القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ١٠

                                                                                      


تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

              

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

                 

تتوجه السيدة "صبرية " بصحبة خادمها أمحيسن ألى داررئيس البلدية, وما أن تصل, حتى يقرع أمحيسن الباب, وبعد برهة تفتحه الخادمة, فتجد أمامها  السيدة "صبرية " زوجة القائمقام بصحبة أمحيسن حاملاً حقيبتها, فترحب بها وتدعوها للدخول,.. وتطلب من أمحيسن أن يـَضـع الحقيبة في غرفة الضيوف, فينفذ أمرها ويخرج, وتتوجه مع " صبرية " نحوالهول وتأخذ منها  عبائتها والبوشي,.. طالبة منها الأستراحة, وتتوجه مـُسرعة لأخبارعمتها أم علي.
* بعد عدة دقائق, تتم المقابلة بين أم علي والسيدة " صبرية " وتتعانقان بكل شـَوق وحرارة,..  ولم تتمالك "صبرية" السيطرة على مشاعرها فأجهشت بالبكاء, فهونت أم علي من أنفعالها,  وطالبتها بعدم تصديق الأشاعات, ولا بسرد أي شيئ ما لم تنجلي الحقيقة, وتتضح المؤمرة!,التي دبرها أعداء الحكومة, لتشويه سمعة (القائمقام), ليصفو لهم الجو ويعملون دون خوف!
 *** تجلس أم علي وضيفتها "صبرية" في الهول, يتبادلن عبارات المودة والترحاب, ثم يصل قوري الشاي والأستكانات, وأنواع الحلوى والبقصم والبادم,.. وتكررأم علي الترحاب, قائلة:
*أهلا بأختي "صبرية" كـَيفيك؟, صارفترة ما شفناك؟,.. فتعقب السيدة " صبرية " بخجل:
* والله يا أم علي,..قبل كل شيئ آني (خجلانه), من هَل الزيارة من غيرموعد,.. فقد أمرني أبو عزام بالمبيت عندكم,.. كم ليلة, ولم يخبرني سبب سـفره بهذه السرعة, فقد كان يسـافـر لخارج القضاء عدة مرات, ولم يظهرعليه أرتباك, فتهون عليها أم علي الأمر,.. قائلة :  
* ولا يهمك حبيبتي,سيصل مركزاللواء(المحافظة) ويتصل بك, والآن أنت في بيت أختك, وأذا
هل العين لا تسعك,.. سأفتح قلبي لك !, فتشكرها " صبرية " وتتقبل وجة نظرها قائلة: أختي أم علي , كل ما سـَمعته عن سـلوك أبو عزام!, زاد من خوفي,.. ولا أدري ما العمل؟, فلربما قد تجاوزحدوده القانونية, وتورط بعمل ما, لا يرضى الحكومة ولا شيخ المدينة,.. وأن حدسي لا يخيب البته, وتعترف لأم علي بسوء تصرفاته التي لا تليق به كقائمقام,.. ألا أن أبوعزام لم يلتزم بالأعراف والتقاليد القروية, وخاصة التحرش بالنساء, فهو واهن أمامهن, وقد لوحظ عدم ألتزامه بالحشمة أذا ما واجهته أمرأة, فيعري المرأة بنظراته مهما كان مستوى جمالها !
 * تستمر" صبرية " بسـرد المعلومات عن سلوك زوجها أبوعزام وتردده على (الكاوليه)!,
 والأنكى من ذلك هيامه ببائعة الكيمرالصبية " نسمة " فقد تحرش بها يوم امـس, فـَرمت عليه صحون الكيمروفـَرت من فوق السياج,..وقد شاهدت ذلك بعيني, وأنكرعندما واجهته بالحقيقة, وكما تعلمين فأن الأهالي لن يسكتواعلى فعلته, وسينال العقاب على تصرفه الأرعن!,ثم تنهش
 بالبكاء وتقول: أنني الآن حامل!, فما عساني فاعلة أذا ما فـُصلَ من وظيفته, ومنع من مزاولة المحاماة لسوء أخلاقه!,..لأن المجتمع لا يـَغـفـر للمسيئ مهما كانت منزلته!  
* تستغرب أم علي لما سردته "صبرية", وتطلب منها التريث والصبر, وأنفعالها سَــيؤثرعلى الجنين في بطنها,.. لذا عليها الدعاء الى الله, أن يـُنهي هذه المشكلة من دون مضاعفات!
 *** يصل أبو عزام الى مركز اللواء, جاراً بأذيال الفشل خلفه,..ويذهب الى بيت المتصرف
فيدخله ذليلاً, ويتوجه نحو كنبة منزوية في غرفة الضيوف, متطلعاً نحوالتحف والسجاد, وبعد
 لحظات يدخل المتصرف وهومقطب الجبين ومنزعج , فينهض أبوعزام مرحباً,... فيصافحه المتصرف قائلاً : أهلاً أبو عزام ,.. كيف أحوالك, وما الجديد في الشطرة ؟
* أهلاً بكم سعادة المتصرف,.. اليوم صباحاً أتصل بي سيادة وزيرالداخلية وطلب مني مغادرة المدينة بأسرع وقت, والتوجه لمقابلتكم لأستجوابي عن الشكوى التي تقدم بها الأهالي !
* ينتاب المتصرف شيئاً من الشفقة, و قررمسايرته, قائلاً : الله يعينك,.. ولكن الأمر خرج من يدي, لتجاوزك الخطوط الحـُمر, ولم تراعي أعراف الأهالي!,.. أنا لا أفهم ما الذي تكـسبه من وقوفك أمام الشريعة تراقب الصبايا وهن يغسلن الصحون والملابس؟,.. ما الذي يمتعك بهن؟, هل تصورت بينهن حسناء مثل: "صوفيا لورين" أو"مارلين مونرو", يسبحن بالمايوه!؟,.. أن الشطرة مدينة صغيرة, وكل ما يحدث فيها يصل فوراً الى سعادة شــيخ المدينة خيون, وأضافة الى ذلك, تكبرك على الأهالي !,.. قل لي بربك هل زرت مرة ديوان الشيخ؟,أم كـُنت مع زمرة من المقربين تسهرون عند الغجرلوجه الفجر, ولا أدري كيف طاوعتك نفسك بالتحرش بصبية تساعد أمها لتوصيل الكيمرللزبائن!, وكل هذا وأنت غافل لم تدرك بأن بقاء الحال من المحال, فأنكشف أمرك وفاحت روائح أعمالك !,.. ولم تدرك المسؤلية التي أولاك أياها القانون!
***يظهرالأرهاق والأنفعال على المتصرف,ويستغفرربه, وينظربعين العطف نحو ضيفه, ولا يدري ما الذي يمكن أن يفعل لمسـاعدته؟, ثم ينطق ابوعزام, قائلاً:  
* يا سيادة المتصرف, أن كل ما قلته حول سلوكي في القضاء أشاعات مغرضة ومدسوسة من عناصر تعمل على تهديم كيان الدولة,..وخاصة زمرة المثقفين من أبناء البلدة والمنطوين تحت راية الأحزاب المتطرفة التي تعمل على أسقاط الحكومة وأما التردد على الغجر,فسببه تشجيع الفن الشعبي!,.. لأمتصاص الكبت الجنسي لدى الشباب ومنع تحرشـهم  بالفتيات!
* لنفترض صحة كلامك,..فهل يمكنك ذكرالفئة التي تتردد على مثل تلك الأماكن؟, هل رأيت واحداً من أبناء وجهاء المدينة هناك؟!,..أم أن المترددين هم من حثالة أبناء المدينة, أومن تجار
المخدرات والتهريب المتعاونين معكم؟,أليس كذلك؟,..كيف تسمح لنفسك وأنت ممثل الحكومة أن تختلط بمثل تلك الزمرالمتخلفة ؟!, ألم تفكربهذا اليوم التعيس!,.. فيتلعثم بجوابه!,فيستغرب المتصرف ويسأله : وهل مراودتك للصبية " نسمة " أبنة بائعة الكيمر, هوعمل شخصي؟, وزجكَ للحاج راضي بالتوقيف من دون أي ذنب أقترفه,.. هل هو عمل شخصي؟,.. فيزداد القائمقام أرتباكا ويقول:
* صدقني سيدي,أن ما تعرض له الحاج راضي لم يكن بعلمي!, فيجيبه  المتصرف بعصبية:
* كلامك هذا غير مقبول او كما يقال العذراقبح من الفعل!,..أنت المسؤول الأول في المدينة, والمفروض أن تتطلع على الصغيرة والكبيرة وتتكهن بالحدث قبل وقوعه!,.. وخاصة الأمور المتعلقة بالقانون والعرف!,..فليس لديك الآن أي عذر,.. فالمفروض أن تتصرف وفق القانون وتنفذ ما يخوله لك من صلاحيات ,..وتراقب من هم تحت امرتك من الأنحراف, لأن أي عمل مشين يصدرمنهم محسوب عليك!,.. ثم يستجمع القائمقام قوته محاولاً التعبيرعن ما يختلج في صدره من حجج للدفاع عن وجهة نظره, ألا أن الكلمات راحت تتعثر في فمه, ولم يستطع,..  
وأستمرالمتصرف بالكلام قائلاً: هل كلامي صحيح وواضح,أم تعتبره هراء؟,  وعلى أية حال, أذهب الآن الى نادي المدينة للأستراحة, وعند منتصف الليل أستقل القطارالى بغداد, وطلبتُ أن يـُحجزلك مقعداً في الدرجة الأولى,.. وستقلك بعد أذان العشاء سـيارة من المحافظة يقودها شرطي, وسيسلمك تذكرة القطار, وما أن تصل بغداد أنشاء الله,أذهب الى الوزارة,... وهناك ستخضع للتحقيق وتـُبلغ بالعقوبة, فمن المحتمل أن تكون نقل أو تنزيل درجة, فصل نهائي!,
ثم يصفق المتصرف من شدة غيضه, ويقول له : لا أريد أن تتأخر,..أذهب في أمان الله!, ثم يتقدم أبو عزام نحو المتصرف ويعانقه, ويبادله المتصرف نفس الشعور ويودعه بكل حرارة!

يتبع في الحلقة/ 11

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19813-2015-10-31-07-27-23.html
            

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

766 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع