قضية تنظيم الشرطة ١٩٦٢

    

         قضية تنظيم الشرطة ١٩٦٢

  

               

                  يكتبها الدكتور/ ضرغام الدباغ

   

سألني الكثير من الأصدقاء، وأحياناً أبناءهم عن حقيقة ما سمي بوقته " قضية تنظيم الشرطة " عام 1962 وهذه الأسئلة تعيدنا 58 عاماً إلى الوراء، إلى يوم 11/ 11 / 1961 يوم قبلنا والتحقنا كتلاميذ في كلية الشرطة في الدورة 18 ويومذاك لم تكن الكلية تقبل بين مئات من يتقدمون له، إلا بضعة طلاب (دورتنا كانت 40 طالباً)، وبعد فحص بدني وطبي دقيق. وسوف نحفر في الذاكرة لنستخرج منها ما علق بالبال.

كان العمل في التنظيم يدور بدقة، والكسب متواصل، وهو عمل ينطوي على شجاعة وجرأة، لأن الكلية كانت تعيد وتكرر علينا، أن العمل السياسي / الحزبي من أشد الممنوعات، ولم يكن من المحتمل أن تحدث مصادفة خارقة ويكشف التنظيم كما حدث في الواقع. ففي نيسان من عام 1962 أي بعد نحو ستة شهور من التحاقنا للكلية، حدث بالصدفة النادرة، أن يشك ضابط أمن بهوية بيت في منطقته، وعندما يفتش الدار لا يجد ما يستحق الذكر، ولكنه وبينما كان يفتش الشخص الوحيد في البيت وكان السيد ناظم جواد، عثر في ثنية الروب الذي يرتديه على ورقة، فلما دعاه فضوله أن يقرأها وجد فيها قوائم أسماء لضباط وطلاب كلية الشرطة، وسرعان ما عرفوا أن هذا الشخص هو قيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي، وأن هذه الأسماء هي جرد بالأسماء للتنظيم الحزبي في الشرطة بأسره (عدا استثناءات بسيطة). وهكذا جرى اعتقال كافة التنظيم في ساعات معدودة.

وأدناه ما كنت قد دونته في المذكرات التي نشرت بعنوان " لابد لنا من فجر):

   

قبلت إذن في كلية الشرطة، وكان عدد أفراد الدورة 41 تلميذ (تخرج منا 38 ضابط فقط) التقينا في الدورة 18 من كافة أرجاء ومدن العراق وأريافه، كنا نعيش حياة زمالة وأخوة حقيقية خالية من العقد والخبائث، ولم تكن بعد والحمد لله الأمراض والفيروسات قد دخلت المجتمع العراقي، فلم يكن مهماً على الإطلاق من أي مدينة أنت، ولا من أي قومية، أو من أية ديانة، ناهيك من أي طائفة أنت، ولم يحدث ولا مرة واحدة خلال ثلاث سنوات من الدراسة في الكلية أن طرح موضوع كهذا، وربما أن حديثاً حول ذلك يشبه في غرابته الحديث عن ديناصور يسير في شارع الرشيد في قلب بغداد.

لم أكن أعرف أي من أفراد الدورة، عدا زميلان اثنان، أحدهم من الموصل وكان زميلاً لي في الدراسة المتوسطة، وأسمه محسن نايف الفيصل، والصديق الأخر هو رياض محمد يحي، وكان زميلاً لي في ثانوية الأعظمية. وكنت أعرف أن رياضاً من البعثيين، لذلك كنا أنا وهو نستطلع من قد يكون بعثياً في دورتنا، وسرعان ما توصلنا أن زميلنا الأخ خضير عباس العيساوي من البعثيين أيضاً، وتهيئنا لتشكيل منظمة الدورة، لكن رياضاً أخبرني أن هناك زميلاً لنا في فصيلنا (وكانت دورتنا مؤلفة من فصيل واحد) وهو الأخ فؤاد عبد الله عزيز، وهكذا بعد فترة وجيزة جداً كان عددنا أربعة بعثيين، وذلك يمثل 10% من الدورة، وهو عدد غير بسيط، رغم أننا لم نكن نحسب الأمور هكذا !

وبعد بضعة أشهر تعرفنا على زميل آخر وهو الأخ طارق عبد اللطيف، فجرى ضمه إلى الخلية القيادية في الدورة وكان مسؤول منظمتنا الحزبية فؤاد عبد الله عزيز، وكان الوحيد بيننا بدرجة العضوية في الحزب ومنذ ذلك التاريخ 1961 ولليوم تربطني بفؤاد علاقة رفاقية وأخوة وصداقة بل أننا عشنا حياتنا معاً، ومع رفاق آخرين جمعتنا وإياهم دروب الوطن والأمة.

بدءنا العمل الحزبي في منظمة الدورة في الكلية، ونحن نحاول أن نتبين، من يستحق الكسب إلى الحزب، ولكن بأتباع أشد إجراءات الكتمان في العمل السري، فقد كنا في مؤسسة رسمية / عسكرية يستدعي العمل مثل هذا الحذر. كنا نتقدم ببطء ولكننا نتقدم، وبحلول منتصف السنة الدراسية كان عدد الحزبيين المنظمين قد بلغ خمسة رفاق أي حوالي 12% من الدورة، وكان هذا إنجازا طيباً كنا في تلك الفترة المليئة بالعمل، نركز على قضية التثقيف الحزبي والعام، وكان الرفيق فؤاد متمكناً في هذا المجال، يقود هذه المنظمة بكفاءة ومهارة عالية، كأفضل ما يكون عليه القائد الحزبي(في ذلك الوقت المبكر من الشباب)، وبالإضافة لذلك يتمتع بخلق رائع وشخصية محبوبة، ولا أبالغ القول مطلقاً إنني وجدت في الرفيق فؤاد الرفيق والأخ والصديق، وقد استمرت علاقاتنا مع سائر هذه المجموعة تقريباً.

كنا نركز أيضاً على دراسة عناصر الدورة والأوضاع في الكلية بصفة عامة، وندقق في الشخصيات التي يحتمل أن نتحرك باتجاهها ونعمل معها، كنا قد اخترنا مجموعة من الزملاء (حسب تقيمنا وتقديرنا) منهم: عبد الكريم متعب، عدنان فهد الحاج عبود، وفوزي عسكر، وعبد المنعم احمد وحاتم عباس، وأخوة آخرين.

ولكن برامجنا بالعمل والتوسع أصيبت بانتكاسة. فقبل نهاية العام الدراسي، كانت الكلية تعد العدة للاستعراض الرياضي/ العسكري السنوي لقوات الشرطة، وكنت مشتركاً بفعالية الفروسية، ولكن ما حدث هو شيء يندر حدوثه، فقد كان مسئول تنظيم الشرطة الرفيق ناظم جواد، (شقيق الرفاق: حازم، وكاظم، وحامد) قد أحتفظ بلوائح أسماء تنظيم الشرطة في الوكر الذي يقيم فيه، ولسوء الحظ تعرض الوكر للتفتيش بصدفة نادرة من قبل الشرطة، وعثروا على تلك اللوائح، وكانت تلك لقطة لا تقدر بثمن لأجهزة الأمن، التي ألقت القبض علينا بسهولة تامة، ووضعونا قيد الاعتقال، وكان عددنا حوالي 45/ 47 حزبياً وقد هالنا جميعاً حجم التنظيم وسعته. وكان قد ألقي القبض على جميع الحزبيين ولم يفلت منهم ألا عدد بسيط من الذين تم كسبهم إلى الحزب مؤخراً وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد. (بطيه قائمة لأسماء من أ‘تقل من الضباط وتلاميذ الكلية، وبالطبع القائمة لا تضم جميع الأسماء ولكن معظمها، إذ يلعب عامل التاريخ دوره في إضعاف الذاكرة ..!)

في اليوم التالي، جاء مدير الأمن العام العقيد عبد المجيد جليل(لقى مصرعه في 8/ شباط / 1963) إلى حيث كنا معتقلين(في قاعة سرية المقر في الكلية) ، وبعد حفلة سباب وشتائم وبذئ الكلام، والتهديد والوعيد، واتهمنا بالتآمر على سيادة الزعيم(ويقصد اللواء الركن عبد الكريم قاسم)، وأمرنا بالطبع أن نعترف بكل شيء، وإلا فإن أشد العقاب سيكون مصيرنا، بما في ذلك الإعدام. وأدركنا نحن أن في الأمر مبالغة، ولكن تهديده هذا أصاب البعض في قلوبهم قبل عقولهم.

في اليوم الثالث، أركبنا بالسيارات التي مضت بنا ونحن نضرب أخماساً في أسداس، ولم يكن أي منا قد مر بتجربة مماثلة، ترى إلى أين، توجهت السيارة صوب باب المعظم. وبين مصدق ومكذب، اجتازت السيارة بنا بوابة وزارة الدفاع التاريخية الشهيرة، وتوقفت أمام بناية الانضباط العسكري، ثم تقدمنا بالمسير النظامي دخولاً إلى غرفة آمر الانضباط العسكري، العقيد عبد الكريم الجدة، وكان من الضباط المقربين والمخلصين لعبد الكريم قاسم، ويعد من ضمن النخبة الحاكمة في البلاد، وتحول الانضباط العسكري في عهده إلى قوة مهمة في البلاد، تلعب دوراً عسكرياً وأمنياً مهماً (لقى مصرعه مع عبد الكريم قاسم 8/ شباط / 1963).

أدخلنا إلى مكتب العقيد عبد الكريم الجدة، الذي عرضنا بدوره إلى نوبة جديدة من التهديد والوعيد، وقال لنا أن تحقيقاً سيجري معنا وبدوره حثنا على الاعتراف، وفي هذا الجو الذي لم يكن يخلو من الرعب، وكنا شباناً في مقتبل العمر والتجربة في كل شيء، العمل السياسي ومواجهة الإرهاب، وبالطبع لم يكن كافة الرفاق والأخوة على مستوى واحد من الصلابة و وتماسك الأعصاب، وقد نال من عزم البعض، ولكن مع ذلك، كان الموقف في محصلته العامة جيداً وعندما خرجنا من غرفة العقيد الجدة، كانت جولة قد أنقضت، ولكن ما زال أمامنا الكثير من الجولات.

الجولة القادمة تمثلت بفرز من اعتبرتهم السلطات قد أظهروا صلابة وإصرارا بعدم الاعتراف، وكان عددنا نصف المعتقلين تقريباً (20 ــ 25 طالب)، فجرى نقلنا إلى السجن العسكري رقم واحد في معسكر الرشيد، وكان هذا السجن تابع بصورة مباشرة إلى آمرية الانضباط العسكري. ولشبان في مثل أعمارنا وتجربتنا اعتبرنا ذلك شيئاً رهيباً، سجن تحيط به الأسلاك الشائكة، بنظام عسكري صارم جداً. وأودعنا في أماكن متفرقة، وبالصدفة وضعنا أنا وفؤاد ورياض في زنزانة واحدة، فيما توزع بقية الرفاق في زنزانات متقاربة، وجميعنا من طلاب كلية الشرطة، وعلمنا أن أعداداً من الضباط والمفوضين قد اعتقلوا كذلك ومن أبرز هؤلاء المقدم أحمد أمين محمود (لاحقاً: الفريق، ووكيل وزارة الداخلية، والسفير في الأردن ويوغسلافيا) والمقدم فاضل السامرائي(اللواء، قائد قوات الحدود، عميد كلية الشرطة) ورفاق ضباط منهم: النقيب جمال الدين الطائي(اللواء فيما بعد)، النقيب عامر المختار(العميد الدكتور فيما بعد)،الملازم عزيز حميد الحسو(أعدم 2002)، الملازم سعيد حسون الجبوري، عبد اللطيف الحديثي (العميد لاحقاً)، داؤد الدرة (الرائد لاحقاً، أعدم 1972)، الملازم باسل الاعرجي، الملازم عبد اللطيف النقيب، الملازم أول قحطان العزاوي، الملازم ضياء العلكاوي، ريكان عامر،الملازم أول ذياب حميد، الملازم غازي علي الحسون، الملازم أول عبد الواحد حسن، وغيرهم.

إذن فالتنظيم كله قد تعرض لضربة قاصمة أذهلت السلطات، وأذهلتنا نحن أيضاً، إذ لم يدر بخلد أحد أن يبلغ حجم التنظيم هذا القدر من السعة، والخسارة كانت فادحه، ولكننا كنا نؤمن أن الحزب سيتجاوز المحنة ويعاد التنظيم، والقضية هي مسألة وقت.ومع أن ضربة التنظيم كانت قاصمة، إلا أن الصدف افلتت عدداً من الرفاق الضباط منهم : النقيب عبد الخالق توحلة، والنقيب محمود الحلو(وكان خارجاً من السجن تواً بقضية محاولة اغتيال الزعيم)، والطالب في المستجد طارق عبد اللطيف الذي أفلت من الاعتقال بأعجوبة، بسبب تأخر التحاقه بالتنظيم. وعدداً من الرفاق في دورة الكلية (19) التي قبلت في الكلية بعد أشهر قليلة، من بينهم رشيد النقيب، ورحيم فرج، وأسد سعد جويد، وعامر السراج.

أهم ما يتميز به السجن العسكري رقم واحد، هو صرامة الأنظمة والتعليمات العسكرية، وكونه سجن تحقيق أكثر مما هو سجن، الأبواب مقفلة والخروج إلى الحمامات والمرافق الصحية يتم بأصول معينة متعبة، الطعام فيه سيء وشحيح، ولكن ضمن هذا الجو المحبط كنا نحصل على نسيمات منعشة، بعضها مدهش ومذهل والآخر مثير للهزل وبعضها. من الأحداث والنوادر، و كان حراسنا الجنود من بسطاء الناس.

كنت مع أخوان آخرين قد وضعنا في غرفة بالقرب من الباب النظامي ومقر السجن، وهذه الغرفة وأخرى مثلها كانتا قد خصصتا لكل من عبد السلام محمد عارف (رئيس الجمهورية فيما بعد) ورشيد عالي الكيلاني(رئيس الوزراء أبان حركة مايس 1941)، وهاتان الغرفتان فسيحتان وتضمان حماماً والمرافق الصحية، وكان في ذلك مدعاة راحة لنا ولكنه كان يحرمنا فرصة المشي ولو لعشرات الأمتار، وإدارة السجن كانت تتألف من ضابطان أحدهما الرائد فائق الحاج أسود، والآخر برتبة ملازم أول وأسمه: عبد الجبار العبوسي. وفيما كان الرائد فائق يبدي التشدد في عمله، كان للملازم الأول العبوسي شأناً آخر.

ذات ليلة صيف، تناهى إلى أسماعنا أحدى أغاني أم كلثوم من مذياع بدا أنه قريب منا، وليس من المنطقي أن يكون إلا من مذياع ضابط الخفر(المناوب) القريبة. لذلك تجمعنا قرب النافذة طلباً للهواء المنعش، ولسماع الأغنية معاً، في متعة نادرة في أمكنة كهذه، وقد مضى علينا بضعة أشهر لم نسمع خلالها سوى الصراخ والزعيق. وفجأة أطل علينا الضابط العبوسي وراء الشباك، فارتبكنا قليلاً، ولكنه قال بلهجة ودية، أتريدون سماع الأغنية ؟ ومضى إلى غرفته وكان قد أخرج طاولة وكرسي في الشرفة ورفع صوت المذياع إلى نهاية الأغنية، وتلك كانت متعة لا تصدق. وعندما أفكر الآن بتلك التي اعتبرناها متعاً، أليست السعادة والمتع هي أمر نسبي للغاية ؟

وهذا الضابط الشجاع الذي بدت لنا شجاعته كبيرة جداً، كان يقترب من غرفنا ويحثنا على الصمود في التحقيق، ويقول لنا:

لا تعترفوا على بعضكم، ذلك عيب على الرجال.

ويشجعنا، بل أنه قام مرة بنقل خبراً من أحد الرفاق إلى رفيق آخر للاتفاق معه على الأقوال في التحقيق، وكانت أعمال هذا الضابط الشهم تثير استغرابنا الشديد وسرورنا بالطبع أن هناك من يتعاطف مع نضالنا، ولكن عجبنا زال فيما بعد سنوات عندما علمنا أنه كان رفيقا بعثياً، وأنه كان يقوم بواجبة في تقديم الخدمة والحماية لرفاقه، ولكنه كان واجباً خطراً وينطوي على المجازفة والمسؤولية، كانت المعاني تترسخ هكذا : كن بعثياً .. فأنت رجل شجاع.

اتفقنا نحن المعتقلين على أن ندعي أمام لجنة التحقيق، أن الأمر كله لا يتعدى إننا مؤيدون للثورة الجزائرية، تجمعنا عواطف قومية نتبرع بالمال لصالح ثورة الجزائر وكانت يومها قضية ساخنة، وحزب البعث العربي الاشتراكي كان قد تعهد بحشد التأييد للثورة الجزائرية، ومن خلال التحقيق الذي لم يكن ينطوي على التعذيب الجسدي، ولكن من خلال التربية العسكرية، لم يكن الحديث مع ضباط برتب كبيرة أمراً سهلاً، (العقيد عبد الهادي عواد، والعقيد عبد الهادي مسلط). وقد توصلت اللجنة إلى القناعة بأن هؤلاء الشبان قد غرر بهم لدوافعهم ونوازعهم القومية، ووراء الأمر كله بضعة أفراد، تركز حول قيادة تنظيم الكلية، وكان المرحوم عدنان إبراهيم الجبوري مسئول المنظمة، رفيقاً ذو قدرات نضالية وفكرية ممتازة، أما أعضاء المنظمة فكانوا الرفاق: فؤاد عبد الله، وطالب حمودي الحمداني(المقدم / اللواء)، وصباح عبد الغني عرب(العقيد)، وإبراهيم سلمان القيسي. وبعد انتهاء التحقيق ببضعة أشهر، أحلنا إلى المحكمة العرفية العسكرية في معسكر الوشاش(حديقة الزوراء فيما بعد)، وحكمت على جميع المعتقلين بالإفراج، ولكنها حكمت على عدنان إبراهيم الجبوري بالسجن لمدة سنتان سجن, وكذلك على طالب حمودي الحمداني، وستة أشهر على فؤاد عبد الله وصباح عرب وأبراهيم القيسي، وكان ذلك يعني فصلهم من الكلية حتماً.

مكثنا في الاعتقال حتى ما بعد الشهر التاسع أو العاشر / 1962، ثم اقتادونا إلى المحكمة العسكرية العرفية، وجرت المحاكمة والأحكام على نحو ما ذكرت قبل قليل. وتوكل عنا مجموعة من المحامين البعثيين أو من أصدقاء الحزب منهم المحامي الشاب عدنان الحمداني. وبالنسبة لي كنت من جملة المفرج عنهم، فعدت إلى الكلية التي أصدرت الأوامر بإعادتنا إلى صفوفنا، وقدمنا امتحانات الصف الأول، وداومت في الصف الثاني، وبعد فترة وجيزة، ربما شهر أو أكثر قليلاً، نودي علي وعلى كافة الزملاء الذين ما يزالون في الكلية كطلبة، وأودعنا التوقيف ونحن لا ندري ما السبب، ونقلنا إلى إحدى مراكز شرطة بغداد(مركز شرطة السعدون) حيث وضعنا في غرفتين متجاورتين. وكانت ظروف الاعتقال مريحة وبإمكاننا مواجهة ذوينا حيثما شئنا ذلك وجلب ما نشاء من الطعام واللباس، وبقينا على هذا الحال لمدة شهرين أو ثلاثة، ثم أطلق سراحنا فجأة بمناسبة عيد الجيش 6/ كانون الثاني / 1963، وجرى تسليمنا إلى الكلية وهناك علمنا أن إعادة اعتقالنا كان قد تم بأمر من الحاكم العسكري العام وعبد الكريم قاسم شخصياً رغم صدور قرار الإفراج عنا، وكذلك أمر أطلاق سراحنا، وكان هذا أمر مستغرب قانوناً، ولكن العراق كان دخل عصر الغرائب !!!

طردنا من الكلية، التي أبلغتنا بقرار الفصل، وسلمنا ما بعهدتنا من تجهيزات، وغادرناها بعد ساعة أو ساعتين مشيعين بنظرات أصدقائنا وزملائنا، إلى بيوتنا. خرجت من الكلية ومعي أحد الرفاق وهو سالم عبد وبأيدينا حقائب يدوية صغيرة، وكانت الكلية يومئذ في البتاوين، في موقع وزارة الصناعة مروراً بساحة الطيران وساحة التحرير، أنا متجهاً إلى الأعظمية وهو إلى الفضل(شارع غازي) ومررنا بسينما الخيام حيث كانت تعرض فلم (سايكو) وهي من روائع المخرج الفريد هيتشكوك، فدخلنا إلى السينما وشاهدنا الفلم. والغرابة هنا أن يخرج المرء من السجن ويذهب إلى السينما !!

وفي نفس اليوم الذي خرجت فيه من الاعتقال، وكان الإضراب الطلابي الكبير قد اندلع، فخرجت مع العائلة، ومررنا بالقرب من مقر جامعة بغداد وكان الطلاب قد احتلوه واعتصموا فيه وكانت الجماهير قد تجمعت هناك للتأييد في جو من الهتاف واللافتات ومظاهر العداء وتحدي السلطة، وحاولت أن أفتح باب السيارة وأن ألتحق بالطلاب لولا تمسك الوالد بي بقوة بدهشة، إذ لم يمضي على مغادرتي المعتقل، إلا يوماً أو أقل !!

خرجت من السجن وليس لدي ما أقوم به، كان الإضراب الطلابي حدثاً يملأ الجو السياسي والاجتماعي على سعته، والحزب يبدي سيطرة واضحة على الحياة السياسية في العراق. والحقيقة لم يكن يدر بخلدي أن أبحث عن مصيري الشخصي، رغم أن الوالد كان مهتماً بذلك أيما اهتمام، فأعاد وطرح علي وبإلحاح فكرة الدراسة في الخارج، وكان مازال هناك متسع من الوقت حتى الصيف أو الخريف لمناقشة الأمر، ولكني لم أكن أعير أدنى اهتمام للفكرة رغم أنه مشروع يغري الشباب، فالإيقاع العالي بل الملتهب للإضراب الطلابي والتظاهرات كان طاغياً، ومثلي لم يكن بحاجة حتى لذلك الإيقاع المرتفع، بل إلى أشارة صغيرة لتجرفني الأحداث. كنت أعشق الحركة والعمل القوي، وكان الحزب يملئ حياتي حتى آخر قطرة، بل لم يكن هناك شيئاً ليشغل ولو حيزاً بسيطاً، ولم أكن أعرف شيئاً يسمى الخوف، وقد عركتنا الأحداث منذ الصبا. وقد اعتقلت مرتين وقضيت ما يقارب العام في السجن، وقدمت إلى المحكمة العسكرية العرفية، وطردت من كلية الشرطة وعمري لا يتجاوز التاسعة عشر من العمر، إلا أنني كنتأتصور أن مصير الأمة متعلق بعطائي !!

8/ شباط / 1963

جاءت يوم أعاد فيه الحسابات العامة والخاصة، فالتحقت إلى الكلية / الصف المتوسط، وجرت بعدها الأحداث السياسية المعروفة، وكانت تلفنا برياحها فاعلين متفاعلين ...

ــــــــــــــــــــــــ

مسؤول التنظيم

الرفيق ناظم جواد

تنظيمات الضباط (العدد الإجمالي للمعتقلين نحو 50 ضابط / مفوض معتقل) منهم :

1. المقدم أحمد أمين محمود.
2. المقدم فاضل السامرائي.
3. المقدم يونس السامرائي.
4. النقيب جمال الطائي.
5. النقيب عامر المختار
6. النقيب ...... الصميدعي
7. النقيب إسماعيل ملا حويش
8. الملازم أول صبحي سليمان
9. الملازم أول ذياب حميد
10. الملازم أول قحطان العزاوي
11. الملازم أول عبد الواحد حسن
12. الملازم عزيز حميد السامرائي
13. الملازم باسل حمدي الاعرجي
14. الملازم عبد اللطيف النقيب
15. الملازم ضياء العلكاوي
16. الملازم غازي علي الحسون
17. الملازم أسعد الجنابي
18. الملازم محمد عاصي الجنابي
19. الملازم سعيد حسون الجبوري
20. الملازم عبد الستار .......
21. الملازم ريكان عامر
22. الملازم داؤد الدرة
23. الملازم عبداللطيف الحديثي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنظيمات تلاميذ كلية الشرطة (العدد الاجمالي للمعتقلين 45 ــ 47 تلميذ) منهم :

الصف المتقدم :

1. صباح عبد الغني عرب.
2. إبراهيم سلمان القيسي.
3. سهيل بهيج قدورة
4. كامل زيدان النداوي
5. كامل عبد علي
6. حازم القاضي
7. حازم ....
8. فاضل الظاهري
9. ناجي سعدون السامرائي
10. محي مسلم الدفاعي
11. رياض القيسي
12. لطيف رشيد التميمي

الصف المتوسط :

1. عدنان ابراهيم الجبوري
2. أحمد سعيد ذنون
3. طالب حمودي الحمداني
4. غازي عطار باشي
5. صلاح الدين السراج
6. رافع الرمضاني.
7. حسن حامد كركجة.
8. طارق محمد علي شيت
9. مثنى رشيد الجبوري
10. لقمان حامد سليم
11. سالم ...

الصف المستجد :

1. فؤاد عبدالله عزيز
2. ضرغام عبد الله الدباغ
3. رياض محمد يحي
4. خضير عباس العيساوي

اعدادية الشرطة :

1. فتحي ...
2. قيس الخشالي
3. داؤد سلمان
4. أزهد حسن الراوي
5. سالم عبد نجم
   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

529 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع