القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ٩

                                         

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

              

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

           

https://www.facebook.com/100006321218768/videos/1564279437126082/

يدخل معاون الشرطة الى مكتب القائمقام بعد خروج شيخ المدينة وحراسه من السراي,فيجده مغمى عليه, وبجانبه رئيس البلدية يهون عليه الأمر ويشممه (الكولونيا) لكي يفوق,ثم يقول له:
عجيب يا أخي , لماذا لم تحاول الدفاع عن نفسك ؟,.. فينظرله القائمقام بأسى, قائلاً: وهل كان بأمكاني فتح فمي؟,..لقد تجمد الدم بعروقي,.. وكـُتـُمت أنفاسي حالما وقعت عيني على الشـيخ وهو يداخل مكتبي كالأســد بمعيه حراسه المدججين بالسلاح!, ثم تغـَص الكلمات بفمه ويقول: أين المـَفـرأذا أصدرت الوزارة أمراً بأقالتي أو بنقلي من الشطرة؟  
***  يرن جرس التلفون في مكتب القائمقام, ويرفع السماعة ويجيب, وكان المتكلم المتصرف (المحافظ), ويصغي أبو عزام الى المتكلم, وبعدأنتهاء المكالمة,..يصفر وجهه !, والزملاء من حوله متلهفون لمعرفة ما دارمن كلام ومن المتكلم؟, ويقولون له : خير,أنشاء الله ماكو شيئ؟, من الذي تكلم معك وماذا قال لك؟ : فيجيب: الوزير أتصل بالمتصرف وأمره بأبلاغي بالتوجه الى بغداد, وغداً سأكون في وزارة الداخلية, أمام لجنة التحقيق لأستجوابي بما ورد في شكوى أهالي الشطرة !, ويظهرالرعب والحيرة على معاون الشرطة, وراح يستطلع الموقف ويـسأل عن السبب الحقيقي وراء أنفعال شيخ المدينة وقدومه الى السراي؟, وعن الذي أوصل الشكوى بهذه السرعة لسيادة وزير الداخلية؟,...فيجيبه القائمقام: وهل يحتاج الأمر الى مفهومية؟!,..من يستطيع أن يتصل بسيادة الوزيرغيرجناب شيخ المدينة !,فيستوعب الجواب, ويتبادل النظرات مع الآخرين مسـتَفسـراً عن أي أرتباط لقضيته مع توقيف الحاج راضي ؟, ولم يجبه أحداً !,..
***  يتدخل رئيس البلدية بحدة وغضب لأنه من أبناء الشطرة,.. فيحاول تهدئة الأمر ويقول:
* الشيخ لا تعنيه المشاكل الأدارية للقضاء,.. وأهتمامه منصب على الوضع الأجتماعي لأهالي المدينة فهوالأب الروحي لها, وخاصة أذا شخص ما لم يكترث للعادات والتقاليد للأهالي, وأبو عزام لم يراعي مثل هذه الأمور, وكذلك لم يزورفي يوم ما ديوان الشيخ!, ولم يشارك الأهالي أفراحهم, أو أتراحهم, ولم يتعرف على مشاكل المدينة والعشائرالمحيطة بها,... كما لم يراعى الشعائرالدينية في عاشوراء وفق المرجعية الدينية في النجف الأشرف,ثم يقول القائمقام بألم :
 * في الحقيقة كلنا مذنبون,.. هل نسيتم تصرفنا في نادي الموظفين؟!,.. وتهورنا بالسجال مع أبناء الشطرة ؟,.. فيجيبه المعاون : هذه أمورشخصية ليس لأحد الحق بالتدخل فيها,..فأنا مثلاً المسؤول عن الأمن في القضاء وفق القانون,.. فما دخل شـيخ المدينة بالقرارات التي أتخذها؟,
فيبتسم رئيس البلدية مـُستغرباً بما تفوه به المعاون ويقول:هذا صحيح لوالشيخ فرداً عادياً, لكنه الأب الروحي للمدينة , منذ عشرات السنين, وهو أول قائمقام للشطرة , كما حاربت العشائر المنطوية تحت قيادته الأنكليز عند أحتلالهم العراق ,...ومنعتهم من اجتيازالكوت, وبأختصار المدينة وكل القبائل المحيطة بها تحت أمرته!, وهي بيته الكبير,والأهالي هم أهله وذويه, فكيف تريد من الشيخ السـكوت عن ما فعلتم بالحاج راضي؟,..وعن أعمالكم المخالفة للأعراف,وانتم ما زلتم تسيرون كالعميان بطريق مُظلم!, ثم يعود لصوابه, وينظرلرئيس البلدية قائلاً:   
*** والآن ما العمل؟,.. يجب أن أغادرالمدينة, ولم يبقى لدي الوقت الكافي كي أجمع حاجياتي الضرورية,.. ولا أعرف ما الذي أقوله عند مواجهتي المتصرف, وكيف سأبررالأخطاء التي أقترفتها...فألى الله المشتكى, ثم يقترب منه رئيس البلدية يتودد له ويطالبه بالصبروالتريث,..وأن لا يسبق الحكم على الأمور, حيث لا فائدة من النواح على ما فات مردداً :
دع الأيام تفعل ما تشاءُ= وطب نفسـاً أذا حضرَ القضاءُ  
* ثم يستطرد قائلاً له : وما علينا الآن سـوى التفكير بطريقة لتسهيل سـَـفـرك الى بغداد على الفور, وأن لا تفكر(بعفشك) فنحن سنتكفل بجمعها وشحنها الى بغداد على العنوان الذي ترغبه!
 *يصمت أبوعزام,..والألم يمزقه أرباً أربا,..ويكتم رغبته في البكاء,.. فيحاول النطق وتغص الكلمات بفمه !,..ثم يستجمع كل قواه ويرفع رأسه قائلاً:
*** الآن كل ما تفكرون به لا شيئ مقارنة بوضع زوجتي "صبرية" فكيف أخبرها بمصيبتي؟
وهي الآن حامل بشهرها الثاني, فلربما لو سمعت بطردي من القضاء, ستنفعل وتهتز, ولربما تسقط الجنين!,.. كما أنني لا أتمكن من أخذها معي الى بغداد, لأن خالتها لا ترغب برؤيتي!,.. لأنني تزوجتها بالسر,أي (زواج متعة أو زواج مؤقت),.. وهي غيرراضية بذلك ليومنا هذا !, فكيف أستطيع مواجهتها بعد زواجي رغم رغبتها؟,كما أن زوجتي أم عزام سوف تحرمني من ميراث عائلتها الغنية , أذا ما علمت بزواجي من "صبرية",.. ولا أريد أن أشرح لكم حالتي المعاشية الآن فأنتم مطلعون على كل الخفايا,... فقد صرفت كل ما أملكة على المحرمات ولم  
أحسب لهذا اليوم أي حساب, فما العمل؟, فقد طاح الفأس بالرأس!, وهكذا يظهر الحزن على الجميع, وهم يواسون القائمقام بمصيبته ليخففوا عليه محنته, ويقترح رئيس البلدية ,.. قائلاً:
 - سوف أدبرالأمر, وأنت يا أبو عزام,.. ما عليك سـوى السفربسرعة لكي تصل الى بغداد
وتجد (واسطه) لمنع العقوبة أوتخفيفها بتدخل أقارب أم عزام, فيصرخ القائمقام ويقول لرفاقه: والله ياجماعة ما ضل عندي فكر, والله أحـس برأسي تكاد تنفجر في أية لحظة!  
 *يهون رئيس البلدية الموضوع, ويكررأقتراحه بأخبار زوجته "صبرية" على أنه ذاهب بمهمة رسمية!,.. وسوف يغيب عن البيت لفترة قد تزيد عن الأسبوع,.. ويقترح عليها أن تسكن عند صديقتها أم علي, وما أن تـُحل المشكلة, تخبرنا برقياً, على عذرما لسـفرك الى بغداد وبعد ذلك سنفكربطريقة ما لأعلام" صبرية " بكل تفاصيل ما جرى لك,... وسنعلمها أن المعارضة وراء مصيبتك, وربما سَــتصدق!,..فيلتفت أبو عزام لمحدثيه قائلاً:
* وأذا كانت عقوبتي الفصل من الوظيفة ؟,..كيف سأتدبرالأمروكيف سأعيش مع زوجتي؟!
 *** يسود المكان الصمت, والكل يفكر بالخطوة القادمة, ويقترح رئيس البلدية قائلاً :
 سأشرف على توصيل السيدة " صبرية " الى بيت خالتها, عندما يصلنا منك قرار الوزارة , ونخبرها أنك موقوف بسبب تهمة باطلة!
* يستأن القائمقام من الجميع, طالباً منهم الخروج ليتمكن من تصفية أعماله الرسمية, ليسلمها الى معاون الشرطة وتكليفه بأدارة القضاء بالوكالة, لحين تعيين قائمقام جديد للقضاء!
 *** يتم كل ما أقترحه أبو عزام بسرعة, ويتخلل العمل مجاملات بين رئيس البلدية ومعاون الشرطة لتخفيف التشنج بين الرفاق ويقول: كل الأمورسوف تحل, كما قال أبو حنيفة (رض) :
ضاقت ولما أستحكمت حلقاتها فـُرجت = وكنتُ أضنها لن تفرج!
ثم يعانق رفاقه, ويعلق رئيس البلدية قائلاً:
* الآن لا ينفع الكلام , وليس منه فائدة,..فقد وقع الفاس بالرأس, وعلى نفسها جنت براقش!,
فلربما مقابلتك للمتصرف سوف تخفف من غضب الشيخ ويعفوعنك,.. بسبب العلاقة الحميمة بينهما, وأرجوأعلامنا النتيجة حال وصولك بغداد,... ثم ينهض الجميع لتوديعه, ويغادرالغرفة موشحاً بالكآبة وهو مـُضنى القلب موجعهُ !
*** ما أن يدخل أبو عزام داره وهو بهذا الوضع الكئيب تصادفه زوجته "صبرية", فتفزع أشـد الفزع لحالته التي لا تسـرالعدو ولا الصديق, ويبادرها بالتحية, وترد بعجب وأستغراب :
 ماذا بك ياعزيزي,..لماذا رجعت مبكراً ؟,..هل أنت مريض؟, لماذا وجهك أصفر؟!,..تكلم
لقد أخفتني بصمتك هذا,..هيا أنطق ما بك!,..فيرد عليها:
* لا تقلقي حبيبتي,..(ماكو شي),فقط أتصل بي قبل قليل سعادة المتصرف,وكلفني بعمل سري وفي غاية الصعوبة!, وضرورة التحرك بأسرع وقت, والآن علي أن أغادر الشطرة الى مكان بعيد , ومن المحتمل أن أمكث هناك بضعة أيام , فأرجو أن لا تقلقي!
* تنظر صبرية بوجه زوجها وتقرأ الكذب الواضح في حديثه وتقول له : أنت تكذب ولم تقل الحقيقة!,.. أنك تخبئ شيئاً ما عني ,تكلم الصدق يا أبا عزام!
* هل تريدين الكلام الصريح؟!,..لقد وصلتنا أخبارسرية مفادها أكتشاف مؤامرة سرية ضد مولانا جلالة الملك والأطاحة بحكومة الباشا !
* وما شأنك أنت, هذا ليس من أختصاصك,أنه يخص الشرطة والأمن السري,..قل الحقيقة,
هل عملت شيئ مزري في البلدة وتريد أن تـهرب بجلدك؟,..هذه القصص لا تنطلي عليَ!!
* بعد كم يوم ستعلمين كل شيئ,..قلت لك أن العملية سرية ولا يجوزالبوح بتفاصيلها,..لذا,
فمن المستحسن أن تذهبي الى الى بيت أبوعلي رئيس البلدية وتقضين كم ليلة مع صديقتك أم علي,.. الى ان ينجلي الموقف, فتوافق"صبرية"على المقترح,.. وتنهض والشك يغمرها,بسبب البحة في صوته والتناقض في أقواله,..والأرتعاش في كل جسـمه!,..وتخنع للواقع وتقول له:
* دعني أضع في حقيبتك بعضَ ما تحتاجه من ملابس داخلية, فيوافق على مقترحها,..ويطلب منها الأسراع بوضع حاجياتها بشنطتها, وما أن أنتهت, حتى طلب من أمحيسن حملها ومرافقة عمته الى دار رئيس البلدية, فتنظرله "صبرية" قائلة: كنت أحدس هذا اليوم الذي ستتركني فيه!
 *** لم يجد أبوعزام نفعاً من السجال مع زوجته,..وآمن بالواقع,.. وحمل حقيبتها وسلمها الى أمحيسن,..وبعد أن تـُنهي زينتها, يعانقها,... ثم تضع (البوشية) على وجهها,... فيرق قلبها له  وتواسيه ببعض الكلمات الطيبة, ثم يغادرأمحيسن الدار, وهي من خلفه  تجر أذيال الفشل!
*** يودع أبو عزام زوجته لغاية باب الحديقة, وهو في حالة مزرية لفراقها والخوف من العقوبة التي تنتظره حال وصوله الوزارة في بغداد!,..وهكذا يدخل الدار, ويتوجه الى مخزن الملابس وراح يفتش فيه, فيعثرعلى لفة فيها حُليَ زوجته الذهبية فيضعها في حقيبته,..ويقول:
*** من المستحيل راح أخرج سلامات من هذه المصيبة,.. فمن أين لي المال أذا ما فـُصلت أو أحلت الى التقاعد؟,..ومن المحتمل أن تطردني " أم عزام" من حياتها وتطلب الطلاق!,وأذا ما علمت "صبرية" بفقدان حُليها , فسوف تضن فقدانه نتيجة سرقة الدارعند غيابها!,.. وستتحرى الشرطة وتسجل الدعوى ضد مجهول!,..ثم يتبادر لذهنه قرعاً على الباب بلا هوادة, فينظر من وراء الستارة,..فيشبح سائق السيارة (التاكسي),.. فيكمل ما تبقى له من عمل, ويحمل حقيبته,..ويخرج مهرولاً, ويغلق الباب خلفه, فيستقبله صاحب التاكسي بأحترام,.. ويأخذ من يده حقيبته ويضعها في شنطة السيارة الخلفية ويجلس هو في (الصدر), ويأمر السائق بالتحرك  بسرعة قبل أن تقع عيون المارة عليه وينكشف أمرَسـفره,.. وتبدأ الأشاعات!
يتبع في الحلقة / 10 مع محبتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة الثامنة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19688-2015-10-25-11-01-11.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع