القضية العراقية

بسام شكري

القضية العراقية

"اعتُبرت هذه المقالة وثيقة سياسية عامة لذلك يحق لاي جهة او فرد عراقي اعتمادها كمنهج دون الرجوع الى كاتبها"

ان حل القضية العراقية بعد عشرين عاما من نظام طائفي بدستور دولة دينية قامت بنهب ثروات العراق وتدميره وقتل وتشريد ما يزيد على تسعة ملايين عراقي هي ابسط بكثير من حل القضية الفلسطينية التي ماتزال مستمرة منذ خمسة وسبعين عاما وأعطت ضحايا بشرية ومادية اقل بكثير من القضية العراقية وذلك لان القوى المؤثرة والاعبين الرئيسيين وأسباب القضيتين والقوى الداعمة او المعادية مختلفين كليا في كلا القضيتين ولحل القضية العراقية على العراقيين تفكيك المشهد بكل اجزائه مثل لعبة الميكانو لفهم النظام الطائفي القائم الان والمرتبط باتفاقيات واحتلال امريكي إيراني , فأمريكا القوة الأكبر على الأرض بقواعدها العسكرية وبشركاتها التي تسيطر على البترول والمسيطرة على العقول من خلال شركات العلاقات العامة التي توجه رؤساء الميليشيات الحاكمة وامريكا هذه دولة عظمى تتعامل وتتعاون وترضخ الى الأقوى وامريكا لم تأتي عبر المحيطات لاحتلال العراق طمعا ً فيه وانما لان العراق كان لعبة تحركها أمريكا من خلال الجيش العراقي الذي حكم العراق بعد انتهاء النظام الملكي وان تلك اللعبة ( العراق ) قد خرجت عن طوع أمريكا لذلك وجب تأديبها واذا ما وجدت أمريكا قوة عراقية على الأرض واعية مستقلة فأنها سوف تتعامل معها باحترام ان أمريكا تريد تبديد ثروات العراق لكي يكون اضعف فهي لذلك تشجع على الفساد ونهب الأموال واستمرار توقف المصانع عن العمل, لكن من جانب اخر لأمريكا خطوط حمراء فقد استخدمت أبو مهدي المهندس مثلا في تنفيذ مخططاتها على الأرض في العراق وسوريا ولبنان في قتل وتهجير الملايين وعندما انتهت مهمته واصبح وجهه كالحا تم تصفيته وعندما قامت ايران خلال الفترة القريبة الماضية بعمل جسر جوي لنقل الأسلحة والمرتزقة بطريق طهران بغداد دمشق بيروت صنعاء بواسطة طيران فلاي بغداد مثلا قامت أمريكا قبل أيام بمنع فلاي بغداد من الطيران ومن هنا فهمنا ان خطوط أمريكا الحمراء فهي تقتل العراقيين وتشردهم وتنهب ثرواتهم لكن ان يقوم العراقيين بنقل أسلحة بواسطة فلاي بغداد تؤثر على مصالح وامن أمريكا ( إسرائيل) فهذا خط احمر, اذن اعمل ما تشاء في العراق لكن لا تتعدى خطوط أمريكا الحمراء .
إيران القوة الثانية على الأرض فهي قد اوغلت في الطائفية وميليشياتها اوهن من خيوط العنكبوت وقد أصبحت مكروهة في العراق وبإشارة واحدة من أمريكا سوف تغادر إيران العراق ولن تحمي ميليشياتها فقد انتهت المقاولة بانتهاء مدة تنفيذ العقد مع امريكا.
الميليشيات (الأحزاب الطائفية) هي القوة الثالثة التي تمسك الأرض وهي الأداة التنفيذية لتدمير العراق ونهب ثرواته وتدمير موارده الطبيعية وطريقة مكافحة تلك العصابات هي نفس طريقة مكافحة عصابات المافيا والذي يريد تنظيف العراق منهم عليه ان يدرس أساليب المافيا وطرق مكافحتها وأساليب تأجيج الصراعات فيما بينها من اجل اضعافها و طريقة المكافحة تلك مثل طريقة عمل الكيك فبدلا من وضع الفانيلا مثلا يمكنك وضع الهيل في الكيك والاثنين مجرد تغيير بسيط لتغيير النكهة فبدلا من ان تكون المافيا في أمريكا او إيطاليا فان تلك المافيا في العراق , فالميليشيات تمسك الأرض بقوة السلاح وتقتل من يقف في مواجهتها وتتاجر بكل شيء تسرق الدولة وتأخذ الرشاوى وتتاجر بالمخدرات والأسلحة والبشر والدعارة وكل قائد مافيا لديه مجموعة مسلحة ترافقه حيثما تحرك وتوفر له الحماية في مكتبه وبيته وتفرض طوقا عسكريا حول بيت ومكتبه لحمايته وهذا يشمل الوزراء وأعضاء مجلس النواب ورجال الدين والمرجعيات الدينية ورؤساء المحاكم وغيرهم من المسعورين , وقد يستغرب غير العراقيين من ان رجال الدين لديهم ميليشيات تحميهم في بيوتهم ومكاتبهم وتحركاتهم لكن هذا هو الواقع في العراق لان هؤلاء الأشخاص ليسوا رجال دين وانما رجال مافيا , الان وقد انكشف كل الأوراق وتبين ان المرجع الديني في النجف متوفي منذ سنوات وابنه من يمثل دوره ولو كان حي فعليا ويتحكم بثروات العراق الهائلة لماذا لا يخرج الى الناس ويلقي خطاب ليسمعوا صوته مثلا؟ ان الميليشيات تمسكت بالمرحوم السيستاني على انه ما يزال حي لأنهم يستمدون شرعيتهم منه ولو اعلن وفاته فلن يضمن احد من خلال صراع المافيات على المنصب من سيكون المرجع الجديد والان تشكيل الوزارة تتم بموافقته وتعيين الوزراء والسفراء ومدراء الدوائر الكبرى هو من يزكيهم لذلك فحلقة مافيا رجال الدين هي بؤرة المافيا وتتفرع منها بؤرة مافيا الأحزاب وبعدها بؤرة مجلس النواب الأداة التنفيذية للمافيات.
ما هو نوع الدولة التي يفكر فيها العراقيين اليوم؟
ان الشعوب تعرف ما تريد وتستنبط مطالبها من تاريخها وفي العراق وصل الرأي العام الى قناعة بان الدولة المدنية هي الحل وذلك من خلال مراجعة تاريخ العراق منذ ان سيطر الجيش العراقي على نظام الحكم في انقلاب 1958 لغاية الغزو الأمريكي سنة 2003 والذي استبدل الامريكان الجيش العراقي بميليشيات عسكرية لقمع المجتمع ولا تحتاج الميليشيات تلفيق تهم لقتل المواطنين واسكاتهم كما كان يحدث خلال الحكم العسكري العراقي الذي دام 45 سنة منذ نهاية النظام الملكي واليوم يتم تصفية أي عراقي في الشارع وامام اعين رجال الامن , ان عسكرة المجتمع هي جريمة دولية تؤدي الى استعمال القوة العسكرية مع مجتمع مدني اعزل من السلاح , وقد لاحظنا ان كل من شارك في الانتخابات العراقية الأخيرة قد رفع شعار الدولة المدنية وكل المشاركين هم ميليشيات مسلحة وتلك الميليشيات تعرف ان الرأي العام يريد دولة مدنية لحل مشكلته ولكي تفوز تلك الميليشيات رفعت شعار الدولة المدنية , اذن الرأي العام العراقي يعرف ما يريد والميليشيات تعرف ذلك.
الدولة المدنية تعني منع تشكيل أي حزب سياسي على أساس ديني او قومي او ذو عقيدة مستوردة , فالعراقيين لا يريدون اليوم الأفكار اليسارية واليمينية والقومية فقد ولى زمن الماركسية اللينينية والحركات القومية العربية وانهار الاتحاد السوفييتي والدول السائرة في ركابه واثبت نظام جمال عبد الناصر وغيره من الأنظمة بانها تسبب في كوارث كبيرة قتل وجرح وتشرد خلال حكمها ملايين البشر وفقد العرب عشرات الاف الكيلومترات من الأراضي وتم تبديد المليارات من الثروات والموارد , العراقي اليوم يريد عقيدة تتماشى مع مطالبيه , وعقيدة وايديولوجية العراقي اليوم هي توفير الماء الصالح للشرب في شبكات المياه التي تصل الى المنازل وعقيدة توفير الكهرباء لإيصالها الى المنازل ولتشغيل أربعة الاف وستمئة وعشرين مصنعا تم ايقافها في العراق بعد 2003 لمنع الصناعة الوطنية وسرقة الأموال العراقية بواسطة استيراد المنتجات الإيرانية والتركية وغيرها وعقيدة العراقي انتخابات برلمانية للأحزاب المدنية بديمقراطية بعيدا عن سلاح الميليشيات وعقيدة العراقي انتخاب رئيس الوزراء والوزراء بعيدا عن المحاصصة وتكون الكفاءة هي معيار الحصول على الوظيفة وليس الانتماء الى دين او قومية او مذهب معين, عقيدة العراقي ان ترجع عملته النقدية قوية ويكون لديه عملة معدنية وتلفونات أرضية فقد انتهت الحاجة للتجسس على العراقيين بواسطة شركات الموبايل والعراقي يريد ان يكون السلاح بيد الدولة والقانون تطبقه الدولة ولا يريد قانون الميليشيات او قانون العشائر. ان الميليشيات التي اخذت شرعيتها من المرجعية الدينية وضعت خط احمر لاي تنمية اقتصادية او تربوية وسمحت فقط ببناء المطاعم والمولات والملاهي والبارات وصالات القمار لأنها أسلوب سهل لاستنزاف أموال الناس.
ولكي نطبق الدولة المدنية علينا ان نفهم الدولة القائمة الان لنتمكن من ازالتها، وباختصار شديد علينا فهم مرحلة ما بعد 1958 وكيف سيطر الجيش العراقي على النظام السياسي وكيف توالدت الأنظمة المتعاقبة في العراق حتى وصلنا الى النظام الحالي؟ على العراقيين ان يعترفوا بالأخطاء التي مرت في تاريخهم منذ سقوط الملكية وإلغاء النظام البرلماني لغاية الان وان يتصالحوا مع أنفسهم وان يستفيدوا من تجربتهم الغنية.
لقد شوهت الميليشيات النظام البرلماني المعروف عالميا بهدف اجبار العراقيين على العودة الى النظام الرئاسي الدكتاتوري فساحة عمل أعضاء البرلمان كما هو معروف عالميا تحت قبة البرلمان فقط وممنوع عليهم التدخل في شؤون الدولة لأنهم الجانب التشريعي والرقابي وليس الجانب التنفيذي للحكم، لكن في العراق أعضاء البرلمان يشاركون في عمليات النهب وتوقيع العقود واخذ الرشاوى، والفائز بالانتخابات هو من يشكل الحكومة كما هو معروف ومنطقي لكن في العراق الذي يشكل الحكومة هو الخاسر بالانتخابات وبالمختصر فان أي شخص لديه سلطة او سلاح في العراق يريد ان ينهب .
لقد اعتمدت الميليشيات في توجيه الاعلام على شركات علاقات عامة أمريكية وكانت الفضيحة الأخيرة التي أطاحت برئيس البرلمان محمد الحلبوسي والذي اعترف بان كل الأحزاب الميليشياوية في العراق لديها اتفاقيات مع شركات علاقات عامة أمريكية إسرائيلية وليس هو وحده فكانت تلك الفضيحة القشة التي قصمت ظهر البعير وفضحت الجميع , فقد اعتاد العراقيين على اخذ ابر تخدير بين فترة وأخرى من اجل استمرار السيطرة عليهم ونهب ثرواتهم وتدميرهم واخر تلك الابر ابره فائق الشيخ علي الذي قال في الربع الأخير من السنة الماضية ان بداية سنة 2024 سوف تشهد انزال قوات أمريكية لإنقاذ العراق وطرد الميليشيات وها نحن الان في سنة 2024 ولم يحصل شيء ولن يحصل شيء وتلك الابرة المخدرة قد اخذها العراقيين اكثر من أربعين مرة أي كل ستة اشهر يظهر شخص يقول الفرج قادم وامريكا سوف تنقذكم وهذا يعني ابقوا في الانتظار.

ما هو الحل؟
برأيي المتواضع هو وضع العراق تحت الوصاية الدولية لمدة ثلاث سنوات انتقالية وحظر كل الأحزاب الدينية والقومية القائمة ومحاكمة أعضائها عن جرائم القتل ونهب المال العام وفصل الدين عن الدولة وإلغاء الدستور والافراج عن المسجونين بدون محاكمة او بتهم المخبر السري والسماح بتأسيس أحزاب مدنية تشترك في انتخابات برلمانية يتم تنظيمها في النصف الأخير من السنة الثالثة للوصاية الدولية وتقوم الأحزاب المنتخبة بكتابة دستور جديد , الوصاية الدولية يجب عليها إلغاء كافة الميليشيات وإلغاء الجيش والأجهزة الأمنية وإدخال قوات دولية عربية لحفظ الامن ومنع حمل الأسلحة من قبل المدنيين وتشكيل جيش وطني وشرطة وقوى امنية على أسس الكفاءة وتجريم كل من يحاول ان يعيد او يمدح او يروج للنظام الديني الميليشياوي الحالي سواء بالأقوال او الأفعال او الأفكار ومصادرة كافة الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل الأحزاب والبرلمانيين والميليشيات والوزراء وإعادة الأموال المنهوبة من خارج العراق تكون إدارة العراق من قبل كل من سويسرا وألمانيا واليابان بإدارة وزارات المالية والصناعة والزراعة والري والتجارة والتخطيط والمواصلات والصحة وقيام ثلاث دول عربي ترشحها الجامعة العربية بإدارة الجيش والشرطة و التربية والتعليم والسياحة والقضاء والاعلام والتجارة .
أمريكا وحلف الناتو قد تركوا أفغانستان بعد عشرين عاما من الاحتلال تحت ذريعة محاربة حركة طالبان الإرهابية وفي النهاية قاموا بتسليم أفغانستان الى طالبان وهربوا من أفغانستان وامريكا وإيران لن يتركوا احدا في العراق لإدارة شؤونه لان كل النظام السياسي الحالي فاسد وليس هناك قوى يمكنها إدارة الدولة في العراق, وتأثير العراق على اغنى منابع البترول في العالم وهو الخليج العربي سوف يصبح سيئا جدا وسوف تنتقل الى دول الخليج المافيات والجرائم كما حصل قبل أسبوعين من عمليات اغتيالات بين المافيات العراقية والسويدية في بغداد.
كيف نتمكن من اجبار الاحتلال الأمريكي على تلك الخطة؟
البداية من الان وقبل انتظار مساعدة أي دولة يجب تشكيل أحزاب مدنية عقيدتها توفير الخدمات للشعب ومنع الفساد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم السماح للأخرين بالتدخل في الشؤون العراقيين ورفع شعار العراق أولا وأخيرا هو بداية الحل وان تشكيل تلك الأحزاب او التجمعات او الجمعيات او المنتديات مهما كانت تسميتها لا تتطلب الحصول على رخصة من نظام المافيات الحالي فلو تجمع خمسة أصدقاء في بيت واتفقوا على توفير الخدمات ومنع الفساد وتحرير العراق فلن يتمكن احد من منعهم لان الميليشيات مشغولة في ابراجها العاجية وملايينهم وصراعاتهم فيما بينهم ومع مرور الأيام تكبر تلك التجمعات وتصبح أحزاب سياسية تكون جاهزة لاستلام زمام الامور.
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

541 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع