الغنى الفاحش والتطور الديموقراطي

                                                

                        د. علي محمد فخرو

 الغنى الفاحش والتطور الديموقراطي

لنتمعن بمقتضيات فضيلة العدالة ومشاعر التضامن الانساني في الأرقام والنسب التالية:
امتلاك ثمانين فردا من أغنى أغنياء العالم لثروة تساوي ما يملكه خمسون في المائة من أفقر فقراء العالم، وعددهم ثلاثة مليارات ونصف من البشر.
يملك واحد في المائة من سكان الأرض ثروة تقدر بنحو خمسين في المائة من ثروة العالم الاجمالية. أي أنهم يملكون ثروة تقدر بحوالي مائة وعشرة تريليونات دولار. ونذكر القارئ بأن التريليون دولار يساوي ألف مليار دولار.
وما تعنيه تلك الأرقام الفلكية بالنسبة لتأثيرها على المجتمعات والناس؟ ان الجواب قد أظهرته العديد من الدراسات والأبحاث الجادة والموضوعية التي أجريت في بلدان الغرب المتقدمة، وهو أن تمركز الثروات الهائلة في أيادي القلة قد قاد الى ما يشبه الكوارث الاقتصادية والسياسية والثقافية.
لقد زادت أعداد الفقراء، وارتفعت نسبة البطالة على الأخص بين الشباب، وجرى تدمير ممنهج للبيئة، وأصبحت أغلب وسائل الاعلام اما مملوكة من قبل تلك الأقلية الغنية أو خاضعة لاملاءاتها، وتكونت طبقة من الباحثين والمفكرين تبرر وتنشر قيم تلك الأقلية وممارساتها الحياتية المجنونة، ووصل الأمر الى السيطرة على المؤسسات السياسية والسياسيين، وبالتالي أصبح تحكم تلك الأقلية بحقول السياسة والاقتصاد والاعلام ومراكز البحوث والثقافة يهدد روح وأنشطة ونتائج الممارسة الديموقراطية في تلك المجتمعات، ويقلبها الى أنظمة ديموقراطية فاسدة ونفعية، تهتم بمصالح الأغنياء وبما يزيد ثرواتهم بدلاً من خدمة المجتمعات وساكنيها.
والنتيجة وصلت الى افقار الحياة الانسانية: زيادة في الأمراض العقلية والأزمات النفسية، في كل أنواع الادمان الحسي والجنسي العبثي التدميري، في جحيم الوحدة ومشاعر التعاسة واللاانتماء الى أي شيء يتطلب حمل المسؤوليات والالتزام نحو الآخرين. وباختصار عيش حياة التعاسة وغياب الفرح والسعادة.
والسؤال الذي يهمنا هو: هل المجتمعات العربية والانسان العربي بمنأى عن كل ذلك؟ والجواب هو لا، وألف لا. فتلك الصورة الغربية هي أيضاً صورة عربية بامتياز. فظاهرة الغنى الفاحش وما ينتج عن تمركزه، في يد أقلية أنانية، مفتونة بتميزها في الذكاء والابداع والعمل الجاد، مهووسة بإلقاء اللوم على الفقراء وكسلهم كسبب لوجود الفقر، هي في ازدياد وانتشار مقلقين في كل أرض العرب. وازدياد سيطرة الثروات المالية العربية على مفاصل الاقتصاد والسياسة والاعلام وكل وسائل التلاعب بعقول الناس أصبح اضافة جديدة لقائمة الابتلاءات العربية التاريخية المتمثلة كل أنواع الاستبداد والهيمنة من قبل كل أنواع الأقليات الدينية والطائفية والقبلية والعسكرية والحزبية، بما فيها تلك التي ارتبطت بمصالح قوى الخارج الاقتصادية والأمنية.
في كل الحالات تؤكد الدراسات الميدانية أن تلك الأقلية الفاحشة الثراء لا تنتج الثروة من خلال جهدها وتميزها، وانما من خلال الاستفادة من جهد الآخرين وشرائه بشتى الوسائل المشكوك في القيم الأخلاقية التي تحكمها: ذلك أن لدى تلك الأقلية قدرات واتصالات تمكنها من تجنب رقابة ومحاسبة شتى المؤسسات الديموقراطية من خلال التحكم بوسائل صنع الرأي العام وتطويعه، ويحدث في البلدان غير الديموقراطية من خلال منع قيام أي نوع من المؤسسات الديموقراطية الفاعلة، كما هو الحال في بلاد العرب.
ان الكثيرين من الكتاب يحذرون من أنه اذا لم يتحسن المشهد الحالي لتوزيع الثروة فان مجتمعات العالم مقبلة على أحد أمرين: دخول النظام الاقتصادي العالمي في أزمة كبرى لن يستطيع الخروج منها، أو دخول المجتمعات في ثورات يائسة مدمرة.
في الوطن العربي كانت حراكات وثورات السنوات القليلة الماضية هي عبارة عن رد الشعب العربي على ظلم الاستبداد التاريخي من جهة وعلى عدم انسانية نظامه الاقتصادي من جهة أخرى. ان عدم عدالة الوضع الاقتصادي في أي مكان هو كاف ليشعل الاضطرابات، كما حصل في أوروبا مثلاً في بدايات القرن العشرين، فكيف اذا ترافق الظلم الاقتصادي مع الاستبداد السياسي، كما هو الحال في أرض العرب، سؤال يجب أن نواجهه الآن، وليس غداً.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع