القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ١٣

                            

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

     
القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

  

يصل القطارالصاعد من البصرة لمحطة القطارالرئيسية في بغداد, فيغادرها أبوعزام ويشير لسائق التاكسي بالتوقف, طالباً نقله الى شارع الزهاوي, حيث يقع فيه (قصر), زوجته راغبه خاتون (أم عزام), وما أن تتوقف السيارة أمام الباب الرئيس للقصر, حتى يهرع نحوها كبير الخدم , مُرحباً بالقادم, ويعينه على النزول من السيارة,.. ويقول له :

أهلاً بعمي أبا عزام ,الحمدُ لله على السلامه, فقد أنهكه التعب بسـبب الأحداث التي توالت عليه,فيرد عليه بصعوبة:  أهلا بـكَ,.. عم جدوع, كيف أحوالكم؟, فيجيبه بحزن وأسى: الحمد لله يا عَمي , كلنا بخير,..  (بـس عمتي أم عزام أزداد المرض عليها ), ثم يرفع حقيبة أبو عزام من السيارة ويتوجه بها نحو داخل البيت,.. ويدخل ابو عزام خلفه وهو منهك الجسـد وشاحب الوجه,..فيتقابل وجهاً مع والدة أم زوجته راغبه خاتون التركية,.. والتي لاتجيد التكلم باللغة العربية, فتقول له:
* (أخلا بخَبيبي عَزوزه , هَـمداً لله على سلامَت أنتي!,..آني شـافت بالجريدة خبر يكول: تعال أنتي الى بغداد للتحقيق, بـس لويش ما يعرف آني؟.., وكولت للناس : هو جاي يـشوف مرته راغبه خاتون, فيبتسم لها, قائلا: مثل ما تحبين عمتي, آني جاي يشوف أم عزام !, وأكيد راح تفرح بشوفتي! ).
*** سـعدت جـَدة عزام لكلمات أبو عزام المتهم بتهمة لا يمكن النجاة منها أبداً, فتحدس الجدة لوضعه وتصدق ما أشيع عنه ,..فتطمأنه بقولها : أنت لا تهتمين,آني يخابرالباشا كرايبنا وراح يسـوي جناب حزرتك نايب وبعدين يسويك وزير!,..فلم يستغرب أبو عزام من منطقها ورغب بماجاراتها, قائلاً بأستغراب : (لازم مجلس النواب صايرخان جغان ياهو الجان يدخله؟!,..
 منو أللي يعرفني في بغداد, كنت محامي دايح!), ثم يصمت,.. ويكلم نفسه : (الآن تبين حتى دخول البرلمان صار بالواسطة !,..ثم يبتسم بأستهزاء, قائلا بصمت: ماهي كلها ضـ.... طه!,
كل شي ممكن بهل الزمن , فقد ماتت القييم,هذه هي حال الدنيا طالما لديك ظهر قوي!), وهكذاتحسنت معنويات أبو عزام بعد أن أستمع الى وعد حماته له,..فهو يعرف منزلتها لدى أقاربها المتنفذين في الدولة منذ الحكم العثماني للعراق ولغاية تكوين الحكومة العراقية في بغداد.
* فرح أبو عزام لهذا الخبر ودبت فيه مشاعرالسعادة وخطط بخياله بما سيفعله بالذين افتروا عليه في الشطرة,..وأنتبهت له عمته أم راغبه خاتون وأمرته بالتحرك نحو غرفة زوجته:    (هيا أبو أزام أنتي روح سـَـلم على الخاتون؟!,هي راح يفرح من يشوف حزرتك!), فيستفيق من غفوته, ويتوجه مسرعاً بأتجاه غرفة زوجته راغبه خاتون,..فيقول:
* (حاضر,..عمتي ,..أني رايح لها), ويتوجه نحو غرفتها فيجدها ممدة على السرير,..ووجهها شاحب وكئيب!,.. فينتابه الذعرلما شـاهده, وتتجمد الكلمات في فمه,...ويدفع جسمه دفعا نحوها الى أن يصل بقربها فيعانقها و ينهش بالبكاء,..فتضمه بحنان الى صدرها وتقبله من رأسه,.. ثم يسمع صوت الخادمة تدعوه للذهاب الى غرفتة المخصصة له,.. فيمتثل لها ,..ويودعها بحنان على أن يعود لها حالما يغيرملابـسـهُ, ويعدها بالسهربجنبها حتى الصباح , فـَتفـرح أم عزام, ثم تودعه بعطف وحنان!
 *** تتصفح أم عزام بعض المجلات والجرائد,.. وهي متسطحة على سريرها,  ثم تـَشـعـر بعودة أبو عزام الى غرفتها, فـَيشـرق وجهها, وترحب به ثانية,..قائلة : أهلا بك يا عزيزي,أن حدسي لا يخيب أبداً,..كنت قبل وصولك سارحة بحلم اليقظة وأتكلم معك, وتمنيت وجودك معي , وتحقق الأمل, وصارالحلم حقيقة!, فأنت الآن واقف أمامي!, فأهلاً بك وألف الحمد لله!
** تغمرأبوعزام الفرحة ويسألها: كيف حالك يا حبيبتي؟, كم أنا بشوق أليك؟,ولكن ما العمل؟,
الشغل لم يترك لي فرصة لأخذ أجازة لزيارتك,..وأخيراً صممت على خلق عذر جعل الوزارة تستدعيني للتشاور,..ولذا تمكنت من الوصول أليك وسأبذل المستحيل لأحصل على وظيفة في بغداد حتى اكون بقربك!, وأذا لم أستطع فسوف أستحصل على أجازة مرضية أوأعتيادية بدون راتب, لأشــرف بنفسي على علاجك, فالعلم قد تطور,.. وأن شاء سَــــتشــفـيـن قريباً!, وتعود أيامنا كالماضي في الشطرة, فتسأله: وما هي حال مدينة الشطرة؟, فيتعكر مزاجه, قائلاً: وهل يمكن أن تسـمين الشطرة مدينة؟!,.. أنها مقبرة الأحياء!,..وبؤرة الأكاذيب والأشاعات!,..أنني لن أعود لها البته,..ثم يصمت أبو عزام ,.. ويحاول تلفيق قصص تبررعدم عودته, ألا أن أم عزام ينتابها الشـَك مما تسمع , ولاتستطيع تكذيبه وتـُغيرالحديث قائلة: وماذا عن أثاث بيتنا؟
فيقول: بعد أن أتخذ القرار النهائي ,سوف أطلب من صديقي أبو علي رئيس البلدية, أن يشحنها الى بغداد, وبهذا نطوي صفحة من تاريخنا في تلك المدينة التي سببت لك المرض!, فترد عليه:
* وما الذي ستفعله بعد الأستقالة ؟,..فيتظاهرباللامبالاة مما يعانيه من قلق,..ويقول:
*سأفتح مكتب محاماة ثانية, فأنا كما تعلمين كنت مـَرموقاً في مهنتي,وسأتفرغ لأدارة شؤون أعمالك والأشراف على أملاكك, فمنذ مرضك وليونا هي بيد الأغراب لا نعرف عنها شيئ!, والحمد لله , الآن أنا بجانبك,.. ولن اسمح لأي مخلوق بالتلاعب بها,.. لذا أرجو أن تعملي لي وكالة عامة , حتى أتمكن من متابعة كل ما يتعلق بك في الدوائرالحكومية!,..ومن الجدير بالذكر أن كل ما تفوه به لم ينطلي على ام عزام,..فتطلب منه التريث والأصغاء لما تقوله:
*أسمعني جيداً يا حبيبي,..وتعال وأجلس بجانبي,..فيرتعب أبوعزام لما تضمره,.. ويقول:
*كلي آذان صاغية لك!,..أمريني وسأنفذ مطالبك ألا ما حرم الله !,..فتقول له بألم وحسرة :
*لقد سمعت حديث الطبيب مع أمي باللغة التركية وفهمت أن لا أمل لي بالشفاء,وممنوع علي الحـَمل ثانية, كما أنني لن أنفعك كخليلة البته!,.. ويجب أن نؤمن بقدرنا !,.. فيرد عليها:
*عزيزتي,..أنت بالنسبة لي كالهواء والماء!,.. أنا مؤمن بقدر الله, وأملنا كبير به, ولا يأس مع الحياة ,.. ولا حياة مع اليأس !,..فتصمت لبعض الوقت ثم تعقب على قوله:
* أنت تعلم ولم تخبرني بأن العملية التي أجريت لي كانت لرفع الرحم!, وهذا يعني عدم الأنجاب,.. ثم تغطي وجهها بالغطاء وتـَنهــش بالبكاء!
* يـَشـفـق أبو عزام عليها ويقترب منها ويكلمها بكل رقة وحنان قائلاً: حبي لك ياخاتون ليس له مثيل ولن يثنيه أو يعوضه حب من أي نوع آخر,..وأنت كل حبي وسعادتي!
* تهدأ أم عزام من أنفعالها,..وتقول له : ألم تفكربالزواج وأنا بعيدة عنك ولا أمل يرتجى من عودتي كأمرأة تشبع رجولتك؟,.. وتخلف لك صبي أو بنت؟, فيرتبك أبوعزام ويتدارك الأمر ويضرب أخماساً بأسداس للوصول الى احتمال معرفتها بزواجه من صبرية,... فيقول لها:
* هل من المعقول أن يقودك تفكيرك الى اوهام لا يتقبلها العقل,.. فمن المحال أن تعوضني عنك أمرأة مهما بلغت درجة جمالها فليس للجمال قيمة أن لم يكتنفه الأخلاص والصدق.
 ** وهكذا يستمرالكلام المنمق, وأم عزام تـُصغي لأقواله التي صاغها بدقة, ليحجب عنها أي شك من زواجه بـ " صبرية ", حيث دب عنده الشَـك بعدم تصديقها لروايته, وراح يغير من السيناريو قائلاً: لا أريد أن يراودك الشك , وأنعمي بحبي الصادق وأحساسي نحوك, لا مـَثيل له, فأنا من دونك صفرعلى الشمال.., يعني صفر, أي لا قيمةً لي من دونك , ثم تهدأ راغبة خاتون, وترفع عن وجهها الغطاء وتقول له: كل الرجال يجيدون النفاق,وخاصة عندما يفقدون المال والمنصب, وأذا سال المال بأيديهم مرة أخرى ,..فأن أول شيئ يفكرون به ,..هو تجديد (فراشه), أي البحث عن خليلة أو زوجة يتزوجها بالطرق الشرعية أو ما تسمى كذلك بتسميات مختلفة,والتي جلها ناقصة الشرعية,..ألا أن شهواتهم الجنسية تدفعهم كعميان بطريق مظلم لحين أن تتلقفهم امراة ساقطة, فتستولي على عواطفهم ثم تسلبهم كل مدخراتهم,.. الى أن تسقطهم بالضربة القاضية فيطلبون الطلاق منها,.. وتذهب أحلامهم أدراج الرياح!
* يستجمع عزوزحنكته ومهارته في الخديعة, ويقول لها: دعينا مؤقتاً من هذا الكلام,فصحتك لا تسمح بأي أنفعال,..ولتكن ثقتك عالية بي,..وسوف أثبت لك أخلاصي وتلمسين وفائي لك!,سأغادر المنزل الآن لشراء الهدايا لكبارالموظفين بالوزارة,ولذا فأنا بحاجة لبعض المال!
* على الفور نهضت راغبه خاتون من سريرها وتوجهت نحو خزنة صغيرة داخل (الكنتور), وأخرجت منها رزمة من النقود, وسلمتها لزوجها أبو عزام, ودعت له بالتوفيق بعمله, فيعانقها ويقبلها بحرارة داعياً لها المولى أن ينعم عليها بالصحة وزوال كل ما يعتريها من ألم,ولم يترك لها فرصة للكلام وأعاد شكره لهاداعياً بزوال الكرب والأسى عنها!
***مَثُل أبو عزام أمام لجنة التحقيق في وزارة الداخلية صباح اليوم التالي من وصوله الى بغداد, حيث وجهت له تهم عديدة ومحرجة,..ولم يستطع أنكارمعظمها, وأعترف ببعضها,...ثم راح ألتمس من أعضاء اللجنة النظربقضيته بمنظارالزمالة, وسلمها توصية من أقارب زوجته لتخفيف عقوبته, ألا أن اللجنة لم تتأثربرسالة الوساطة, وأصدرت قراراً بفصله من الوضيفة,.. وُرفع الأمرالى وزيرالداخلية للمصادقة عليه وأصدارأمر التنفيذ!
*** سافرت " صبرية " الى بغداد , بعد أيام من مغادرة زوجها الشطرة,.. وألتجأت الى خالتها الساكنة في بيت صغيروقديم في محلة شعبية بصوب الكرخ,.. وبعد أيام بدأ القلق يتـَسرب أليها وراحت تحدث خالتها قائلة: لقد مضى على وصولي الى بغداد, خمسة أشهر وأبوعزام لا حـس ولا خَبر؟!,..فأنا قلقة يا خاله!, أنه يعرف العنوان,..فلماذا لم يرسل رسالة أو من ينوب عنه كي يطمأن عليَ,.. (بـَس لا يكون مسـجون؟),.. فتستغرب الخالة لسذاجة بنت أختها قائلة:
* ليش هو ما يدري أنك حامل؟,..الرجل يمكن يهمل زوجته, ولكن من المحال يتخلي عن ضناه!,..أصبري يا بنتي,.. الغائب عذره معاه, ربما مريض,أوأنهار بسـبب مصيبته؟,..
 كلفي محامي يتابع قضيتك, والبارحة سمعت بن المختاررزوقي, يحكي مع والده عن محامي
 جديد مشهورأسمه عزوزالثعلبي ومكتبه في شارع المتنبي, وبكره الصبح أسألي عنه!, يمكن
سـامع كلام غير لائق منك!, هذه نتيجة عنادك!,.. كم مرة منعتك من الزواج بالسـر,..من هذا الرجل المتزوج, وما من فتاة عاقلة ترمي نفسـها هكذا في المجهول,...فما العمل؟
***وتمرالأيام وتلد "صبرية" بنتاً أسمتها "نيران", لتحرق بها قلب والدها الذي رماها !
يتبع في الحلقة / 14 ,..مع محبتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/20206-2015-11-19-17-55-43.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع