قصة قصيرة / حيرة أمي

                                           

                      سيف شمس الدين الالوسي

بروكسل/بلجيكا
29/سبتمبر /2015

منذ الصباح الباكر كما اعتادت يوميا إيقاظه لكي يتناول وجبة الإفطار معها، تريد أن تكتحل عينيها برؤيته وهو جالس أمامها، لا شيء يعنيها أو يهمها في الوجود سوا وجود ذلك الشاب الذي ما زال طفلا في عينيها، مهما تمرد ستغفر له دائما .

فتحت باب غرفته بهدوء لكي لا تزعجه، مدت يدها إلى فراشه تتحسسه فلم تجده، لمست فراشه فوجدته باردا عندها تذكرت انه قد سافر لإحدى الدول مودعا إياها وليتركها وحيدة بعد أن توفي زوجها، لم يكن لها أي ابن آخر، هو وحيدها وانيسها وضالتها التي كانت تتعكز عليه في كل شيء.
جلست على سريره مداعبة وسادته، كم مرة وضع رئسه عليها، كم من مرة أطلت رأسها عليه في منتصف الليل لتطمأن عليه، أخذها الرعب للحظات هل هو الآن بخير وينام سعيدا، حملت وسادته وحضنتها وقبلتها عدة قبلات، تذكرت اللحظة التي ودعته في المطار، غادر ، أدار بظهره ومشى، كل شيء أصبح من الماضي، لا شيء هناك له وجود، ستراه وتسمعه لكن من خلال شاشة صغيرة كأنما تشاهد مسلسل أو فلما كوميديا سخيفا، ستراه في العالم الافتراضي الذي ما أن تغلق تلك الشاشة حتى يتلاشى كل شيء .
أخذتها ذاكرتها لسنين ابعد، كيف كانت تنتظر عودته من الجامعة، كانت قلقة عليه وتتصل به باستمرار حتى تزعجه بكثرة اتصالاتها له، تذكرت اللحظة التي نجح منها في الإعدادية، استبشرت خيرا ووزعت الهدايا  لجيرانها وعملت حفلا بسيطا لان ابنها قد قبل في إحدى الجامعات .
تبسمت عندما تذكرت كيف كان صغيرا في الابتدائية، تمسكه من يده وتوصله إلى باب مدرسته ومن ثم تعود به بعد الظهر، لا تستأمن عليه أي كان وعندما يعود تفاجئه بطبخة هو يحبها، محاولة اساعاده في أي شيء ، أليس ابنها ؟ وهل هنالك غريزة أعظم واكبر وأقوى من غريزة الأمومة، مرغت وجهها في الوسادة ونزلت دموعها عليها، وحيدها لم يعد عندها، هو الآن ربما بأحضان صديقة آو خليلة آو ربما لوحده، المهم هو الآن بعيد عنها، كم بكته كثيرا.
أطلقت العنان  لآهاتها عندما تذكرت كيف مرض يوما عندما كان صغيرا ليقضي عدة أيام في المستشفى، قضتها بجنبه مع زوجها الذي توفي منذ سنين وأصبح ابنها هذا كل شيء في حياتها، تذكرت فرحتها عند خروجه من المستشفى، ذكريات وذكريات تؤلمنا وتعصرنا، ذكريات تنهكنا وتذلنا، هي اقوى من الحب لأنها موشومة فينا لا نستطيع محوها، إزالتها سيترك أثرا مشوها يذكرنا بها باستمرار.
وضعت الوسادة بين أحضانها ظنتها هو، هو عندما كان طفلا يعاني من حمى لزمته عدة ايام، هو عندما كان عديم القوى ولم يخرج له جناحان ليطير بهما ويبتعد عنها بعيدا، موسم الهجرة لم يعد مؤهلا له ، آه لو لم يكبر لبقي بجنبي هكذا نطقت مع نفسها، تبا لتلك الجناحان تبا لهما.
أرادت العودة أكثر إلى الماضي، كيف ولدته، كيف أنجبته، كيف تحملت الآم الولادة ، كيف تحملت حمله لكنها لم تستطع الغور في الماضي أكثر، فقط لأنها لم تنجبه لكن تبنته بعد أن تخلى عنه أبويه و لتكون هي أمه .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع