هنِدي ، و علىٰ راسّي رِيشة ..

                                    

                       لانه جلال چرمگا

         

منذ زمن ليس بقريب و هناك سؤال يدور برأسي ،وحاولت عدة مرات أن ابحث عن إجابة تُطيب فضولي و حيرتي ولكني لم اجد الجواب الشافي !
عندما طرقت مسامعي للمرة الأولى عبارة (انت هندي.؟) وأنا في بحث مع ذاتي عن مصدر تلك الجملة الاستفهامية المليئة بالحيرة و الغرابة .!

تُطلق (شنو إنت هندي .؟) على الشخص الذي لم يفهم شيء منذ الوهلة الاولى ، أو يسيء فهم الشيء او حتى اذا بدر من الشخص شيء بسيط او تصرف لم يرق لقائل هذه الجملة ، فحينها يصبُ جام غضبه على المقابل بهذه الجملة المصحوبة بنبرة عصبية و بحركات الجسد الاستفهامية سواءاً بالعين او اليد .؟؟
استوقفتني و استفزتني جداً هذه المقولة التي ليست في محلها أبداً ، بالمطلق انا لست مع ان نختصر كيان امة او شعب بحاله و نربطه بفعل او تصرف  شخص ما لمجرد انه لم يكن على هوانا.
ولكن فلنأخذها من باب المزح او ( اذا كانت كذلك بالأصل) ! ف بتصوري ان اختيار الهنود لم يكن الاختيار الصائب إطلاقاً و اعتقد انه توجد أماكن اقرب من الهند و بنفس القارة مؤهلة اكثر لهذا المنصب (طبعاً إتفقنا انه من باب المزح فقط )!.
دعوني أخذكم معي برحلة حِبرية قصيرة لنستعرض معاً بعض .. أُكرر بعض إنجازات (الهندي) و حينها سوف يتبين إن كانت هذه المقولة ظالمة او منصفة بحقهم و حق غيرهم .!
الهند، بمجرد سماع آسم هذا البلد يخطر ببالي الكم الكبير من التنوع و الاختلاف التشابه و النقيض في كل شيء حيث استغرب كيف لبلد واحد بإمكانه ضم و اختصار عشرات الدول و الحضارات ، بلدُ امتزجت فيه جميع ألاجناس و الألوان و المذاهب و الأديان و الأعراق و جمعت تحت سماء واحدة و خريطة واحدة و إن تعددت الأيادي ولكن يبقى البلد واحداً .. كل شيء ملون ، زاهي ، مبهر، دافئ ، يخترق الحواس و يداعب الإحساس ،ابتداءاً من حسناواتها بسحر عيونهن وليّل شعورهن الداكن و خمرتهن .. و من غنِى أدبها و تنوع ثقافتها ، خشوع و صمت معابدها الى فنها و صخب رقصها المبهج و اُسلوب غنائها..من انواع الشاي و التوابل بألوانها و شراسة مذاقها و رائحتها .. من ملمس الأقمشة وألوان ( الساري) و الحرائر ، إلى المجوهرات و الأحجار الكريمة ببريقها و إنعكاس رونقها، دفء شمسها الحنونة التي تحتضن فن عمارتها و عبق ماضيها المثقل  بسحر الحكايات و الخبايا و الأسرار و قصص العشق و الوفاء .. صبّر سُكانها على مرارة الأيام وتفاصيل الحَيَاة المتعبة التي تركت جُرحاً في القلب و إبتسامة على الشفاه و إن لم تكن حقيقية !.
تعتبر الهند من الدول المتصدرة لتصدير كل شيء ( تقريباً) كل شيء ! نبدأها باليد العاملة ، العمالة خارج الهند تكون أضعاف داخلها ، حيث لديهم سعة صدر و قدرة و قابلية على امتهان اي عمل مهما كان و أينما كان بالإضافة إلى احتفاظهم بإبتسامتهم رغم  ما يواجهونه من صِعاب .
-الجمال، حازت حسناوات الهند سبع مرات على لقب ملكة جمال العالم ( مرتين حصّلن على لقب ملكة جمال الكون عامي ١٩٩٤ /٢٠٠٠) و فزن ٥ مرات بلقب ملكة جمال العالم .
-الإقتصاد، خلال العقدين الماضيين أصبحت من بين الدول الأسرع نمواً في العالم حيث تحتل الترتيب الثاني عشر من بين اكبر الدول الاقتصادية في العالم و المركز الرابع كأبر قوة شرائية، و يشمل هذا النمو جميع القطاعات الزراعية كزراعة الشاي، الأرز ،القطن و قصب السكر ، بالإضافة الى الثروة الحيوانية من الماشية و الدواجن و الأسماك .
اما بالنسبة الى قطاع الصناعات تشمل ، المنسوجات، الكيمياويات، الصلب و معدات النقل، الإسمنت ، البترول، الاَلات و البرمجيات، ناهيك عن المنسوجات و المصنوعات الجلدية و الاحجار الكريمة و المجوهرات .
أما اكبر انجازاتها على الصعيد الاقتصادي هي مجموعة ( تاتا موتورز ) التي ضمت صناعة سيارات ( الجاغوار و اللاند روفر ) الى مجموعتها عام ٢٠٠٨ ، كما إن (التاتا) معروفة عندنا و عند اغلب البلدان كسيارات للنقل العام  ، و قامت هذه الشركة بتصنيع أرخص سيارة في العالم وهي (تاتا نانو) و يبلغ سعرها ٢٥٠٠ دولار . و لم تتوقف مجموعة تاتا هنا بل انها مختصة بأكثر من ٨ قطاعات مختلفة مابين ، الخدمات الاستثمارية، التكنلوجيا ، الشاي و الأغذية، الكيميائية، الطاقة، الاتصالات، الستيل و الحديد و اخيراً الفندقة بأعتبارها المالكة لأفخم الفنادق ومن ضمنها فندق تاج محل .
و لا ننسى بورصة بومباي للأوراق المالية ، أكبر بورصة في جنوب آسيا و عاشر اكبر بورصة في العالم .
-الثقافة، تعتبر الهند من الدول النادرة التي وفقت بين الأديان و التعددية الثقافية ، حيث نجحت في الحفاظ على تقاليدها المتوارثة مع سهولة استيعاب العادات و الأفكار  و التقاليد المكتسبة من المهاجرين و المستعمرين.
-الأدب، الهند غنية بالأعمال الأدبية القديمة التي كانت تتناقل شفهياً فيما بينهم و من بعد ذلك كتبت و دونت للحفاظ عليها و من ابرزها مجموعة القصص ( كليلة و دُمنة) التي نُقلت من اللغة الأصلية (السنسكريتية) الى اللغة العربية على يد عبد الله بن المقفع في العصر العباسي.
-الفَنّ، تتميز بتنوع كبير في اُسلوب و نمط الموسيقى و الرقص الشعبي و الكلاسيكي ، و توجد اكبر أكاديمية في اسيا و تضم الرقص و الموسيقى و الدراما ، بالإضافة الى صناعة السينما في الهند تعتبر الأضخم في العالم من حيث الانتاج و التوزيع ، حيث توجد مدينة انتاج إعلامية ضخمة تسمى (بوليوود ) تقوم بإنتاج مايقارب ١٠٠٠ فلم روائي طويل سنوياً ، كما أن عدد دور السينما تجاوزت ال١٣ ألف صالة سينما في جميع ارجاء الهند .
-المطبخ، الأكلات الهندية تتمتع بخاصية مميزة من حيث تعدد الأصناف و مزج المكونات مع بعض بطريقة غير مألوفة بالإضافة الى ان المطبخ الهندي يمتاز بتوابله الغنية من حيث الطعم و الرائحة  و الألوان ولا يخلو بيت من تلك التوابل سواء كان في الهند ام خارجه ، و تتمتع الأكلات الهندية بشعبية كبيرة في جميع دول العالم لإن لها خصوصية تختلف عن البقية ولا تشبه إلا نفسها.
-العٓمّارة، عندما تذكر الهند يخطر ببالنا اول شيء تاج محل ، هذا الصرح الشامخ الذي بناه الحاكم الهندي مدفناً لزوجته عرفاناً لحبها . هذا المكان المليء بالحكايات و الأساطير والقصص المخفية خلف جدرانه و التي لا يشاطره أحد سوى أشعة الشمس التي تدخل من اول خيط لها الى اخر خيط . حيث بُني هذا المبنى بطريقة تحتكر أشعة الشمس من اول الشروق الى اخر الغروب . كما انه توجد الكثير من المعالم و المعابد و الأبنية مثل معبد اللوتس، قصر ألمدينة، قصر الرياح، المعبد الذهبي، القلعة الحمراء و جامع جهان بنما الذي يعتبر اكبر جامع في الهند و يتسع ل ٢٥ ألف مصل ، و توجد الكثير من الأماكن التي تثير الدهشة و الفضول حيث كيف ( الهندي)  تمكن من الحفاظ على إرثه العظيم رغم كل هذه السنين .
كل تلك الإنجازات العظيمة و يوجد في جعبتهم المزيد و في قلمي المزيد هل يا ترى يستحقون  أن نصف الشخص الذي لا يفهم ب ( الهندي ) و أن ننعت الذي لا يحسّن التصرف ب(الهندي) .؟ رغم كل هذا الغِنى بالإرث و الحضارة و التاريخ و الإنجازات و يطلقون عليهم (هنود) بالمعنى الذي نعرفه نحن طبعاً .. فماذا تركنا للبقية الذين تطوف بلدانهم على بحور من الذهب الأسود و الأبيض و ليس لديهم ربع (الهندي ) و يقول (( يا أرض إنهدي ما حدا آدي)) ! و النتيجة واضحة نراها بالعين و على التلفاز !
اذا كان الهندي ، هندي فياريت الف ياريت نصف الشعوب الأخرى هنود فقط لكي يتذكر بأنه يستحق لقب هندي و أن يفخر بأن على رأسه ريشة أيضاً ..!
كل الحُب و التقدير للهنود الذين طبعت الشمس قُبلة ساخنة على جباههم السمراء و طَبَع الوقت بصمتهُ على قلوبهم البيضاء .

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

754 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع