من حكايات جدتي .... الثامنة والأربعين

                                        

                      بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي .... الثامنة والأربعين
سوسن والخاتم السحري

في احدى الليالي اتفقنا أن نمتحن جدتي ونسألها عن جحا، الذي كان له حكايات في كتاب المطالعة والنصوص ايام زمان، وجحا شخصية كوميدية في الأدب العربي. هو أبو الغصن دُجين الفزاري الذي عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي، وقضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة. سألت جدتي هل تعرفين شيئا عن جحا: ابتسمت وأجابت، اعرف الكثير عن نوادر وطرائف حجا، واشتهرت حكاياته الظريفة على كل لسان، اسمعوا هذه الحكاية. ذات يوم كان جحا يتسوق، فجاء رجل من الخلف وضربه كفا على خده، فالتفت إليه جحا وأراد أن يتعارك معه، ولكن الرجل اعتذر بشدة قائلا: إني آسف يا سيدي فقد ظننتك فلانا.
فلم يقبل جحا هذا العذر وأصر على محاكمته، ولما علا الصياح بينهما، اقترح الناس المتجمعين حولهما، أن يذهبا إلى القاضي ليحكم بينهما، فذهبا إلى القاضي، وصادف أن ذلك القاضي يكون قريبا للجاني، ولما سمع القاضي القصة غمز لقريبه بعينه (يعني لا تقلق فسأخلصك من هذه الورطة).ثم أصدر القاضي حكمه بأن يدفع الرجل لجحا مبلغ عشرون دينارا عقوبة ضربه. قال الرجل: ولكن يا سيدي القاضي ليس معي شيئا الآن. قال القاضي وهو يغمز له: أذهب واحضرها حالا وسينتظرك جحا عندي حتى تحضر المبلغ، ذهب الرجل وجلس جحا في مجلس القاضي ينتظر غريمه يحضر المال، ولكن طال الانتظار، ومرت الساعات ولم يحضر الرجل، ففهم جحا الخدعة، خصوصا أنه كان يبحث عن تفسيرا لإحدى الغمزات التي وجهها القاضي لغريمه، فماذا فعل جحا ؟ قام وتوجه إلى القاضي وصفعه على خده صفعة طارت منه عمامته، وقال له: إذا أحضر غريمي العشرين دينارا فخذها لك حلالا طيبا، وانصرف جحا!
نعود لحكايتنا اليومية كان يا ما كان، يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك فتاة جميلة تدعى سوسن، كانت سوسن تعيش وحيدة مع أباها وأمها ترعاهما وتسهر على راحتهما، مرت أيام طويلة ولم يأت أي أحد لخطبة سوسن،التي بدأت تكبر في السن شيئاً فشيئاً، بدأت سوسن تشعر بالحزن وتفكر كل ليلة في عيش حياة سعيدة مليئة بالحب والأطفال الصغار
حزن والدها كثيراً لموت زوجته وأصبح مشغولاً بابنته الوحيدة ولا يكف عن التفكير ليل نهار في مستقبلها، ولمن سيتركها إن لحق بزوجته هو الآخر، وقد أصابه المرض وأصبح عاجزا عن الحركة وأيامه أصبحت معدودة. وفي يوم تذكر الأب الطيب أن له خاتماً من الذهب تركه عند صديق له يدعى سلمان، فعندما حس أن ساعته قد إقتربت، دعا سوسن وأخبرها أن تتصل بهذا الصديق لتأخذ الخاتم الذهبي منه وتستعمله في وقت الشدة، فهذا الخاتم سحري !
بكت سوسن عندما فهمت ما يفكر فيه الاب وقالت له: ولكن بقاءك بجانبي يا أبي أفضل من ألف خاتم ذهبي،
وفي يوم من الأيام ماتت والدتها فجأة، فأصاب سوسن حزناً شديداً لفراقها وأخذت تبكي كل ليلة وحيدة في غرفتها،
بعد فترة أخذت سوسن تبحث عن صديق والدها لتنفذ وصيته ولكنها لم تعثر عليه، حتى ملت من البحث عنه ويئست أن تجده، وبينما هي تتنزه يوماً في الغابة وحيدة سمعت صهيل حصان، أخذت تلتفت حولها حتى وجدت شابا وسيما يركب على حصان أبيض جميل جداً، تقدمت سوسن نحوه وسألته: من أنت يا سيدي ؟ فرد الشاب : أنا ابن سلمان، ماذا تفعلين وحدك في الغابة وعمن تبحثين، قالت له سوسن: أبحث عن صديق والدي الذى يدعى سلمان، هل تساعدني ؟ رحب الشاب بمساعدة سوسن المسكينة وأخذها إلى منزل والده سلمان.

حكت سوسن إلى سلمان قصة والدها وأخبرته أنها تريد الخاتم الذهبي، قال سلمان: بالفعل إن الخاتم السحري موجود لدي الآن، ولكني لا أستطيع تسليمك إياه في الوقت الحالي، ولكي تستعيديه عليك أن تأتي إلي بورقة مخطوطة بماء الذهب، وستجدي هذه الصورة في صندوق من ثلاثة صناديق متشابهة تماماً، تعجبت سوسن من كلام الرجل وقالت له أنها لا تعلم أي شيء عن قصة الصناديق الثلاثة، قال لها الرجل أن والدها لم يستطع أن يخبرها بها وإلا يبطل مفعول الخاتم السحري، عليك الآن أن تذهبين إلى منزلك وتبدئين البحث عن الصناديق الثلاثة، تساءلت سوسن : ولكن كيف سأعرف الصندوق الذي بداخله المخطوطة وهم جميعاً متشابهين، قال سلمان: عليك أن تعتمدين على ذكائك للتعرف عليه، فصندوق واحد هو الذي يحتوي على المخطوطة والصندوق الثاني يحوي على عقرب في داخله والثالث يحوي أفعى سامة ،احذري فعليك ألا تخطئين أبداً في فتح الصناديق وإلا ستعرضين نفسك للموت!
أعطاها سلمان مفتاحا لتفتح الصندوق، عادت سوسن إلى منزلها خائفة تفكر في أمرها ولا تدري ماذا تفعل، أخذت تفتش في المنزل حتى وجدت الصناديق الثلاثة تحت سرير والدها، أخذت تتأملهم بحذر شديد ولا تتجرأ على الاقتراب منهم أو لمسهم، وفجأة خطرت لها فكرة، إقتربت بحذر من الصناديق وأخذت تنصب بأذنيها لعلها تسمع أي أصوات تأتي من داخل الصندوق لتعلم مكان الأفعى والعقرب، وفعلاً وجدت صندوق واحد لا يصدر منه أي خربشة أو أصوات غريبة، فقررت فتحه وأدخلت المفتاح، وإذا بشعاع ذهبي قوي جداً يضئ أرجاء المنزل، أخرجت سوسن من الصندوق مخطوطة الذهب وهي تشعر بالسعادة والحماس.
ذهبت مسرعة إلى منزل سلمان وأعطته الورقة، فأحضر لها سلمان الخاتم السحري على الفور قائلا: هذا الخاتم ملك لك الآن ضعيه في إصبعك وامسحي علية مرتين، ثم اطلبي كل ما تتمنين وسيتحقق بإذن الله.  
وضع سوسن الخاتم  في اصبعها ومسحت عليه وقالت: يا خاتمي الذهبي أريد زوجاً مثالياً وبيتاً صغيراً هادئاً وذرية صالحة أربيها في طاعة الله عز وجل، وفعلاً تحققت أمنيتها وعاشت سوسن مع زوجها في سعادة هناء وظل الخاتم السحري في إصبعها لا يفارقها أبداً،وكانت دوماً تحمد الله الذي أعطاها ما تمنت .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1061 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع