حضارة وادي جم جمال

   

             حضارة وادي چم چمال

  

   

الطريق من السليمانية نحو كركوك أمامنا الأراضي السهلة المنبسطة وكلما اندفعنا باتجاه كركوك بدأت التلول والنتوءات تظهر ونصل إلى الأرض المرتفعة، حتى نصعد جبل طاسلوجة وهو اسم لقمة الجبل يبعد احدى وعشرين كيلو متر عن السليمانية، ويطلق بصورة عامة على القسم الشمالي من سلسلة (جبال برانان)، يقول البعض أن الاسم مشتق من (تازه لوجة) أي الأجاص الجديد إلا أن هذا الرأي ليس له تفسير يدعمه أي دليل مقنع، أما الأستاذ توفيق وهبي يقول:

الاسم (طاس) ب(طاش) التي تعني الحجر وهذا القول أقرب إلى الواقع. سحر الطبيعة قد يملك على العواطف ويقترب المشاهد نحو منعرجات الجبل والتواء الطريق من قمة الجبل باتجاه (تاينال) وهو اسم لنهر صغير ويعتبر أحد فروع نهر العظيم.

يقول البعض عن اسم (تانيال) أي المسكن الواحد وعلى هذا الأساس أن القرية عند انشائها كانت دارا واحدة ولحد الآن القرية عدد الدور قليلة والسبب أن القرية كانت موبوءة بالملاريا.
وادي تانيال نحو الجهة الشمالية يصل إلى الزاب الأسفل حيث ينزل ارتفاعه إلى خمسمائة وخمسة وعشرين متر. نصل إلى قرية في وادي (كاني شيتان) وهي قرية قريبة من مضيق دربند بازيان، وقد ذكرها أحد الرحالة أنها خربة اسمها (شه يتان بازار) على يسار المضيق بمسافة قليلة من التلول كانت تتألف من سلسلة من الغرف الصغيرة مع خربة اسمها (گه وره قه لا).
إلى عهد قريب كانت شهرة المنطقة مخيفة ترعب المسافرين عبر هذا الطريق، فكانت جبالها قاعدة متينة وحصينة، لعشيرة (الهماوند) التي اشتهر رجالها بالشجاعة والبطولة، وعدم اكتراثها الموت، وكانت تغور بشكل مفاجئ وتنهب وتسلب وتقتل من اعمالها اليومية، وكان رجالها يمارسونها بدون تعب أو كلل، أنها قريبة من الاساطير، ومن اخلاقهم عدم التعرض إلى النساء، وان كن يحملن الذهب والمجوهرات، وقد اشتهروا بنظافة ملابسهم.
ولهم حكايات كثيرة فمثلا، أبدوا الهماوند العون إلى امراء بابان، وقاتلوا الترك وبعد انقراض امارة بابان، ظلوا شوكة في جنب العثمانيين، وغير الهماوند ديارهم مرارا لعدد من السنين في كل فترة، فانتقلوا عبر الحدود إلى قصر شيرين في زهاو ليقلقوا راحة الإيرانيين، هذه الواقعة يثبتها وجود قلعة كبيرة في قصر شيرين التي مازالت تعرف باسم (قه لاى جوامير اغا)، وبسقوط (ظل السلطان) ثار (جوامير اغا) زعيمهم الذي سبق وأن عينه السلطان حاكم (زهاو)، لكنه اغتيل بعد بضعة اشهر وبهزيمة العشيرة هزيمة الوقتية فرت من ايران إلى بازيان، فأوقع بها الاتراك في كمين ونفوا نصفهم إلى (طرابلس في شمال افريقيا)، ونفوا النصف الاخر إلى (ادنه) في تركيا، لكن الهماوند استطاعوا العودة إلى ديارهم، ووصلوا بازيان بعد سبع سنوات من النفي، وتعد عودة الهماوند بزوجاتهم وأطفالهم من شمال افريقيا، من أروع الملاحم وأكبرها في تاريخ الكرد العشائري، والهماوند خططوا لمسيرة العودة تخطيطا فريدا، فمن أجل أن لا يكتشف الاتراك أمرهم استبدلوا ملابسهم القومية بالملابس العربية، وباعوا خيولهم واشتروا بأثمانها افراسا عربية أصيلة وهي التي يفضلها العرب ركوبها، وبكثير من العناء والصبر تمكنوا العودة إلى وطنهم الام.
على مسافة يقع (دربند بازيان)، أي بوابة بازيان، ويطلق عليه الاكراد البوابة الجرداء، نظرا لخلوها من الأشجار والمياه، وسمي في التاريخ الإسلامي (دربند خليفة)، وفي التاريخ العثماني (دربند إيمان شاه) وذلك لمرور السلطان سليمان القانوني، ويظهر انهم كانوا في الأيام القديمة يغلقون المضايق المهمة ولهذا بقيت كلمة دربند.
وقع في هذا المضيق عدة معارك، منها معركة (نادر شاه)، مع القائد الثماني (طوپال عثمان باشا)، وخلاصة هذه المعركة أن قوة عسكرية تركية، كانت متحصنة في المضيق فباغتهم (نادر شاه) صباح أحد الأيام، فأفناهم وقتل في هذه المعركة القائد التركي. كما جرت معركة بين (عبد الرحمن باشا بابان) والعثمانيين، وقد حصن عبد الرحمن باشا المضيق وبنى حائطا، ووضع خلفه أربع مدافع على ارتفاع عالي، وهكذا أصبح عبد الرحمن في مأزق بعد الالتفاف حوله بحيث أصبحت مدافعه في موضع عالي، فهدم الجدار (سليمان باشا) والي بغداد، وتقدم نحو السليمانية وهدم جمع الحصون.
وأهم معركة في العشرينات أن الشيخ (محمود الحفيد) قابل الحملة البريطانية وخسر المعركة وخاب أمله وانتهت المعركة بانهزام الشيخ ووقوعه في الاسر مجروحا، واضطر الشيخ الالتجاء إلى صخرة على يمين الطريق وهي صخرة تاريخية.
هذه الصخرة معروفة باسم (به رده قار ه مان) أي (صخرة البطل) وعند الصخرة اخفى الشيخ وجهه بكم ردائه، ولكن أحد اولاد العشائر الموالين لجيش الحملة البريطانية عرفه، وأخبر القائد عنه فأسره البريطانيون.
بعد عبور المضيق على الجهة اليسرى، نلاحظ مباشرة وجود اثار ويعتقد ان تعود لكنيسة، وكانت خورنة ثم تحولت الى دير للرهبان أو العكس. تم العثور في (قلعة بازيان) على دير ويحتضن في كنفه كنيسة تحاكي كنيسة المدائن التي تعتبر من أوائل ما شيد في العراق وتعد كنيسة بازيان غرب مدينة السليمانية والواقعة في سهل بين جبلين من الكنائس القديمة في العراق والمنطقة ، تعتبر كنيسة بازيان من الكنائس النسطورية القديمة في المشرق ويعود عمرها بين خمسمائة إلى ستمائة وخمسين عاما مما يدل على تواجد المسيحيين في أغلب مناطق العراق من مئات السنين، وتدل آثارها على أنها كانت كنيسة عامرة، وخاصة الأعمدة المنتشرة في أطرافها ، وتوجد لها بعض اللقط والآثار التابعة لها في متحف السليمانية وخاصة الأعمدة المبخرة التي تشتهر بها الكنائس المشرقية وبعض القطع التي يظهر الصليب عليها بوضوح فضلا عن بعض رسومات أو مخطوطات والدراسات مستمرة من قبل بعثة فرنسية لتحديد فترة تاريخها ومعرفة هل كانت ديرا أو كنيسة رعوية للمنطقة ، حيث يشير المختصون إلى أن الرهبان القدامى كانوا عموما يسكنون بعيدا عن السكان في الجبال أو السهول.ويعتقد ان الكنيسة كانت خورنة ثم تحولت الى دير للرهبان أو العكس. ويظهر فيها بوضوح معالم ريازة كنيسة المشرق من بيما عريض ومرتفع وشقاقونا وبيت الشهداء matyrion وبيت الشماس diakonikon ويحيط بالكنيسة الهيكل عدة قلايات غرف صغيرة لسكنى الرهبان.
هذه المنطقة و شهرزور كانتا تابعتان في السابق لرئاسة اسقفية بيث كرماي ومركزها كركوك.
اغجلر على اليمين هي ناحية صغيرة، وإحدى نواحي قضاء جمجمال وتقع على سبعين كيلو مترا عن مدينة السلمانية، ومن أهم القرى التابعة للقضاء، وتضم أكثر من اثنان وستون قرية حُكمت من قبل العثمانيين وسميت من قبلهم وتعني الغابة.
بين تلك التلال المنتشرة يبدو الخريف بأجمل حلله، في هذا فصل تتساقط أوراق الشجار وتتطاير في الفضاء الرحب كتطاير العبرات، والأوراق الصفراء مكدسة ومبعثرة ومن تحتها حشائش نمت في حياء والأشجار شبه
عارية، يشعر الانسان بعظمة الخالق عندما يشاهد جمال الطبيعة.
برودة الجو القارص تجعل الأهالي المنطقة أن يتخذوا من الطبيعة أن تحميهم، الأهالي يقطعون الأشجار، ليتقوا من زمهرير الشتاء، والناحية عبارة شارع يمر وسطها، وعدد من المحلات لا تتجاوز أصابع اليد والمنازل منتشرة، يوجد بعض الأبنية الحديثة، أي من الحجر والسمنت،
قضاء جمجمال يقع على منحدر عالي، اسم جمجمال يتكون من مقطعين الأول (جم – جه مال) ويعني الوادي او النهر او الغابة، والثاني (جمال) وهو اسم علم. ويقال أنها الفيض وهو المحل الذي تفيض في المياه فتكسب الارض خصوبة فتنشأ عن ذلك الاشجار والأدغال، وتستقر فيها عشيرة (هماوند) ، كانت في عهد السلاجقة تسمى سلطان اباد وعثر على قرية جرمو الأثرية بقرب من جمجمال والتي تعتبر أقدم قرية زراعية في العالم تعود تاريخ بنائها أو الحياة في هذه القرية إلى ما قبل 7000 سنة قبل الميلاد.
قرية جرمو تتألف من خمسة وعشرين بيتا بُنيت جدرانها من طين اللبن وسقوفها من الطين المجفف بالشمس، وأساساتها من الحجر، وسكنَ في هذه القرية ما يقارب مائة وخمسين شخصا وأغلب أغراضهم وعددهم مصنوعة من الحجر، كانت الزراعة والفلاحة تتم بالمناجل الحجرية، والقواطع، وأدوات أخرى للحصاد وخزن الغذاء، وجدت بعض الأدوات المصنوعة من العظام مثل الملاعق وأدوات التثقيب، زرع سكان قرية جرمو الحنطة بنوعيها لهم ولحيواناتهم، وكذلك زرعوا البازلاء والبذور ودَجَنُوا المواشي مثل عَنَزاتٌ وخِرافٌ، ووجدت أثار للخنازير، مما يدل على تدجين الخنازير، مع آثار للأواني الفخارية.
(هضبة بان مقان) ونحو اليسار مراعي الطبيعة حيث الأراضي الشاسعة التابعة لأملاك الدولة عامة، والتي ينبت فيها الكلأ تلقائياً من دون جهد بشري، هذه الاراضي غير صالحة للزراعة من الناحية الاقتصادية والمستدامة لقلة الأمطار فيها، ووعورة الأرض، وقد رتبت الأعراف والتقاليد حقوق رعي عليها للمجتمعات الرعوية، الطريق نحو ناحية سنكاو، على جانبي الطريق هذه الأراضي خضراء يكثر فيها صيد الغزلان والخنازير البرية المنتشرة بكثرة.
الصيادون لن يستعملوا بنادق الصيد، وإنما يستعملون الرشاشات الاعتيادية المتوفرة، لدى الأجهزة الأمنية والجيش لان معظم العوائل تملك السلاح. وكلما اندفعنا نحو الناحية تظهر لنا جبال صخرية عالية ذات رؤوس حادة، ومنحدرات وعرة أخاذة منعرجات صخرية، الناحية قرية جميلة وتظهر بساطة العيش وملامح غيّبها التمدن، أناس بسطاء، هواء نقي وبيوت متواضعة للكثيرين. ومناظرها التي تستولي على النفوس وتشرح الصدور، يوجد عدد من السادات الأجلاء ومن البيوتات العلوية الكريمة يسمونهم (الفلاكة)، جاءت تسميتهم نسبة إلى مسكنهم في قرية (فلاكه) وكلمة فلاكه في الكردية تعني قلعة، لأن القرية شيدت بجوار قلعة أثرية في ناحية سنكاو، هؤلاء السادة الأجلاء من ذرية الشيخ حسن (اللوتهري) ابن السيد عيسى ابن السيد بابا علي، توزعت أماكن هؤلاء السادة في مناطق كثيرة يتجاوز عددها ثلاثين قرية، ضمن محافظة السليمانية، وتركزت في قضاء جمجمال وكفري وخانقين، يرأسهم الشيخ حسين ابن الشيخ سعيد ابن الشيخ حسين ابن الشيخ عثمان. يوجد قلعة قديمة في القرية، وينبع نهر آق صو من مرتفعات سنكاو والمطيرة نسبيا، ويستمر جريان مياهه في الصيف أيضا ويدخل قضاء طوز خورماتو.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

637 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع