إِنَّ كَلاَمَ الْحُكَمَاءِ إذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً، وَإِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً...الإمام علي ـ كرم الله وجهه

الحضر....مدينة الشمس و روما الشرق

  

       الحضر....مدينة الشمس و روما الشرق

   

         

                          

إطلال ارتدت ثوب الحياة الأبدية ... فتمردت على ألفي سنة من الصمت .. وانطلقت لتعلن عن شموخها من جديد .. يوم أعلنت للتاريخ أنها مدينة الملك سنطروق ، ملك العرب الذي انتصر بصمود الحضريين بين حصار الروم والساسانيين وقاد شعبه للدفاع عن مدينتهم وعن سيادة الحضر ومدن العرب في عمق بادية الجزيرة الغربية.

يروى أن تقول بطون التاريخ وتقرأ سطور الآثار وشواهده التي تعلو وجه الأرض

  


أن لمدينة الحضر التي تبعد قرابة المئة وعشرة كيلو مترات باتجاه مدينة أم الربيعين (الموصل والحدباء) كانت في زهوها بمثابة العاصمة الاقليمية لجميع القبائل في المنطقة ، حيث اتسعت رقعت حدود المدينة لتجمع داخلها القبائل العربية ولاسيما في موسم الربيع حيث الماء والمراعي ، مما جعلها مزار تحج إليه القبائل ، واتسمت تلك المدينة بمعابدها والتي أضحت هي الأخرى السبب الرئيس وراء قدوم الزوار إليها من أطرافها الأربع والذين يقدمون إليها النذور وينحرون الذبائح ، مما أزادت هذه المدينة ثراءاً ونهضت وازدهر اقتصادها الذي ساعد على إنشاء المباني والقصور والمعابد الضخمة والتماثيل ، والتي مازالت شواخصها تعلن عنها لحد يومنا هذا

        

                                  موقعها

كان لموقع الحضر في وسط الصحراء الأثر الكبير الذي جعلها موضع طمع وتكالب أكبر قوتين في القرن الثاني قبل الميلاد الا وهما الامبراطورية الفرثية والرومانية حيث توسطت مدين الحضر هاتين القوتين وأصبحت المنطقة العازلة بينهما . مما دفع كل منهما على غزوها واحتلالها وبما فيها المطامع اليهودية التي لعبت في تلك الفترة دورها الفاعل في تحريض النفوذ الأجنبي لاحتلالها والقضاء على نفوذها في قلب المنطقة العربية ، مما دفع بملوك الحضر والقبائل المناصرة لها بالوقوف ضد تلك الهجمات ، حين انبرى ملك الحضر (ايباس) بتحدي (ازاط) اليهودي الذي شن حملته العسكرية لمحاصرة الحضر ومحاولته لاختراقها لكنه فشل في تحقيق أحلامه المريضة. بالجانب الأخر كان للقوتين المتمثلة بالامبراطورية (الرومانية) و (الفرثية) أطماع أخرى تجسدت في احتواء واحتلال هذه المدينة التي يمثل موقعها الاستراتيجي الأثر الكبير في حماية امبراطوريتهم. ففي منتصف القرن الأول والثاني للميلاد اقتسم الروم والفرثيين أقاليم العالم القديم ومن بين تلك الأقاليم الوطن العربي ، فقامت يومها نزاعات حادة بين تلك القوتين والتي دفعت بـ (تراجان) امبراطور الروم لاحتلال أقاليم أوربا وأرمينيا وسوريا وبلاد بابل واشور عام 17 للميلاد ، إلا انه رغم الفتوحات التي قام بها واحتلال تلك الأقاليم وقف عاجزاً أمام أسوار الحضر التي غدت منيعة عليه وعصية ولم يتمكن من احتلالها وانكسر أشد انكسار أمام قائدها (نصرو السيد) الذي قاد المدينة خلال الحصار الكبير الذي فرض عليه ، مما دفع بالقائد الروماني إلى الانسحاب والانشغال في غزو الأقاليم الشمالية، ثم عاود الكرة لمحاصرة مدينة الحضر غير أنه فشل فشلاً ذريعاً أمام أسوارها المحصنة ، ورغم الفضل لم تنكسر شوكته فعاود الكرة بعد سنتين ليضرب على مدينة

الحضر حصاره عام (200 م) غير أن ملك الحضر (عيد سميا) استطاع وبقوة مقاتليه واستحكامات المدينة الدفاعية تمكن من دحر ذلك الحصار. وفي زمن الملك سنطروق وملك العرب بن عيد سميات شهدت مدينة الحضر ازدهاراً كبيراً وصمدت أمام حصار الملك الساساني (اردشير) الذي حاول عام (226 م) من احتلالها إلا أنه فشل وانهزم شر انهزام

    

                     الخيانة وراء سقوط الحضر

بعد أن توج سابور الأول ابن اردشير الذي شاخ وكبر وعجز رغم محاولاته المتكررة لاحتلال الحضر من تحقيق حلمه، أوكل المهمة لأبنه ساتبور الأول لنهج نفس سياسته في مهاجمته واحتلال ميدنة الحضر، وفعلاً سلك الأبن نهج أبيه وراح يعد العدة والعدد والسلاح لاحتلال مدينة الحضر فانتهز فرصة انشغال ملك الحضر سنطروق بتحرير اقاليم السواد وشهرزور التين كانتا بيد الساسانين حتى سار نحو حصن المدينة ولما علم سنطروق بهجوم سابور على أسوار المدينة سارع للتحصن داخل حصن مدينة الحضر، فأفشل هجوم سابور مما دفعه إلى فرض الحصار على مدينة الحضر والذي امتد من 12 نيسان (240م) وحتى الأول من نيسان (241 م) حيث تمكن سابور وبمساعدة من داخل مدينة الحضر من اختراق سور المدينة واحتلالها وإسقاطها

   

        الحضر مدينة ارتدت ثوب الحياة وتمردت على الصمت

أوردت الكتابات القديمة أن مدينة الحضر هي إحدى المدن البالغة الأهمية وأضخمها وأروعها من حيث مبانيها الشاخصة ومعابدها وتماثيلها وكانت تسمى هذه المدينة بـ (حطرا ـ أو عرب يادي شمس) أي مدينة الشمس. وقد بدأ وضوح معالم هذه المدينة بعد اكتشافات أثارها وشواهدها المتمثلة بعضها بتلك الكتابات الآرامية التي وجدت على قواعد التماثيل وجدران وأرضيات مبانيها وكذلك في تلك الكتابات التي ما شهدته هذه المدينة من تقدم كبير في جوانب حياتها السياسية والدينية والاجتماعية. فلقد أكدت الآثار على أن مدينة الحضر قد بنيت بشكل مدور ومحصنة بسورين وقلاع. طول سورها الخارجي يمتد نحو ثمانية كيلو مترات وقد شيد من اللبن وعلى ارتفاع واطئ نسبياً، يليه سور داخلي يمتد لستة كيلومترات شيد من الحجارة وله أربع بوابات ، وكان سور مدينة الحضر معزز بستين برجاً، بين برج وآخر كان هناك قصراً ولأجل ذلك ذاع صيت قوة ومنعة دفاعات مدينة الحضر. في الجانب الآخر، كان للمدينة الكثير من المعابد والبيوت الخاصة بالأصنام وقصور للنبلاء إضافة إلى الملعب وساحة الفروسية والحمامات العامة والأبار، وخصص الجانب الشرقي منها ليكون للمدافن التي شيدت على هيئة أبراج، وشيد في قلب المدينة المعبد الرئيس الضخم المخصص لعبادة (ألهة الشمس) وجل مايميز معابد مدينة الحضر تلك الأواوين الضخمة المشيدة بالحجارة والمزينة بالتماثيل المنحوتة إضافة إلى المعابد الأحد عشر المخصصة لعبادة (آلهة الحضر) المختلفة داخل السور الداخلي الذي يمتد لستة كيلو مترات والمشيد من الحجارة وله أربعة مداخل

    

                               السواح الجدد

مدينة الحضر يسكنها حاليا قبائل متعدده واكثرها قبيلة (البوحمد) وهم مرجعهم إلى القبيلة الكبرى وهي قبيلة العبيد , وهي مدينه ريفيه تشتهر حاليا في بزراعة القمح والشعير على مياه الامطار فيها ثروات حيوانية جيده وفيها ابار ارتوازية في كل صحرائها ويسكن فيها اصحاب الاغنام , و تبعد عن نهر دجلة (40) كم وعليها مشاريع مياة ترسل المياه للمدينة بواسطة مشاريع ضخمه

عرفت مملكة الحضر بهندستها المعمارية وفنونها وأسلحتها وصناعاتها

الحضر كانت في مستوى روما من حيث التقدم حيث وجد فيها حمامات ذات نظام تسخين متطور وأبراج مراقبة ومحكمة ونقوش منحوته وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل

                             

                  

                                 شعارها

   

شعار المدينة هو الصقر, وهو يمثل قوة وهيبة المدينة التي يحكمها آل نصر الأقوياء اشتهرت الحضر في زمن جذيمة الوضّاح الأبرش والذي اغتالته الزباء ملكة تدمر

                           سكانها

   

كان سكان الحضر وثنيون يعبدون آلهه منها اللات و شمش "الشمس" ثم تنصرو وغدت دولتهم دولة دينية تحكم بحكم ديمقراطي حيث يحق للكل إبداء رأيه. وقد حكمت الحضر عدت ملكات وجدت تماثيلهم وهذا يدل على المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمعهم

                 وصف المدينة الآثرية

               

لقد كانت مدينة الحضر مستديرة قطرها 2 كم يحيط بها خندق عميق محكم بسور مدعم ب(163 ) برجا وعدد من القلاع ويتكون السور من جدارين عرض كل واحد من 3 و 2.5 م بينهما 12 م ويوجد خط ترابي يحيط المدينة وفضلا عن ذلك ان الحضريون ورثة الاشوريون المعروفين بالجيش القوي والمقاتل الشجاع والاسلحة الثقيلة كالمنجنيق وقد فشل الامبراطران الرومانيان تراجانت وسبتيموس في فتحها في عهد الملك برشميا سنة 198 م الى ان سقطت سنة 239 بخديعة بقصة غرام مع بنت الملك كما تقول الروايات ومن الملوك المشهورين عبدسميا وسنطروق ونصرو وغيرهم

اما عن لغة اهل الحضر فكانت اللغة الارامية الرهاوية حيث وجد اكثر من ثلاثمائة نص كتابي في المدينة بالارامية والديانة كانت عبادة اله الشمس

                        المعبد الكبير

                   

ابرز واضخم بناء في الحضر مشيد بألواح من الحجر والجص وواقع في وسط المدينة، حيث تؤدي اليه الشوارع الرئيسية، وهو متجه نحو الشرق لانه مخصص لعبادة الشمس ويعرف لدى الحضريين باسم (هيكلاربا) أي المعبد الكبير

وهذا المعبد كان مكعب الشكل وكان ثاني كعبة تحج اليها قبائل العرب الوثنية بعد كعبة ابراهيم الخليل في مكة قبل ظهور الاسلام

                          ميزتها

                             

وكان للحضر ميزة تجارية حيث ان موقعها يعتبر ملتقى القوافل حيث يربط بين الجزيرة العربية والخليج العربي إلى الشام والبحر الأحمر

وجدت كتابة على أحد المباني تقول:"سنطروق هو ملك العرب وسنطروق يسمى في التاريخ العربي بالساطرون المشهور بقصة خيانة ابنته له , حاول الفرس والرومان غزوها مرارا حيث فشل الإمبراطور الروماني تراجان وكذلك الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس عام 199م بعد ان احتل كلاً من بابل وسلوقية و تيسفون أن سكانها دافعوا عنها دفاعاً عنيداً, و أنهم استخدموا أقواساً مركبة ترمي سهمين مرة واحدة و أنهم قتلوا بها بعضاً من الحرس الوطني الخاص بالامبراطور. وهزمت جيش الإمبراطور الفارسي أردشير الأول الذي سيطرة على منطقة الجزيرة كلها حتى سقطت بيد الفرس و العرب عام 241م ودمرت تدميرا شديد ومنع أهلها من حمل السلاح. وكانت تلك نهايتها

           

                     شكل البوابة

واخيراً نستطيع القول: لقد ضاهت مدينة الحضر في اهميتها الحضارية مدينتي تدمر وبعلبك , وستبقى مزدهرة شامخة على ارض وطننا الحبيب العراق .. آملين من وزارة السياحة والاثار تنظيم رحلات سياحية عديدة الى الحضر .. مدينة الشمس ليتسنى للجيل الجديد زيارة هذه المدينة الخالدة ، او اقامة مهرجان خاص بالحضر على غرار ما يحدث في مدينة بابل التاريخية

المصادر:

الموسوعة الحرة

جريدة المؤتمر

   

قوس قزح

مقالات

د.سالم مجيد الشماع

حيرة مع لوحة زيتية تعبيرية

د. أنورأبو بكر الجاف

"يومُ شاهد ومشهود"

عصمت شاهين دوسكي

سوق الرق

سمير عبدالحميد

ماساة الشاعر وضاح

مريم الشكيلية

عندما يتوقف المطر.....

ثقافة وأدب

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

634 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع