دعوة الولايات المتحدة للعراق لاجراء “حوار استراتيجي” حول مصير العلاقة بين الطرفين هل هو محاولة لشرعنة الوجود الامريكي مرة ثانية ام بداية لإشعال فتنة داخلية جديدة

                                                  

                        د. سعد ناجي جواد

دعوة الولايات المتحدة للعراق لاجراء “حوار استراتيجي” حول مصير العلاقة بين الطرفين هل هو محاولة لشرعنة الوجود الامريكي مرة ثانية ام بداية لإشعال فتنة داخلية جديدة.

الحديث الدائر عن الحوار (الاستراتيجي) بين الولايات المتحدة والعراق لا بد وان يثير تساؤلات عديدة. حول التوقيت والاسلوب المتبع في اجراءه والاشخاص الذين انيطت بهم هذه المهمة،

هل هو حوار متكافئ؟ وهل ستكون هناك فائدة للعراق وللشعب العراقي من ورائه؟ الى غير ذلك من الاسئلة التي تدور في اذهان العراقيين غير المشاركين في العملية.
ابتداء وبكلمات واضحة وصريحة ان كل الدلائل تشير ان نتيجة هذا الحوار ستكون الطلب من الولايات المتحدة ان تبقى في العراق لمدة اطول. وهذه النتيجة ليست تنبوء ولا تمثل قدرة على كشف الطالع، وانما مبنية على حقائق عدة، منها اولا رغبة الولايات المتحدة في البقاء وتأكيدها على انها لن تغادر العراق، واذا ما حدث الاحتمال الضعيف جدا والمستبعد بنسبة 98% وجاء طلب الجانب العراقي منها ان تخرج، فانها هددت بانها ستلاحق العراق اقتصاديا وستفرض عليه عقوبات مشابهة لتلك المفروضة على ايران. ثانيا تراجع الاطراف العراقية الاكثر تطرفا والتي كانت تصر على اخراج القوات الامريكية بصورة ملفتة للنظر واطلقت هذه الاطراف تصريحات تقول فيها ان على القوات الامريكية اذا ما بقيت في العراق ان تمتثل للقوانين وللقيادة العسكرية العراقيتين. الدليل الثالث هو الطريقة التي تم فيها اختيار الفريق المحاور بحيث ان غالبيتهم هم من الاطراف الراغبة ببقاء القوات، او ممن يحملون جنسية امريكية او اوربية. كما اتهمت بعض الاسماء بانها تعمل في مؤسسات مدعومة صهيونيا، وانها تحدثت في اكثر من مناسبة عن ضرورة التطبيع مع اسرائيل. واخيرا وليس اخرا فان تركيبة الوفد المحاور جاءت ضعيفة وغير منسجمة ولم يظهر اي دليل على انها قد جلست مع بعضها البعض لترتيب اجندة عراقية واضحة لما سيتم مناقشته، ولا للتوافق على ما الذي يريده العراق من هذا الحوار. وكدليل على عدم انسجام اعضاء الحوار، او عدم ترتيبهم لاجندة واضحة، انه تم اضافة شخص الى الوفد قبل يوم او يومين من الحوار، وان بعض الاسماء المحاورة التي ترشحت تعيش خارج العراق منذ مدة ليست بالقصيرة. زد على ذلك ان تركيبة الوفد المفاوض تدلل على ان هناك اختلافات جذرية في وجهة نظر اعضاءه، والذين هم بالاساس يمثلون انعكاسا لوجهات نظر الاحزاب السياسية المهيمنة على السلطة، من مسالة بقاء القوات الامريكية. فهناك من يريدها ان تبقى، ويشكل هذا الطرف الاغلبية في الوفد المفاوض، وقلة تريدها ان تخرج. الا ان المؤلم في ذلك هو ان قناعة الطرفين لم تبن على اساس مصلحة العراق وانما لمصالح خارجية، الطرف الاول يمثل المصالح الامريكية والثاني يمثل المصالح الايرانية. اما مصالح العراق وشعبه الحقيقية فانها ظلت، وكالعادة ومنذ عام 2003، مغيبة عن كل ما يجري. والاهم ان لا الطرف الذي يؤيد بقاء القوات الامريكية قد سائل نفسه ماذا فعلت الولايات المتحدة للعراق منذ بداية الاحتلال ولحد الان. واذا ما تجاوزنا التدمير الهائل للبنية التحتية والعدد الهائل من الضحايا العراقيين الذين سقطوا بسببه وتمزيق النسيج الاجتماعي والمكوناتي للبلاد وتدمير المؤسسات وتفشي الفساد، وغير ذلك من الكوارث التي احدثها، فان تنظيم داعش الارهابي استطاع ان يحتل ثلث الاراضي العراقية وبوجود 12 قاعدة عسكرية تتواجد فيها القوات الامريكية، وبوجود اتفاقية تفاهم استراتيجي تحتم على الولايات المتحدة حماية الاراضي والاجواء العراقية.
واذا ما سلمنا جدلا بالادعاءات الامريكية ومن يؤيدها من احزاب السلطة، بان من مصلحة العراق ان يطلب من القوات الامريكية ودول الحلفاء البقاء، على اساس ان العراقيين بحاجة لها بسبب مشاكلهم الاقتصادية والامنية والخ من التبريرات، فان الغالبية العظمى من العراقيين يتمنون على من يمثلهم في الحوار ان يكون على قدر المسؤولية التاريخية وان يضع مصلحة العراق نصب عينية وان يكون ندا مساويا للمفاوضين من الطرف الاخر. وان يدركوا ان الولايات المتحدة في الظرف الحالي تريد ان تحصل على طلب رسمي وشرعي من الطرف العراقي لابقاء القوات الامريكية. وان يحاول المحاور العراقي ان يستغل هذه الرغبة الجامحة للبقاء في جعل الولايات المتحدة تعيد بناء ما خربته بعد الاحتلال وان تفهم الطرف الامريكي ان احتلالهم كان غير مشروع ويتعارض مع احكام القانون الدولي، وان عليهم ان يصلحوا هذا الامر. كما ان عليهم ان يضعوا سيادة العراق فوق كل اعتبار وتجعل الطرف الاخر ان يحترمها ويصونها، وان يقدم الدعم لاقتصاده وتساعده بمحاربة الفساد ابتداء من تسليم من لجأوا اليها من مسؤولين عراقيين سابقين مع ما سرقوه من اموال الشعب العراقي، انتهاء بملاحقة الفاسدين الذين وردت اسمائهم في التقارير والتحقيقات التي اجرتها اللجان الامريكية. وامور اخرى كثيرة ايس من الصعب من عاش معاناة العراقيين لمدة سبعة عشر عاما ان يدركها. لقد حاول الطرف الامريكي ان يفرض شرطه الاساسي قبل الحوار عندما قال ان يريد التفاوض مع مكونات الشعب العراقي وليس الحكومة، وهو نفس الاسلوب اللئيم الذي اتبعه عندما احتل العراق وصرح هو وعملاءه انه لا يوجد شيء اسمه العراق، وانما هناك مكونات مجتمعة في منطقة اطلق عليها اسم العراق، متناسيا الوجود التاريخي والطويل والضارب في جذور التاريخ لهذا البلد العريق. والان يريد ان يحدث شرخا جديدا بين العراقيين الذين يرفضون هذه المقولة، وان يعطي دعما لمن يدعم هذه الفكرة السيئة لكي يتمسك بها ويعيد طرحها. والاهم ان تقول ان ليس كل العراقيين مجمعين على اخراج القوات الامريكية والاجنبية من بلدهم.
لقد استطاعت دولا لا تمتلك الامكانات والمميزات التي يمتلكها العراق ان تجبر الولايات المتحدة ان تسلم باستقلالها وتحترمه، وان تقف الى جانبها لكي تكون قوة اقتصادية كبيرة او ان تتعامل معها كند مساوٍ لها وذلك بفض مفاوضيها ومحاوريها وسياسيها. انه لأمر مؤسف ان سياسي ما بعد الاحتلال فشلوا في ذلك لسبب بسيط هو انهم ظلوا ينظرون لأنفسهم كتابعين ذليلين للاحتلال وللهيمنة الاجنبية. ولا يوجد ما يدلل على ان محاوري اليوم سيكونون افضل من السياسيين الذين سبقوهم او الذين اختاروهم كي يمثلوا العراق في الحوار .
الحقيقة الاهم في كل ما يجري ان الولايات المتحدة الامريكية بالذات، وكل توابعها من جهة، وايران وتابعيها من الناحية الثانية، يمرون بأضعف حالاتهم ويتعرضون لتحديات كبيرة لا قبل لهم على تجاوزها بسهولة. وان هذا الوضع يمنح العراق قدرة كبيرة على الحصول على امتيازات تعوض فترة الانبطاح والتبعية التي مرت خلال السبعة عشر سنة الماضية، فهل سيدرك سياسي اليوم ومن يمثلهم من مفاوضين او محاورين هذه الحقيقة الصارخة، وينجحوا في ان يعيدوا العراق بعض من مكانته الاقليمية والدولية السابقة. نعم هو احتمال ضعيف لكن عسى ولعل.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع