"الوسادة الواحدة"

                                                 

                        عفاف حافظ شاكر السامرائي

                                            

كانت الساعة قد قاربت الواحدة والثلث صباحاً عندما دخلت نور الى غرفتنا. كان التعب قد اخذ منها مأخذه في الجامعة حيث ألقت اليوم خمس محاضرات الواحدة تلوَ الاخرى ثم رجعت للبيت لتتابع عملها في اعداد الطعام وتنظيف البيت وتدريس بناتنا ميس وريم و فيروز -هكذا احببت ان اسمي بناتنا تيمناً بفيروز واغنية ميس الريم. كثيرا ما كانت فيروز تتضايق من اسمها لان الاطفال في المدرسة يتندرون عليه فكانت نور تطلب مني مرراً ان أغيره ولكني لم اقبل وكانت تغضب مني فما كان مني حينئذٍ الا ان اغني لها "يلداركم معمورة عيني علبتكم نورة" لحميد منصور مستخدما صوتي الاجش فتسارع الى اسكاتي وتقول "الله يرحم والديك كفى لقد رضيت!!!"
وقفت نور امام مرآة الزينة وانتبهت انها لا تكاد ترى شيئا لكثرة الاتربة والبقع على السطح الفضي المهمل.  حاولت جليها بمنديل جاف فما ان تراءت لها عينيها الذابلتين العسليتين اللاتي اورثتهما لفيروز حتى اشاحت بوجهها كمن يفر من وجه صديق يهم بعتاب...عبثت في الادراج امامها تبحث عن حبه مسكن لآلام كتفها فلاح لها احمر شفاه وردي قديم وزجاجة عطر فرنسية گلامور_ كنت قد اعتدت ان ابتاعُه لها من المنصور مول_ وتذَكَرَت قبل شهرين كيف حاول احد زملائها ان يتودد اليها بأن يهديها عطر كوكوشانيل فنهرته قائلةً: انا امرأة متزوجة ولا يصح تصرفك هذا يا استاذ " فما كان منه الا ان اعتذر وانسحب والدهشة تعلو جبهته المتفصدةِ عرقاً.
 فترت شفتيها عن ابتسامةٍ رائعةٍ تجتاح طوفان الدمع -الذي كان يغطي وجهها منساباً دون جهد- وهي تنظر الي فأقبلت مُلقيةً بنفسها على سريرنا الأوحد.  همست لي بعد ان القت بوشاحها الاسود بعيدا وهو مثقل بدموعها ونشيجها: "أشم رائحتك التي خرجت بها ذلك اليوم....أتدرى؟. عطرة لم تتغير برغم الانفجار!!"
لم اسطع قول شيء فالزجاج الثقيل يطبق على شَفَتَي في الصورة التي اعتادت ان توَسِدَها وسادتنا الواحدة!

عفاف حافظ شاكر السامرائي


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

508 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع