المذيعون عندما كانوا أساتذة في اللغة والإلقاء

    

العباسية نيوز/عمر النداوي:الإذاعة العراقية ومنذ انطلاقتها في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي كانت حريصة على اختيار أفضل الأصوات التي تتميز بالأداء المؤثر والنبرة الرجولية إضافة إلى التمكن من اللغة العربية وقواعدها السليمة..

كان المتقدمون لأشغال وظيفة (مذيع) لا يقدمون على هذه الخطوة ما لم يتأكدوا من اجتيازهم للاختبارات المطلوبة تحت إشراف أسماء كبيرة في المجال الثقافي إضافة إلى أساتذة في اللغة العربية وطريقة الإلقاء وطبقاً لطبيعة الخبر أو التقرير أو البرنامج.

       

وكان اجتياز الاختبارات المطلوبة لا يعني التوجه فوراً إلى الأستوديو والبدء في العمل كمذيع في الإذاعة العراقية بل كانت تنتظر الناجحين دورات لاحقة تتضمن محاضرات متنوعة في التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة.... كل ذلك حتى يكون (المذيع) ملماً وعارفاً بتفاصيل لا بد منها ولضمان نطقه لأسماء المدن والشخصيات التاريخية والعامة على الأصعدة المحلية والعربية والعالمية.

وقد أدى كل هذا الحرص والتشديد الضروريين في اختيار المذيعين إلى ظهور أسماء لامعة ومشهورة تركت أثرها البالغ في ذاكرة المستمعين وباتت تشكل جزء من شخصية الإذاعة العراقية وتميزها في أعداد جيل من المذيعين ومستمعيها المتأثرين بروعة الأداء والإلقاء إلى جانب سلامة اللغة والتمكن من قواعدها وتجنب الوقوع في أي خطأ لغوي مهما كان بسيطاً.

   

في فترات الأربعينيات وحتى نهاية الخمسينيات كانت أسماء ناظم بطرس ومحمد علي كريم وسعاد الهرمزي وعادل نورس إضافة إلى الأصوات النسائية مثل صبيحة المدرس وعربية توفيق وسميرة عزام تؤلف نخبة الإذاعية وتشكل دائرة ذهبية تنطلق عبر الأثير وتجذب ملايين المستمعين المبهورين بروعة الأداء والإلقاء وكأن الجميع في مباراة على الهواء للفوز بالعدد الأكبر من المعجبين في أنحاء العراق.

ونذكر بهذه المناسبة أن المرحومين محمد علي كريم وسعاد الهرمزي كانا أيضاً من تقاد الموسيقى والغناء وكانت لهما برامج إذاعية تتناول أشهر وأكبر وألمع الفنانين العراقيين والعرب وأغانيهم الخالدة وظروف تسجيلها والمقامات الغنائية التي يتم أداء تلك الأغاني طبقاً لكلماتها التي تعرض إيقاعات تنسجم وأجواء الكلمات ومناسباتها.

لقد تشكل ابتعاد هذه النخبة المتميزة عن الإذاعة لسبب أو لآخر وفي وقت مبكر إلى خسارة الإذاعة العراقية لجيل من قدامى المذيعين الذين اجتهدوا وأخلصوا وأحبوا الميكرفون وكان الشعور متبادلاً.. كان بإمكان الإذاعة الاستفادة من تجارب وخبرات وإمكانيات تلك الأسماء الكبيرة حتى يتم التواصل بين الأجيال وحتى لا تكون الفجوة كبيرة والفراغ هائلاً على أذان المستمعين وهذا ما حصل في العقود اللاحقة.

غابت الأسماء الكبيرة والأصوات المؤثرة والمواهب النادرة وبدأنا نستمع لأصوات نشاز تخدش الأسماع وتدفع المستمعين إلى الهروب وأقفال أجهزة الراديو وتحريك المؤشر للاستماع على إذاعات عربية أخرى.

وبدأت تغزو الإذاعة وكذلك محطات التلفزيون مجاميع كبيرة من أشباه المذيعين الذين يفتقرون على المؤهلات المطلوبة والتي لابد من توفرها في المذيع الناجح وهذا لن يتحقق إلا من خلال التزام المسؤولين في مؤسسات الإذاعة والتلفزيون بالقواعد الأساسية المعرفة التي لا يمكن الخروج عنها في اختيار المذيعين بعيداً عن الوساطات والضغوطات من أية جهة متنفذة في الدولة والحكومة.

      

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1098 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع