زهير الدجيلي.. رحيل ناثر الحب عبر أجنحة الطيور

        

محمود جبار - الخليج أونلاين:إلى متى يبقى العراق يلفظ مبدعيه؟ وهم في شوق للقاء ترابه، حتى إن كانوا أمواتاً، إذ صار الموت تحت ثرى ذلك البلد الساخن الأحداث منذ زمن طويل مرتجى أبنائه الذين تشردوا في أصقاع الأرض؛ لرفضهم سياسات حكامه على مر السنين؛ بعد قناعتهم أن لا لقاء يجمعهم به وهم أحياء.

آخر مبدع تلقفته يد المنون، الشاعر والمؤلف والكاتب زهير الدجيلي، الذي أطرب أبناء بلده بقصائده التي تعد من أبرز وأجمل ما غنى المطربون العراقيون، فهو من جيل الشعر السبعيني، الذي أنتج أهم الأغاني الطربية، التي أطرب بها لا العراقيين وحدهم بل إن من حكموا البلاد كانت تنتشي أرواحهم بكلماته، دون أن ترق قلوبهم لا لتكرم، إنما لتصفح عمن هيج عواطفهم، وأدمع عيونهم، بعباراته الحاملة سامعها إلى عالم الحب والجمال، محفزة فيه حب الوطن والأرض.

الدجيلي الذي توفي الخميس (3/3)، يكفيه أنه كتب أشهر أغنية عراقية "يا طيور الطايرة"، الملأى بالشجن والحزن والشوق والحنين والحب للوطن بمائه وسمائه وشمسه، بمدنه وناسه، تلك الأغنية التي لا يسمعها متغرب عن العراق إلا وتسابقت الدموع تمطرها العين دون شعور.

ليست الأغاني وحدها التي أثرى بها الدجيلي مكتبة الثقافة العراقية، بل حتى الخليجية والعربية، التي عشقت تلك الأغنيات، فالشاعر كتب نحو 175 حلقة من البرنامج التعليمي المهم "افتح يا سمسم"، والأغاني التي احتواها، ونحو 137 حلقة من المسلسل التعليمي الشهير "سلامتك".

ذلك غيض من فيض إذا ما بحثنا قليلاً عن منجز الكاتب الدجيلي، حيث نجد أنه كتب وأدار العديد من البرامج التلفزيونية الخليجية، التي كان لها دور مهم في بناء الشخصية، وتوعية الأجيال، فكتب أغاني ومقدمات مسلسلات الكارتون الشهيرة، منها "بسمة وعبدو، وسنان، والأمير ياقوت"، وأشرف على أعمال الدوبلاج في العراق بما يعادل 1200 ساعة تلفزيونية من مسلسلات الكارتون للأطفال.

وكتب المسلسل الدرامي الخليجي "للحياة وجه آخر" في 30 حلقة درامية تلفزيونية.

وألف مسلسلات "عبد الله البري وعبد الله البحري"، و"زمان الإسكافي"، و"أبناء الغد"، و"إلى جدي مع التحية"، و"الأخطبوط عام 2004"، وسيناريو مسلسل "ديوان السبيل".

كما كتب سيناريو وحوار اثنين من الأفلام؛ وهما مطاوع وبهية (1978)، وفيلم النهر (1982)، كما أعد العديد من الدراسات الاستشارية لبرامج تلفزيونية عديدة في المؤسسة.

ليست تلك السيرة كاملة، فذلك جزء مما يدون عنه، فالراحل الدجيلي ثري بالإبداع، ملم بتقنيات العمل الأدبي، متمكن من أدواته.

غادر "عراقه" الأحب إلى قلبه، حاملاً حلم التحرر من القيود، فهو اليساري النزعة، الذي لا يهادن على وطن، وحقوق شعب.

وجد الدجيلي قبل أعوام، وهو الذي ذاق الظلم في زنزانات وسجون العراق، في سنين خلت، ضالته في الكويت، التي احتضنته، وهو المعروف فيها والمحبوب من قبل شعبها، فأشعاره سبقته إلى هناك، لتمهد له الطريق إلى وطن جديد يجمع فيه شتات همومه وأوجاعه، ليستقر فيه، بعد تغرب لأكثر من ثلاثة عقود.

بقي حتى أشهر قبل وفاته يرفد الحقل الثقافي بالإبداع المكتوب، عبر مقالاته في الصحافة الكويتية، لكن المرض تركه رقيد مشفى بالكويت، بقي فيه حتى امتدت له يد الرحمة لتقبض روحه، التي حلمت بالتحليق في سماء العراق، ترافق نوارس دجلة، ترسم الجمال والحب لشعب تغنى به لكنه ما رآه يوماً.

رحيل الدجيلي، يؤكد أن كبار المبدعين العراقيين دأبهم الموت خارج أحب بقعة إلى قلوبهم، وطنهم الذي أعطوه كل شيء، وحرمهم ليس من رؤيته في لحظات وداع إلى عالم آخر، بل أن يضمهم بين ثناياه رُقداً بسلام.

تلك كانت نهاية شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، وقبله مصطفى جمال الدين وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد، ليلتحق بركبهم زهير الدجيلي، الذي ستبقى طيوره تحمل جيلاً بعد جيل صورته واسمه، وهي تحلق فوق دجلة، وتلاحق زوارق الصيادين في شط العرب، وتغازل عاشقين يتبادلان كلمات حب حفظاها من شعر الدجيلي.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع