هؤلاء لا يصلحون لتمثيل السنّة العرب

                                  

                           هارون محمد

حدثان عاديان تماما، أولهما إداري بحت، وثانيهما اجتماعي أكثر منه سياسي، لكنهما يعبّران عن أزمة السياسيين الذين يزعمون أنهم يمثلون السنّة العرب في العراق وهم ينتقلون من فشل إلى خسارة، ومن إخفاق إلى هزيمة دون أن يعترفوا بأخطائهم المتلاحقة التي جاءت نتيجة مشاركتهم العمياء في ما يسمى بـ(العملية السياسية) والتي ما تزال تمشي على عكازات هشة لا تقوى على الثبات.

وكان واضحا منذ بداية الاحتلال الأميركي في أبريل 2003، أن واشنطن في غزوها للعراق تنفذ مشروعا سياسيا خطيرا أبرز صفحاته، تقويض الدولة العراقية الحديثة وتدمير بناها التحتية وتخريب معالمها النهضوية ومؤسساتها المتينة، وخصوصا الجيش العراقي والتصنيع العسكري، وتفتيت وحدة الخطاب الوطني الذي كان تشترك في صنعه شخصيات وقيادات سنية وشيعية وكردية وتركمانية ومسيحية، ومن فئات وأقليات أخرى بذلت واجتهدت وأعطت.

وليس صحيحا كما أثبتت الأحداث السياسية والوقائع الميدانية أن أميركا حشدت جيوشها وأساطيلها لإسقاط النظام السابق وقتل قادته ورموزه من أجل حماية الشعب العراقي من دكتاتورية صدام وحزب البعث، فهذه كذبة كبيرة لفقها الأميركان مع عملائهم من أصحاب دكاكين الخيانة واللصوصية في واشنطن ولندن وطهران ودمشق، وإنما كان الهدف المركزي هو استهداف العراق كـ“بلد وشعب وسيادة وحاضر ومستقبل”، ومن يتمعن مليا في المشهد العراقي منذ أحد عشر عاما، لابد وأن يلاحظ هذه (الخماسية) اللعينة قد نفذت بالتقسيط، فالبلد قد دمر تماما، وقسّم الشعب إلى مكونات، وغيبت السيادة، وضاع الحاضر في دروب المحاصصات الطائفية والعرقية، وتلاشى المستقبل ولا أمل في التنمية والبناء، حتى البقية الباقية من البنى والتحولات الحضارية التي سلمت من سنوات الحصار الدولي تم الإجهاز عليها دفعة واحدة.

ومنذ بداية الاحتلال نجح الأميركان في حشد المرجعيات والأطراف السياسية والدينية الشيعية والكردية وزجها في العملية السياسية التي جاؤوا بخارطتها من واشنطن، ولكنهم وجدوا صدودا من السنّة العرب حتى أنهم أخفقوا في ملء الخانة السنّية العربية في مجلس الحكم الانتقالي التي قرر بول بريمر أن تكون من خمسة أشخاص من أصل 25، فقد عثروا على أربعة وبقي الخامس فتعبوا في إيجاده، واضطروا في النهاية إلى الاستعانة بكردي هو محسن عبدالحميد الإخواني سابقاً، والقيادي في الحزب الإسلامي لاحقاً وأكملوا العدد.

وجاءت حكومات إياد علاوي المؤقتة، وإبراهيم الجعفري الانتقالية، ونوري المالكي بدورتيها، والسنّة العرب فيها بلا تمثيل حقيقي، صحيح أن انتخابات آذار 2010 مثلت بارقة أمل عندما أحرزت القائمة العراقية وأغلب نوابها من السنّة العرب المرتبة الأولى وتفوقت على الكتل الشيعية والكردية بما فيها ائتلاف نوري المالكي المعزز بالسلطة والحكم والمال والنفوذ، ولكن المؤامرة الأميركية الإيرانية قضت على ذلك الأمل، وأحبطت التوازن الوطني الذي لو تحقق يومها، لربما أفضى إلى تقليل الأضرار ورفع جزءًا من المعاناة على الأقل.

ومنذ عام 2006 بحت أصوات الخيّرين الذين نصحوا المحسوبين على السنّة العرب من مسؤولين ووزراء ونواب ما داموا قد رضوا بنظام المحاصصة أن يثبتوا جدارتهم في تمثيل بيئتهم ومناطقهم ومحافظاتهم، ويصبحوا مثل القيادات الشيعية التي تختلف فيما بينها على قضايا الاستحواذ الحزبي والشخصي، ولكنها تُجمع في النهاية على قرار سياسي وطائفي واحد في مواجهة الآخرين، وكذلك الحال بالنسبة للقيادات الكردية التي تتصارع في أربيل والسليمانية ولكنها توحد مواقفها في المركز ببغداد، غير أن تلك الأصوات ذهبت أدراج الرياح، وتمسك من حصل على المواقع والمناصب بما وصل إليه من امتيازات ورواتب وتسهيلات وأدار ظهره إلى أهله ومنطقته ومحافظته، وهو ما استغله نوري المالكي على مدى ثماني سنوات وأمعن في اضطهاد السنّة العرب وإذلالهم، حتى وصل الأمر به إلى شتم حراكهم الشعبي السلمي وسماه بـ(الفقاعة النتنة) وإطلاق أوصاف مهينة عليهم أقلها: أنهم أنصار يزيد، و(بيننا وبينهم بحار من الدم).

لقد عجز أسامة النجيفي وصالح المطلك ورافع العيساوي، وهم الثلاثي السياسي الذي ادعى تمثيل السنّة العرب في الحكومة السابقة، في أداء مهامهم والتعبير عن تطلعات ناخبيهم على الأقل، وما زال الثلاثة، وأضيف لهم رابع هو سليم الجبوري، يتخبطون في سيرهم ومسارهم السياسيين، ولا يتعظون من تجاربهم المرة ولا يعترفون بأخطائهم السابقة وخطاياهم المتواصلة.

وعودة إلى الحدثين اللذين أشرنا إليهما في المقدمة وعلاقتهما بالرباعي السنّي المتعثر (النجيفي والمطلك والعيساوي والجبوري) وأول الحدثين يتمثل في تنافسهم على منصب محافظ الأنبار الذي شغر نتيجة إصابة المحافظ الحالي أحمد خلف بعجز صحي بعد تعرضه إلى جروح في رأسه خلال معارك ناحية بروانة قبل ثلاثة شهور منعه من العودة إلى وظيفته، فالنجيفي أسامة ورافع العيساوي يطالبان بأن يكون المحافظ من كتلتهما (متحدون)، وصالح المطلك يريده من حصة قائمته (العربية) ويبحث عن شار للمنصب، وسليم الجبوري يدفع بالقيادي في حزبه (الإسلامي) صهيب الراوي ليحتل المنصب، دون أن يكترث (الفرسان الأربعة) لما تشهده المحافظة من معاناة وويلات.

وثاني الحدثين دعوة ملتبسة إلى مؤتمر مقرر عقده اليوم (الخميس) في أربيل، يحمل اسم (المؤتمر العربي لمكافحة التطرف والإرهاب) عرابه النجيفي ويحضره المطلك والجبوري وعدد من النواب والوزراء، والسفير الأميركي في بغداد، ورسالته كما يقول منظموه هي: (إعلان براءة السنّة العرب من التطرف الطائفي والإرهاب الداعشي) وهذا وحده يمثل اعتداءً صارخاً على السنّة العرب، لأنهم أول ضحايا التطرف الطائفي الذي تقوده المليشيات الشيعية والحشد الشعبي في مناطقهم ومحافظاتهم، وأول المنكوبين من احتلال داعش وحروبها، والمفارقة في هذا المؤتمر أن اسم رافع العيساوي مثبت في بطاقة الدعوة على أنه سيقرأ البيان الختامي للمؤتمر وقبل انعقاده (وجيب ليل وخذ عتابا).

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع