بغداديات / «شقاوات» بغداد.. تمردوا على النظام والقانون... ولكن!!

      

                                   إحدى المسرحيات العراقية

بغداديات / «شقاوات» بغداد.. تمردوا على النظام والقانون... ولكن!

      


                 بقلم/ محمد مجيد الدليمي

الاشقياء الذين ظهروا خلال العهد العثماني كثيرون منهم من قضى نحبه قتيلاً ومنهم من لاقى حتفه طريداً ومن الاسباب الاساسية التي ادت الى ظهور شقاوة بغداد تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والاضطهاد المستمر والقساوة التي كان يمارسها المحتل ضد ابناء شعبنا المظلوم ما دفع البعض الى شق عصا الطاعة والنظر الى الحكومة المحتلة بعين الازدراء والاحتقار

وكان الشقي احمد قرداش احد هؤلاء الذين تمردوا على النظام والقانون وقاموا في الوقت نفسه بحماية اهالي منطقتهم من الغرباء واللصوص.

                        

                                       المتحف البغدادي / شقاوة

ومن اجل معرفة هذا الشقي الجسور حدثنا الباحث التراثي الحاج محمد الخشالي صاحب مقهى الشابندر الذي عايش اولاد احمد قرداش كل من شهاب ومحمود عن اصل كلمة شقاوة بغداد وعن احمد قرداش واولاده قائلاً:
شقاوة بغداد كلمة اصطلاحية بغدادية مشتقة من قول الشاعر الكبير المتنبي:
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
واخو الجهالة بالشقاوة ينعم
فالبارز بقوته الجسيمة وحضوره المهيب في منطقة ما ويقوم بحماية اهالي منطقته فقد تحصل بين المحلات الشعبية في بغداد القديمة مشاجرات وعراك يبرز فيها اشخاص يكونون هم اسياد الموقف في القوة (المرجلة) فهؤلاء اكثر ما يكون مكسبهم من الجار لحمايتهم.

 

ففي منطقة باب المعظم التي كانت تضم محلات الحيدر خانة والطوب والفضل برزت عائلة احمد قرداش هذا الرجل من اهالي كركوك جاء الى بغداد وسكن فيها خلال عام 1870 وتزوج من امرأة بغدادية انجبت له ثلاثة اولاد هم شهاب ومحمود وعباس وقد عرف بشقاوته وجسارته وبمواقف انسانية ابية تتمثل في مساعدة الضعفاء والفقراء والمحتاجين والارامل والوقوف بوجه الغرباء والمعتدين الذين يرومون الاعتداء على اهالي منطقته ومن الحكايات الطريفة المعروفة عن هذا الشقي انه:

  

ذات يوم من ايام الصيف الحار سطا احمد قرداش وجماعته على دار احد التجار اليهود وكان الوقت ليلاً والتاجر اليهودي ينام وزوجته على سطح الدار فصعد احمد الى سطح الدار فوجد بالقرب من سرير نوم اليهودي سلة خوص تغطي قدرين صغيرين فيهما رز وبامية مطبوخة فاشتهى ان يأكل حتى شبع من ذلك الطعام ثم شرب الماء من الكوز (التنكة) الموضوعة على سياج السطح ...

بعدها نزل مسرعاً الى جماعته فوجدهم يجمعون المواد والاشياء التي يريدون اخذها فامرهم :

بترك كل شيء وارجاعه الى مكانه وقال لهم انني اكلت من هذه الدار وصار بيننا زاد وملح وهذا في شريعتنا وعرفنا حرام علينا ان لانمد يدنا على اي شيء يعود لهذا الدار لاننا صحيح شقاوات ولانهاب احداً الا اننا لاننسى مخافة الله اولا ثم الاصول والعادات النبيلة التي تربينا عليها واذا خالف احد منكم امري فانني سوف اقتله بهذا الخنجر!!!...

فاطاع جماعته امره وتركوا الاشياء والمواد وخرجوا من الدار.

          

                            المتحف البغدادي/ الزورخانة
ويضيف الحاج الخشالي:

اما عن اولاد احمد قرداش فالاول شهاب الذي كان من شقاوات بغداد في الاربعينيات فقد اعدم نتيجة قيامه بقتل احد عناصر الشرطة التي اصطدمت معه اما الثاني (محمود) فهو رجل رياضي بطل في لعبة رفع الاثقال حيث كان يمارسها في زورخانة الحيدر خانة مقابل مقهى حسن عجمي ومن صفات هذا الرجل الذي كان صديقي المقرب انه لايعتدي على الناس وكان خلوقا يحترم من يحترمه..

    

                            

                               المرحوم/صباح نوري السعيد

ففي احدى الليالي وفي ملهى بغداد تشاجر مع صباح ابن رئيس الوزراء نوري سعيد حيث قام الاخير بسبه وضربه وتبادلا اللكمات وكان صباح قوي البنية وعلى اثر ذلك تدخلت الشرطة واندفعت مفارزها لتلقي القبض على محمود قرداش وايداعه التوقيف وفي صباح اليوم التالي اخبر نوري سعيد بالموضوع فامر صباح ان يتنازل عن الشكوى واطلاق سراح محمود فوراً لان نوري سعيد بغدادي وينظر للامور بمنظار واسع ويعتبر صباح ومحمود على حد سواء من حيث التصرف والاخلاق بعدئذ اتهم محمود بجريمة قتل المدعو جبر ابو الباچة وهو بريء منها وحكم عليه بالسجن 20 سنة قضى ثلاث سنوات منها ثم اطلق سراحه بعد القاء القبض على المجرم الحقيقي بعدها عين سائقاً في مديرية اطفاء بغداد انذاك واستمر بالخدمة حتى احالته على التقاعد .

    

             نوري سعيد ونجله صباح وحفيديه فلاح وعصام في لندن

        
العبرة في هذا الموضوع ابراز قوة القيم والعادات الاجتماعية الايجابية السائدة في مجتمعنا العراقي انذاك فحتى الشقاوات الذين تمردوا على النظام والقانون كانت لهم ثوابت وقيم نبيلة لايمكنهم تجاوزها كاحترام الزاد والملح والجيرة ومناصرة المرأة التي يعتدى على شرفها ومساعدة الضعفاء والمحتاجين . . . هكذا كان مجتمعنا ايام زمان .

          

     

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

983 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع