القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ح٥

                                           

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

  

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

الحلقة الخامسة

 كانت عادة الشباب في مدينة الشطرة,(التمـشي),أي التنزه سيراً على الأقدام بشارع الــشط المحاذي لنهرالشطرة,المتفرع من نهرالغراف بمنطقة ناظم البدعة, بعد غروب الشمس وحتى منتصف الليل,..يتبادلون آخرالأخبارالتي يذيعها راديو(لندن) و(صوت العرب) من القاهرة,.. وأحياناً ينشـدون الأغاني الشعبية مثل أغنية للناصرية, تعطش وشربك ماي,.. لحسين نعمة:                                                               

أسـتهوت هذه العادة الموظفون من غيرابناء الشطرة,وفي أحد الأيام, وعندما كان القائمقام أبو عزام يتسكع مع شلته في العمل, في ذلك الشارع, ألتقى بزمرة من شباب الشطرة, فرفع أحدهم يـَده لتأدية التحية لهم ,ولم يرد أياً منهم التحية, فأنزعج الشباب وقال أحدهم : لا تســتغربوا من سـلوك وغطرسة هؤلاء؟!,.. فهم يعيشون في برجهم العاجي ولم يشـموا لغاية يومنا هذا رائحة أعمالهم العفنة, بسـبب الفساد المستشري في المدينة, ولم يعيروا أية أهمية لمشاكلها الأخرى!, لأنهمارهم في الملذات في السـروالعلن, وعند يأتي المساء يتوافدون على النادي لـشرب الخمرَ وتبادل النكات القذرة,... فهل مثل هؤلاء يعيرون أهمية لنا ؟!,... ثم يعقب شاب آخرعلى كلام زميله قائلاً : سـكتنا ولم نكترث لتصرفاتهم غيراللائقة في النادي وقلنا : أن تصرفهم  شخصي ولا يجوز لنا الضغط على حرياتهم,.. طالما يؤدون أعمالهم بنزاهة, ولكنني سمعت عن وقوف القائمقام صباح كل يومً عند باب حديقة داره يتلصص على الصبايا بالصوب المقابل لداره,وفي  هذا اليوم تحرش بالصبية " نسمة " أبنة بائعة الكيمرالشهيرة في الشطرة,... والطامة الكبرى سـتنفجر, حينما يصل الخبرالى ديوان شيخ المدينة!
***

وفي أحد الأيام يصل موكب القائمقام وأصحابه الى نادي الموظفين,فيستقبلهم مسؤل النادي "جوزيف", بحفاوة مبالغ بها, ويقودهم نحو طاولة خاصة بكبار رواد النادي , وهم في نشـوة وسـعادة, وتلفت نظرالقائمقام, مجموعة من الشباب يتسامرون, ويستفـسر من "جوزيف" عن هوية تلك الزمرة؟!,.. فيجيبه : هؤلاء معلمون, وطلبة كليات من أبناء الشطرة !
***

يأخذ كلاً من الرواد مكانه, وتسـود جماعة القائمقام فترة صمت يتبادلون فيها النظرات,مع الزبائن, ثم يطلب أبو عزام من "جوزيف" أن يَعدَ لهم مائدة عامرة بشتى المشروبات والمزات وبعد أن يسجل طلباتهم, يعرج نحو مائدة شباب المدينة ويسألهم عن طلباتهم, فيقول له أحدهم : لماذا يا "جوزيف" لا تحترم مهنتك, ألم نكن هنا قبل زمرة القائمقام ؟, أليس نحن زبائن مثلهم, وندفع لأدارة النادي الأشتراك نرجو منك الألتزام بالســره (الأسبقية),.. بغض النظرعن مهنة الزبون, فكلنا أبناء حواء وآدم!  
 ***

يتخوف "جوزيف" ويرتبك, ويحاول أن يجد مبرراً لتصرفه غير اللائق بتمييز الزبائن المتنفذين في المدينة على أبناءها من دون وجه حق!, وغصت الكلمات في فمه وقال: يا أخوان هؤلاء هم القائمقام ورئيس البلدية وكبارموظفي القضاء, وآنا ضيف عندكم,أرجوالسـماح,..ولن أكررمثل ذلك البته!, ويدرك الشباب ســبب تصرفه وضعفه أمام رموزالدولة في القضاء,..وما أن أبتعد "جوزيف" عن أبناء المدينة, حتى نادى عليه القائمقام, فيهرع نحوه مذعوراً, قائلاً : نعم عمي, أمرني فيسأله: ماذا دار بينك و بين الشباب,..أخبرني بالتفصيل ؟!
* عمي سألوني عن الأكلة المفضلة في هذه الليلة؟!, وعن أموري الشخصية,.. لأني خاطب, وأرادوا معرفة يوم الزواج, ولم يخبره عن تذمرهم , خوفاً من حدوث مشاجرة بينهم, ويحدث ما لا تُحمد عقباه!   
**

لم يصدق القائمقام رواية "جوزيف", وردَ بصوت عال من أجل أن يُسـمع الآخرين,قائلاً:
أسمع يا "جوزيف" (ماكو) واحد في الشطرة يتمكن من أزعاجك وآني موجود!, وعندي ُطرق   عديدة لكتمان صـوت كل من يريد أزعاجك,.. وأجتثاث كل من يسـبب فوضى في المدينة !, فيسمع الشباب ما تفوه به القائمقام, فيغضبون, وراح " سـرحان " خطيب " نسمة ", ينظر الى  القائمقام بأزدراء, محاولاً الرد عليه, فمنعه أحد رفاقه من أي تهور,.. ولكنه أســتمر بالكلام بصوت عال قائلاً : لا بُدَ أن يأتي اليوم الذي نجعل فيه هؤلاء يلتزمون بعاداتنا, ويذعنون الى صوت الناس لتحسين أدارتهم ويستمعون لمن يطالبهم بحقوقه, ولا يتهمونه بتهم باطلة!
***تمر لحظة صمت قصيرة, ثم يطلب أحد الزملاء التحلي بالصبرلمنع أية مضاعفات, وغـَير مَجرى الحديث, ويسألهم عن سبب أهمال الأهالي لتجاوزات هذه الفئة؟,.. بالرغم من أنهم بكنف شــيخ ذو بأس شديد, وله صلة قوية مع البلاط الملكي والمتصرف في مركز لواء المنتفك  (الناصرية).
* يبتسـم سرحان لأطروحة زميله, ويحاول تهدأته ويقول: معظم الناس من وجهاء المدينة الذين ذكرتهم, قابعون في ديوان الشيخ,.. كالأحياء في المقابرلاحول لهم ولا قوة !
 **

بعد منتصف الليل, يغادرأبوعزام مع رفاقه النادي, وهم سـُكارى , ويتوجهون الى داره  القريبة من النادي مَـشياً على الأقدام, فيستقبلهم الخادم أمحيسن, ويفتح لهم (الديوانية), ويدخل معاون الشرطة ويتبعه رئيس البلدية, ثم يجلسان على كنبة واحدة مقابل الباب الرئيس المؤدي  الى الصالون,(الهول), وما أن يفتح القائمقام الباب على الضيوف حتى تخطف"صبرية" وهي في ابهى بدلة, فيقع نظرالضيوف عليها,..وتعاتب "صبرية" زوجها على تصرفه, فيرد عليها:
* ولا يهمج (هذوله سُكارى), واحدهم ما يعرف أللي رضعته!, فتنظر له " صبرية " قائلة :
والله يجوزأنت مثلهم !,.. وبعد أن تتم مراسيم الضيافة, يخرج الضيوف ويودعهم أبوعزام , ثم يدخل داره وهو سكران, وتسـأله : هل أنت على ما يرام؟!,ام أنك كالعادة تخطط لأي(سيناريو)  لكي تنام على الفور بعيداً عني, وتتركني كالسمكة خارج الماء!, فيدرك أبوعزام قصد زوجته
فقد أحسـت بعجزه الجنسي, ما العمل ؟! هذا هو فارق الـسن المتخوف منه!, وأستجمع ما تبقى لديه من قوة,... وراح يمثل عليها دورالعاشق الولهان, حتى لا ينفضح, وصاريتوسل بها قائلاً: هل من بشر يمكنه ترك هذا القمر؟!,.. وأستمر بخديعتها  طيلة تلك الليلة, ألا أن التعب هيمن  فأستسلم لسلطان النوم, فحزنت "صبرية" لوضعها التعيس الذي آلت أليه, ووبخته قائلة :
كم من مرة وقعت بهذا المطب المقزز, ولكن ما العمل, هذا هو حظي المنيل؟!  
***وبعد أن أستعاد عافيته,شـَعر بتأجج عواطفه, فيدخل غرفة النوم,فتقع عينه على"صبرية", فيجدها مرتدية لبدلة نوم شفافة, فتتقد عواطفه, ويرمي نفسه عليها كالثور!,
 
 ***

  

تدفعه  "صبرية" وهي مشمأزة من رائحة الخمر!,فيطاوعها, ويجلس بجنب السرير,
 وأمامه مائدة وضع عليها ما لذ وطاب من الأكل والمشروبات, ويردد بصمت قائلاً, اللية ليلة المنى,..ما أسعدني أنا !؟,... ثم يعاود شرب الخمر, ويملأ كأسين من النبيذ, ويقدم أحدهما الى  " صبرية ",فتأبى تناول الكأس منه, قائلة:

* أليس هذا حرام يا أبا عزام, كيف تسمح لنفسك أن تشرب ما حرمه الله في كتابه الكريم؟!,
ألا أنه كان ثـَملاً, ولم يستوعب كلامها, وأستمربالشرب, فتزجره قائلة له: كافي يارجل, أنا بأنتظارك منذ ساعات, وأنت غافل عن مشاعري وهمك الوحيد هو شرب الخمرة,..فهيا أخلع ملابسك كي ترتاح قليلاً!, ثم تنزل من سريرها وتجلس على حافة الكنبة وتعانقه!,... فيداعب شعرها بأنامله ويشـم عبيرها الفواح ,.. فتطلب منه التريث قائلة:  
***

ما الذي جرى لك ؟,..هل عدت لمراهقتك الأولى؟,.. ودبت فيك الأحاسيس المطمورة,
وتستغل رغبته نحوها وتفتح معه ســيرة الزواج المؤقت, وتقول له: الناس كلهم حذروني منه, وبعضهم قال: هو(زنى شــرعي),.. والمحاكم لا تأخذ به البته!, فيقول لها:
لماذا أنت خائفة؟!,..أم عزام مريضة بمرض لا يُرجى منه شفاء,.. وهي بعيدة عنا في بغداد, فترد عليه بألم,..أنا لا أتمنى الموت لهذه السيدة,..ولا أمانع أن أعيش بمعيتها لو أنك أشهرت زواجنا أمام الله والناس لكي يعرفوا أن "صبرية" هي زوجة القائمقام أبوعزام,.. ثم تصمت للحظات,.. ويطلب منها أن تكون متفائلة وأن لا تنغص عليه هذه الليلة التي يعتبرها ليلة من ليالي عمره!, ويأمرها أن تكون متفائلة وأن لا تكررالموضوع في كل لحظة وبلا أية مناسبة, ويعيد لها مواقف عديدة من أخلاصه لها وعدم كتمان أي شيئ من حياته الخاصة عنها,..ولذا لا يجوز التخوف منه, فليس في الكون مخلوقة في حياته أعزمنها,.. ولم يقاوم تأجج عواطفه, فيحضنها,..ويقودها برفق نحو ســريرالنوم فتدرك مشاعره نحوها وتتمنع بعض الوقت قائلة : ليس لدي حبوب منع الحمل,.. فماذا لو نأجلها للغد ؟!,.. أخاف من الحمل ونحن زوجان على الورقة وبَــــس!!,... فماذا ساقول للناس؟!
 * يمتعض أبو عزام من تمنعهاويجيبها : أعيوني "صبرية", موعندك عقد شرعي من المومن (رجل الدين),..فلماذا نحشرالناس في أمورنا الخاصة؟!,..فتعقب "صبرية" على كلامه وتقول:
* وهل ستتركني في يوم ما؟,.. فيبتسم لها ويهمس بأذنها: وهل لي القدرة لترك روحي ؟!,..
هيا بنا الى النوم فقد تكلمنا كثيراً,.. فقد آنَ للصبح أن ينبلجُ!
 يتبع ح/ 6,... مع محبتي للأستاذ جرمكا رئيس تحريرالكاردينيا الغراء , وقراءها !
للراغبين الأطلاع على الحلقة الرابعة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19208-2015-09-28-06-28-29.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع