مستقبل الأمم المتحدة في السبعين من عمرها

                                             

                             د.منار الشوربجي

في عيد ميلادها السبعين، الذي يحل هذا العام، تتعرض منظمة الأمم المتحدة للانتقادات والهجوم. وهى انتقادات مرتبطة بالأجواء التي نشأت فيها المنظمة، فنحتت هياكلها وحددت طبيعة أدائها. والمفارقة، أن كل من الأطراف المنتقدة لها مصلحة في الإبقاء على أحد جوانب الوضع الحالي للمنظمة الدولية.

ففي عام 1945، خرجت الأمم المتحدة للوجود. كان ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية. وأنت إذا اطلعت على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني، سيقول لك إن «الأمم كانت مدمرة في عام 1945، فالحرب العالمية الثانية كانت قد انتهت والعالم يتطلع للسلام».

وكما ينص ميثاق الأمم المتحدة، فإنها تعمل من أجل دعم التعاون وإحلال السلام الدوليين. والذين كتبوا الميثاق سعوا إلى تلافى المشكلات التي اعتورت عصبة الأمم، فأكد الميثاق على مفهوم السيادة للدول الأعضاء في المنظمة الجديدة، والذي ينتج عنه أحياناً، عجز المنظمة عن الحركة إذا تعذرت موافقة الأعضاء. وحين نشأت المنظمة، كان عدد أعضائها 51 عضواً، تضاعف في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بعد استقلال الدول النامية.

وقد أدت نهاية الحرب الباردة وتفكك عدد آخر من الدول، إلى زيادة العضوية حتى وصلت اليوم إلى 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

والمنظمة تتعرض منذ عقدين على الأقل، لانتقادات تتهمها بأنها تتسم بعدم الفاعلية، وصارت تعاني من بيرقراطية مفرطة، فضلاً عن انتقادات تتعلق بتكلفتها الباهظة. فهناك انتقادات موجهة للأمم المتحدة، بأنها فشلت في حفظ السلم الدولي في أكثر من منطقة في العالم، وصلت منذ أسابيع قليلة لاعتراف الأمين العام بان كي مون، بفشل المنظمة في التعامل مع كارثة اللاجئين السوريين. والأمم المتحدة متهمة أيضاً بأنها صارت تمثل طبقات فوق طبقات من البيرقراطية.

فقد وصل عدد العاملين بها إلى أكثر من 40 ألفاً، وهو ما يؤدى، وفق هذا الانتقاد، لبطء شديد في الحركة وقت الحاجة، فضلاً عن أن ميزانيتها تضخمت بشكل كبير، حيث تضاعفت أربع مرات خلال العقدين الأخيرين، ووصلت إلى أكثر من خمسة مليارات دولار. وهو رقم لا يتضمن الإنفاق على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العالم.

والحقيقة أن هناك خلافاً كبيراً بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول تلك الانتقادات. فرغم أن الكثير منها له أساس موضوعي، إلا أن الدول الصناعية الكبرى ترى أن الدول النامية تمثل العقبة الكؤود في وجه أي محاولات للإصلاح.

وهى تقول إن الدول النامية تقاوم بشدة أي تقليص لبرامج الأمم المتحدة العاملة بها، حتى ولو كان ذلك التقليص في عدد الموظفين الموجودين على أرضها من العاملين لدى للمنظمة الدولية.

وهي ترى أيضاً أن تلك الدول رغم «إسهامها المالي المتواضع» إلا أنها تحظى بالنصيب الأكبر من إنفاق المنظمة الدولية. أما الدول النامية، فهي ترى أن الكثير من برامج الإصلاح التي تقترحها الدول الكبرى، ما هي إلا «محاولة لفرض المزيد من الهيمنة» على المنظمة الدولية، وتؤكد على أن الدول الصناعية الكبرى، تهيمن بالفعل على الوظائف المهمة، بل وتصر على ذلك في كل الهيئات التابعة للمنظمة، لا فقط في هياكلها الرئيسة. فعلى سبيل المثال، تطالب الدول النامية أن تكون الوظائف في برنامج الأمم المتحدة للتنمية من نصيب أبناء دول العالم الثالث، أصحاب الخبرة الواقعية بخصوص معضلات التنمية.

والحقيقة أن الكثير مما يجري في الأمم المتحدة، يجسد أجواء دولية لم تعد موجودة اليوم. فالمنظمة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، عكست الأجواء التي نشأت فيها. فهي جسدت في هياكلها وطبيعتها، أوضاع العالم ومراكز القوى فيه وقت إنشائها.

فأعطت المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وضعاً استثنائياً، تجسد في واحد من أهم هياكلها، وهو مجلس الأمن. فالدول المنتصرة في الحرب، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، صارت لها مقاعد دائمة في مجلس الأمن، الذي يضم عشر دول أخرى يتم انتخابها، وتمتلك الدول الدائمة، تلك، حق الفيتو على أي قرار للمجلس المعني بالسلم والأمن الدوليين. ويقول ريتشارد فولك، تعليقاً على هذا الوضع، أنه في عالم اليوم حين «تعطى مقعداً دائماً لكل من فرنسا وبريطانيا، وتحرم منه الهند والبرازيل وألمانيا واليابان، فإنك تستهزئ بالتوزيع الراهن للنفوذ في السياسة العالمية».

وبالفعل، فإن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تقاوم تغيير هيكل المجلس، رغم المطالب المتزايدة في هذا الشأن.

بعبارة أخرى، فإن كل الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، مستفيدة من بعض الأوضاع الحالية في الأمم المتحدة، ومستاءة من بعضها الآخر. ومبدأ السيادة يساعد تلك الدول على الإبقاء على الأوضاع الراهنة.

فالدول النامية في حاجة لكل دولار تنفقه الأمم المتحدة. والدول الخمس الكبار، تقاوم أي محاولة للتقليص من وضعها الاستثنائي في المنظمة الدولية، بما في ذلك القدرة على ممارسة النفوذ على الأمين العام. السؤال، هل يحدث تغيير رغم كل تلك العقبات؟.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

546 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع