القائمقام أبوعَـزام !

                                                    

                                     

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

 
تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

 المقدمة
ذكر(سو مرت موم)، "كل شيء في حياة الكاتب يمكن استخدامه في قصة"، ولذا قررت  كتابة قصة "القائمقام أبوعزام" لا للتسلية ، بل لأكتساب العبرة وتجنب الأنزلاق في السـراب مستعيناً بما ذكره"شيرورد اندرسون" حول استخدام ما يبدو متناثراً ولا تربطه أية رابطة في حياتنا اليومية في نسيج قصصي من خلال التجارب التي تحدث لنا أوأمام أعيننا.
طالما تحدثنا عن أناس بلا حياء، إلا أنهم امتلكوا الحظ في حياتهم، وآخرون شرفاء لم يلمسوا سوى الخيبات,على أمل أن يبزغ لهم الفجرليهزم الظلام الدامس المخيم على حياتهم منذ الولادة ، وأدركوا بعد فوات الأوان, وأن الزمن لا يفتح أبوابه إلا لمن يحسن الأنتظار,كما قيل:
لا شيئ اقوى من الحقيقة,ويجب التعامل مع الواقع مهما كانت قسوته, لذا شـرعتُ بكتابة العديد من القصص الواقعية التي تنقصها الصراحة, متجنباً الأطناب وخدش المشاعر الذاتية لأبطال القصة,..ومنها هذه القصة الموسومة بـ: القائمقام أبو عزام!   
***
أن العالم في نهاية القرن العشرين سقط في الأنحطاط، وما من احد تمكن من ردع ذلك الأنهياروالظلم أوترميمه من دون خوف أو رهبة من المتسلطين على حرية البشر، ولذا تم اغتيال القًّيمْ التي آمن بها أجدادنا، فطحنت حضارتهم وتمزقت شَذَرَ مَذَرَ!!... ونتيجة لذلك، اندلعت الحرب الكلامية في أوساط طلائع الأمة المثقفة، وتبادلوا التهم التي قادتنا إلى ما نحن عليه ألآن,.. وجعلونا نسيروفق مخططاتهم شئنا أم أبينا !, وجلنا أغمض عينيه حتى عن ابسط القيَمْ الانسانية وأصُبنا بالإحباط!.. ولم نترك شيئاً لم نتهمه لنعلق فوقه أسباب الإحباط والانتكاسات،..لأنعدام رؤيتنا للحقيقة والتخبط في التكهنات التي لا أساس لها من الصحة، فزدنا جُبناً في اتخاذ أي قرارلننهي به مشاكلنا. ولم نـستطع استنباط الواقع أوبعض الحقيقة ، وهكذا عشــنا في شقاء دائب، كما قال المتنبي :
ذو العقل يًشقى في النعيم بعقلهِ         واخو الجهالةِ في الشقاءِ يَنعَمُ

ومضات من التاريخ والجغرافية لأحداث القصة!
المكان هو جنوب العراق وتاريخه, هوامتداد لتاريخ البابلين والآشوريين بمقدار(600) سـنة قبل الميلاد فمملكة "سومر وأكًـد ", سبقت بابل وآشور,واتحدت الدولتان مكونة مملكة موحدة , ومن اهم مـدنها " أًور" (احدى ضواحي لواء الناصرية "محافظة ذي قارحالياً" ,.. القريبة من مدينة الشطرة التي ستدور فيها أحداث هذه القصة.
  فلقد قطن هذه المنطقة, الكلدانيون وكيش, واستمرت بالأزدهارلمدة اربعة قرون, بقيادة "حمورابي", المشرع المشهورالذي جعل "بابل " من اشهر عواصم العالم آنذاك!
 فقد كان" حمورابي" وما زال من اعظم الحكام التقدميين في العالم! ...فشريعة قوانينه تمتد الى يومنا هذا وهي تـُظهرادراكاً لكل القوانين الجزائية والمدنية والتجارية,وتفوقت بها على قوانين زمانه!

            

بعد 1400 سنة على تدهور بابل جراء الغزوات, تنامت تدريجياً الدولة الآشورية التي نشأت في نينوى (قرب مدينة الموصل),... بسبب سيطرتها على منابع المياه في نهر دجلة, ووصلت ذروة الآشوريين بين (600 - 700 ) قبل الميلاد, ودار الزمان دورته وتحطمت بابل على ايدي الآشوريين,..الا ان الكلدانيين اسسوا دولتهم, ثم تمكنوا من  ازاحة الآشوريين وحلوا محلها لأكثر من نصف قرن !
 ***

كان نبوخذنصرمن اشهرحكام تلك الحقبة, وتمكن من اعادة بناء بابل, واستطاع الأستيلاء على " اورشليم " القدس ,وسـبى اليهود وجـرهم الى الى الأســر!

***

وفي سـنة ( 539 ), قبل الميلاد تحرك الفرس بقيادة " كورش" ودمروا الدولة البابلية  وبقى النفوذ الفارسي مهيمناً لأكثرمن مئتي سنة.
  ***

وفي سنة (200 ) بعد الميلاد عاد الفرس ثانية ووصلوا الى أوج عظمتهم , وبنوا الطاق الآجري العظيم( طاق كسـرى) الذي يمكن مشاهدته الى يومنا هذا في قرية (سلمان باك),  في اطراف العاصمة العراقية بغداد.
   ***

وفي سنة 570 ميلادية بزغت راية الأسلام كدين عظيم, ولم يمضى على الدعوة قرن حتى أزاح المسلمون الفرس, ودانت الجزيرة العربية كاملة للأسلام!
***

وبعد انهيار الدولة الأموية , وتأسيس الدولة العباسية نقلت عاصمة الخلافة من دمشق الى بغداد, وصارت تدعى بدار السلام , يوم وصلت الى أوج سـلـطتها وزهوها في عصرها الذهبي!... وصار الزوار يفدونها من كافة انحاء العالم , وتأسست فيها اول جامعة بمفهومها الحديث ,.. الموسومة بجامعة المستنصرية, وما زالت ابنيتها شامخة على ضفاف دجلة بجانب الرصافة , غير بعيدة عن باب المعظم حالياً.
***

استمرت بغداد في زهوها الى ان حدث الغزو العظيم في اواسط القرن الثالث عشر ميلادي بزعامة "هولاكو", فأطاح بالخلافة العربية وانتهكت فيها بغداد ودمرت واصبحت البلاد خاوية بسبب الدمار الشامل الذي حـلً بها, ومنذ السنة 1258 م. لم تستعيد بغداد مجدها حتى يومنا هذا !
    ***

خضع العراق للحكم العثماني الى ان تـم انزال القوات البريطانية سنة 1914 م. في مصب  شط العرب ليحول دون مشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية, ولغرض حماية المصالح البريطانية النفطية في جنوب ايران .
*** وبالرغم من المقاومة العراقية من عشائر العراق في الوسط والجنوب, استطاعت تلك القوى الغازية من دخول بغداد سنة 1917 م. فأزاحت العثمانيين عن بلاد الرافدين كلها!
***  

وبعد اندلاع ثورة العشرين في الفرات الأوسط,ثم تسربها لكافة مدن العراق, قررت الحكومة البريطانية الأنسحاب عندما يصبح الأنتداب الذي تمارسه بريطانيا نيابة عن عصبة الأمم يسمح لبناء الكيان السياسي العراقي, وقد استمر ذلك لغاية سنة 1932 م. وقي الثالث من تشرين الأول (اكتوبر) حصل العراق عضوية عصبة الأمم واصبح مسـتقلاً !
***
 تأثيرالجغرافية على المجتمع :
يتكون العراق من السهل الكبير بين النهرين والأراضي المرتفعة على بعد 200 ميل شمال بغداد,ويتكون السهل من الطمى التي  يحملها النهران معهما ويمتد هذا السهل من الرمادي غرباً وخانقين شرقاً, ولا توجد صخورفي هذا السهل , وان سكان هذه المناطق اوفرحظاً من ســكان المرتفعات , حيث يشتغلون بالزراعة  لذا نراهم يتواجدون بالقرب من الأنهار والآبار الدائمة , وفي الشتاء تهطل الأمطار وينمو الكلأ في الصحراء,وتنتقل القبائل الى تلك المناطق, ولذا تقع بينها غارات ومعارك عنيفة ,الاانها تلاشت مع نمو سيطرة الحكومة وامتلاكها لسيارات تحمل انواع من الأسلحة الفتاكة الحديثة !
 كانت تلك القبائل تخضع لقانون بدائي , او ما يسمى:" العرف" مثل : (العين بالعين), وعادة أخذ الثأركانت وما زالت مستمرة , فالقتل لا بـُدً ان يعوض بآخر!,..وأتسمت العادات
الأجتماعية بالطابع الأخوي, وللمرأة مكانة مقدسة, وان خروجها عن جادة الفضيلة يعني موتها على يـد ابيها او اخيها, اما اذا كانت متزوجة, يقوم الزوج بأعادتها الى اهلها لحل المشكلة !
 ***

من النادر ان تجد في تلك الآونة المدارس او حتى من يقرأ ويكتب وبخاصة في المجتمع الأنثوي حيث تتزوج البنات مبكراً,وكل ما يطلب من الزوجة الأنجاب, ورعي الأبقار والغنم والجاموس وتصنيع منتجات الألبان كالزبدة والجبن والقيمر(القشطه), والطبخ وتربية الدواجن والأغنام وغيرها من الأعمال البيتية ضمن القرية الواحدة !
 

***

معظم القرى في جنوب العراق عبارة عن مجمعات سكنية تمتهن الزراعة و سكانها من عائلة واحدة ولا يسمح للغريب العيش معهم الا اذا التجأ عندهم ويبقى هو واحفاده دخلاء على القبيلة لا احداً يتزوج منهم ولا يسمح لأي منهم ان يتزوج من بنات اسياده! .ويعتبر شيخ القرية هو الحاكم الفعلي والأب الروحي لرعيته, ولذا ارجوعدم الأستغراب عند القراءة عن تصرفات شيخ القبيلة مع رعيته وعائلته,... وكأنه آمرعسكري, واوامره لا يمكن معارضتها من اي فرد في القبيلة البته!,.. وهكذا سـأسرد لكم الأحداث المهمة لهذه القصة, بعد أن مَهدتُ بأيجازلتاريخ وجغرافية تلك المنطقة التي عمل فيها أبوعزام كقائمقام في الشطرة!


   


أولاً :
يقسم"الشطرة"  نهر صغير متفرع من نهرالغراف قرب منطقة ناظم (البدعة),..ويقسمها الى شطرين, أحدهما يسمى: " الصوب الكبير" والآخر" الصوب الصغير",..ويضم الصوب الكبير
معظم بيوت الأهالي وتقع في وسطه أسواق المدينة المتنوعة , مثل: سوق الصفافير والقماشين والعطارين والخضرة,ألا أن أكبرهذه الأسواق هو سوق "الخواجه",الذي يضم حوانبت التجار.
أما الصوب الصغير,..فأنه يضم دوائر الحكومة (السراي),ونادي الموظفين والمستشفى الملكي والمدرسة الأبتدائية الأولى ودار القائمقام, ومقهى الشباب الذي يرتاده مثقفوا المديتة
يربط الصوبين عند وسط المدينة,جسر لعبور السابلة والدواب , وبالقرب من الجسر يقع "السيف" , وهو المكان الذي تفرغ فيه منتوجات القرى المحيطة بالمدينة ,مثل الشلب, والحنطه والشعير, لبيعها الى تجار المدينة , والتجار القادمين من مدن أخرى.
 **

تحيط بمدينة الشطرة قرى تسكنها عشائرأمتهنت زراعة الحبوب وأخرى أمتهنت زراعة الخضروات, يطلق عليها أسم "الحساوية", وفي أطراف المدينة تسكن جماعات يطلق عليها
 أسم " المعدان ", تمتهن تربية الجاموس والأغنام, وتصنع من حلبها القيمر والزبد والروبه, وتقوم المرأة ببيع المنتجات الحليبية في أسواق المدينة!,..أما الرجال, فيقومون برعي الدواب في المزارع والحقول المحيطة بقريتهم.
وفي كل صباح باكر, تتوجه القبرويات نحو المدينة لبيع أنواع المنتجات الحليبية , وعند المساء يشترين بأثمانها حاجاتهن من السكر والشاي والتبغ والسكايروغيرها من الحاجيات.

كان في تلك الحقبة من الزمن نظام خاص لجباية الضريبة على المنتجات التي تدخل الى المدينة لبيعها في أسواقها, تسمى (الكاعيه), يقوم بجمعها أفراد, يرصدون القادمين للمدينة!,..
ويفتشون البضائع بدقة, لتحديد المبلغ الواجب دفعه, والذي يتحدد وفق نوعية وكمية البضاعة, وفي بعض الأحيان,... وفق جمال وعمرالمرأة القروية الحاملة للبضاعة!
 ***

يقف "مدلول" جابي (الكاعيه), بكامل قيافته وكأنه عنتر زمانه!,.. حيث يضع في حزامه (المكوار والخنجر ),..وعند وصول القرويات , يأمرهن بعرض بضاعتهن لكي يقدر الضريبة الواجب دفعها ,..وعندما لمح بينهن الصبية "نسمه" المعجب بها ً, يتوجه نحوها ويقول:
  * أهلاً وسهلاً بنسمه الحلوه!
 * فتجيبه "نسمه",.. بكل براءة : صباح الخير ,..يا عَمي مدلول !  
 فيرد عليها بأنزعاج !, ويقول لها :  لا أهلاً بيج !,...(ولج ليش ما تتركين كلمة عمي؟!, قابل آني هاز كاروك أمج؟!),.. ثم يمُد يَدَهُ ليمس خصرها,... ُمتظاهراً بمداعبتها , فتبتعد عنه ,..وتتدخل الأم غاضبة! , وتنهره وتقول له: أبعد يدك عن البنت, ما تستحي؟!


 ***

يمتثل مدلول لأمر الأم ,..وينسحب, ويضحكن عليه النسوة الواقفات حوله!
ثم يتوجهن النسوة بعد دفع ضريبه (الكاعيه) الى المكان المخصص لهن في (العلوه), وتجلس "نسمه" بجانب أمها على الأرض ,.. وتبدأ تنادي على بضاعتها بصوت له نغمة خاصة بلهجة
قرويات الجنوب, لجلب المشتري, وفي تلك الآونة يصل " سرحان" بن عم"نسمه", ,فتفرح به,
 وتحمر خدودها, ويسألها بأبتسامه : كيف حالك يا نسمه؟!, وكيف حالك يا خاله,أم نسمه ؟!
* أهلاً بك يا ولدي سرحان,..كيف حالك وحال أمك؟!
* بخير والحمد لله,..
ثم رفعت "نسمه"رأسها نحو الحبيب سرحان , وخزرته مع بـسمة حلوة ,..وقالت:
* متى رجعت من بغداد؟,..
 * وصلت البارحة ليلاً,..
* الحمد لله على سلامتك,..
ألا أنها غير نبرته وكلمها بغضب قائلاً: ما الذي جاء بك الى العلوة ؟!
أحست "نسمه" بغيرة سرحان وحاولت أن تهدئ من روعه بأبتسامة منها, وقالت:
* والله العظيم , أمي مريضه وطلبت مني مساعدتها!
* كيف كانت نتيجة أمتحانك ؟,..
* لم تظهر النتائج ,..ولكن أنشاء الله ,.. الأولى كالعاده!
* هانت "يانسمه" , أنشاء الله تتحقق الأماني , والفرحة تصير فرحتين , وقريباً راح
تتخلصين من هذه الحياة المتعبه! ,..
* فتجيبه بخجل حيث فهمت ما يعنيه ,.. وتقول: ليحفظك الله وتتحقق الأماني!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

464 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع