان بعضكم له منها نصيب)!

وبعد نقول ..من حق جماهير المتقاعدين , اعلانها المطالبة بقانون شامل يتوفر على الموضوعية , ويستند الى الشرعية القانونية, والمتوجبات الأخلاقية , الضامنة الى عيش كريم مكتف لشريحة المتقاعدين مهما بلغت سنوات خدمتهم  , من دون فرز , او اقصاء من دوافع مصدرها لخارج القانون والعدالة !   وعلى الكتاب وذوي الرأي  والمحامين والناشطين في حقوق الإنسان ,مواصلة المطالبة بقانون ,عادل يقر رواتب تقاعدية تغطي كامل حاجة المتقاعد ..يكفل له تغطية تكاليف السكن والتطبيب ونفقات المعيشة الكريمة ..وأننا في ذلك مواصلون مهمتنا الشرعية والإنسانية ,حتى رؤية  متقاعدينا  , في وضع الكفاية  كآباء شرعيون لما ننعم به اليوم من حياة (والله لايضيّع اجرمن أحسن عملا) !

ورود الكلام..

اجدادنا وآباؤنا انجبوا (درازن) من الأبناء, وفاء لغريزة الأبوة ,ومن اجل اعمار الأرض , و(تأمينا) لمفاجئات الثلث الأخير من فيلم العمر ..وعندما صاروا ..وتغيرت الدنيا وجدوا الآباء عقوق ألأبناء, المتسابقين نحو مجد شخصي .من غير التفاتة الى اصولهم ومنابع وجودهم وصيرورتهم  , الجالسين في زوايا من بيوتهم ! هنا تصبح (السترة) في المال , كرامة , وتوفر على قدرة , تتيح متعة ألاستذكار والمقارنة , وانتظارغروب مستحق !

     

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع