الكويت والعراق.. والتمادي في استفزاز شعب ووطن.. نصيحة محب لشعب الكويت.. العراق باق والفاسدون زائلون

 د. سعد ناجي جواد*

الكويت والعراق.. والتمادي في استفزاز شعب ووطن.. نصيحة محب لشعب الكويت.. العراق باق والفاسدون زائلون

هناك تواريخ اعتبرها مفصلية في حياتي شعرت أثناءها بمرارة ممزوجة بقلق كبير وخوف اكبر مما هو قادم، وهي لا تتعلق بامور شخصية، وإنما بأحداث كنت واثقا بانها ستفتح الباب لكوارث قادمة. من بين هذه الاحداث، بل واهمها واخطرها هي لحظة اجتياح الكويت. لقد تملكني شعور طاغ بان هذا الحدث سيقود الى كارثة كبيرة ليس فقط للعراق والكويت بل للمنطقة بكاملها. كنت، وقلة تشاركني الرأي، نمني النفس بان تنجح الجهود السعودية في تلافي كارثة قادمة، وتصورنا ان موافقة الكويت على دفع تعويضات للعراق، مع ابداء الاستعداد لارضاء مطلب العراق بالحصول على تسهيلات بحرية وملاحية في جزيرتي وربه وبوبيان، سيدفع البلاء، الا ان كل تمنياتنا تبخرت عندما سمعنا بقيام قوات الحرس الجمهوري بدخول الكويت واحتلالها.

الى جانب شعوري بالخوف مما هو قادم انتابتني نوبات حزن وألم نفسي شديدين على ماكان يتعرض له اخوتنا ابناء الكويت الآمنين في بلدهم، من سوء معاملة وصلت الى حد القتل العشوائي المتعمد وأخذ رهائن مدنيين الى بغداد وسرقة اموال رسمية وغير رسمي. (بالمناسبة ذكرني ما جرى في الكويت انذاك بموقف اخوة كويتيين اعزاء كانوا في نقاشاتنا وعندما يسمعوا منا نقدا لنظام البعث يثورون علينا وبعضهم قطع علاقاته بنا). واذكر اني وآخرين من زملائي رفضنا الالتحاق بجامعة الكويت على الرغم من التهديدات المبطنة التي كان يطلقها من كلفوا بإدارة الكليات الكويتية المختلفة من العراقيين، وذلك بسبب رفض الأخوة الكويتيين الالتحاق بوظائفهم، (وهذا موقف وطني كبير يسجل لكل ابناء الكويت وبعكس الكم غير القليل من العراقيين الذين تهافتوا على التعاون مع الاحتلال). وظللنا نحن اصحاب هذا الموقف نتحدث مع مسؤولين كبار وفيما بيننا، وكلما كان ذلك ممكنا، عن ضرورة الانسحاب من الكويت، على الرغم من صدور قرار عراقي كان يقضي بإعدام كل من يطالب بذلك. ولم نقبل ابدا بالتصريحات التي طرحت لتبرير اجتياح الكويت، والتي كانت تقول بان الكويت كانت تلعب دور (القاعدة المتقدمة للتآمر على العراق) بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، على الرغم من صحة بعض الشكاوى العراقية، واعتبرنا ان الكويت (اُجبِرت) على فعل ذلك من قبل التحالف الثلاثي السيء (الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل)، الذي كان يخطط لتدمير العراق بعد خروجه بقوة عسكرية هائلة من الحرب مع ايران. والأكثر من ذلك فلقد اعتبرنا ان ما جرى لنا اثناء الحرب المدمرة التي اُطلِقَ عليها (حرب تحرير الكويت 1991) عقوبة إلهية على ما فعلناه بالكويت خلال ستة اشهر من الاحتلال.
ولكن وبعد ان تم تحقيق الانسحاب ظهر لنا، وبأسف ومرارة شديدة، ان مقدار الحقد والكراهية التي كانت بعض الاطراف الكويتية تحملها، ولا تزال، على العراق وشعبه تفوق ما هو متصور. فطيلة سنين الحصار الظالمة والقاتلة كانت حكومات الكويت تصر على استمراره، وتدفع المليارات لكي تُسكِت اي صوت يطالب برفع الحصار او إنهاءه، وهناك من كان يطالب القوات الامريكية ان (لا تبق في العراق حجرا على حجر)، وضخمت التعويضات التي طلبتها من العراق عشرات المرات، وهذا باعتراف أطراف كويتية صديقة ومحبة للعراق، وأصرت الكويت على اخذ هذه التعويضات بالكامل، وحتى في احلك الأوقات الصعبة التي مر فيها العراق اثناء الحصار الظالم والذي نتج عنه وفاة ما يقارب مليوني شخص ربعهم من الأطفال. وعندما اُحتُلَ العراق عام 2003، وبقوات قدمت من الكويت الشقيق، ذكرت بعض المصادر ان عصابات مدربة دخلت مع الغزاة وحرقت ودمرت معالم عراقية عريقة. وعندما انكشفت جرائم ابو غريب ظهر ان كويتيين كانوا يعملون مترجمين مع الجيش الامريكي شاركوا فيها. وقبل الاحتلال اجتهدت الإدارات الكويتية، معتمدة على الدعم الامريكي، في تمرير قرارات اممية مجحفة بحق العراق وخاصة فيما يخص ترسيم الحدود، وبدون ان يكون للعراق اي راي في ذلك. ومن الامور المضحكة ان احد المتعاونين مع الاحتلال، وهو حيٌ يُرزق، وفي محاولة منه لكي يقنعني بالتعاون مع المحتل، قال لي شخصيا ان الولايات المتحدة أخبرتهم (مجاميع المعارضة)، انه بعد ازاحة نظام البعث سيتم بناء عراق جديد تكون الكويت جزءا منه!
في هذه الايام تجري محاولات تتويج كل مخططات أضعاف العراق وتمزيقه من خلال العمل على اقتطاع اراضي عراقية جديدة بحجة ترسيم الحدود، وهذه الاعمال، بالاضافة الى بناء ميناء مبارك الكبير، إنما يراد منها خنق المنفذ البحري الوحيد وجعل العراق تحت رحمة الكويت وايران من ناحية الملاحة البحرية.
لا اريد ان ادخل في القضايا الفنية والادعاءات الكويتية، ويكفي القول ان الكويت تمتلك ساحلا يصل الى 500 كيلومتر، ومع ذلك تصر الحكومة الكويتية على بناء ميناءا ضخما على الحدود مع العراق وهي تعلم علم اليقين ان هذا الميناء سيخنق المنفذ البحري الوحيد للعراق. ويبدو ان حكومة الكويت قد وجدت، في ظل الانظمة التي أتى بها الاحتلال، انها لم تعد بحاجة الى الدول الكبرى لكي تساعدها في ابتزاز وإضعاف العراق، لان هناك ما يكفي من اصحاب النفوس المريضة والفاسدين وعديمي الذمة من المسؤولين العراقيين من يمكن ان يخدموا مصالح الكويت مقابل حفنات من الدولارات. واستطاعت الكويت من خلال هذه الأساليب ان تحقق مكاسب على حساب العراق وأراضيه لم تكن في يوم من الايام تحلم بها.
الشيء الاكثر ايلاما من حقيقة شراء ذمم المسؤولين العراقيين وعلى كافة المستويات، هو الصمت شبه التام للنخب الكويتية العاقلة عن كل مايجري، حاكمة كانت ام مراقبة. ولم يصدر عن هذه النخب اي كلام يحذر من مغبة التمادي في أضعاف العراق من خلال اقتطاع أراض ستراتيجية وحيوية خاصة به، من اجل حشره في زاوية ضيقة. ولم يظهر من يقول لحكومة الكويت ان ما تفعله يحمل بذور أزمات مستقبلية خطيرة، بل ويؤسس لمشاكل كبيرة قادمة لا يمكن ان تمر مرور الكرام، وستتأثر بها الاجيال القادمة. ومن المؤسف ان تغيب الحكمة عن حكام الكويت وهم الذين يعلمون جيدا الحقائق الجغرافية والتاريخية والبشرية والاستراتيجية، ويصرون على انتهاز حقبة تاريخية شاذة لا يمكن ان تستمر مهما طال الزمن.
البيانات والتصريحات الصادرة عن الحكومة العراقية وعن محافظ البصرة الذي (كَذَّبَ) كل ما يقال، بما في ذلك التهم التي توجه للطرفين (الحكومة العراقية ومحافظ البصرة)، فيما يخص الموافقة على التنازل عن اراضي عراقية حيوية جديدة للكويت وتهجير ابنائها بعد هدم منازلهم، بحجة انها اراضي كويتية، لا يمكن الا ان توصف بانها غير مقنعة ابدا، ولم تنف تهم التواطؤ لخدمة الكويت. من جانبها فان الادارة الكويتية تعلم جيدا انها لم تكن تمتلك في يوم ما حدودا واضحة مع العراق، وان مركزها الحدودي لغاية الستينات كان في منطقة المطلاع التي لم تكن تبعد عن الكويت العاصمة سوى 43 كيلومترا. وفسر غالبية العراقيين سكوت وأكاذيب الدوائر الرسمية العراقية موخرا حول (الخروقات العراقية وعدم تنفيذ القرات الخاصة برسم الحدود) بانها جاءت نتيجة لرشاوى مالية تزكم الأنوف. ومهما قيل فانه لا يمكن تكذيب حقائق كثيرة. اولها ان كل اللجان العراقية التي شُكِلَت لمفاوضة الطرف الكويتي ضمت اشخاصا بعيدين كل البعد عن الاختصاص في هذا المجال، بالاضافة الى ان الحكومات العراقية بعد الاحتلال عملت على استبعاد كل مختص يُظهِرُ رفضا للتنازل عن حقوق العراق من تلك اللجان. وثانيها ان يقوم محافظ البصرة، وهو منصب اداري محلي لا يملك صاحبه حق التحاور مع وزير خارجية بلد اخر، بإدارة هذا الملف والتوقيع على التنازلات. وثالثها ان يلتزم مجلس النواب الصمت على ما يجري في حين ان جلسات عديدة فيه خصصت لمناقشة تجاوزات ايران وتركيا على العراق واراضيه.
ويتناسى هؤلاء الأشخاص (كويتيين كانوا ام عراقيين) انه مهما فعلوا ودبروا في الخفاء فان ذلك لن ينجح في قلب حقائق ثابتة اهمها ان العراق دولة إقليمية مهمة وقوة بشرية كبيرة. قد تستطيع الكويت ان (تمشي [تسلك] أمورها) كما يقول العراقيون، عن طريق شراء ذمم بالمال، ولكن كل هذه الأموال لن تنجح في طمس الحقوق العراقية مهما طال الزمن.
كلمة اخيرة يجب ان تقال للأشقاء في الكويت، ان بلدهم تعرض لمطالبات سابقة كانت بدايتها تعتمد على أسس تاريخية تقول ان الكويت جزء من العراق او تابعة لولاية البصرة (الملك غازي ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم)، ثم اعتمد نظام البعث على هذا الحق التاريخي وأضاف اليه ما يمكن اعتباره جزء من نظرية المؤامرة، على اساس ان الكويت كانت تتآمر على العراق. وكل هذه الأسس والأسباب لم تستطع ان تحقق اجماعا عراقيا عليها، وظلت أطراف عراقية ترفض هذه الادعاءات. ولكن ما تقوم به الكويت هذه الايام سيعطي العراقيون جميعا، وخاصة أولئك الذين ستهدم منازلهم ويرحلوا من قراهم وتضم أراضيهم الى الكويت، وكذلك أولئك الذين يجدون مينائهم الوحيد يخنق ومساحته تضيق بسبب محاولات التمدد الكويتية، ستعطيهم اسبابا محقة لرفض ما يجري. وسيبقون ينتظرون وصول حكومة وطنية للحكم لا يستطيع احد ان يشتريها او يرشيها، لكي يعملوا على ازالة الحيف الذي لحق ببلدهم العراق. كما ان ادعاء الكويت بان ما تقوم به يستند الى قرارات دولية، وهي قرارات مشكوك فيها ولم يتم اخذ راي العراق بشانها، يشبه الى حد كبير ما تعللت به الدول الأوربية في حصارها وتدميرها لالمانيا واقتطاع اجزاء منها بعد الحرب العالمية الاولى، الامر الذي تسبب بعد عقدين من الزمن بحرب عالمية ثانية راح ضحيتها الملايين. بكلمات بسيطة وصريحة وأخوية اقول ان ما تصر عليه الكويت اليوم سيكون سببا لخلق مشاكل قادمة لن تستطيع الكويت ان تتصدى لها بنفس الأساليب التي تعتمدها الان مع الحكومات التي نصبها الاحتلال. وهناك حوادث دولية كثيرة تثبت ان سلب حقوق بعض الدول في فترات ضعفها أوجد اسبابا لمشاكل لا تنتهي. وبكل اسف فان الإدارة الكويتية اليوم تعمل، عن دراية او بتحريض من أطراف اخرى، على خلق مسببات لمشاكل مستقبلية تبقى الكويت في غنى عنها، اذا ما ارادت حقا العيش بسلام وحسن جوار مع العراق الذي مهما فعلت القوى الدولية والإقليمية التي تريد به شرا فانها لن تنجح في تحجيمه الى ما لا نهاية.
*كاتب واكاديمي عراقي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع