شوارع المدينة ... هدم التراث والفلكلور القديم ..!

                                             

                       بدري نوئيل يوسف ـ السويد

    شوارع المدينة ...هدم التراث والفلكلور القديم ...!

(اجزاء تحكي حال الشارع العمراني والاجتماعي والاقتصادي في محافظات العراق وقد اخذتُ مدينة السليمانية التي تعتبر مستقرة نموذجا . فما حال بقية المحافظات ..؟ كان الله في عون ساكنيها ).

نتابع حديث الشيخ في الجزء الاول .
الجزء الثاني :
اتجهتُ مع الشيخ نحو غرفة الضيوف وأعتذر لعدم استطاعه الخروج من شقته لغزارة هطول المطر ، وقف الشيخ امام النافذة ينظر نحو الخارج . قال لي بنبرة تميل للطلب : تفضل وألقِ نظرة على مصيف سرچنار التي كانت معلماً طبيعياً وسياحيا لمدينة السليمانية . اقتربت من النافذة ونظرت نحو المدينة .

        

قلت له : منظر جميل ، لكن سرچنار فقدت السياحة والاصطياف وضاع الخيط والعصفور ، وتحولت الى منطقة سكنية وتجارية وترفيهية ووزعت الاراضي وأصبحت مزدحمة بالمطاعم وقاعات العرائس ومازالوا يسمونها مصيف .
قال بنبرة حزينة : سأحدثك بعد انتهاء حديثي معك حول شوارع المدينة كيف كانت المصايف سابقا وحالها اليوم .  
قدمت ابنته القهوة لنا ، واسترسل الشيخ بالحديث قائلا لا اعرف اين اوقف سيارتي عند خروجي من الشقة اذا كان الجو ممطرا ، مياه المطر مرتفعة في الشوارع و مواقف السيارات قليلة ومزدحمة وواقعة في ازقة ضيقة عرضها بعرض السيارة ، وأرضية المواقف غير مبلطة .

      

قلت له : تقصد بعد هدم الدور وتحويلها لمواقف السيارات داخل الازقة الضيقة . او على جوانب الشوارع .
قال بانفعال : يعتبر اقليم كردستان من المناطق الغنية بتراثها الحضاري ، وإن جزءاً كبيراً من المناطق القديمة في مدن الاقليم ما تزال تتمتع بجمال المعمار والفلكلور والتراث الكردي القديم والحضارات القديمة ، ومن المؤلم أن نشاهد الهدم والدمار قد حل بكثير من تلك البيوت التاريخية ذات القيمة التراثية من قبل مالكیھا او الجھات الحكومیة ، ليحل محلها مواقف للسيارات أو عمارة  سكنية ذات طابع حديث ليس لها الجمال الهندسي والحضاري القديم ، وفقدان الأبنية القديمة نتيجة قيام الاغنياء لمحاولات استنساخ العمارة الغربية ، فالمعالم التراثية والفلكلورية التي تعكس مراحل ثقافية واجتماعية خلال حقبة زمنية مرت على المدينة ، تكاد تندثر في السليمانية بسبب الاهمال وغياب المتابعة فالهدم العشوائي للأبنية التراثية والمباني القديمة وتحويلها الى ارض جرداء كمواقف للسيارات واقعة في ازقه قديمة ضيقة ، وأصبحت اراضي الدور المهدمة تجارة رابحة لإيجارها ، وأنا حزين جدا فقد هدمت بعض البيوت وخسرناها ذات الطراز الشرقي التي تزين أغلب واجهاتها النقوش والريازة المعمارية الكردية الجميلة ، التي كانت تعبق برائحة التاريخ وصور الفلكلور الكردي ، وتحولت الى مواقف للسيارات او ابنية سكنية ، اما الشوارع التي هدمت الابنية منها فقدت تراثها المعماري والفلكلوري ، وانقرضت بعض المعالم التراثية منها بتوالي الازمنة ، فكثير من الدور على جانبيه الشارع قد هدمت ليحل محلها عمارات حديثة أغلبها تفتقد الجمالية وغير مرتبطة تماماً مع العقار القديم المجاور للجديد . وأدعو لوضع قانون لوقف الهدم العشوائي للدور والأبنية التراثية القديمة في المدينة وعدم تحويلها الى ساحات لإيقاف السيارات وإيجاد البدائل ، حيث لا يوجد في الاقليم قانون ينص على إدامة وحماية البيوت والمساجد والكنائس القديمة ذات القيمة التراثية نتيجة تقدم عمر البناء وتأثير المناخ وسوء الاستعمال التي تؤدي إلى سرعة تدهور حالة البناء ، و تشريع هذا القانون الذي يلزم صاحب العقار الصيانة المستمرة والصحيحة التي تساعد على حماية التراث والفلكلور ، وهناك العديد من القوانين والتعليمات الصادرة سابقا  تتناول مشكلة الهدم إلاّ أن الواقع يشير إلى عجز تلك القوانين وإهمال تطبيقها في المناطق السكنية واهتمامها بالمناطق التاريخية والآثارية   .
قلت له: لكن اعرف قيام الجهات المسئولة بتعمير بعض الدور التراثية .
قال : نعم . بعض الابنية حالفها الحظ وتقوم الجهات مشكورة بتعميرها ، لكن هناك الكثير من الدور واقعة في مركز المدينة ، وكذلك في الاقضية والنواحي تحتاج الى صيانة وتعمير وتأهيل .
قلت له مستفسرا : ماذا تقترح إذا اوقف الهدم وما هي البدائل ؟
قال : بعد ايقاف الهدم للبيوت التراثية التي تحوي على طراز معماري جميل والبيوت التي كانت مسكونة من قبل الشعراء وعلماء الدين والمثقفين والسياسيين والفنانين ، حيث تقف هذه البيوت على أطلال الزمن وتختزل العصور التي مرت على اقليم كردستان والعراق ، وزوال هذه البيوت المشيدة منذ تأسيسها من قبل الامارة البابانية وزمن الاحتلال العثماني وغيرها من الحضارات تفقد المدينة تاريخيها الحضاري والثقافي والمعماري والقومي ، والتي يتعطش السائح لرؤيتها أثناء تواجده في المدينة ، وأن تستملك من قبل الجهات المسئولة وتبدأ بترميم وتأهيل هذه المباني التراثية وتحويلها لمقاصد سياحية أو قاعة عرض للوحات الفنانين أي معارض ، أو استئجارها من قبل أصحاب مهن تحتاج إلى ابنية صغيرة ، كتلوين التحف المصنوعة من الجبس أو مهنة الخياطة ، حياكة ، السراجه ، الحلاقة ، أو تقام فيها الامسيات والمحاضرات الثقافية والشعرية ، الخ  . ومازال هناك مباني تراثية سيئة الحظ اصابها الاهمال والتناسي وتلفظ أنفاسها الأخيرة ، وفقدت الكثير من هيبتها وجمالها ولم تهدم لحد الان ، وعلى الجهات المسئولة إنقاذ ما تبقى من الدور القديمة التراثية من عمليات الهدم قبل ضياعها ، وإظهار القيمة الفنية والمعمارية عند تحويلها بما ينسجم مع التطورات الحديثة والمستجدات من متطلبات العصر ، كمواقف للسيارات والأسواق التجارية والعيادات الطبية ، بحيث يصبح لنا عمارة منسجمة مع خواص العمارة القديمة  ، وعلى الجهات محاسبة من يعتدي على هذا الإرث . التراث يجب من يحميه ويمنع عنه أي اعتداءات بشرية ، باعتباره إرثا حضاريا توازي أهميته المواقع الأثرية ، وتأهيل هذه المباني من الناحية الجمالية ليكون معلماً سياحياً مميزاً وإعادة احياء التراث العريق لفترات زمنية مرت على هذا البناء القديم . ونحتاج الى دراسة عن العقارات التراثية في الاقليم .
 اما البديل والمهم انشاء مواقف للسيارات من عدة طوابق توزع على الشوارع المزدحمة ، ويلتزم اصحاب السيارات بإيقاف سياراتهم لقاء مبلغ ويمنع انشاء أي مبنى حديث بدون موقف للسيارات . وليكن البناء الحديث خارج مركز المدينة للتقليل من الازدحام .
دخلت ابنة الشيخ الى غرفة الجلوس ودعتنا لتناول طعام الغداء ، قال الشيخ  : سأكمل الحديث معك حول شوارع المدينة اسواق بدون رصيف بعد تناول الغداء لان لدي الكثير من الملاحظات حول الاسواق الشعبية  وتحويلها لمظهر حضاري و عاملَ أمن وسلامة للمشاة .
قلت له : لا مانع لدي ان اسمع منك الحديث فهو مشوق وممتع بعد تناول طعام الغداء.
نلتقي في الجزء الثالث من شوارع المدينة ....اسواق بدون رصيف ...!،ونتعرف ماذا يريد ان يقول الشيخ .
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول ...

http://www.algardenia.com/maqalat/17141-2015-06-10-06-52-23.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع