"تشريب الباميا اكلة متميزة في الصيف عرفها الاقدمون ولا زالت عامرة حتى اليوم"

         

"تشريب الباميا اكلة متميزة في الصيف عرفها الاقدمون ولا زالت عامرة حتى اليوم"

    

   

        

يعتبر المطبخ العراقي، مثل الميراث العراقي، من اكثر المطابخ غنا وتنوعا في العالم، فحضارات السومريين الى الاشوريين مرورا ب البابليين، ثم الارامية المسيحية، والاسلامية العباسية ..، أظهرت بعض الدراسات الحفرية (الأركيولوجية) المستندة على نصوص واردة من رقم طينية، بأن أهل بابل كان لهم مئة نوع من الشوربة (الحساء) وثمانية عشر نوع من الأجبان، وثلاثمائة نوع من الخبز المصنوع من أنواع مختلفة من الدقيق، بنكهات وألوان وأشكال مختلفة، تتراوح بين شكل القلب حتى شكل ثدي المرأة، وربما يكون (الطابق) إحدى بقاياها الماكثة في الزمان والمكان، كل تلك المعطيات العلمية نشرتها جامعة (ييل) في الولايات المتحدة عام 1985، بالاستناد إلى مدونات مسمارية وردت باللغة الأكدية، تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد أي قرن أو دونه قبل عهد حمورابي، وقرن أو أكثر بعد زمن إبراهيم الخليل (ع). وقد ذهب الباحثون في الوهلة الأولى إلى كونها وصفات لأدوية وعقاقير طبية، لكن حدث أن دقق النظر بها العالم الفرنسي (جان بوتيرو)، حينما أكتشف أنها كتب ووصفات للطبخ، مثلما تسرد تفاصيلها في مطبوعات اليوم، كما ان بعض علماء الاثار العراقيين اكدوا ان اول كتاب للتعلم الطبخ وجد في محفورات وجدت بالقرب من بغداد.

             

العراقيين زرعوا الرز منذ عصور غابرة، وقبل الهنود والآسيويين، وكلمة (تمن) سومرية أو بابلية. والأهم في ذلك أنهم علموا العرب أكله، هذا ماجاء بشهادة ياقوت الحموي. فبعد استحسان العرب تمرها، وهو جماهر من جواهر، خافوا تمنها المخزون في العنابر، فظنوه سماً تركه لهم البصريون بعد إنكسارهم، وبعد تجريبه في الحصان الذي ازداد نشاطاً به فضلوه على حيسهم وثريدهم.
اذا فلمائدة العراقية لها تاريخ، فهي تجمع بين أكثر من صنف تعود لعصور بعيدة، فلم يترك التاريخ صغيرة أو كبيرة إلا ووضع بصماته عليها، فلم يقتصر على الأحداث والأماكن لتكون شواهد على عصور بائدة وحسب، فحتى المطبخ العراقي له تاريخ وأحداث تفصح عن أحداث مرحلة أو حقبة زمنية، فالعراق من البلدان المشهورة بالطعام والعراقيين شعب يحب التنوع في الاكل ومتفنن ومبتكر فى عمل الأكلات اسوة بحضاراته المتعاقبة، فالعراقيون من الشعوب التي تتمحور حياتهم حول الموائد، كما ان لهم خصوصية ومواسم لأكلات معينة، ومن الاكلات التي برع العراقيون باعدادها هي البامية "البانية".

        

من منا يستطيع مقاومة ثريد ومرقة البامية ورائحتها الزكية الفواحة؟ وكيف لو كان هذا الاكلة الطيبة والتي لها امتداد تاريخِ وعتقِ ثقافة حضارة وادي الرافدين وعصر الخلافة العباسية الآتي منها، حتى أصبحت غنية بقصصٍ ترافق مذاقاها ونكهتها التي تسيل بأريجها الشهي لعاب أفواهنا.
مرت البامية في حقبات زمنية كثيرة وتعرضت أشكالها للتغير ففي القرن الميلادي الأول أرتبط سمي هذا القرن أقتباساً من قرن البامية وقد كتب الأنسان باللغة المسمارية أول حروف الأبجدية " ب ا م ي ة "، في بلاد ما بين النّهرين القديمة، يطبخ الّلحم مع الخضار، ويضاف البصل، وأحيانا الثّوم، جنبا إلى جنب مع التوابل والأعشاب، مع اضافة إللية " شحم الخروف"، وكنا ومازلنا نطبخ الثّريد، وهو "المرق" مع كسر الخبز، ولعل العراقيّين وحدهم يطبخون هذه الوجبة يوميّاً، ولعل أكثر أنواع "المرق" شهرة وأصالة مرق البامية، فيقال انها كانت أشهى آكلات (نبوخذنصر وآشور بانيبال)، وكان البعض يفضل ان يعصر فوق مرق البامية ليمون حامض، ويذكر ان اول من قام بهذا الفعل هو طباخ نبوخذنصر عندما كان في رحلة الأسر البابلي الاول لمملكة أورشليم في الألف الثالث قبل الميلاد، وان (سرجون الاكدي) قتل خمسين الف فلاح في مملكته لأنهم لم يقطفوا البامية في أوانها ، وقطفوها عندما كبر حجمها وهذا مايؤثر على طعمها طبعا.

     

  كما ان بعض المصادر اشارت الى بدأ معرفة البامية فى العصر الإغريقى، والرومانى، وعند مرورهم الى مصر، وقاموا بزراعة البامية ووجدت صور منحوتة لها على معابد فرعونية، كما أن لها بعض النقوش على المعابد الفرعونية، عرفها اليونانيون باسم "باماكى"، وأطلق عليها أهل المغرب اسم الملوخية، ورغم أن نشأة الباميا كانت فى أفريقيا وآسيا وتحديداً الهند وبعض الدول منها دير الزور في سوريا والعراق، وذلك لإنباتها فى المناطق الحارة، إلا أن الغرب رفضها نظراً لوجود المادة المخاطية اللزجة بها مما جعلهم ينفرون منها، ولم يتم اعترافهم بها إلا فى العقود القليلة الماضية، عرفها أفارقة جنوب الصحراء في مالي والنيجر ونيجيريا، ويفضلوها أهل البلقان، ففي رومانيا ويوغسلافيا تعتبر من أرقى الأطعمة، و تقدم في المناسبات الخاصة، مخلوطة مع غيرها من الخضروات، وليس وحدها، عرفت في فرنسا باسم <<أصابع المرأة>> نظرًا لقوام الثمرة الممشوق، وعرفها اليونانيون باسم <<باماكى>>، وعرفها الاسبانيون <<كيبومبو>>، والهند <<بهيندي>>، فيما تعرف في الدول العربية بأسماء متعددة حيث يطلق عليها في تونس والجزائر اسم <<القناوية>> وفي المغرب تعرف ب<<الملوخية>>، وتعرف في مصر بـ<<البامية>> و<<الويكا>>.
في العهدالعباسي كانت بغداد، على الأرجح، أكبر تجمع حضري معروف في العالم، حيث بلغ المطبخ العراقي ذروته، ويعكس المطبخ العراقي هذا الميراث الغني، فقد كانت المدينة كذلك نموذج القرون الوسطى، ومن دون منازع، لمدينة زراعية، وهي مزيج حضري مع أراضٍ ريفية مشتركة يتم استقاء المواد الغذائية منها، ولهذا فأن العراق خلال العصر العباسي ينعم بما أسماه المؤرخون <<ثورة خضراء في القرون الوسطى>>. ويشمل ذلك تقديم ونشر عدد من محاصيل المواد الغذائية (والألياف)، وذلك بشكل رئيسي من الهند، وإلى العالم الإسلامي في المشرق، والأندلس. مثل العراق بوابة انتشار للغرب. ويمكن إيجاد بعض المحاصيل الغذائية في وصفات إبراهيم المهدي وخبراء الطهي الآخرين. لتشمل الباذنجان، السبانخ، البامية وقصب السكر، والأرز وغيرها، ومما يذكر في هذا السياق بان الطبقة العليا في بعض أزمنة العصر العباسي نفرت من البامية واعتبرتها طعاما غير مستحب، كونها أكلة العامة.
في العهد العثماني عام 1839 في زمن علي رضا باشا، والذي كان ذو فكر تجاري ويميل الى الزراعه، ومن خلال التبادل التجاري مع دول افريقا في الحبوب والبذور، وذلك لتشابه الأجواء وتوفر الارض الخصبة والجو الحار وخاصه جنوب العراق. جلب انواع عديده من الحبوب و البذور لمختلف المحاصيل الزراعيه الافريقيه لكن القليل منها نجح في الزراعه من البذور التي نجحت الباميا واستمر زراعتها، وتوسعت لتشمل أراضي واسعه من مناطق العراق، وهنالك انواع من الباميا في العراق البتره، الحسناويه.

        


حافظت أكلة البامية على طقوسها وطرق إعدادها الفخمة بما تحويه من مواد أولية تمتاز بارتفاع أسعارها، وموسم طبخها، وطريقة تقديمها، وصفت بأكلة الأغنياء والميسورين وعامة الشعب في عصرنا الحالي، فهي سيدة المائدة كونها المادة الرئيسية بين جميع الأطباق، وهي المعيار الذي يستند له الآخرون للحكم على شطارة ربة المنزل في الطبخ، فيقال إن من تعرف طبخ البامية هي "ست بيت" بامتياز..

       

لا يُنافس القيّمر في ( الريّوگ)، واذا كان الكباب سيد المشويات، فالبامية "البانية" هي سيدة المرق، وما احلى ثريد الباميا البائتة.
يعـد تشريب البامية في العراق، أكثر الأكلات شعبية، هذه الاكلة اللذيذة في مذاقها ورائحتها النفاذة الطيبة، يأكلها الاغنياء والفقراء بما فيهم رجال السياسة والتجار واصحاب المزارع، اغلب العوائل في العراق وبنسبة تقارب 95% يأكل البامية بطريقة العشق لها و ليس فقط لسد الجوع.

               


اتذكر منذ ثلاثين سنة تقريبا .. كانت البامية كانت بأول نزولها هي اغلى شيئ بسوق الخضار و اغلى حتى من الفواكه، ومع ذلك تجد بعض الاغنياء والميسورين والعشاق يشترونها ومهما كان ثمنها.
يتفنن العراقيون بها و يهيئون لها اجواءها الخاصة، ويفضلها البعض بالثوم ولحم الغنم الهرفي المشحوم.. ويتميزون بحبهم لمنطقة الأضلاع حصرا، وهناك من يحب أكل تشريب البامية مع العصاعيص او الزنود، إذ يمكنهم التمتع بامتصاص العظام بعـد تجريدها من كل ما تحمله من لحوم وشحوم طرية، بعض من اهالي المنطقة الغربية يضعون فوق ثريد البامية، كما ان البعض يرغب التشريب مع الخبز البايت..

          

 على الاغلب تؤكل البامية ثريدا في صحن مدور الشكل، وبجانبها صحن الرز العنبر المطبوخ بالدهن الحر، ويتفق الجميع على وجود البصل الأبيض من الحجم الكبير، إضافة للفجل، و(دولكة) اللبن مع قطعة ثلج مناسبة، ويجمع أغلب عشاق تشريب البامية من العراقيين على أن هناك طقوس معينة يجب أن ترافق هذه الأكلة، ومنها ارتداء (دشداشة) عريضة، والجلوس مباشرة على (الأرض – الكاشي) أو الحصيرة، على هواء المبردة...، وهناك من يعشق النوم بعد الانتهاء من تناول طبق “ثريد” الباميا مباشرة !، ويطبق المثل القائل (تغدى وتمدى).

      

كانت اغلب العوائل قبل عصر الثلاجات والمجمدات تلظم البامية بغية طبخها في الشتاء، حيث يبدأ النسوة في السابق بازالة جزء من كمع البامية و تزريرها و لظمها بالابرة و الخيط، و الخيوط هي خيوطا لملاحف، ويصنعون منها قلائد و يعلقونها على حيطان المطبخ او السقيفة من اجل تنشيفها لتصبح مونة غذائية للشتاء القاسي و تسمى بامية تيبيس يصنعون منها كميات تكفيهم طيلة فترة الشتاء و البامية التيبيس غالبا ما تكون من البامية ذات الحبات الصغيرة.
ان عموم العراقيين القدامى و المعاصرين يعشقون البامية عندما تبات لثاني يوم
فالمرقة بعد ان تبات .. تتخمر علميا بمعنى انها تصبح اسمك و اطيب و يقولون عليها باللهجة البغدادية "البامية البايتة طيبة" و يعشقونها اهل بغداد حصرا في وجبة الافطار الصباحي بدون اي تسخين فقط صحن البامية و رغيف الخبز و الخاشوقة او بالاصابع الخمسة.
كتب المعمار العراقي رفعت الجادرجي يوما عن اكلة البامية، و تعرض إلى تقليد تناولها شعبيا، بما يمكن أن يدعى بـ(فلسفة الباميه) في كتابه (حوار في بنيوية الفن والعمارة) بفصل (الظواهر الطبيعية والاجتماعية) بان ظاهرة اكلة البامية اكتسبت مقومات تخص هوية الفرد يتم التعامل معها بموجب سلوكية مقننة وحسب معرفة وعرف محدد لذا فانها بالنسبة للفرد ظاهرة ذات سمة اجتماعية معينة، فالعراقي هويته الذاتية في هذا المجال.ومن هنا يمكن ان نحدد الشكل البنيوي للبامية، فالشكل يصور المظهر الخارجي لصيغ وتقاليد اكل البامية وهذه حصيلة التفاعل البنيوي المتبادل بين قطبين هما مادة البامية وتقنية طبخها كقطب والبامية كغذاء يشتهى ويتاق اليه كمطلب اجتماعي في القطب الاخر وذلك عن طريق الفرد المنتج اي الطباخ وظروف انتاجه ومزاجه ومهارته والذي يؤلف القطب الثالث في هذه العملية الاجتماعية معاً والمتلقي المتناول للوجبة، وهكذا يتألف التفاعل الحقيقي فرديا او اجتماعيا من قوة وطاقة ومكنة ومعرفة طبيعية وبايولوجية وقلطرية تتسم بشكل يتوافق مع تصور المصنع والمتلقي تخضع جميع الظواهر الاجتماعية التي تستهدف الانتاج باعتقادي الى تفاعل جدي يخص بنية الظاهرة ويكمن وراء هذا التفاعل ثلاثة مقررات مؤلفة من ثلاثة اقطاب تكون حصيلة تفاعلها تغير مادة معينة من حالة فيزيوكيميائية الى اخرى بهدف اشباع مطلب اجتماعي معين سيان ان خصت هذه الظاهرة الغذاء او الملبس او المأوى او اللهو اوالعبادة او غيرها من الفعاليات والمتطلبات الاجتماعية والفردية.

                                 


اشتهرالباشا نوري السعيد بعشق الاكلات البغدادية الأصيلة، كانت اعز اوقاته، عندما يلبس الدشداشة ويجلس على مائدة الطعام وياكل بيده دون شوكه وسكين، لذا كان يضيق ذرعا بالمراسيم الرسمية وتعقيدات البروتوكول، وكانت اطيب الاكلات الى نفسه الباجة والبامية والتشريب وشيخ محشي والتمن والدولمة والسمك المسكوف، وكان يعرف ما تمتاز به بيوت أصدقائه وخصومه السياسيين، مِن أكلات بغدادية، لذا كان لا يتردد أحياناً عن أخبارهم بقدومه لتناول الغداء عندهم، كما كان يُحِب تناول الخبز العراقي حاراً مِن تنور أحد جيرانه البُسطاء، كما انه كان يحب اكل البامية وهي بايتة لانها تكون مختمرة، يروي سائق نوري السعيد هذه الطرفة قائلاً:

ذات يوم بينما كنا انا والباشا نوري السعيد لدى "ابن كنو صاحب البقاله المشهور في بغداد"، حيث قال الباشا لابن كنو اوزن لي كيلو باميا وكانت الباميا لازالت حديثة النزول للسوق وكان هناك رجل واقف بالقرب منا فلما رأنا قال انه يوم القوادين فلا احد غيرهم يشتري الباميا في هذا الوقت! لكون الباميا غاليه ثمنها، وحين سمع الباشا قول الرجل قال لابن كنو اوزن كيلو باميا للرجل لنصبح انا وهو من القوادين!!، يقول المرحوم العقيد الركن فاضل احمد عبد العزاوي سكرتير الباشا نوري السعيد:

وجدت الباشا يرتدي بجاما وجالس على الزولية وامامه صينية وفي الصينية ماعون كبير فيه طعام فقال لي اتفضل فاضل خوش ثريد بامية يقول المرحوم فاضل العزاوي جلست معه وتناولنا ثريد الباميا وكانت هذه اخر وجبة عشاء يتناولها بهدوء وفي صباح اليوم التالي حدثت الثورة وهرب نوري السعيد ولم ينفذ الاتحاد الهاشمي بسبب قيام الثورة وقتل نوري السعيد.

       


من اشهر المطاعم التي كانت تقدم الاكلات البغدادية مطعم (الحاج أبو حقي) بملابسه البغدادية المكونة من بدلة الدميري وقد أحاط خصره بـ (الباشتمال) وعلت رأسه طاقية إشتهر بها، ومطعمه العتيد الذي يقدم (تبسي الباذنجان) و(الباميا المطبوخة بلحم الدوش الدهين) و(تشريب الطماطم) و(القوزي على التمن) وورز العنبر بالدهن الحر، وغيرها من الأكلات البغدادية التي تأبى إلا أن تبقى محفورة في ذاكرة عشاق بغداد القديم.
هناك مثل عراقي بامتاز الاوهو: "نهجم بيت الباميا شكد تنفخ"، يضرب في ذم التكبر، دائما يصفون الانسان المتكبر المتعالي الذي ينظر الى بقية الناس أنهم دون مستواه أو أقل منه شأنا بانه فرد واحد شايف نفسه..أي أنه معجب بنفسه أشد الاعجاب لدرجة جعلت منه ينظر الى الاخرين نظرة تعال واحتقار وهو بالأساس فارغ ولا يساوي شيء، كما أنهم قولون عنه ايظا انه نافخ روحه..أي أنه أظاف صفة التميز على نفسه من الاخرين بالرغم من وجود من هو أفظل منه في ما بينه، ولان الأكل الذي تدخل مادة الباميا في مكوناته تجعل بطن من يتناولها تنشأ فيها الغازات بعد الهظم فتظهر وكأن صاحبها قد تم نفخ بطنه بمنفاخ، كذلك ينطبق المثل الشعبي البغدادي " على اللسان بلابل، وبالمعدة قنابل" كونها تنتج الريح، إذ أن (البامية) تتسبب في احتباس كمية كبيرة من الغازات داخل منطقة الأمعاء الغليظة... ولذلك ظهرت الأمثال البغدادية القديمة الجديدة، ، فالربط بين من ينفخ نفسه تكبرا وهو لا يساوي شيئا وبين ما تنفخه أكلة الباميا الشعبية المحببة لقلوب الكثيرين، فهو كمن قال "اياك أعني واسمعي يا جارة" فهو يقول كلامه بصورة عابرة ولكنه في ما بينه وبين نفسه يقصد به شخصا محددا، وقال بعض الذواقة: "ان البانيا اطيبها ماقصر طوله وتناسق بدنه".

                          

رغم أن معظم الناس يتناولون البامية إلا أن كثيرين لا يعرفون الفوائد العظيمة لهذا النوع من الخضروات الموسمية والتي تتوافر بشكل كبير في فصل الصيف، حيث تمتاز بأنها ملينة للمعدة وتحارب الإمساك في الغالب، فعلى الرغم من انخفاض نسبة السعرات الحرارية فيها، إلا أنها غنية بالكالسيوم والبروتينات والكربوهيدات والألياف والمغنيزيوم، كما تحتوي على نسبة جيدة من فيتامينات سي وكي وأي ويمكن أن تعزز نظام المناعة، فهي تساعد على الحد من أعراض الربو والوقاية من السكري وتخفيف الإمساك، كما تساعد أولئك الذين يعانون من الإرهاق والاكتئاب النفسي، فقد اجريت دراسة على مجموعة من المجانين في مستشفى الشماعية في بغداد قدمت لهم (صواني) ثريد البامية، فبان عليهم التحسّن بعد الاكل مباشرة ، كما انها تساعد على علاج مشاكل البشرة ومنع ظهور البثور، كما تلعب دوراً في تجديد الشعر.
يولع المجتمع العراقي بشكل عام بتناول البامية كغذاء ويشتهيها أينما حل فهذه الاكلة الدسمة والطيبة، أصبحت من رموز الفكاهة والدعابة عند العراقيين، فعندما يكون أحد أبنائهم في الغربة، ويتصل يسأل عن أهله وأحوالهم وفي نهاية كلامه يسأل، اشلون الباميا هذه السنة والله متلهفين لتذوقها، والله يا أمي مشتهين نأكلها من ايدك الحلوة.
عند اول طبخة للبامية، فان اكثر العوائل تتسائل من رأى حلم اكلة البامية، وفيها يبدأ شرح تفسير حلم البامية وكأنها اسطوانة مكررة للتفسير وهي متداولة عن الاجداد والتي تدل على : سهولة الرزق و على الحمل والذريه للبنات لان اسم بامية مؤنت، و على الخير والحياة الطيبة والمال والرزق وتيسير الامور والفرج لمن فى ضيق وهموم.
تبقى هذه الأكلة الدسمة والطيبة مستديمة وباقية وجامعة، لم ولن ننساها او نستغني عنها حتى في غربتنا، فتشريب البامية هي من الأكلات التي يتوجب المحافظة عليها وإدخالها حتى في مفردات التراث العراقي والعربي، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع