منتجع الحبانية... العراقيون يعودون إلى البحيرة

             

العربي الجديد/بغداد ــ كرم سعدي:دخلت مدينة الحبانية السياحية قبل نحو عام، في قائمة من الوجهات الترفيهية التي تروج لها الشركات السياحية العاملة في العراق. لكنّ المنتجع الكبير في المدينة ليس جديداً، إذ جرى افتتاحه عام 1979، مستغلاً بحيرة الحبانية التي أنشئت عام 1956 بصفتها مشروعاً يمنع فيضان نهر الفرات، وصنفت المدينة بين أفضل منتجعات الشرق الأوسط، لما تمتعت به من خدمات متنوعة توفر للزائر متعة الاستجمام والترفيه.

الظروف التي مرت بها البلاد، أثرت سلباً على جميع المنشآت السياحية، وكان تأثيرها الأكبر على موقع مدينة الحبانية السياحية في الأنبار، غربي البلاد، إذ اتخذتها قوات الغزو الأميركي (2003 -2011) مقراً لها، ما ساهم في إهمالها، ثم تحولت إلى مخيم للنازحين عقب سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق بالعراق من بينها الأنبار بين عامي 2014 و2017.

تلك الأسباب كانت وراء خراب كبير حلّ بهذا المنتجع، لكن منذ أقل من عام، كان التوجه كبيراً من قبل العراقيين إلى بحيرة الحبانية للاستمتاع بمياهها، نتيجة الاستقرار الأمني الذي شهدته البلاد.
طرحت هيئة الاستثمار العراقية خلال العام الجاري، مشروع المدينة السياحية على المستثمرين لتطويرها بكلفة قدرت بـ25 مليار دينار عراقي (21 مليون دولار أميركي)، بهدف تأهيل الفندق السياحي، و200 شقة سياحية، وقد تضررت كثيراً بسبب إهمالها وتوقفها عن العمل، فضلاً عن بناء مرسى للزوارق، ومدينة ألعاب، وعدد من المطاعم الحديثة.
ومنذ بداية الصيف هذا العام، كان شاطئ البحيرة التي تبلغ مساحتها 140 كيلومتراً مربعاً، مكتظاً باستمرار بالشباب والعائلات التي تقبل عليها من محافظات مختلفة. ومرة أخرى، عادت باصات النقل العمومي تقف على مقربة من البحيرة، وهو مشهد كان معروفاً منذ سنين طويلة، إذ تستأجر هذه الباصات لغرض القيام برحلات إلى البحيرة.

يقول فاهم عبد الرحمن، الذي يملك باصاً، سعة 30 راكباً إنّ "عودة الحياة للحبانية فتح مصدراً جديداً للرزق". يتناوب فاهم (48 عاماً) وشقيقه على قيادة باصه، مشيراً إلى أنّ "تحسن الوضع الأمني سمح بتنقل أكبر للمواطنين والخروج في نزهات وفسحات من دون الحذر من مداهمة الليل".
يواصل حديثه إلى "العربي الجديد" مبيناً أنّه يعمل وفق جدول للسفرات الخاصة، ينقل من خلالها أفراداً وعائلات إلى مناطق سياحية في محافظات مختلفة، لافتاً النظر إلى أنّ "بحيرة الحبانية دخلت ضمن جدول الرحلات هذا الصيف، وفي جدولي الخاص ثلاث رحلات إليها كلّ أسبوع".

منتجع عائلي

من المعروف أنّ سكان العراق يتحدثون لهجات عديدة، يمكن للعراقيين من خلالها التعرف على أصل المتحدث بها، وإلى أيّ محافظة أو منطقة في العراق ينتمي، بل تكشف اللهجات أحياناً ديانة ومذهب المتحدث بها، وفي بحيرة الحبانية تسمع عدة لهجات، تشير بوضوح إلى أنّ أصحابها من مناطق مختلفة من البلاد.
اللهجة الجنوبية حاضرة بكثرة على شاطئ البحيرة، وهي إشارة صريحة بتوفر أمان كبير في هذه المنطقة من البلاد التي كان مجرد التفكير في الذهاب إليها مرعباً، خصوصاً لمن تنحدر اصولهم من مناطق الجنوب، بحسب عقيل الدراجي (36 عاماً) الذي يزور البحيرة للمرة الثانية هذا الصيف.
اصطحب عقيل عائلته في المرة الثانية، بعدما رافق أصدقاءه في المرة الأولى، وتأكد أنّ المكان قد أصبح مناسباً لاصطحاب العائلات. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "حال هذه المدينة السياحية ليست جيدة بالتأكيد إذا ما قارناها بما كانت عليه قبل أكثر من عقدين، فلا شيء بقي من هذا المنتجع المهم سوى البحيرة وشاطئها الذي يحتاج إلى تأهيل".
يتابع: "لكنّ الأجمل هو أن يشهد المكان حضوراً كبيراً لزائرين من مناطق مختلفة. سمعت لهجات عديدة تشبه لهجتي الجنوبية، لقد كنا نخاف أن نقترب من حدود محافظة الرمادي عندما كان تنظيم داعش يسيطر عليها، فلهجتنا تدل على أنّنا من الشيعة، وهذا يكفي لقتلنا لأنّهم يعتبروننا كفاراً".

أكثر المبتهجين بعودة الحياة لهذا المكان هم سكان الأنبار، الذين يحاولون نسيان الماضي القريب بكلّ ما يحمل من مآس وأحزان، ويعيدون "إصلاح" صورة مدينتهم "بعدما شوهتها التنظيمات الإرهابية" بحسب رافد العلواني، الذي يسكن قريباً من البحيرة. رافد الأربعيني، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يرتبط ببحيرة الحبانية بذكريات يصفها بأنّها أجمل ما مرّ به في حياته.
يتابع: "منذ كنت صغيراً قضيت أغلب أوقات فراغي قرب البحيرة. هو شعور لا يوصف حين أرى جموعاً من الناس تأتي من كلّ مناطق العراق للتنزه في هذا المكان، هذا شعور جميع سكان محافظتنا وليس شعوري أنا فقط". يضيف: "جميع سكان الأنبار يسعون لمحو صورة العنف والإرهاب التي علقت في مخيلة شريحة واسعة من العراقيين بسبب العنف الذي مارسه عناصر داعش عندما سيطروا على مدينتنا، لذلك نسعى لإصلاح هذه الصورة".


ويشير إلى أنّ "هذا يظهر جلياً من خلال ترحاب السكان بالزائرين، وجلسات السهر التي يقيمها زائرون شباب على شاطئ البحيرة". كلّ هذا يفتح فرص عمل ويوفر دخلاً لعدد كبير من أهالي المنطقة، خصوصاً في ظلّ ظروف معيشية قاسية، وضرب الموارد الحيوية، وفشل الخطط التنموية فيها لظروف عديدة مرت بها في السنوات الأخيرة.
صورة بحيرة الحبانية اليوم مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل فترة ليست بعيدة، فالآتون عبر الطريق المؤدي إلى محافظة الأنبار بالإمكان تمييزهم أحياناً من خلال الموسيقى العالية التي تصدح من سياراتهم، أو من خلال الخيم والمظلات والأدوات اللازمة لقضاء ساعات استجمام طويلة المحمولة على أسطح السيارات.
يقول أحمد وهاب (39 عاماً)، وهو من سكان بغداد لـ"العربي الجديد": "أجمل ما في رحلة التخييم في بحيرة الحبانية أنّها تجعلني أحرص على استعادة الذكريات. كذلك، فإنّ أطفالي يغنون ويرقصون داخل السيارة طوال طريق الرحلة، ونحمل معنا أدوات الشاطئ والتخييم ونقضي نهارنا هناك ونرجع مساءً، ونتوقف عند مطعم على الطريق نتناول وجبة من اللحم المشوي ونعود أدراجنا إلى البيت".
يتابع: "هذا كان عهد والدي حين كنت طفلاً، وسعدت كثيراً إذ تمكنت من إحيائه مع أسرتي بعدما حلّ الأمان في الأنبار".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

456 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع