هل أنت هندي؟

                                        

                           سارة مطر

الارتقاء بالذات عملية ترتبط ببناء الشخصية وتحييد مرجعياتها العقلية والاجتماعية التي تقصي الرواسب التربوية من المعادلة، أو بعبارة أخرى إقصاء النسق، لأنه يعوق نمو تلك الذات ويعطل كثيرا من قواها وقدراتها على التطور، فالبقاء على حال عملية واحدة ترتكز إلى معطلات للإنتاج هو الذي يسهم في تأخر المجتمعات وفقدانها طاقة بنائية مهمّة للتطور.

قبل نحو عامين تم في الهند تعيين وزير للعدالة الاجتماعية كان يعمل بمهنة سباك في المملكة العربية السعودية، والهند دولة في حجم قارة، شكلا ومضمونا، فهي كبيرة جدا، وعدد سكانها الثاني عالميا بعد الصين وربما تتجاوزها خلال سنوات قليلة، ثم إن فيها نسبة كبيرة من مبرمجي الكمبيوتر، وجيوش من الأطباء وحاملي الدكتوراه في مختلف التخصصات، وقد صعدت إلى الفضاء ولديها قوة نووية. واقتصاديا فهي أحد أكبر الاقتصاديات العالمية وعضو في مجموعة “بريكس” إلى جانب روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل، كما أن لديها حضارة عريقة وتاريخا فريدا من التعايش، بغض النظر عن بعض الثغرات في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، ومع ذلك كله لم تتحرّج حكومتها من تعيين سباك سابق في دولة خليجية وزيرا يخدم المجتمع.

في أعرافنا الاجتماعية حينما نتندّر على أحد أو نميل إلى وصفه بالغباء يقال له “أنت هندي”، وهو في الواقع هندي لأنه لم يفهم الخطاب الذي تم توجيهه له، فيبدو وكأنه في حالة تبلّد فيما هو ليس كذلك، وتلك الدولة التي تعيّن سباكيها وزراء ليست متبلدة، وإنما نتبلد مجتمعيا حينما ننتقص من كل مهنة وعمل وكسب شريف، ما يضيّق على قليلي الحيلة الذين ربما لم يتمكنوا من دخول الجامعات أو على الأقل إكمال دراستهم، فالخدمة العامة لا ترتبط بالدراسة والوضع الاجتماعي وإنما بما يقدمه الشخص لمجتمعه، فتلك الهند فيها مليونيرات يفوقون في ثرائهم الكثيرين من أثرياء مجتمعاتنا ومع ذلك يجدون في قمة حكوماتهم سباكين ربما أصلحوا ذات يوم صنابير منازلهم، وبوضعهم ذلك لا يستطيعون مناداتهم سوى بلقب “معالي” لأنه مستمر في الخدمة وبدلا من أن كانت خاصة تحولت إلى عامة.

ذلك السباك الذي أصبح وزيرا قدّم تجربة إنسانية رفيعة تجعل من تعيير الشخص بأنه هندي ترتد عمّن يعيره، ما يعني مراجعة سلوكنا الاجتماعي الذي يرفض حتى عمل السباكة التي يعمل فيها وزراء أكبر دول العالم، فهل لدى تلك الشعوب والدول مشكلة أم المشكلة في مجتمعاتنا؟

لا أتوقع أن لدى تلك الشعوب مشكلات حقيقية في تصنيفها لأفرادها وأعمالهم، وإنما المشكلة لدينا، فقد تجد عاطلا دون دراسة أو تأهيل يضحك على هندي لأنه لم يفهم ما يطلبه منه فيما ذلك الهندي يحمل درجة علمية رفيعة ويسعى خلف رزقه وهو مشروع وزير في دولة كبرى، بينما يبقى ذلك في حاله ووضعه يضحك على الآخرين فيما هم يكبرون ويصعدون ويعملون وينتجون.

المراجعات الاجتماعية مهمة في سياق التطور وإعادة اكتشاف الذات، وكلما وجدنا تجارب لغيرنا ينبغي أن نتوقف عندها ونستلهم الكامن في تفاصيلها من دروس، فهم أيضا من المؤكد نظروا في أوضاعنا ودرسوها جيدا، وربما بعضهم يتندّر علينا ولا ندري، ولكن لم يتوقفوا عند ذلك وإنما استفادوا من تمايزنا وسلبيتنا وتجنّبوها وهم يصعدون، ووفقا لذلك فإن العقل الاجتماعي من المهم أن يعمل ويستبعد النسقيات التي تقعدنا عن التطور، ودون ذلك تضيق فرص الكسب والإنتاج ونبقى “محلّك سرْ”.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع