"المسحرچي" أو "أبو الطبل" في العراق "متمرد" تتوعده السلطات ويخشاه الصائمون

رووداو ديجيتال:"إلى كل شريف وإلى أصحاب القرار"، نداء وجهه شاب من محافظة ديالى، عبر تدوينة نشرها على حسابه في فيسبوك، ستتعدى حدود الشكوى من سلوك اجتماعي، وتدخل بإشكالية القيم والهوية الاجتماعية في "العراق الجديد" كما بات يسمى.

تساءل مصطفى إبراهيم خان (32) عاما من سكنة قضاء المقدادية (شهربان) 100 كم شمال شرقي بغداد، في تدوينته، "معقولة سالفة الطبل" وصلت إلى هذه "الرثاثة والضحالة؟ ماكو صاحب قرار بالمدينة يلزمهم؟"

واستدرك قائلا: "نوب منكدر نحجي وياهم لأن همة من فئة معصومة بشهربان(...) تحجي وياه تبتلي على عمرك"، بإشارة إلى شباب يحيون موروث المسحراتي أو كما يعرف محليا الـ"مسحرچي" خلال رمضان بشكل خارج عن المألوف، بأنهم فوق القانون.

ومصطفى، واحد من عدة مدونين عراقيين اشتكوا مؤخرا، خروج "المسحرچي" عن شكله الطبيعي، وتحوله إلى حالة "فوضوية" شوهت الصورة الذهنية التي يحملونها عن "أبو الطبل"، حينما كانوا صغارا ينتظرون في أبواب المنازل، إذانه وقت السحور بمطرقة طبله، مع صوته الجهوري وهو ينادي: "سحور سحور".

وعادة ما كان في كل مدينة عراقية، "مسحرچي" له اسم ولقب معروف، يحبه ويقدره الأهالي، قبل أن يغيب عن المشهد لسنوات على خلفية أحداث العنف الطائفي، وتجنبا لمصير "صالح أبو الطبل" الذي قتل بين عامي 2004-2005 في المقدادية، أُثناء خروجه لإيقاض الصائمين.

كان صالح "صديقا لكل الأطفال"، يستذكره محمد المهداوي من أهالي المدينة بحزن شديد.

بعد ذلك بسنوات مع عودة الاستقرار النسبي إلى البلاد، عاد "أبو الطبل" إلى المشهد، لكن عودته كانت "مشوهة" كما وصفها الباحث في الشأن الاجتماعي مروان الجبوري في حديث لشبكة رووداو الإعلامية، السبت (16 آذار 2024).

فبدأ "المسحرچي" يستخدام الإيقاعات الشاذة عن أجواء رمضان وأنواع الطبول الضخمة، والتجول ضمن مجاميع تثير الفوضى، مطلقين أحيانا كلام بذيء وسط الأحياء السكنية، دون مراعاة لمسن أو صغير، أو مريض.

وتحول "المسحرچي" إلى صورة مشوهة، نسفت ذلك الموروث الاجتماعي "الجميل"، وفتح الباب للحديث عن اختلال القيم والهوية الاجتماعية في البلاد، لما باتت تشهده من حالات شاذة قد يكون "المسحرچي" بحلته الجديدة مثالا مصغرا، يستدعي تدخلا رقابيا من الجهات المختصة لتدارك المشهد العام، سيما في ضوء إمكانية دخول مثل هكذا سلوكيات في إطار الجريمة المشهودة.

جريمة مشهودة

وعلى الرغم إن من مثل هكذا قضايا لا تحرك ولا يمكن للأجهزة الأمنية التدخل فيها، طالما لم تكن مخالفة للقانون، إلا أنه في حال تلقي أجهزة وزارة الداخلية شكوى بشأنها ستتحرك لمعالجتها، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد مقداد ميري.

ويقول ميري لشبكة رووداو الإعلامية، السبت (16 آذار 2024)، "سنتابع الموضوع مع الجهات المختصة من حيث خروج الأمر عن الموروث الاجتماعي، وإذا ما كانت هناك إجراءات في هذا الصدد".

ويلفت إلى أن "المسحرچي في الأساس موروث ثقافي قديم ليس مخالفا للقانون"، لكن مع ذلك ستتحرك أجهزة وزارة الداخلية للتعامل مع أي شكوى بشأنه، أو في حال "رصدت أي نوع من السلوكيات الخارجة عن الوضع الطبيعي، من أجل تنظيمها".

إذ أن من الممكن أن يكون خروج "المسحرچي عن دوره وسلوكه الطبيعي، بما يبعده عن أصل الموروث يمكن أن يدخل في إطار الجريمة المشهودة"، أكد العميد ميري.

وعزا العميد ميري، أسباب تحول موروث "المسحرچي" إلى حالة "شاذة تزعج الصائمين"، إلى وجود بعض من "يستغل الأشياء المباحة لتشويهها، بدافع الحداثة والجهل والطشة (الإنتشار) على مواقع التواصل الاجتماعي".

في حين رأى الجبوري، أن حجم التحولات التي شهدها المجتمع العراقي خلال العقدين الأخيرين كان "كبيرا جدا".

بالتالي انعكس ذلك بشكل واضح على المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، وفق الجبوري، الذي أشار إلى أن الانتقال السريعة من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق كان له دورا في تسليع كثير من العادات والتقاليد؛ حتى الدينية منها، وتحويلها إلى أغراض تجارية.

وفي السابق كان هناك أشخاص محددون يتبنون دور "المسحرچي"، حيث كانوا يمارسون نشاطهم بشكل منتظم ولائق، وفي أوقات مناسبة، قبل أن يتحول الأمر مؤخرا إلى "إزعاج"، لأسباب عدة منها بدء التجول وقرع الطبول منذ الساعة الثانية عشر ونصف بعد منتصف الليل، أي قبل أكثر من 3 ساعات ونصف عن وقت السحور، قال قائممقام المقدادية، زيد الحداد.

وأضاف الحداد في حديث لشبكة رووداو الإعلامية، السبت (16 آذار 2024)، حول النداءات التي وجهها أبناء مدينته حول ما يعانونه من "المسحراتي"، بأن "شكاوى وصلته بشأن شخص يمارس هواية المسحراتي، بات يسبب إزعاجا للمواطنين".

وأكد أن الأمر عندما يصل إلى هذا الحد "سنقوم بتبليغ الجهات الأمنية لمنعه"، أو ربما نستدعيه "لتهذيب" هذه الحالة.

"المسحرچي الجديد" في العراق

ومؤخرا، حسبما لفت الجبوري، طالما "لجأت الحكومات المتعاقبة والكثير من منظمات المجتمع المدني، إلى دفع استمرار بعض التقاليد من أجل إرسال تطمينات للداخل والخارج باستقرار الأوضاع".

لكن النسخ الجديدة من الفولكلور والتقاليد يمكن وصفها بأنها "بلا روح"، ومنها "المسحرچي"، على حد قوله.

وأوضح أن "المدن التي كان المسحرچي يجوب أزقتها ذات يوم كانت أكثر تجانسا من الناحية الاجتماعية والمادية، ونشأت فيها أجيال متعاقبة من الأسر والعوائل التي يعرف بعضها بعضا".

غير أن الوضع، بحسب الجبوري، تغير بعد عمليات العنف الطائفي واختلال الديموغرافيا السكانية في معظم المدن العراقية، صاحبها عمليات تهجير منظمة، ونزوح متواصل من الريف إلى المدينة، وهجرة لأعداد كبيرة من أهالي المدن إلى الخارج.

لذا جاءت النسخة الجديدة من "المسحرچي"، وفقا للجبوري، "مشوهة ولأغراض مادية غالبا، في شوارع وأزقة تسكنها جماعات حديثة الوفود غالبا، ولا تربطهم ببعض روابط ذات شأن".

وأصبح ضرب الطبل ليلا، كما يرى الجبوري، لأغراض مادية مجردة، وعلى أسماع أناس يسهرون حتى الفجر وهم يتصفحون مواقع التواصل أو يشاهدون مسلسلات رمضان، دون أي اهتمام بضارب الطبل أو بمنحه مكافأة.

وفي نهاية المطاف، بات يمكن القول إن "المسحرچي الجديد" هو اخترال لحجم التحولات التي مرت بها البلاد، وغيرت وجه العراق لأجل غير مسمى، اختتم الجبوري حديثه لرووداو، لكن هذا لا يعني لا يمكن الحفاظ على الموروثات في سياقاتها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع