بلبل الإذاعة مازال يغرد !

                                           

                                 زيد الحلي
 
لا أعني في عنوان هذا العمود ،صوت البلبل الميكانيكي الشهير الذي كان يغرد لمدة خمس دقائق يوميا  قبل موعد افتتاح  اذعة بغداد ، وقد تم استحداثه لضرورات ضبط مستوى موجات الاثير ولقياس اعلى وادنى ذبذبة صوتية ، ثم اصبح هوية للإذاعة العراقية منذ انطلاقها مساء الاربعاء الاول من تموز عام 1936 .

لكني اعني ان امواج الأثيرالتي تحمل ترددات الاذاعات في عموم العالم ، تعمل بأعلى الطاقات حاليا لإيصال البرامج والموسيقى والغناء والثقافة الى ملايين المستمعين في دلالة على ان  الرهان على ضمورالاذعة امام سطوة التلفاز ، اصبح خاسرا وان وهج الاذاعة لايزال يتغلغل في زوايا النفس ، ويتربع على الذائقة الانسانية التي يستهويها الخيال والتخيل ... الم يقل عشاق الحب العذري ان الأذن تعشق قبل العين احيانا!!
بالنسبة لي ، كنت متيقنا الى قبل ايام مضت  ان الإذاعة ، انحسرت امام التلفاز لاسيما بعد تقنيات الصورة الجذابة ، والديكورات المبهرة والغيد الحسان من المذيعات ، اللواتي يشغلن المشاهدين والمشاهدات بصرعات الموضة ، لكن جلسة ممتعة مع عد من الزملاء المرموقين في  مجال الإعلام والثقافة ، جعلوني اعيد النظر في رؤاي للإذاعة ، وانظم الى عالمها الممتع  من جديد ، فمن احاديثهم تبين لي ان هناك برامج  وتقارير ونشرات اخبار وحوارات معمقة ، تفوق في موضوعيتها ومهنية اعدادها ، مئات البرامج التلفازية  التي تتسم معظمها بعدم السلامة في الأسلوب، وتركيب الجمل تركيباً ينِم على التكلُّف، وغلبة الركاكة والسماجة والبعد عن جماليات اللّغة، حتى إن الكلام المكتوب الذي يقرؤه المذيعون والمذيعات يهبط في أحيان كثيرة إلى مستوىً يقربُ من العامية ، أو يتسم بالجفاف الّذي لا يهز مشاعر ولا يحدث في النفوس الأثر المطلوب.
لقد دفعتني آراء اصدقائي ، الى متابعة جادة  بالبحث  في الأثير عن ترددات لأكثر من اربعين محطة اذاعية محلية ، بعضها يبث في محيط بغداد والأخر ابعد من ذلك ، فلاحظت تشابها يكاد يكون متطابقا في شكل البرامج  لاسيما في موضوعة اتصالات المستمعين ، حتى تشعر بالملل ، وتستلم رسالة مفادها ان اتصالات  المواطنين مدفوعة الثمن لشركات الهاتف النقال هي سبب انشاء تلك الاذاعات ، رغم وجود استثناءات في مهنية وتوجه هذه الإذاعة او تلك .. وهي استثناءات لا يعتد بها في مجال الاحصاء والمتابعة العلمية،غير ان الأمر وجدته معكوساً في الاذاعات الاجنبية الموجهة الى الوطن العربي حيث لمستُ ثقافة اذاعية مرموقة
واحتراما لذائقة المستمع وتقديسا لعقليته ...
لقد سعى معدو البرامج في تلك الاذاعات  لجعل مستمعهم ، كشارب القهوة : يستمتع بها رغم سوادها ومرارتها ، و يطرحوا الأمور بطريقة عذبة في الكلمة والمعنى ، ويتقصدوا ان يكونو موضوعيين ، وأن يمتلكوا عدسة قادرة على ألتقاط الجوانب القابعة في دهاليز الحياة والتي تخفي وراءها الكثير من المعاناة او الجمال ، من اجل ان يسقطوا عليها في برامجهم من حكم ودروس التاريخ ، ما يجعلها مرتبطة بالحاضر .. ان الأعلام المسموع وكذلك المقروء والمشاهد ، هو صورة عن خلجات انسانية ، وما الإعلامي ( المبدع ) إلا سبيكة مصنوعة من تلك الخلجات ..والإعلام  ليست كلمات منمقة ، بل هي تجربة في الحياة يمر فيها الاعلامي ، وتدفع بالمستمع في خضم لجتها ليعيشها مع المعد .. وهنا تكمن عظمة الإعلامي في كونه احد بناة المجتمع ..
شكرا لمن اقنعني لأعود مثلما كنتُ في سابق السنين احد عشاق الاذاعة .. وها انا اليوم مستمع مواظب يطربني صوت بلبل الاذاعة .. لكن اي إذاعة ؟ احتفظ  بسر ذلك لنفسي حتى لا احصد زعل زملائي الاذاعيين لاسيما الجدد منهم!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.




  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

814 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع