مؤتمر باريس 'العراقي' حلقة لتشتيت الجهد الوطني

                                       

                          هارون محمد

جميل جدا أن يستمر الكاتب والوزير الأردني السابق صالح القلاب في إيلاء اهتمامه بقضايا العراق في التحرر والسيادة والعودة إلى حاضنته العربية باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمة الكبيرة،

والأجمل أن يواصل حرصه على أن “تبرز معارضة جادة ونظيفة وصادقة” تجمع ولا تفرّق، لانتشال هذا البلد المستباح من جارة الشر والعدوان التي زحفت بحرسها المتخلف واطلاعاتها المجرمة وجنرالاتها القتلة وميليشياتها السافلة، لتخنق عراق العرب، وتجهز على البقية الباقية من بنيته ومؤسساته الوطنية، وتصادر إرادته الحرة وتنتهك حرماته بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لولاها لما تمكن جرذ إيراني من عبور خط الحدود رغم اتساع طولها مع البوابة الشرقية للوطن العربي.

ومع الامتنان للسيد القلاب الذي شارك بمداخلـة قيمة عبرت عن صدق تعاطفه وعمق تضامنه مع الشعب العـراقي في مؤتمر باريس الذي دعت إليه جماعة سياسية صغيرة انبثقت وأعلن عن ظهورها في العاصمة القطـرية في الثـاني مـن سبتمبر الماضي خلال اجتماع الدوحة، الذي سعى منظموه – وتحديدا وزير الخارجية القطري السابق خالد العطية – إلى تسويق الحـزب الإسـلامي، الجنـاح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ممثلا بنائب أمينه العام سليم الجبوري عربيا ودوليا، ومحاولاته إقناع أطراف عراقية معروفة بثوابتها الوطنية في معارضة العملية السياسية القائمة منذ غزو العراق، للانخراط فيها وتجاوز عيوبها وأخطائها وطائفيتها، كما فعل الحزب المذكور طيلة السنوات الماضية.
    
    

وكان واضحا – ونحن مع أي جهد وطني أو مسعى أو مؤتمر عراقي، سواء يعقد في الدوحة أو باريس، سليم في نواياه وهادف في توجهاته – أن المؤتمر الذي انتظم على ضفاف نهر السين، وحضره سبعون عراقيا أغلبهم يقيم في عواصم الغرب، وسياسيون أميركيون وفرنسيون سابقون أو متقاعدون، لم يأت في سياق يخدم تطلعات العراقيين وانتشالهم من الأوضاع المأساوية التي يرزحون تحت وطأتها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما مليئة بالاضطهاد والقمع وتسلط الأحزاب والميليشيات الشيعية الطائفية، ولم يأت أيضا لصياغة مشروع وطني لإنقاذ العراق من الأزمات والنكبات والكوارث المتلاحقة التي تضربه في صميم خاصرته، وإنما لدفع جماعة ما زالت في طور التكوين، إلى الواجهة السياسية ودعم راعيها الشاب الذي لم يعرف عنه نشاط أو حضور سياسيين سابقين، وكل كفاءته أنه من آل (الضاري) الكـرام، وكـان موظفـا أو مستخـدما (لا فرق) في هيئة العلماء المسلمين وانقلب عليها وانشق عنها عقب رحيل زعيمها الشيخ حارث الضاري رحمه الله، لسنا هنا بصدد تناول أسباب انقلابه وانشقاقه ودوافعهما رغم أن الأوساط العراقية تعرف ملابسات ذلك إلى حد التفاصيل المملة.

وبالتأكيـد فإن الأستاذ صالح القلاب، وهو الكاتب والباحث السياسي والمهتم بالقضايا العربية، يدرك أن شرط نجاح المؤتمرات والاجتماعات المكرسة لبحث مشكلات البلاد وإنقاذ العباد، كما في الحالة العراقية الراهنة، يتمثل في تغليب المصلحة الوطنية والارتقاء بالجهود والمساعي الخيّرة إلى مستويات تجسد رغبات غالبية العراقيين في الحرية والنهوض، وتستدعي مشاركة فاعلة من القوى الوطنية والقومية التي تُجمع على مغادرة نظام المحاصصات الطائفية والعرقية الذي رسمه الأميركان الغزاة، بالتنسيق مع إيران وبالتعاون مع الأحزاب والقيادات الشيعية والكردية، وبمساهمة أجيرة من الحزب الإسلامي الذي حاول تزوير إرادة السنة العرب في مناهضة الاحتلال وسعى إلى تهميشهم والتنكيل بهم. لذلك فإن نقدنا لمؤتمر باريس “العراقي” لا ينطلق من اعتراضنا على الدولة التي موّلته وهي مشكورة إذا كانت حسنة النوايا، ولا من اعتراضنا على راعيه الذي من حقه كمواطن عراقي أن يسوق نفسه سياسيا وهو الجديد على ميدانها الشائك ولكن وفق معايير نزيهة تتفادى الفرقة وتتجنب السقوط في أجندات تزيد الشرخ في الصف الوطني.

ويعرف الأستاذ القلاب أيضا أن عقد مؤتمرات سواء في باريس أو في غيرها، لمناقشة تفاقم الوضع العراقي وإيجاد حلول آنية أو معالجات مستقبلية، يجب أن تسبقه تحضيرات ضرورية تمهّد لانعقاده وإغناء جدول أعماله ودعوة القوى والأطراف التي لها حضور في الساحة العراقية إلى المشاركة فيها لضمان نجاحها، وليس التخندق في إطارات ضيقة والاعتماد على شركة أميركية للعلاقات العامة للترويج لها عبر فرعها الأوروبي الذي يديره موظف سابق في مكتب الحاكم الأميركي سيء الصيت والسمعة بول بريمر. وليس صحيحا ما ذكره منظمو المؤتمر من أن حكومة حيدر العبادي اعترضت على عقده في العاصمة الفرنسية، بل العكس هو الصحيح، وهذا واضح في المراسلات المتبادلة بين وزارتيْ الخارجية في باريس وبغداد، والأخيرة استحسنته ما دام يقتصر على مجموعة غير مؤثرة، ولم تشارك فيه هيئة العلماء المسلمين وحزب البعث العربي الاشتراكي والأمانة العامة للمشروع العربي وحركات المعارضة وفصائل المقاومة، التي ما زالت حكومة حزب الدعوة مصرة على وصفها بالإرهابية، وتلاحق أنصارها والمتعاطفين معها بالمادة (4 من قانون الإرهاب) على الشبهات.

ومرة أخرى نقول للأستاذ صالح القلاب، الذي نُقـدّر غيرته القـومية ودفـاعه عن الشعب العراقي، إن الذي يريد التصدي للعملية السياسية المتهالكة في العراق باعتراف صناعها الأميركان، يجب أن يلتزم منهجا واضحا لتقـويضها وخطـوات صريحة لإنهاء ركائزها، لا أن يسعى إلى ما يسمى بـ(تعديلها) من داخلها وهي المعوجة أصلا ولا ينفع فيها الترقيع، ولا أن يُغري نوابا متقلبين وأفاقين ليشكل منهم كتلة برلمانية تُصبح رقماً يضاف إلى قوائم الكتل الفاسدة التي ثبت انخراطها في معاداة تطلعات الشعب العراقي نحو الإصلاح والتغيير.

وأخيرا وليس آخرا، إننا سنكون أول المصفقين لمسؤولي مؤتمر باريس “العراقي” إذا اعترفـوا بخطأ مبادرتهم الانفـرادية وعيب خطوتهم الانعزالية، والعودة إلى الاصطفاف مع القوى والأطراف والشخصيات والرموز الوطنية والقومية والإسلامية، التي بدون حضورها ومشاركتها لن ينجح مؤتمر أو اجتماع للمعارضة العراقية حتى لو تدفقت عليهما ملايين النفط ومليارات الغاز.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع