ابراهيم عرب .. عنترة القرن العشرين

       

      ابراهيم عرب.. عنترة القرن العشرين

     

هذا الرجل الرابض وراء مائدة صغيرة وضعت عليها (صينية) انتشرت عليها نقود من فئة الاربعة فلوس والعشرة فلوس وحتى الفلس والفلسين.. والذي يتظاهر بالدعة والابتعاد عن مواطن الشر.. انه هو نفسه رجل الليل.. رجل الاسرار، الذي بز الرجال وبعث الرعب في قلوب اشجعهم هو نفسه الذي قلب القطار وترك اللوعة والاسى في قلوب عدد كبير من الارامل.

هو نفسه الذي جاب القفار وعبر الوديان ونزل جوف البحر فاخرج اللؤلؤ والمرجان هو نفسه الذي قتل ذئبا بابريق من الطين وشق فم الاسد الى شقين كبيرين.

وهل هناك في بغداد وضواحيها بــ الوية العراق الاربعة عشر من يجهل اسم هذا الرجل؟
كنت واحدا من الاف المعجبين بشجاعة هذا الرجل واقدامه وكنت اسمع عنه دون ان اراه فيزداد اعجابي به يوما بعد يوم حتى جاء يوم الثلاثاء من الاسبوع الاسبق فالتقيته وقد حف به جماعة من المؤمنين بشجاته وقدرته على تدمير جيش باكمله، كان ابراهيم عرب قد خرج لتوه من الدائرة المختصة بطبع الاصابع والظاهر انه كان قد انتهى من قتل اسد او عصابة باكملها من اللصوص والا فما معنى وجوده في تلك الدائرة وما معنى اخذ طبعات اصابعه؟

لم اشأ ان اتدخل فيما لا يعنيني خوفا من ان يصيبني مالا يرضيني وما انا في غنى عنه تقدمت من الجماعة بخطى ثابتة وواجهت ابراهيم عرب وجها لوجه.
فوقف واخذ ينظر الي متسائلا:
*نعم.. امر.. خدمة؟
قالها كأي بغدادي اصيل فتشجعت واغتنمت الفرصة.
-انني من جريدة الشعب.. مجلة الاسبوع..
*نعم؟..
قال ذلك بشدة واخذ يعمل فكره ليتذكر شيئا ثم بادرني بقوله.
*اني سأقيم الدعوى عليكم وعلى جريدة اخرى وسأطالبكم بتعويض مالي قدره خمسة الاف دينار.
ما ان انتهى من ذلك حتى شعرت بخيبة امل كبيرة وبدأت اوصالي ترتجف- ربما من البرد- ولكني حاولت التظاهر بعدم الفهم واللامبالاة.. واستطرد ابراهيم عرب قائلا:
*من سمح لكم بالكتابة عني وعما اطلقتم عليه جملة- مغامرات ابراهيم عرب-؟
ألم يكن من الانسب ان تأخذوا موافقتي؟
قلت له وانا احاول ان اهدئ ثائرته واداعب غروره..
-ان الكتابة عن شخصية معروفة لاتتطلب عادة الاتصال بتلك الشخصية لاخذ موافقة منها.
وشعرت بالخطأ الكبير الذي اركتبته بتحويل المذكر الى مؤنث في آخر الجملة ولكنه تجاهل الموضوع وتظاهر بالاقتناع وقال.
*وماذا تريد مني الان؟
-موعد..
*اين ولماذا؟.
-في اي مكان تشاء ومن اجل ان نكتب شيئا عن شخصيتكم المحبوبة.
*انا مستعد..
قال ذلك وابتسم فابتسم كل من كان معه ومد اليّ يده مصافحا وقال:
-اتفقنا..
في عصر اليوم التالي اتجهنا انا والمصور حازم باك نحو قهوة ابراهيم عرب في راغبة خاتون- وانتظرنا مجيئه ساعة من الزمن ثم هل علينا بطلعته البغدادية المهيبة وابتسامته المتألقة وبعد ان حيانا جلس الى مائدته الصغيرة واخرج من جيبه حفنة من (الخردة) نثرها في الصينية ثم بدأ يلقي الاوامر.. تعال فلان ارفع (الجادر) لك ليش ماراش الكاع زين؟
وبينما كان يلف سيكارة عربية ليدخنها اقبل عليه احد الاصدقاء وجلس بالقرب منا.
قال ابراهيم عرب موجها كلامه لذلك الصديق:
*بالله عليك ماستحى من نفسه ماخجل؟
*منو هذا؟ سأله الصديق وقد اصبح كله اذانا صاغية.
*فد واحد كتب عني بالجريدة يكول ابراهيم عرب يدك دنبك وسينة كمانة وجمبارات، عبالك اني ضارب وياه خاشوكة لك مو اني حيد من سبعين ظهر وبن عشائر.. ابن ناس معروفين والله اكدر اشيله من بيتهم بالليل واخلي يبسطوه فد خمسين واحد وارجعه الى بيتهم بدون ما يحس.
فقلت له متسائلا:
-يعني ما يحس بالبسط؟
فنظر الي نظرة ذات مغزى ثم اردف قائلا:
هذا هم فرحان اللي دهدرنه الله على فلان وفستان.
قلت له:
*عمي ابراهيم، انت ماتعرف غير شغل القهوة؟
-كل مصلحة اعرف.
*ابوك هم جان يشتغل قهوجي؟
-لا.. كان معمارا
*لويش تفضل جكاير العرب على الافرنجية وسيكاير العلب العراقية؟
-لانها صحية.. التتن منقح والكاغد خفيف.
*هو اكو تتن صحي؟
-نعم اكو، هذا التتن اللي دتشوفه اجيبه على حسابي من راوندوز مابيه لا تراب ولادمار.
*بس يكلون الجكاير تسوي سرطان؟
-سرطان ليش يابه؟
ثم اردف قائلا:
-خل تمنعه الحكومة لعد؟
وهنا تدخل الصديق وايد ماذهبت اليه من ان الدخان يولد السرطان فقال ابراهيم عرب متعجبا:
-ها..
ثم سألته..
*عمي ابراهيم.. انت هل دخلت المدرسة؟..
-نعم، بزمن العثمانيين.
*لعد ليش ماصرت فد مدير عام؟ موظف؟
-لعد منو يصير كهوجي؟.. منو يصير بكال؟ كناس؟..
*يعني دراستك بالمدرسة تعادل متوسطة؟..
-نعم.. اعدادي عسكري يعني ثانوي.. وبعدين شردت وانتقل ابراهيم عرب الى حفلة المولود التي كان قد حضرها امس وقال:
-الله ستر رادت تصير مشكلة واستطرد قائلا:
كان المولود بزمن الاول غير شكل ثم قال:
-مامعناه ان الناس او اهل المحلة بصورة خاصة كانوا يتسابقون في تقديم ما تجود به اكفهم وكان الهدوء يشكل اي بيت يقدم فيه مولود بحيث اذا ذبيت الابرة تسمع صوتها، اما الان فان بعض الناس يتسابقون في سرقة السيكاير..
*ترة اليوم هم اكو مولود قال ذلك صديقه فسأله ابراهيم عرب متلهفا..
-وين؟
*بشارع الضباط..
-منو راح يقرأ؟
*ابو السعد
-اي والنعم.. والله اللي يجيب- وذكر اسم مقرئ معين- غلطان.
*عمي ابراهيم يبين انت تحب المواليد؟.
-اروح لكركوك من اجل المواليد.
*يقال ان صوتك جميل وتحسن المقامات العراقية ،شنو رأيك بالاستاذ محمد القبانجي؟.

-القبانجي صديقي.. ماكو قارئ مثله.

وبعد فان ابراهيم عرب من مواليد محلة البارودية ببغداد ويميل الى الاستماع الى عبدالباسط عبدالصمد ومصطفى اسماعيل ومن العراقيين الملا مهدي الذي يصفه بانه (ابوهم كلهم).. وتعجبه حفلات الغناء الريفي التي يقدمها تلفزيون بغداد وعدا القبانجي يميل الى سماع عبدالرحمن خضر وقد وصفه بأنه (ورد) ولا يجد في المطربات العراقيات من تلهب عواطفه.
وقد ذهب في تلك الليلة الى المولود فاصغى بكل جوارحه الى قراءات القراء ثم انتقل الى الطعام واكتفى بعدد قليل من اطباق البقلاوة والدولمة.

وبعد ان اصبحنا في الشارع روى له صديقه حاج ياسين اسطه وهيب حكاية (السعلوة) التي ظهرت له في جوف البحر عندما نزل للبحث عن اللؤلؤ فقال له ابراهيم عرب:
*هاي معقولة هالحجاية؟
فاجاب حاج ياسين قائلا:
*آني حجيت حجاية وحده ما صدقتها، شلون تريد من عدنه نصدق حجايتك عن الاسد اللي شكيت حلكه والقطار الي كلبته والهنود اللي قلبت سيارتهم والذيب اللي كتلته بالبريك؟..
من عنتريات ابن عرب
جنت فد يوم گاعد بالگهوة.. جانت ظهرية والدنيا حارة وبيدي صونده دا ارش واني ولدزور خنجي ذاك الوكت وازين بالموس على طول.. مرت سيارة بيها هندي صاحني فد واحد مشتري وگاللي ابو رحومي تره هذولة چانوا يضحكون عليك.
-لك منو ذولة، باوعت شفت السيارة تعدت لباب المعظم اني چنت ذاك الوكت رياضي صار عندي جسم اذب ديس على هذا الجتف وديس على ذاك الجتف. ركضت وراهم.. براس السور چلبت بالسيارة، لك اوكفوا.. السايق تخربط.. يبدل على الواحد على الاثنين طاب گير،، ميفيد.. نزل واحد طويل عريض عبالك داعيك،، گاللي،، لك متروح هسه قابل انت ابراهيم عرب.. گلتله نعم اني ابراهيم..

نزلوا كلهم بوسوني،، گلت شنو القصة؟ گالوا يابه احنه جينه متعنين من الهند حتى نتصارع وياك لكن ما طول انت بهالقوة هاي راح نرجع احسن واشرف.. ورجعوا بالفعل.
* فد واحد اجه يدعي بالشقاوة وفات بالگهوة واخذ يعربد ويصيح ضرب اربع خمس طلقات وعزل الگهوة وخله وطلع وابراهيم عرب الشجاع لم يتكلم معه اي كلمة.. بعد شويه گام راح للبيت،، الجماعة گالوا الله اليدري شراح يجيب.. خمس ست (وراور) ويركض وراه،، لكن ابراهيم السبع رجع وبهالايد جف تمن وبهالايد دهن وگال (ياجماعة اني لو اريد اكتله وادخل السجن، هذولة منين ياكلون هيجي تمن وهيجي دهن؟..)
* فد يوم چان يمشي في عقد اليهود ساعة 12 بالليل،، لزموه جماعة وحاصروه وضربوه بالخشب وضلوعه تكسرت، ونام بالمستشفى 6 اشهر يابه شلون خلصت نفسك منهم؟ كال (ضربت سره طلقات وانهزموا)..
يابه اشلون اشقياء وتنبسط؟ گال هاي الرجال نوبة تبسط نوبة تنبسط..
*تحدث ابراهيم عرب عن مسدس سرق منه وصرف حوالي الخمسمائة دينار في سبيل العثور عليه دون جدوى وهو يعتز به لانه هدية من صديق عزيز،، نوعه كولد امريكي ورقمه واحد..
*كان صوت القطار يضايق الطلبة في قهوته،، فاضطر ابراهيم عرب الى تنبيه السائق ليغير اتجاه القطار ولكن السائق ابى الانصياع الى نصيحته،، ولما تمادى في تمسكه برأيه اضطر ابراهيم عرب ايقاف القطار بيده والى خلع القضبان الحديدية (ومن ذاك الوكت ارتاحوا الطلبة ونجحوا كلهم)..
*يقول ابراهيم عرب خرجت في الليل البهيم اقضي حاجة مهمة فالتقيت بعشرين ذئبا يقدح الشر من عيونهم وكادت ان تقتلني لولا انني ضربت قائدهم بابريق كان بيدي فانهزم الباقون وفي الصباح وجدوا جثة الذئب الكبير..

لقاء أجراه: عبد الوهاب الشيخلي
مجلة الاسبوع / حزيران 1958

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

616 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع