رواية وردة التوليب السوداء / من روائع الأدب العالمي /ح٥

                                                   

                            د.طلعت الخضيري

                  

         

لقاء الساعه التاسعه
إنتظر  الشاب  حلول وقت الموعد، وهو يحلم برؤيه ذلك الوجه الجميل الذي  يهب له ألسعاده والأمل في ذلك السجن الموحش ، والوحده القاتله ،  بعد أن فقد الصله بأصدقائه  الحمام ، وعند حلول الموعد  ، فتحت الكوه الصغيره في باب الغرفه ،  وظهر خلف قضبانها ،ذلك الوجه  البريء  وهو مضاء  بنور المصباح الذي كانت تحمله. وبدأت روزا الحديث قائله:
- ها أنذا أمامك  سيدي كورنوليوس .  قالتها وهي  تلهث من تعب صعودالسلالم.
-  أه ياأيتها  الطيبه روزا.
- أنت  إذن سعيدا برؤيتي؟
-  أنت  تسألين عن  ذلك ؟ أخبريني كيف استطعت  المجيء إلي؟
-  إن والدي يأوى إلى الفراش  في تلك الساعه ،  بعد أن يكون قد ثمل ،  وشرب كؤوس من النبيذ، لذا أستطيع القدوم  إليك كل  ليله في مثل هذا  الوقت.
-  إنني أشكرك ياروزا ، يا روزا الطيبه.
-  لقد جلبت لك معي  ألقطع  الثلاثه لبصله التولب.
- لقد وهبتها لك ياروزا.
- نعم إنها  ستكون لي  لو كنت قد مت ،  أما وأنت حي ، وبفضل عفو  الأمير وليم  وكرمه ‘ والذي أتمنى أن  يكون  ملكا عادلا علينا ،  فإن  البصله هي ملكك.
-  وهل مجيئك  إلى هنا كان لرغبتك في رؤيتي؟
وأجابت باستحياء
-  أنا  لم أفكر في غير ذلك ، طوال  المده التي تركتنا بها.
ثم قالت بدلال كما  تفعل ألصبيات في أعمارها:
-  إنني لم أندم في حياتي قط  ،  مثلما ندمت  على إنني لم أستطع  قرائه رسالتك ،  لجهلي  القرائه .- وهل كنت تتأسفي لعدم  استطاعتك القرائه في مناسبات أخرى؟
- نعم عندما كنت أستلم الرسائل الكثيره  من من يمرون أمام باب سجن لاهاي  ، من جنود وطلاب مدارس مراهقين.
- وماذا كنت  تعملين  بكل تلك الرسائل؟
- كنت  أتسلى بما كان  يكتب لي  ، وتقرأها لي  إحدى صديقاتي ، ولكنني منذ وقت ليس بالبعيد ، لم أعد أعيرها إهتماما  ،وأقوم بحرقها حال استلامها.
قالت ذلك روزا وقد  اصطبغ وجهها  بحمره الخجل والحياء.
وشعر  الشاب بالسعاده   لقولها  ، وأنه فهم أن تحول تصرفها  قد يكون بسببه ,  وقرب وجهه إلى  الوجه البريىء ، فلم يمس إلا القضبان الحديديه للكوه ، وشعر بأنفاسها الحاره ، أماهي فقد شعرت عند اقتراب وجهه نحوها ،  بازدياد ضربات قلبها  ، وشحب  وجهها ،وأسرعت بالهرب ،   وقد نسيت أن  تسلمه ألقطع الثلاثه لبصله  ورده  التوليب السوداء.
ألمعلم والتلميذه
لم  يشاطر الأب  غريفوس أبنته تعاطفها مع السجين ، ولم يكن لديه في القلعه إلا  خمسه سجناء ، لذا  فكانت له القلعه كسكن  المتقاعدون ، وظل على اعتقاد أن كورنيليوس هو أخطر المساجين عنده ، لقرابته مع الأخوين السياسيين  فان وايت ، لذا نظرإلى  كورنيليوس  وكأنه عدو الأمير وليم  أورانج ، فواصل زياره ذلك السجين الخطر  لمرات ثلاثه يوميا ،  لعله يجد شيئا ما ، ولكن كوريليوس أخاب ضنه  ‘ فلم يكن بحاجه إلى الحمام بعد  الآن للمراسله ،  وهو لديه مراسلته روزا ،  قريبه منه ،وقد أطمأن على مصير  ألقطع الثلاثه للبصله  ، لقد عاش في هناء وهو ينتظر ما وعدته  روزا  بمقابلته كل  ليله  .
في مساء تلك الليله أتت  روزا إلى الموعد ،  بعد  أن  قررت عدم الإقتراب من كوه  الباب  أكثر من اللازم، وأن  تسلمه القطع الثلاثه لبصله التوليب السوداء ،ملفوفه  بنفس الورقه التي استلمتها منه ، أي الصفحه الأولى من الكتاب  المقدس .
فكر قليلا  الشاب قبل أن يستلم القطع ثم قال لها:
- إسمعي ياروزا ، إن هذه البصله  تحمل كل  أحلامي وآمالي ، وأتمنى أن أحقق  مشروعا أعتبر سابقا   وكأنه من المستحيلات ، ويجب أن ننتظر أن تورق البصله ،  ثم أن نحصل بعد ذلك على الورده  الثمينه ، وإنني لست اشعر أنها ستكون بمكان آمن في غرفتي.   فيجب أن  نأخذ الحذر  للوصول إلى النجاح في هدفنا ، وقد توصلت إلى أن أجد الحل لذلك.
وأنصتت روزا بانتباه إلى ما قاله الشاب ،  وقد يكون الدافع لذلك ليست حبها للورده ، وإنما لصاحبها.
وأضاف  الشاب -  سأذكر لك ما توصلت إليه لنجاح  مشروعنا ، قد يكون لديكم  في هذه القلعه حديقه ، أو ساحه أو حتى شرفه ؟
وأجابت روزا -  إن لدينا هنا حديقه جميله ،  تمتد بمحاذاه نهر الوال ، وقد زرعت بأشجار عاليه جميله.
- هل تستطيعين  عزيزتي روزا جلب قليل من ترابها غدا، لكي يتم حكمي عليها؟
- نعم  سأفعل ذلك غدا.
- هاتي نوعين من التربه ، إحداهما من  ألمنطقه ألمشمسه ، والأخرى من منطقه ألظل  ، حتى أتمكن من  مقارنه درجه رطوبه التربه .
-  سأفعل ذلك.
- سأعطيك قطعه واحده من البصله لتزرعيها في  المنطقه التي سأحددها لك ، ومن المحتمل أن نغير تركيب  تربتها  ، وسأعين لك متى موعد زرعها, ستنمو و تظهر براعمها وأوراقها ،  وأخيرا ألورده المنتظره ،  إذا  إتبعت جميع إرشاداتي.
- لن أبتعد عنها لحظه واحده.
-  سأستلم منك   ألقطعه ألأولى لأحاول زرعها هنا  ، حيث تدخل الشمس قليلا ، وتسليني في وحدتي , وإن كنت لا أتأمل نجاح هذه التجربه في غرفتي ، وقد  تفقد تلك القطعه حياتها هنا ،
أما القطعه ألثانيه  فستزرعيها أنت في الحديقه  ، عندما أقول لك ذلك ،  والقطعه الثالثه قد نحتاجها في حاله   فشل التجربتان الأوليتان ، وأتمنى أن ننجح ،  لننال الجائزه  ، أي مبلغ المائه ألف فلوران  ،  لتكون هديه تكاليف زواجنا يا عزيزتي روزا.
-  نعم  فهمت ما تريده ، سأجلب لك غدا نماذج من التربه ،  لتختار ما تريد أن تزرعه أنت  في غرفتك ،  وما سأزرعه أنا في الحديقه. ، ويتطلب ذلك أن أحمل القليل كل مره ، وقد يتطلب  كل ذلك عده أيام.
-  لا داعي للعجله  يا عزيزتي روزا ،   لن يتم دفن القطعات قبل  شهر واحد ،  لذلك لا لزوم للعجله ، وإنما يجب عليك إتباع إرشاداتي بدقه.
-  وعندما يتم زرع القطع ،  يجب أن   تنتبهي إلى  كل ما يجري حولها  ،  كمثل تغيرات المناخ ،   أو من يتقرب إلى مكان زرعها ، كالقطط التي خربت لي مساحه  من الحديقه  في منزلي في دوردرخت.
 -  سأراقب وسأستمع إلى  كل شيئ.
-  وفي الليالي القمريه هل تستطيعين مراقبه الحديقه ؟
- نعم  إن نافذه  غرفتي تطل عليها.
- جيد  ،  راقبي في الليالي القمريه  ألثقوب في سور الحديقه ، فقد يخرج منها  بعض الفئران ، وستفتك بالبصلات .
-  وأود أن أذكرك أن هناك حيوان  آخر أخطر من الجميع.
- وماهو ؟
- هو  الإنسان ياعزيزتي روزا , إن من يسرق فلوران واحد  وهو مستعد ليسجن ، فلن يتردد بسرقه  بصله   قد تنال جائزه مائه ألف فلوران.
-  لن أدع أحد يدخل الحديقه سواي.
- هل تعديني بذلك؟
- إني أحلف لك بذلك.  
-  شكرا ياروزا , ياعزيزتي روزا ، ستأتيني كل سعاده  من قبلك.
وقرب كورنيليوس وجهه نحو قضبان الكوه  ، لعله يستطيع تقبيل تلك الشفتين الجميلتين ، ولكن روزا ابتعدت من الكوه ، وقدمت له أصابعها  ، حامله قطعه واحده من البصله ، تناولها الشاب وقبل الأصابع التي  امتدت  إليه ، وأسرعت روزا بنزول السلالم وهي حامله  القطعتان المتبقيتان من البصله.
عمل جاد
أخذت روزا جلب حفنه من تراب الحديقه يوميا  إلى السجين  ،  وأضافت إليها قليل من طين نهر الوال األمجاور للقلعه ‘ أما الشاب فقد حصل  على وعاء ، حفظ به ذلك التراب  مع طين النهر بعد أن جففه، ولم يكن ذلك  الوعاء  إلى جزء من قاروره الماء الفخاريه ،  التي كسر جزء منها ليجعله  الوعاء المطلوب ، وفي بدايه شهر نيسان  تم  زرع  تلك القطعه من البصله في ذلك الوعاء.
واستعمل السجين ألكثير من ألمراوغه لإبعاد أعين السجان عن ذلك الوعاء ‘ واستمرت روزا بالقدوم في الساعه المعينه ،   والتحدث مع حبيبها عن ذلك المشروع الزراعي ، وتشعب الحديث بعد ذلك إلى مواضيع أخرى متعدده ، واستمرت هي في ألإبتعاد  بمسافه قصيره عن قضبان  ألكوه ،  بعد أن أحست أن نسمه تنفس الشاب الحاره ،  من  الممكن لها أن تحرق قلبها .
لقد شغل فكر الشاب أمر أقلقه  ، وهو صله الفتاه ومستقبلها  مع أبيها ، ذلك الأب  ألجاهل ألقاسي  ألضحل التفكير ، فماذا سيحصل  لو أن الأب قد مل من البقاء في قلعه لوفشتاين وقرر  الرحيل مع أبنته ؟  وكيف سيتصل بها آنذاك  ليعبر لها  عن ما بنفسه ،  أو هي لتعبر له خوالج عواطفها ،  وهي تجهل  ألقرائه ،ولن تستطيع  أن  تقرأ   أو تكتب ما تريده ، وعندما  إعترف لها  بهمومه تلك فأجابته؛
- دعنا  إذا نستفيد من وقتنا.
- وكيف ذلك؟
- إننا نلتقي بما يقارب الساعه كل ليله ، ومن  الممكن أن تتعلمني القرائه والكتابه خلالها.وهكذا نستطيع الإتصال ببعضنا حتى لو إبتعدت أنا وأبي عن  القلعه.
-  قد يأخذ ذلك وقتا طويلا  يا من أحب ، وأخيرا ما الفائده وإنني سأقضي أيامي كلها في هذه ألغرفه الموحشه.
- أليس من الممكن أن يعفو عنك  االأمير ، ويطلق سراحك ، كما عفى عنك سابقا ، وسترجع إذا إلى  بيتك  وأملاكك وستكون ثريا  ، فهل  ستتذكر حينئذ  روزا ألفقيره ألجاهله إبنه  السجان؟
- إنك ستكونين آنذاك  زوجتي ، لو صح أن يحصل ما تحلمين به  ألآن.
وغيرت روزا مجرى  الحديث ، لتخبره أنها اختارت بقعه صغيره  في ركن من الحديقه ، وبعيده عن جدار القلعه ، فحرثته بعد أن وافق هو على نوع التربه التي فحصها هو مسبقا ، وتنتظر  أوامره  لزرع   القطعه الثانيه للبصله ،  في الوقت  المناسب الذي سيحدده لها ، ثم أضافت:
-  تذكر أن  تلميذتك ، كما تسميني، لديها شيء آخر لتتعلمه منك ،  وهو ألقرائه والكتابه.
-إذا لنبدأ الآن.
- كلا  ، ليس لدينا ألوقت الكافي الآن وسأجلب كتابي معي غدا.
-  وأي  كتاب هو؟
-  ألكتاب المقدس الذي تركه لي قريبك الراحل  كورنيل فان  ويت.
أألزائر  ألجديد
في الليله  التاليه ، أتت روزا ومعها الكتاب المقدس ، ومن خلال الكوه الصغيره لباب الغرفه وبشعاع المصباح الصغير التي كانت تحمله معها  ، بدأ  الدرس الأول ، وبدأ كورنيليوس بتعليم روزا القرائه  ،  بقرائه الأحرف والكلمات المكتوبه في الصفحه الثانيه من الكتاب ، على أن تحاول  كتابتها بعد ذلك في غرفتها.
وبعد عده ليالي
تأخرت  روزا في القدوم نحو النصف ساعه من  الموعد المعتاد، وبادرت  صديقها بالكلام
- أرجوك أن لاتعاتبني على هذا التأخير فقد حدث شيئا ما ، وهو أن والدي قد عقد صداقه مع رجل أخذ يزورنا  مساء كل يوم , ويغري  والدي بأحاديث شيقه تعجب والدي ،و مقاسمته شراب النبيذ الذي يحمله معه ،  وهكذا تأخر والدي عن موعد نومه حتى هذه الساعه ، مما أدى إلى تأخري بالقدوم  إليك ، ولقد سبق لهذا الرجل  أن زارنا  عندما  كنت أنت سجينا في لاهاي ، وادعى أنه  صديقك ، بينما لايذكر ذلك اليوم.
- أنا ليس لدي أي صديق با عزيزتي في هذه الدنيا  .
- إنه بدأ بزيارتنا منذ خمسه عشر يوما .
وفكر الشاب أن ذلك الشخص قد يكون  من  ترسله الحكومه، لمراقبه حراس السجون ونزلائه على  السواء ،   ثم أضاف ؛
- صفيه لي ياروزا.
- إنه رجل  حوالي الخمسون سنه من عمره، قبيح المنظر، ولا أدري قد أكون أنا المقصوده من  تلك  الزيارات ، وقد لاحظت إنني  عندما كنت أعمل في الحديقه مساء أحد الأيام ، أنه  إختبأ خلف بابها  ليراقبني ،  مما دعاني إلى ترك العمل والرجوع إلى غرفتي.
- قد يكون أحد المعجبين بك وما أسمه؟
 -  يدعي أن أسمه جاكوب جيزيل.
- لاتقلقي يا عزيزتي فأنا لا أعرف شخص بهذالإسم ،  ويجب علينا ألإنتباه  والحذر من هذا الرجل , وهل أنت مستمره بتعلم  القراءه والكتابه عندما تكونين بعيده  عني؟
- نعم وأعتقد أنني  أتعلم  جيدا ماترشدني أنت أليه ، والآن أرجوك أن تخبرني  بأخبار قطعه البصله التي لديك.
-  لدي أخبار ساره لك ، فقد أخرجتها من التربه  ، وفحصتها تحت نور الشمس ، فوجدتها بحاله حسنه ،  وأخذت بعض الجذور تظهر لها ، وقد  غطيتها مره أخرى في التراب  ، وسنرى نموها الذي يبشر  بالخير.
مرت ثمانيه أيام  دون أن يعكر السجين شيئا ما ،  بالرغم أن السجان كان يزوره ثلاث زيارات يوميا ،وبساعات مختلفه  ، لعله يجد شيئا ما لدى  السجين , وحصلت  المأساه في اليوم الثامن  ، عندما فاجأ  السجان الشاب المسكين وهو يتأمل بصلته ، فقد إنتزعها منه وهو يصيح منتصرا ، هاأنني ضبطتك وأنت تدبر  شيئا ، وبالرغم من توسلات الشاب أن  يترك له بصله  الورده ، فقد فتتها السجان وأتلفها ، وأتت روزا عند سماع تلك الضوضاء ، ولم يفد  توسلاتها إلى أبيها أن يترك لذلك الشاب المسكين هوايته فقد تم ماتم ، وقبل  خروجهما من الغرفه إستطاعت أن تهمس  بإذن الشاب ( لا تقلق  فسنحاول النجاح مع البصله  الثانيه والثالثه اللتان معي).

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/20564-2015-12-08-16-40-55.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع