قصة كاملة - الفخ

                                                    

                             بقلم أحمد فخري

   

قصة كاملة -الفخ

 

جلس اندرو في قاعة المغادرة بمطار ڨانكوڨر بكندا ينتظر رحلته الى لندن. أعلن بالمذياع عن تأخر الرحلة لمدة ساعتين فتأفف جميع من في القاعة. انتصب اندرو وذهب صوب آلة القهوة آملاً ان يحصل على القهوة التي لم يشربها هذا الصباح بسبب تأخره عن الرحلة. لكن الحظ عاكسه مرة ثانية عندما وجد الآلة لا تعمل وقد ابتلعت نقوده. حاول الطرق على جانب الآلة لكن شيئاً لم يحدث. رجع الى كرسيه محبطاً واذا به يسمع صوتاً انثوياً بجانبه يقول له "ليس كل ما يبغيه المرئ يجده". ادار رأسه اليها فوجدها فتاة جميلة ذات شعر اسود مخرز طويل ووجه ابيض كالثلج في العشرينات من عمرها. قال لها،

اندرو : الرحلة ستتاخر ساعتين وآلة القهوة لا تعمل هل نحن بوسط عاصفة من الكارما؟
السيدة : إذا كانت القهوة هي ما تسبب لك الكارما فبامكاني ان احل الامر. لدي قارورة ثرموس فيها قهوة جيدة اعددتها ببيتي هذا الصباح خصيصاً لتعالجة ويلات الكارما للركاب المتأزمين. هل انت مهتم بالامر؟
اندرو : بالتأكيد يا انسة...
السيدة : جان، اسمي جان ماكنتوش سيدي.
اندرو : وانا اسمي اندرو مايلز.
جان : اتشرف بكَ.
اندرو : وانا كذلك يا انسة.
جان : انا مدام. لقد سبق لي الزواج.
اندرو : عذراً يا مدام جان. هل انتِ ذاهبة في اجازة الى لندن؟
جان : كلا، انا عائدة الى بلدي. فقد جئت الى كندا لزيارة اقاربي وبقيت معهم شهراً كاملاً. والآن اعود الى لندن حيث اعمل واسكن.
اندرو : هل تسكنين مع احد بلندن؟
جان : كلا، اسكن وحدي. وانتَ؟
اندرو : انا احمل الجنسية الكندية واسكن بڨانكوڨر. لكن اصلي من انكلترا.
جان : انتَ إذاً ذاهبٌ الى انكلترا لغرض السياحة.
جلس الاثنان واخرجت جان قارورة الثرموس واعطته كأساً بلاستيكياً مليئاً بالقهوة.
اندرو : شكراً لك لقد انقذت حياتي. كلا، انا لست ذاهباً لغرض السياحة. انا ذاهبٌ لالتقي بسيدة تعرفت عليها على موقع التعارف في الانترنيت. اسمها جيتا. وهذه صورتها.
اخرج هاتفه النقال وعرض عليها صورة لفتاته جيتا.

                      

اخذت الهاتف منه وتفحصت الصورة ثم قالت،
جان : يا سلام انها فائقة الجمال. يبدو انها اسيوية.
اندرو : اجل انها من اصل هندي لكنها ولدت بلندن وتسكن مع عائلتها بمنطقة تدعى ساوث هول الواقعة على ضواحي لندن.
جان : هل تعرفت عليها منذ زمن بعيد؟
اندرو : لنا اكثر من ستة اشهر ونحن نتقابل كل يوم تقريباً ونتحدث على شاشة الحاسوب. لم يتسنى لنا ان نتقابل وجه لوجه بعد لكني وعدتها ان أزورها باول فرصة تسنح لي واخطبها بلندن. ولما اخبرني مديري ان لدي شهراً كاملاً من الاجازات تراكمت وعلي ان استنفذها والا فسوف يلغيها من رصيد الاجازات. وافقت فوراً واخبرت جيتا بذلك ففرحت كثيراً وقالت انها ستنتظرني في المطار.
جان : كم هذا شيئ رومانسي وجميل.
اندرو : وانت، هل لديك تجربة عاطفية؟
جان : انا مطلقة منذ سنتين واعمل في احدى الصيدليات تدعى بووتس بلندن. انا موظفة بسيطة فيها. وزوجي السابق كان يعمل معي بنفس الصيدلية. استمر زواجنا سنتان كاملتان حتى اكتشفت ان لديه علاقة عاطفية مع احدى العاملات بنفس الصيدلية. واجهته بما علمت فاعترف لي بذلك واخبرني انه يحبها كثيراً ولا يستطيع ان يتركها ابداً. لذا قررنا الانفصال.
اندرو : انه امر غريب حقاً. كيف له ان يخونك بهذا الشكل القبيح؟ انا اسف لذلك.
جان : لا عليك. لقد التأم جرحي بسرعة وانا الآن اتمتع بالحرية من الالتزام العاطفي. لكنني احن احياناً لكتفٍ حنون استطيع ان اضع رأسي عليه وانسى كل همومي.
اندرو : اتمنى لك كل التوفيق.
وبهذه اللحظة سمعا اعلاناً مفاده ان المسافرين عليهم التوجه الى بوابة المغادرة فهبوا واقفين. وضعت جان حقيبتها على كتفها وصفت في الطابور. سألها اندرو،
اندرو : اين تجلسين بالطائرة؟
نظرت الى بطاقة صعود الطائرة وقالت،
جان : انا بالكرسي 30D وانت؟
اندرو : 35F.
جان : ربما نستطيع استبدال كرسينا مع شخص ما كي نجلس سوية.
اندرو : هذا شيء يسعدني، سنحاول.
سار الطابور رويداً رويداً حتى دخلا الى كابينة الطائرة واستقرا بمقاعدهما. وبعد ان هدأت العاصفة ولم يبقى اي مسافر في الممرات، وقف اندرو وسار باتجاه المقدمة ولما وصل حيث تجلس جان سأل السيدة التي استقرت بجانبها قائلاً،
جان : استسمحك عذراً سيدتي، هل يمكنك ان تتبادلي معي بالكراسي لاننا اصدقاء ونود ان نتحدث سوية اثناء الرحلة.
السيدة : كلا، انا احب مكاني ولا اريد ان استبدله. اذهب والعب بعيداً عن هنا.
نظر اندرو الى جان وقال،
اندرو : دعيني اسأل الراكب الذي بجانبي في الخلف ربما يوافق على المبادلة.
رجع اندرو الى الخلف وسأل الراكب الذي بجانبه إذا كان يريد ان ينتقل الى الامام في الكرسي 30D فوافق. وقف الرجل واخذ حقيبته الصغيرة من الخزان العلوي وسار مع اندرو حتى بلغا الموقع الذي تجلس فيه جان فاخبرها فوقفت جان وشكرت الرجل ثم رجعت مع اندرو وجلست على كرسي 35G.
جان : هكذا افضل. الآن بامكاننا ان ندردش اثناء الرحلة مما سيخفف علينا ملل الطريق. لكنك لم تخبرني ماذا تعمل؟
اندرو : انا اعمل كطبيب بمستشفى للاطفال في ڨانكوڨر بكندا.
جان : هذا شيء جميل جداً.
بتلك اللحظة سمعوا رئيس المضيفين يعلن عن وجوب ربط الاحزمة ووضع الكراسي بالموضع العامودي استعداداً للاقلاع. عدل اندرو وجان من كرسييهما وربطا احزمة المقاعد.
اندرو : هل انتِ من المدخنين؟
جان : كلا، وانتَ؟
اندرو : انا كذلك لا ادخن ولا احب ان اجلس مع المدخنين. ان لدي حساسية شديدة ضد دخان السجائر، اشعر وكان حلقي يلتهب عندما استنشقها.
جان : وماذا عن صديقتك او خطيبتك او حبيبتك الهندية؟
اندرو : هي ايضاً لا تدخن. بالواقع نحن نلتقي للمرة الاولى وسوف نحاول ان نتعرف على عادات بعضنا البعض رويداً رويدا.
جان : اجل انا أأيدك تماماً. فكلما تعرفتما على بعضكما اكثر كلما كان زواجكما سيكتب له النجاح.
بقي جان واندرو يتحدثان بامور كثيرة وشعرا انهما يشتركان بالكثير من المواضيع التي تجمعهما. جائت المضيفة لتسألهما عن نوع الطعام الذي يودان اكله فقالت جان،
جان : الطعام النباتي لو سمحت.
اندرو : وانا كذلك الطعام النباتي لو سمحت.
جان : يا الهي، هل انتَ نباتي؟ انا لا اصدق.
اندرو : بالواقع هي مشكلتي منذ الصغر. فقد كنت اعاني من اضطهاد زملائي لمجرد كوني نباتياً. علماً انني كنت اجلس معهم بينما كانوا يتناولون اللحوم بشتى انواعها. كانوا دائماً ينعتونني بالارنب.
جان : انا نباتية بارادتي. فقد كنت اكل اللحوم بصغري لكنني لما بلغت سن المراهقة صرت اشاهد الكثير من الافلام الوثائقية عن ظلم الانسان للحيوان حتى صرت اشمئز من جميع انواع اللحوم. وفي يوم من الايام وقفت في بيتنا وجميع العائلة مجتمعة حول شجرة عيد الميلاد واعلنتها بكل فخر واعتزاز. "من الآن فصاعداً، اصبحت نباتية". هنأني الجميع وقالوا ان ذلك من شأني وانني استطيع ان اقرر اي شيء اريده بحياتي. لذا كان ذلك اليوم يشكل نقطة تحول كبيرة. ولما انتقلت الى شقتي بلدبري رود بلندن لم تكن لتجد اي شيء يشبه اللحم بمطبخي.
اندرو : انا جداً فخور بكِ لانك اتخذت ذلك القرار الشجاع.
جان : انت انسان مثالي. ليت زوجي السابق كان مثلك. فقد كان يستهزئ بي ويقول جائت المعزة وذهبت المعزة.
اندرو : يا الهي، كيف يستطيع ان يقولها عن زوجته؟ انه فعلاً عديم الاحساس.
جان : كنت اغضب كثيراً في البداية حتى تعودت على تلميحاته القاسية بمرور الزمن. ولكن ما كان يؤلمني اكثر هو الاستهزاء بي امام الاصدقاء والاقرباء. البعض منهم كانوا يصدوه ويَصُفّ الى جانبي، والبعض الآخر كان يضحك ويؤيده ويزيد من غطرسته.
وضعت المضيفة الطعام امامهما فنظر اندرو وقال،
اندرو : انها القرنابيط المسلوق مع لحم الصويا والبطاطس الحلوة المقلية بالزبدة النباتية. الطعام يبدو لذيذاً للغاية.
جان : اتمنى لك شهية طيبة يا اندرو.
بعد ان اكملا وجبتيهما قررت جان ان تسترخي قليلاً لانها لم تحظى بالكثير من النوم في الليلة السابقة. ارجعت كرسيها الى الخلف واغمضت عينيها. بقي اندرو صاحياً يقلب اوراقاً كان قد جلبها معه في حقيبته اليدوية. وبعد مرور بضع ساعات بدأت الطائرة بالاهتزاز بسبب المطبات الهوائية فانزلق رأس جان اثناء نومها وسقط على كتف اندرو فابتسم ولم يرغب ان يقاطع نومها فتركها نائمة على كتفه طويلاً ولما أعلِنَ عن ربط احزمة المقاعد لمرور الطائرة بمنطقة المطبات الجوية استيقظت جان على صوت المذياع لتجد رأسها مستلقياً على كتف اندرو فانتابها الخجل وقالت،
جان : انا جداً آسفة، لم اكن بوعي عندما فعلتها.
اندرو : لا عليك يا جان. انا اقدر ذلك. لقد كنتِ متعبة فلم ارغب بايقاظك.
جان : ماذا حصل؟ ماذا كان النداء الذي اعلنوه للتو؟
اندرو : طلبوا من المسافرين ان يربطوا احزمة المقاعد لاننا نمر باجواء ملئى بالمطبات الهوائية.
بحثت جان عن حزامها حتى وجدته وصارت تحاول ربطه لكنها لم تفلح. تطوع اندرو كي يساعدها فمال بجذعه وامسك بطرفي الحزام وقام بربطه، لكن بتلك اللحظة وقعت هزة عنيفة جديدة فارتعبت جان وحظنت اندرو بقوة فاحتظنها هو الآخر وبقيا بهذا الوضع لفترة طويلة ثم افترقا فقالت،
جان : انا اسفة يا اندرو لقد تصرفت بحماقة كبيرة. كيف سمحت لنفسي ان احتظنك؟ لقد غمرني الخجل العميق. ارجوك سامحني.
اندرو : لا عليكِ، انه امر طبيعي عندما يخاف الانسان يتشبث باي شيء او شخص بالقرب منه.
جان : لكني لست كذلك ابداً. كان اهلي يلقبونني بالمرأة الحديدة لانني شجاعة جداً ولا اخاف من اي شيء. بعد الطلاق اخذت حياتي منحاً سيئاً بعد ان مررت بدوامة نفسية خصوصاً واني كنت اعتمد على طليقي بكل شيء، وفجأة وجدت نفسي اعمل كل شيء لنفسي.
اندرو : هذا امر طبيعي. انا اعتقد انك ستستردين رباطة جأشك عاجلاً ام آجلاً، انت تبدين من النوع الشجاع.
جان : اتمنى ذلك.
استمر الحديث بينهما حتى شعرا ان صداقة متينة وبدت وصارت تربطهما لذا رأت بنفسها الشجاعة لتقول،
جان : إذا وجدت لديك الكثير من الوقت في لندن واردت ان تبتعد قليلاً عن خطيبتك نيتا فانا ساكون سعيدة لو التقينا.
اندرو : اسمها جيتا. نعم سيكون ذلك من دواعي سروري فانا اشعر بارتياح كبير عندما اتحدث معك. هل لي برقم هاتفك؟
جان : بالتأكيد تفضل.
كتبت له رقم هاتفها على المنديل الورقي الاضافي الذي وضعوه لها في صينية الطعام فاخذها منها وطواه ووضعه في جيبه.
اندرو : ساتصل بك ان سنحت لي الظروف.
جان : اتمنى ذلك.
فكر ملياً بكلماتها الجميلة واخلاقها العالية فتمنى لو كانت جان هي التي يود ان يبادلها المشاعر والحب بدلاً من جيتا لكنه انب نفسه بشدة وقال لنفسه "اصبحت تتنقل من زهرة لاخرى كالفراشة كما يصفونك في تايلندا".
عندما قربت ساعة الوصول الى لندن طُلِبَ من المسافرين ربط احزمة المقاعد فربط اندرو حزامه لكنه لاحظ مجدداً ان جان تواجه صعوبة في ربط الحزام فمد يده اليسرى نحو حزامها. وبما انها تجلس على يمينه فقد اصبحا متقابلين وجهاً لوجه ولا يفصل بينهما سوى سنتمترات قليلة حتى صار يشعر بنفسها وهو يتسارع ويهفت على بشرة وجهه. كان قاب قوسين او ادنى من تقبيلها لكنه التزم موقف الحشمة والادب ولم يفعل ما كان يمليه عليه قلبه. اما هي فقد كان قلبها يدق بسرعة عجيبة وكانت تود لو انها تقبله قبلة ساخنة. بالنتيجة قررت ان لا تتسرع بمشاعرها لانه قد يصدها كونه مرتبطاُ بخطيبته التي سافر الى لندن من اجلها. ربط حزامها وارجع موضعه على كرسيه وقال،
اندرو : ستكونين بامان الآن.
جان : شكراً لك مساعدتك. كذلك اه... اسمع ساقتلك لو لم تتصل بي في لندن. اقصد يجب ان تخبرني عن جيتا.
اندرو : اعدك بذلك، الرقم عندي في جيبي ساخزنه على هاتفي فيما بعد.
هبطت الطائرة في مطار هيثرو بلندن الساعة الثالثة ظهراً فخرج اندرو وجان سوية من قاعة الوصول. نظر اندرو حوله يتفحص المستقبلين فرأى جيتا واقفة بين الحشد الكبير. ولما لمحته خارجاً من بوابة الوصول ركضت صوبه وقفزت عليه محكمة القبض على خصره ورقبته وقبلته قبلة من شفتيه. نظرت اليهما جان وامتعضت مما شاهدت لكنها تضاهرت بالابتسامة وقالت،
جان : انا سعيدة جداً لانكما التقيتما آخيراً.
رمقت جيتا جان وقالت بصوت مرتفع.
جيتا : من هذه الساقطة؟ ولماذا تتحدث معك؟
اندرو : مهلاً عزيزتي. هذه صديقة طيبة. لا تقولي عنها هذا الكلام ارجوكِ.
جان : لا عليك يا اندرو. انها تقول ذلك من باب الغيرة عليك. لا تأبه بذلك.
جيتا : ولماذا انت متحمس لها بهذا الشكل وتخاف على مشاعرها؟ منذ متى وانتما اصدقاء؟ هل هي صديقة الطفولة؟
اندرو : كلا، لقد تعرفنا على بعضنا اثناء الرحلة فقط لكنها انسانة جداً...
قاطعته جيتا وقالت بصوت مرتفع،
جيتا : إذاً هي تريد ان تسرقك مني. انها حقاً ساقطة. هيا اغربي عن وجهي ايتها اللعينة.
جان : لا عليك يا اندرو ليست هناك مشكلة، انا سارحل. ارجو المعذرة.
اسرعت جان في الرحيل بعيداً عنهما وهي في غاية الخجل ودموعها تنهمر بغزارة، شعرت ان كرامتها قد اهدرت لكنها لم تشأ ان تهبط الى مستوى تلك الغبية وترد على اهاناتها. خرج اندرو وجيتا وهما يتحدثان ويتبادلان القبل ويتذكرا كل الامور التي كانا يتحدثان عنها على السكايب. لكنه لاحظ شيئاً بعث القشعريرة والخوف في اوصاله. كان كلما يقبلها يشم رائحة السجائر من فمها. كانت الرائحة خفيفة جداً لكن ذلك كان يوتره كثيراً خصوصاً وانها اكدت له انها ليست من المدخنين وانها تكره رائحة الدخان بشكل كبير. لم يرغب ان يقوض لحظات اللقاء الجميلة، لذلك قرر ان يسألها عن التدخين لاحقاً. ركبا قطار الانفاق وتوجها الى منطقة ايرلز كورت. بعدها توجها سيراً على الاقدام الى شقتها. وقبل ان تفتح باب الشقة قالت له،
جيتا : لقد استأجرت الشقة منذ يومين فقط ولم يتسنى لي تأثيثها بشكل كامل بعد. ليس فيها الكثير من الاثاث. لكن المهم هو انها تحتوي على فراش موضوع على الارض بامكاننا ان نمارس الحب عليه كما نشاء.
اندرو : هذا هو الشيء الاساسي يا جيتا.
وصلا الى البناية التي وقفت امامها جيتا واذا بها بناية قديمة وقذرة ولا يبدو عليها انها نظفت منذ ان بنيت ابداً. لكنه لم يكن ليعترض الآن فهو متعب جداً ويريد ان يستحم ويستلقي على السرير من عناء السفر. صعدا الى الطابق الاول فوضعت المفتاح بالباب وفتحته واذا بها شقة صغيرة للغاية ولا تحتوي على اي شيء ما عدى فراش متسخ قديم ملقي على الارض ممتلئ بالثقوب. لم يشأ ان يقسو على مشاعرها فقال،
اندرو : ستفي بالغرض الآن. اريد ان استحم لو سمحت.
جيتا : الحمام الى يسارك يا اندرو. ساجهز نفسي كي تجد امامك انثى تنتظرك بفارغ الصبر كي ترضي شهوتها المشتعلة.
اثارته تلك الكلمات خصوصاً وانه لم يمارس الجنس مع امرأة منذ ان انهى علاقته مع صديقته الممرضة الفنلندية التي كانت تعمل عنده قبل ثلاث سنوات. اخرج ملابسه الداخلية ومنشفته من الحقيبة لكنها اعترضت وقالت،
جيتا : سوف لن تحتاج للملابس الداخلية. جفف نفسك فقط واخرج بدون ملابس ستجدني انتظرك على السرير.
اخرج منشفته وصابون الجسد فقط ودخل الحمام. صار يستحم وينتعش بالماء الساخن ثم جفف بدنه باسرع ما يمكن كي يكون مع حبيبته التي تنتظره على احر من الجمر. لف المنشفة حول خصره وخرج من الحمام وذهب مباشرة الى غرفة النوم فانصدم بمفاجئة كبيرة. وجد ثلاث رجال ينتظرونه هناك. اثنان بشرتهم بيضاء تملأ اذرعهم الاوشام حالقي الرأس وتصدر منهم رائحة نتنة، الندبات واضحة على وجوههم من اثر المعارك السابقة. اما الثالث فكان اسوداً طويل القامة يرتدي معطفاً جلدياً طويلاً.
اندرو : من انتم وماذا تريدون مني؟ اين جيتا؟
الرجل الاسود : جئنا لنرحب بك في لندن يا صديقي.
اقترب منه ولكمه على وجهه فسقط على الارض. رفعه احد الرجلين البيض وصار يضربه ضرباً مبرحاً ثم سلمه للرجل الثاني وبدأ يضربه هو الآخر حتى خرت قواه وسقط على الارض. بعدها صار الرجال الثلاثة يركلونه ببطنه وظهره ورقبته ورأسه وهو مرمياً على الارض معتكفاً على نفسه كما يعتكف الجنين ببطن امه حتى صار الدم يسيل من كل بقعة من جسده. اخذوا حقيبته وملابسه وتركوه مخضباً بدمائه. بقي بهذه الحالة لبضع ثوانٍ ثم فقد وعيه. بقي فاقداً للوعي لساعات طوال حتى استفاق من غيبوبته ونظر حوله فلم يجد سوى ذلك الفراش القذر. حاول ان يقف على ساقيه لكنه سقط ثانية من شدة الوجع. كان الالم يأتيه من كل نقطة من جسده. حاول جاهداً ان يحبو باتجاه الحمام فبانت له المسافة طويلة جداً، اخيراً عندما وصل الحمام فتح الماء الساخن وصار يغسل الدماء التي كانت تغطي جسده بالكامل. "ما هذه اللعنة التي حلت عليّ؟ كيف فعلوا بي هكذا؟ كيف عرفوا بقدومي؟ ماذا فعلوا بالمسكينة جيتا؟"
بعد ان اكمل استحمامه وصار يستعيد القليل من طاقته مشى ببطئ شديد نحو غرفة النوم والقى نفسه على الفراش القذر لينام نوماً عميقاً. وبعد عدة ساعات نهض من الفراش وصار يستجمع قواه ويخرج الى الخارج كي يعلم الشرطة. لكنه ادرك انه عارٍ تماماً ولا يملك سوى فوطة مبتلة تغطي عورته فاستوزر بها وسار نحو الباب. نزل من السلم ببطئ شديد يتكئ على مسند السلم ثم خرج الى الشارع فصار الناس يرمقونه بنظرة غريبة ثم يبتعدون عنه. استنجد باحدى السيدات اللواتي كانت تدفع عربة طفلها لكنها خافت منه وهربت مسرعة. بقي بهذا الحال حتى وقف رجل كبير السن وسأله،
الرجل : ماذا بك يا ولدي؟ لماذا انت عاري هكذا؟
اندرو : لقد هجم عليّ انا وخطيبتي بعض الرجال وسرقوا ملابسي ومالي وحقيبتي وضربوني ضرباً مبرحاً كادوا يقتلونني. الا ساعدتني يا سيدي؟
الرجل : كيف تريد ان اساعدك يا ولدي؟
اندروا : ارجوك اطلب لي الشرطة كي يأتوا باسرع وقت.
الرجل : حسناً انتظر قليلاً.
اخرج الرجل هاتفه من جيبه وطلب الرقم 999 فابلغ الشرطة عنه. ما هي الا دقائق وسمعت دوي صفارات الشرطة فيما بدأت سيارات الشرطة باللون الابيض والازرق في الوصول إلى مكان الحادث. اخذوا اندرو والرجل المسن معهم ثم انطلقوا الى مركز الشرطة. بدأ الشرطة بأخذ اقواله بعد ان غطوه ببطانية لانه كان يرتعش من شدة البرد.
الشرطي : اسمائكم لو سمحتم؟
اندروا : اسمي اندرو مايلز. احمل الجنسية الكندية. اخصائي طب اطفال (پيدياترشن) اسكن في 14 شارع فريزر، ڨانكوڨر/كندا.
الرجل : انا اسمي كوستا سبيرو كراكرياكوس. متقاعد وعنواني هو 55 شارع پنيويرن، ايرلز كورت/لندن.
الشرطي : احكي لي بالتفصيل كيف اعتدي عليك ومتى وصلت الى لندن.
اندرو : وصلت الى لندن بعد ظهر اليوم والتقيت خطيبتي جيتا بالمطار ثم ذهبنا الى شقتها الجديدة بالقرب من المكان الذي التقطتني منه سيارة الشرطة حيث ساعدني ذلك الرجل الطيب السيد كوستا.
الشرطي : واين هي خطيبتك الآن؟
اندرو : لا اعلم، يبدو ان المجرمون قاموا بخطفها.
الشرطي : ارني جواز سفرك لو سمحت.
اندرو : المجرمون سرقوا جواز سفري ومحفظتي وملابسي وكذلك اختطفوا خطيبتي بعد ان ضربوني ضرباً مبرحاً وتركوني وحدي عارياً في الشقة.
الشرطي : ما اسم خطيبتك وما عمرها واوصافها وعملها؟
اندرو : اسمها جيتا مهاندرا. عمرها 25 سنة طولها 156 سم وزنها 55 كغم. تعمل كمدرسة للاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في معهد سي ابِلِتي بجنوب لندن.
الشرطي : سنتحقق من ذلك الآن.
نادى احد اعوانه واعطاه اسم جيتا الكامل واسم المعهد كي يتحقق منه. ثم واصل استجوابه فسأل،
الشرطي : كم كان المبلغ الذي سرقوه في محفظتك؟
اندرو : كان عندي 2000 دولار كندي نقداً مع 500 جنيه استرليني بالاضافة الى بطاقة الائتمان فيزا وامريكان اكسبريس. اجل وكان معها بطاقة لموقف السيارات بمطار ڨانكوڨر بكندا.
الشرطي : السفارة الكندية مغلقة بالوقت الحاضر لذلك سوف لن تتمكن من الذهاب اليها الا غداً صباحاً. العنوان هو ترافالكير سكوير في قلب لندن.
اندرو : وماذا عن اليوم؟ اين سابقى؟
الشرطي : بامكانك ان تنام في زنزانتنا مع ترك الباب مفتوحاً دلالة على انك لست سجيناً.
كوستا : استطيع ان استضيفه بشقتي بارلز كورت الليلة إن اراد ذلك.
اندرو : سيكون ذلك كرماً منك يا عم كوستا. انت انسان اصيل جداً.
كوستا : هذا اقل ما يمكنني فعله.
الشرطي : يجب عليك الذهاب الى المشفى كي تتم معاينتك وعلاجك.
اندرو : انا بخير ولا احتاج الى مشفى.
الشرطي : إذاً بامكانك الذهاب الآن لكني اريدك ان ترجع هنا غداً لاكمال الاجرائات. خذ معك المحضر هذا، سيطلبونه منك في السفارة الكندية.
اندرو : بالتأكيد حضرة الضابط. سارجع لك غداً بعد الظهر.
خرج اندرو وكوستا وسارا لبضع دقائق حتى وصلا محطة لقطار الانفاق فركبا من هناك ثم وصلا الى محطة ارلز كورت فنزلا هناك وقاده كوستا الى شقته. دخلا الشقة فوجدها متواضعة جداً لكنها نظيفة ومؤثثة بشكل جميل.
كوستا : اجلس على الاريكة يا ولدي ساحضر عدة الاسعافات الاولية.
ذهب كوستا الى المطبخ ورجع بعدة الاسعافات الاولية وصار يعالج جروح اندرو حتى عقمها جميعاً. ثم بدأ الحديث،
كوستا : اسكن هنا وحدي يا اندرو بعد ان توفت زوجتي في العام الماضي.
اندرو : هل انت من اثينا؟
كوستا : كلا انا يوناني من جزيرة قبرص.
اندرو : لم يسبق لي ان التقيت احداً من قبرص. انا جداً سعيد لاني تعرفت عليك سيدي، فانت انقذتني وغمرتني بطيبك وحسن كرمك واخلاقك العالية وحسن ضيافتك.
كوستا : همي الوحيد يا اندرو هو ان تتحسن وان يلقوا القبض على تلك العصابة اللعينة التي سرقتك وآذتك وخطفت منك حبيبتك.
اندرو : شكراً لك يا عمي.
كوستا : هل انت جوعان؟ بامكاني ان اعد لك طعاماً قبرصياً شهياً.
اندرو : اشعر وكأنني ساموت من الجوع يا عمي. لكنني نباتي.
جلس اندرو على اريكة في الصالة بينما دخل كوستا الى المطبخ واعد له حساء الخضار الدسم وبعض من الطعام النباتي اليوناني والخبز الاسمر. رجع الى الصالة فوجد اندرو نائماً على الاريكة فوضع الطعام امامه على الطاولة ثم غطاه ببطانية ثخينة وخرج من الصالة لينام هو الآخر في غرفة نومه.
استيقظ اندرو فجأة وهو يشعر بنشاط نسبي ونظر الى الساعة المعلقة على الحائط فوجدها تشير الى الساعة الرابعة صباحاً. "يا الهي استيقظت مبكراً لاني اعاني من اختلاف التوقيت بين لندن وڨانكوڨر. دعني اتحرك بهدوء شديد كي لا ازعج العم كوستا واقلق نومه" نظر امامه فوجد الطعام على الطاولة فصار يتناوله واستغرب كثيراً لطعمه اللذيذ. لقد سبق وان تذوق تلك الاطعمة في مطاعم يونانية بڨانكوڨر لكن طعمها هنا كان افضل بكثير. بعد ان اكمل تناول الطعام، بقي جالساً بهدوء تام يكاد لا يتنفس كي لا يقلق نوم العم كوستا. وفي تمام السابعة خرج كوستا من غرفة نومه وهو يبتسم وقال،
كوستا : جيد لقد فقت من نومك يا اندرو. كيف كان نومك؟
اندرو : لقد كان جيداً بالرغم من الآلام القليلة.
كوستا : لا عليك يا ولدي. ستذهب تلك الآلام. انتظر قليلاً سوف اعد لك افطاراً شهياً، هل تحب البيض؟
اندرو : شكراً لك يا عم كوستا. لقد تناولت قبل قليل الطعام الذي وجدته على الطاولة امامي. لكني استطيع ان اشرب الشاي معك.
كوستا : حسناً كما تشاء.
رجع كوستا الى المطبخ واعد وجبة الافطار وقام بتخمير ابريق من الشاي ثم صفه بشكل منمق ودعى اندرو كي يجلس على الطاولة. بعد ان فرغ من تناول الشاي قال اندرو،
اندرو : اتأذن لي سيدي كي استعمل هاتفك؟
كوستا : بكل تأكيد. البيت بيتك ولا تستأذن مني باي شيء.
اخرج اندرو رقم هاتف السفارة الكندية وطلب الرقم. اجابته سيدة بالطرف الآخر فسألها عن القنصل العام فحولته اليه. سمع صوتاً يقول،
القنصل : القنصل العام لدولة كندا تفضلوا.
اندرو : اسمي اندرو مايلز. انا كندي الجنسية. لقد وصلت لندن بالامس لكنني تعرضت لاعتداء جسدي وسرقت جميع اموالي وجواز سفري وبطاقات ائتماني. هل بامكانكم مساعدتي؟
القنصل : بالتأكيد. هل تستطيع ان تأتي الى القنصلية فوراً ومعك محضر الشرطة؟
اندرو : ساكون عندك بعد قليل سيدي.
ارجع السماعة على الهاتف وسأل العم كوستا،
اندرو : هل لي ان اتسلف منك بعض المال كي اذهب به الى السفارة الكندية؟
كوستا : بالتأكيد يا ولدي. خذ هذه 50 جنيه.
اندرو : ساردها لك اليوم.
كوستا : لا تستعجل بها. إن اردت المزيد فبامكاني ان اعطيك ما تريد.
اندرو : شكراً لك عمي الكريم.
خرج اندرو ليستقل سيارة اجرة سوداء وطلب منه ان يأخذه الى السفارة الكندية بـ (ترافالكير سكوير).
دخل السفارة فصادفته موظفة الاستعلامات وقد طغت على وجهها ابتسامة رقيقة ملؤها الترحيب وقالت، "اهلاً بك سيدي. كيف اتمكن من مساعدتك؟"
اندرو : لقد تحدثت مع السيد القنصل هاتفياً قبل قليل وهو ينتظر قدومي اسمي اندرو مايلز.
رفعت سماعة التلفون واتصلت بالقنصل فطلب منها ادخال اندرو.
القنصل : اهلاً بك سيد مايلز. تفضل بالجلوس.
دخل اندرو ووضع محضر الشرطة على طاولة القنصل. التقطها القنصل وقال،
القنصل : هل بامكانك اعطائي رقم تامينك الـ (سين)؟
اندرو : اجل انه 100680010
ادخل الرقم على الحاسوب امامه وسأل،
القنصل : ما هي وضيفتك بكندا؟
اندرو : انا طبيب اخصائي اطفال. اعمل بمشفى بي سي للاطفال بڨانكوڨر.
صار القنصل يدخل معلومات اندرو على الحاسوب، وسرعان ما رفع رأسه ثانية وقال،
القنصل : شكرا دكتور مايلز. لقد تأكدت من معلوماتك وصورتك على الحاسوب. انت الآن بامانتنا.
اندرو : شكراً لكم سيدي. كيف تستطيعون مساعدتي؟
القنصل : سنقوم بتزويدك ببعض المال كي تتمكن من تسيير امورك هنا. سنمنحك مبلغ الف جنيه استرليني وسنقوم باعداد جواز مرور (لاسي پاسيه) كي تتمكن العودة به الى الوطن. هل هناك امور اخرى استطيع مساعدتك بها؟
اندرو : انا حقاً فخور لانني مواطن كندي. شكراً لك سيدي.
القنصل : اذهب الى الآنسة سيبل التي ستوفر لك كل تلك الاشياء.
خرج اندرو من مكتب القنصل وهو غير مصدق ما يحصل معه. دخل مكتب الآنسة سيبل فطلبت منه الجلوس امام كامرا رقمية. التقطت له صورة ثم ابصمته على زجاجة رقمية فضهرت بصمته على الجواز المؤقت ثم قامت بمنحه مبلغ 1000 جنيه استرليني نقداً. وضعها في جيبه وخرج وهو في قمة السعادة. ركب سيارة اجرة وطلب من السائق ان يأخذه الى شارع اكسفورد ليشتري بعض الملابس. بعد ذلك تمشى قليلا فوجد مصرفاً كتب عليه (باركليز بانك) دخله وطلب منهم مساعدته كي يرسلوا مبلغ 2000 جنيه استرليني من حسابه بكندا. فطلبوا منه الانتظار قليلاً بينما قاموا بالاتصال بمصرفه المسمى ذي رويال بانك اوف كانادا RBC بڨانكوڨر وعندما اكد البنك حصولهم على اوراقه الشخصية قام البنك بتحويل المبلغ المطلوب بحوالة الكترونية. واخبروه انها ستصل بغضون يوم او يومين.
سار بعدها نحو احدى المحلات بشارع اوكسفورد فاشترى جهاز هاتف من نوع سامسونك گالاكسي. اخرج قصاصة الورق التي كتب عليها رقم هاتف العم كوستا واتصل به فاجابه كوستا،
كوستا : تفضلوا من الطالب؟
اندرو : انا اندرو يا عمي اتصل بك من هاتفي النقال الجديد.
كوستا : إذاً امورك قد تحسنت. انا سعيد جداً.
اندرو : هل بامكاني زيارتك الآن؟
كوستا : اجل، اجل بالتاكيد تعال هنا ساعد لك طعاماً جيداً.
اندرو : اشتقت لوجباتك يا عمي. ساكون عندك خلال نصف ساعة.
ركب سيارة اجرة وانطلق بها الى منطقة ارلز كورت حيث يسكن العم كوستا فطرق الباب وانتظر قليلاً. فتح الباب وهو يبتسم ابتسامة عريضة وقال،
كوستا : ياسّو، ياسّو اندرو تفضل بالدخول.
دخل اندرو وجلس على الاريكة وقال،
اندرو : سوف لن تصدق ما جرى اليوم. ذهبت للسفارة الكندية ومنحوني جواز سفر ومبلغاً من المال. ثم ذهبت الى البنك وطلبت المزيد من المال من حسابي بكندا، سوف يصل المبلغ بعد يوم او يومين. تفضل يا عمي هذا المبلغ.
اخذ كوستا منه المبلغ وتفحصه واذا به 250 جنيه استرليني. اخرج منها 50 جنيه وارجع 200 لاندرو وقال،
كوستا : لقد اقرضتك 50 جنيه فقط. فلماذا هذه الـ 200 الاضافية؟
اندرو : انها مجرد هدية لك اعترافاً مني بجميلك يا عمي. ارجو ان تتقبلها مني.
كوستا : يبدو انك لم تتعامل مع اليونانيين من قبل. نحن لا نقدم المساعدة مقابل المال. خذ مالك واغرب عن وجهي.
اندرو : انا اسف يا عمي. لم اكن اعلم انك ستشعر بالاهانة. ارجوك تقبل اعتذاري. انا لا اريد ان اخسرك كصديق. سامحني.
كوستا : حسناً ولكن لا تكرر ذلك ثانية. والآن ماذا ستعمل بعد تناول الطعام؟
اندرو : ساذهب لمركز الشرطة لاستقصي الامر.
كوستا : جيد جداً ساتي معك.
بعد ان تناولا وجبة دسمة من الطعام اليوناني الشهي خرجا الى الشارع وركبا سيارة اجرة اقلتهما لمركز الشرطة فاستقبلهم نفس الضابط الذي اخذ اقوالهما بالامس. ارجع اندرو الملابس وقال،
اندرو : شكراً لكم على اعارتي تلك الملابس فقد ذهبت الى سفارة بلادي وقاموا باقراضي بعض المال فاشتريت ملابس جديدة من المتاجر بلندن.
الشرطي : جيد جداً يا دكتور. والآن هل تستطيع ان تدلنا على الشقة التي وقع فيها الاعتداء؟
اندرو : بالتأكيد.
الشرطي : سوف نخرج لنعاين الشقة الآن.
كوستا : وماذا عني يا سيدي؟
الشرطي : ارجو منك المجيء معنا.
خرج الشرطي مع اندرو وكوستا وتوجهوا بسيارة شرطة الى الشقة التي ادلهم عليها. دخلوا جميعاً فوجدوا الحالة كما وصفها لهم اندرو تماماً. تجولوا بالشقة فلم يجدوا اي شيء فيها. دخل اندرو غرفة النوم ونظر الى المكان الذي كانت فيه ملابسه وحقيبته فشعر بالم نفسي كبير وتحسر على جيتا. تمشى بالغرفة ثم نظر الى الاسفل فوجد قصاصة ورق ملقات على الارض. التقطها وتفحصها جيداً وإذا بها الورقة التي كتب عليها رقم هاتف جان ماكنتوش السيدة التي تعرف عليها بالطائرة يبدو انها سقطت من جيب معطفه عندما سرقها اللصوص. فرح وابتسم لكنه تألم من جراء الجرح الذي بزاوية فمه. طبق الورقة ووضعها بجيبه.
رجع الجميع الى مركز الشرطة وجلسوا في مكتب الشرطي فسمعوه يقول،
الشرطي : يبدو ان كل ما اخبرتنا به كان صحيحاً يا دكتور اندرو. وهذه الحادثة لم تكن الاولى لمثل هذه الجرائم.
اندرو : هل تعتقد ان خطيبتي مازالت على قيد الحياة؟
الشرطي : لا اعلم. والآن ارجو منك ان تنظر الى بعض الصور كي تستعرض وجوه المجرمين المحتملين التي لدينا بالارشيف.
وضع الشرطي ثلاث البومات كبيرة امام اندرو ثم خرج وعاد بقدحين من الشاي فاعطاها لاندرو وللعم كوستا. صار اندرو يتصفح الصور بتأني شديد الواحدة تلو الاخرى ولم يعثر على الوجوه التي قامت بالاعتداء عليه. وبعد ان اكمل تفحص الالبومات الثلاثة وضع الشرطي امامه ثلاث البومات جديدة وواصل النظر فيها. ثم بعد ان اكمل تفحص ما يقرب من 20 البوماً لم يتعرف على افراد العصابة التي اعتدت عليه.
بعدها جاء فنان خاص من الشرطة وطلب من اندرو ان يصف اشكال وجوههم. فقام بوصف الرجال الثلاثة بالتفصيل. فرسم ثلاثة صور تكاد تكون مطابقة للمجرمين 100%.
خرج الرجلان من مركز الشرطة وتوجها نحو محطة قطار الانفاق. وبينما هما يسيران قال اندرو،
اندرو : اسمع يا عمي كوستا. لا اريدك ان تزعل من كلامي ولكن سانتقل اليوم الى فندق واشكرك على ضيافتك ليلة امس.
كوستا : كما تشاء يا اندرو ولكن لا تنسى انك دائماً مرحب بك في بيتي متى ما شئت.
اندرو : انا متأكد من ذلك. اكرر شكري وامتناني.
خرج اندرو من شقة كوستا وتوجه بسيارة اجرة لفندق كنزنغتون هلتون. هناك استأجر غرفة في الطابق السابع. وحال دخوله الغرفة اخذ حماماً ثم خرج مرتدياً معطف الحمام الابيض وصار يغير الضمادات التي اعطاها له العم كوستا ثم جلس على السرير واخرج رقم هاتف جان فخزنه بهاتفه الجديد وقام بطلب ذلك الرقم. سمع بالطرف الآخر صوت جان تقول،
جان : جان ماكنتوش من معي؟
اندرو : انا اندرو يا جان.
جان : انرو مَنْ؟ اندرو كندا؟
اندرو : اجل انا بعينه.
جان : شكراً لله انك اتصلت. كيف حالك وكيف هي الانسة جيتا الغيورة؟ هل استمتعت باوقاتك معها بلندن؟
اندرو : لو اخبرتك بما حصل لي خلال الساعات الـ 24 الماضية لما صدقتني يا جان.
جان : لماذا؟ ما الذي وقع لكما؟
اندرو : لقد خطفوا جيتا واعتدوا علي بالضرب الشديد وسرقوا جميع نقودي وجواز سفري وامتعتي.
جان : هل يعقل ذلك؟ انا جداً آسفة عزيزي. اصبحت لندن مدينة خطيرة. كنت اتوقع انك مستمتع بوقتك.
اندرو : ساخبرك بالتفصيل عندما اراك. هل انت مشغولة الآن؟
جان : ابداً. هل تريد ان تأتي الى عندي ام اتي انا الى عندك؟
اندرو : تعالي انتي لانني متعب من التنقل من مكان لآخر هذا اليوم. اسم فندقي هو كنزنغتون هلتون غرفة رقم 704.
جان : انا بالطريق. ساصل عندك بعد حوالي ساعة.
اقفل الهاتف مع جان وفتح التلفاز وصار يغير بالمحطات فسمع الاخبار من محطة BBC. كانت جميع المحطات تغطي الحملة الانتخابية الامريكية وتعرض المناظرة بين المرشحين الرئاسيين هيلاري كلنتون ودونالد ترامب. صار يغير ملابسه ويحلق ذقنه ويستمع الى الاخبار بنفس الوقت. وبعد حوال 50 دقيقة سمع طرقاً على الباب. فتح الباب واذا بجان تقف امامه مرتديةً بدلة جينز انيقة وتحمل معها باقة ورد فواحة. حالما شاهدها واقفة مد يده كي يصافحها لكنها تجاهلت يده وشبكت رقبته لتحتظنه وتقول له،
جان : عزيزي اندرو انا جداً حزينة لما وقع لك ولخطيبتك شيتا.
اندرو : اعتقد انك تقصدين جيتا. شكراً لك عزيزتي. تفضلي ادخلي.
جان : كان ذلك خطأ مقصوداً هاهاها. ولكن ما هذا الذي بوجهك؟ ما كل هذه الكدمات؟ يا الهي. انت متألم كثيراً.
دخل الاثنان الى قلب الغرفة فجلس اندرو على السرير بينما سحبت جان احدى الكراسي وجلست امامه ثم قالت،
جان : اخبرني فوراً ماذا وقع بالتفصيل.
اندرو : بعد ان افترقنا بالمطار ذهبنا انا وجيتا...
قاطعته جان وقالت،
جان : الا اغلقت صوت التلفاز اريد ان استمع لقصتك بتركيز كبير لو سمحت.
التقط جهاز التحكم عن بعد من السرير ووضع التلفاز على وضع صامت ثم عاد واكمل حديثه،
اندرو : بعد ان افترقنا بمطار لندن ذهبت انا وجيتا الى شقتها بمنطقة ارلز كورت التي استأجَرَتها للتو ودخلنا هناك فاردت ان اخذ حماماً بالشقة. لكنني عندما خرجت من الحمام وجدت ثلاثة رجال يقفون بغرفة النوم. صاروا يضربونني بقسوة كبيرة ثم اخذوا امتعتي وملابسي وتركوني ملقىً على الارض وخرجوا.
جان : يا الهي انا جداً اسفة. وهل خطفوا جان امامك؟
اندرو : كلا، خطفوا جان قبل ان اخرج من الحمام لانني لما خرجت من الحمام لم اجدها معهم.
جان : يا الهي. تباً لهم مجرمون قذرون. وماذا فعلت بعد ذلك؟
اندرو : خرجت وانا عاري.
جان : عاري تماماً؟
اندرو : لففت حول خصري فوطة بيضاء وخرجت الى الشارع فالتقيت برجل مسن يوناني طيب القلب اسمه كوستا ساعدني كثيراً وطلب لي الشرطة.
جان : وماذا بعد؟
اندرو : بمركز الشرطة اخذوا مني اقوالي واعطوني ملابس ثم اخذني العم كوستا الى منزله حيث نمت عنده ليلة واحدة. باليوم التالي ذهبت الى السفارة الكندية فاستخرجوا لي جواز سفر واعطوني مبلغاً من المال بعد ان تأكدوا من شخصيتي على الحاسوب.
جان : قصة لا تصدق. وماذا عن المسكينة تيتا او كيتا او فركيتا؟
اندرو : لازلنا لا نعرف اي شيء عن جيتا فهي ما زالت مختطفة و...
توقف عن الكام وتجمد بالكامل وكانه اصيب بالشلل العام. انعقد لسانه وهو ينظر الى التلفاز.
جان : ماذا بك يا اندرو؟ تكلم ما الذي اصابك؟ لقد اقلقتني.
اشار باصبعه الى التلفاز. استدارت خلفها لتشاهد صورة جيتا تملاً الشاشة.
جان : يا الهي ارجو ان لا يكونوا قد قتلوها. ارجوك افتح الصوت ودعنا نستمع للخبر.
التقط جهاز التحكم عن بعد وفتح الصوت فسمع المذيع يقول.
"القي القبض اليوم على عصابة خطيرة بلندن كانت تتخصص باستقطاب الرجال الذين يسكنون في بلدان اخرى خارج بريطانيا وكانوا يوهمونهم بالعلاقة الحميمة حتى يحضروا الى انكلترى فيقومون بسرقتهم ويهربون بعد ان يعتدوا عليهم جسدياً. كانت رئيسة العصابة (نيشا باتيل) تجعل من نفسها طعماً للرجال فتعدهم بالزواج وتستدرجهم كي يحضروا الى بريطانيا ثم تنقض عليهم عصابتها كي يسرقوا كل امتعتهم واموالهم وملابسهم ويتركونهم بحالة مزرية"
وبهذه الاثناء ضهرت صورة جيتا على الشاشة ثانيةً وتحتها الاسم (نيشا باتيل).
بقي اندرو وجان مندهشين في غاية الصمت فاغرين فمهم وينظران الى بعضهما البعض. بعد ذلك قال اندرو،
اندرو : جيتا؟ رئيسة عصابة؟ اسمها نيشا؟ لا اصدق. كم انا غبي.
جان : شيء عجيب لا يصدق. انا سعيدة لانهم امسكوا بها.
بدأ يستوعب الامر قليلاً ثم صار يبتسم وقال،
اندرو : اسمعي يا جان. عندما كنا بالطائرة وكنت وقعت... اقصد عندما وضعت رأسك على كتفي. كنت اشعر... اقصد كنت اتمنى... لو انك...ما اريد ان اقوله هو...
جان : اعرف ما كنت ستقول. انا كذلك يا اندرو كنت اشعر نفس الشعور لكنني ما كنت اسمح لنفسي ان اعبر عن مشاعري لشخص سيقابل خطيبته بعد ساعات قليلة فاخترت ان ابقي مشاعري بداخلي وانسحبت بكرامتي اجرجر حزني واسفي. والآن وقد اصبحت حراً من تلك القردة الحقيرة اريد ان اخبرك باني معجبة بك كثيراً واود لو...
هنا قاطعها اندرو بقبلة ساخنة كادت تفقدها وعيها. باتت جان بغرفته تلك الليلة وخرجت معه في صبيحة اليوم التالي لكي يذهبا الى مركز الشرطة. هناك قابلا نفس الضابط الذي قابل اندرو اول مرة وقال،
الضابط : انت حقاً محظوظ يا سيد اندرو. فقضايا من هذا النوع تأخذ اشهراً او سنين طويلة قبل ان يلقوا القبض على الجناة. وبما ان اغلب الجناة لم يكن لديهم سوابق فتكون مهمة العثور عليهم اصعب بكثير. الا انهم ارتكبوا غلطة كبيرة إذ التحموا بشجار كبير بينهم حول تقاسم المال الذي سرقوه منك وصاروا يضربون بعضهم بعضاً بمدينة دورݘستر بالقرب من جنوب بريطانيا مما اثار حفيظة الجيران فقاموا بالاتصال بالشرطة. حال وصول الشرطة اليهم شكّت بهم الشرطة وطابقوا الصور التي رسمها فناننا من جراء وصفك لاشكالهم فاعتقلوهم على الفور.
اندرو : وماذا عن رئيسة العصابة؟
الضابط : انها مجرمة ولديها سوابق كثيرة وقد قضت سنين طويلة بالسجون.
اندرو : هل لي ان اقابلها؟
الضابط : بالتأكيد، يجب عليك ان تتعرف عليها كي نقوم بوضعها في سجلاتنا. سيحضرون نيشا باتيل من زنزانة المركز بعد قليل. الرجاء الانتضار خارج مكتبي.
خرج اندرو وجان خارج مكتب الضابط لينتظرا قدوم نيشا بفارغ الصبر. وما هي الا دقائق وقدم من بعيد شرطي يتأبط نيشا ويسيران في الممر الطويل ولما بلغا المكان الذي وقف فيه اندرو وجان توقف الشرطي فنظر اندرو بوجه نيشا وقال،
اندرو : كيف استطعت ان تعملي كل هذه اللعبة القذرة بكل سفالة وصفاقة؟
نيشا : انا كنت اادي عملي. هذه هي مهنتي وليس هناك اي عداء شخصي بيننا.
اندرو : شخصي ايتها الحقيرة؟ لقد احضرتيني من قارة الى قارة ووقفت تنظرين بينما كنت اتعرض للضرب بشكل وحشي وتقولين غير شخصي؟
جان : كم انا سعيدة لانك وقعت بالمصيدة يا شريرة.
نيشا : خذيه واشبعي به الآن يا عاهر.
ادخل الشرطي نيشا الى مكتب الضابط تبعهما اندرو وجان. وبعد ان تعرف عليها بشكل رسمي. سلمه الضابط ما تبقى من المبالغ المسروقة التي ضبطت بحوزة العصابة ثم أخِذَت نيشا بعيداً كي تقبو في السجن بينما خرج اندرو وجان من مركز الشرطة فسألته،
جان : الى اين الآن يا حبيبي؟
اندرو : انا ملك لك. خذيني الى اي مكان تريدين.
جان : ساجعلك تنسى تلك المرأة اللعينة وانت باحظاني. دعنا نذهب للفندق.
اندرو : قبل ذلك اريد ان اعرفك على العم كوستا.
جان : انا متحمسة للقائه. هيا اتصل به فوراً.
اخرج هاتفه النقال واتصل بكوستا وقال،
اندرو : الو عم كوستا، نحن قادمان اليك فوراً.
كوستا : ستتناولان عندي وجبة ڨيكان يونانية رائعة.
ركب الحبيبان سيارة اجرة سوداء فقال اندرو للسائق "55 شارع پنيويرن، ايرلز كورت لو سمحت". عندما قرعوا الجرس خرج لهم العم كوستا مبتسماً وقد ارتدى بدلة انيقة وقال،
كوستا : كالوس ايرثاتي. تفضلا، تفضلا، اهلاً وسهلاً.
اندرو : عم كوستا، دعني اعرفك على جان ماكنتوش. السيدة التي تعرفت عليها بالطائرة وانا في طريقي الى لندن.
كوستا : اهلاً بكِ يا ابنتي. انا سعيد لان اندروا عاد الى رشده وتعرف على انسانة طبيعية. تفضلا. علينا ان نحتفل اليوم.
دخل اندرو وجان الى الصالة فوجدو كوستا قد قام باعداد وليمة كبيرة من الطعام النباتي وزجاجة مشروب يونانية من نوع (اوزو). صب المشروب لهما ورفع كأسه وقال،
كوستا : لنشرب نخب النصر على المجرمين ونخب الصداقة الحميمة التي ولدت بالجو وانتهت بارض لندن.
نظر الى جان وقال،
كوستا : لا تدعيه يفلت من يديك يا جان.
جان : وهل يستطيع ان يفلت بعد الآن؟
اندرو : سارجع الى كندا وبيدي اجمل فتاة انكليزية. (ياسّو).
باليوم التالي استيقظ كوستا على صوت تنبيه من هاتفه يعلمه بوصول رسالة نصية. فتحها فوجد فيها ابلاغ من البنك يعلمه بوصول الحوالة المصرفية من كندا. ايقظ جان وقال لها،
اندرو : استيقظي حبيبتي يجب ان نذهب الى...
جان : الى اين يا حبيبي؟
اندرو : الى البنك. لقد وصلت الحوالة المصرفية.
جان : وبعد ذلك؟
اندرو : الى السفارة الكندية، يجب عليّ ان اسلمهم المال الذي اعاروني اياه.
جان : وبعد ذلك؟
اندرو : سنعود للفندق كي اخذ امتعتي من هناك وانتقل لشقتك بلدبري رود. اريد ان امارس الحب معكِ هناك.
جان : لا اقوى على الانتظار.

    

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

518 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع