إسرائيل بعيون أميركية جديدة

                  

                         د. منار الشوربجي

لم تعد إسرائيل تحظى بالإجماع الذي ظلت تتمتع به في الولايات المتحدة حتى سنوات قليلة مضت. هذا ما أثبته استطلاع للرأي أجرته أخيراً مؤسسة »بيو« الأميركية التي تحظى باحترام واسع.

ففي ذلك الاستطلاع، بدا واضحا، كما تقول المؤسسة بنفسها، أن إسرائيل صارت مصدر »استقطاب أيديولوجي وحزبي« لم يكن موجوداً من قبل.

فقبل بداية الألفية الثانية، كان أغلبية الأميركيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والأيديولوجية، أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، بالمقارنة بالفلسطينيين.

صحيح أن هناك قطاعات من الأميركيين كانت ولا تزال الأكثر دعماً لإسرائيل من غيرها، مثل اليمين الأصولي المسيحي، إلا أن انخفاض دعم إسرائيل في أوساط بعض القطاعات الأخرى بالمقارنة بغيرها لم يكن يترجم بالضرورة إلى دعم لحقوق الفلسطينيين. أما اليوم، فقد صار الجمهوريون أكثر دعماً لإسرائيل من الديمقراطيين، وصار الحزب الديمقراطي منقسما على نفسه بخصوص تلك المسألة.

ويقول استطلاع مؤسسة بيو أن 79% من الجمهوريين »المحافظين« و 65% من الجمهوريين »المعتدلين« أكثر تعاطفاً مع إسرائيل بالمقارنة بالفلسطينيين. وتظل الأغلبية الساحقة من المنتمين لليمين الأصولي، الإنجليكاني تحديداً، هم الأكثر دعماً على الإطلاق لإسرائيل بناء على تفسير محدد للنصوص المقدسة يؤمنون به.

أما داخل الحزب الديمقراطي، فبينما يتعاطف مع إسرائيل بدرجة أكبر من الفلسطينيين 53% من الديمقراطيين »المحافظين والمعتدلين« فإن أكثر من 40% من الديمقراطيين الليبراليين صاروا أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين بالمقارنة بـ30% منهم يتعاطفون مع إسرائيل بدرجة أكبر.

غير أن الأهم من ذلك هو الفجوة الجيلية في الولايات المتحدة فيما يتعلق بإسرائيل. فالذين ولدوا منذ بداية الثمانينات هم أقل الأجيال تعاطفاً مع إسرائيل وأكثرها تعاطفاً مع الفلسطينيين. ويقول استطلاع »بيو« إن أكثر من ربع أبناء ذلك الجيل (27%) يتعاطفون بدرجة أكبر مع الفلسطينيين بالمقارنة بإسرائيل، »وهي أعلى نسبة بالمقارنة بأي جيل آخر«.

والحقيقة أن نتائج الاستطلاع لا تحمل مفاجآت للمتابع عن قرب لما يجري على الساحة الأميركية. فهناك عوامل مختلفة هي المسؤولة، في تقديري، عن تلك النتيجة لعل منها الدور الذي لعبه نتانياهو بنفسه، ودور لوبي إسرائيل في واشنطن، فضلاً عن تأثير السياسات الإسرائيلية. فمنذ نشأتها، حرصت إسرائيل دوماً على أن تظل قضية إجماع حزبي وأيديولوجي داخل أميركا.

وهو أمر مفهوم بالطبع لأن ذلك الإجماع معناه أن يظل دعم إسرائيل دون أي تغيير، بغض النظر عمن يتولى مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.

لكن نتانياهو سيدخل سجلات التاريخ باعتباره أول سياسي إسرائيلي يعمل ضد رئيس الولايات المتحدة ويذهب بدعوة من الأغلبية »الجمهورية« في الكونجرس لإلقاء خطاب يعارض علناً سياسات الرئيس الأميركي »الديمقراطي«، بل وباعتباره من سعى لإسقاط ذلك الرئيس، عندما رشح نفسه لمدة ثانية عبر دعم منافسه علناً في انتخابات 2012 الرئاسية. وليس خافياً ما لذلك من تأثير على موقف الديمقراطيين خصوصاً أن استطلاع »بيو« يوضح أن ذلك التحول الحزبي والأيديولوجي بدأ يظهر بعد بداية العقد الحالي تحديداً، أي في ظل إدارة أوباما.

ولوبي إسرائيل مسؤول هو الآخر عن انتهاء الإجماع الأيديولوجي والحزبي. فالمنظمات المهمة الداعمة لإسرائيل صارت أكثر يمينية من أي وقت مضى، بل وتتبنى مواقف الليكود الإسرائيلي تحديداً. وقد عمد ذلك اللوبي أخيراً إلى إسكات كل الأصوات التي توجه أية انتقادات لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

فهو لاحق عشرات من أساتذة الجامعات والمثقفين والناشطين السياسيين، بمن فيهم يهود أميركيون ظلوا في أغلبهم يأتون من على يسار الساحة السياسية الأميركية.

والموقف من اليهود الأميركيين تحديداً لم يقتصر على الذين ينتقدون الصهيونية كأيديولوجية وإنما طال بعض المؤمنين بالصهيونية وإن انتقدوا سياسات إسرائيل بدافع القلق على مستقبلها. ولعل تلك الحملات فضلاً عن انتهاك السياسات الإسرائيلية للقوانين والأعراف الدولية هي المسؤولة عن تعاطف الأجيال الأحدث بدرجة أكبر مع الفلسطينيين لا مع إسرائيل.

وبالمناسبة فإن تلك الأجيال نفسها من اليهود الأميركيين أقل دعماً لإسرائيل وأكثر انتقاداً لها، بل وأكثر تشدداً في انتقاد لوبي إسرائيل في أميركا، لأن هذا الجيل من اليهود يرفض الوصاية عليه وحرمانه من حرية التعبير عن موقفه بوضوح في كل القضايا بما في ذلك موقفه من سياسات إسرائيل.

فهذا الجيل من اليهود، كما يقول الأميركي اليهودي بيتر بينارت في مقال شهير نشر منذ سنوات، لا ينظر لإسرائيل باعتبارها ضحية، كالأجيال الأكبر سناً، وإنما يراها قوة عاتية في الشرق الأوسط تملك سلاحاً نووياً وتنتهك حقوق الإنسان على مدار الساعة.

واستطلاع »بيو« يسلط الضوء على جوانب ذات دلالات مهمة في سياق الحملات الانتخابية الراهنة. فالحزب الجمهوري يعاني أزمة طاحنة قد تؤدي لوفاته. فالأزمة أكبر بكثير من حملة ترامب، إذ كان واضحاً منذ انتخابات 2012 أن الحزب صار يستعدي الأقليات والشباب، وصار يعتمد بالأساس على البيض الذكور من الأكبر سناً. وهو ما يطرح سؤالاً بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل لو مات فعلاً الحزب الجمهوري!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع