طلب العلم في سويسرا للأثرياء فقط ... والهويات سرية

 

      

    مدارس داخلية في جبال الألب تتوارثها عائلات النخب

زيوريخ: «الشرق الأوسط»:يحكي الفيلم العربي الكلاسيكي «يوم من عمري» قصة عودة الحسناء نادية (زبيدة ثروت) ابنة المليونير حنفي أبو عجيلة من سويسرا حيث كانت تتلقى تعليمها في مدرسة داخلية تعود بعدها إلى القاهرة حيث تلتقي بالصحافي صلاح (عبد الحليم حافظ) الذي ينقذها من مؤامرة زوجة أبيها.

هذا هو الانطباع المعروف عن المدارس السويسرية الداخلية أنها فقط لأبناء الأثرياء وتوفر لهم أفضل مناهج التعليم في العالم. وهو انطباع صحيح إلى حد كبير لأن التعليم في سويسرا يفوق في تكاليفه التعليم البريطاني أو الأميركي بثلاثة أضعاف.

المدارس السويسرية الداخلية هي في الواقع مؤسسات تقليدية يعود تاريخ بعضها إلى القرن الثامن عشر وتتوارثها عائلات على نمط صناعات الساعات والفنادق السويسرية. وهي تعتمد على النوعية وليس على عدد الطلبة. ولأن بعض هؤلاء الطلبة والطالبات يحملون أسماء مشهورة فإن السرية تطبق بصرامة بحيث لا تفصح أي مدرسة عن هوية الدارسين فيها ولا عن أسمائهم. والأسباب كما يذكرها برنارد غيدمان مدير معهد روزنبرغ السويسري هي الأمن لحماية الطلبة من ناحية، ومعاملة جميع الطلبة على قدم المساواة بغض النظر عن شهرة أو ثروة عائلاتهم، من ناحية أخرى. فالطلبة ينالون التقدير بناء على شخصياتهم وليس بفضل أسمائهم.

- تعليم بالقرب من منتجعات التزلج

معهد روزنبرغ هو أحد نماذج المدارس السويسرية التقليدية. تأسس عام 1889 وكان من أول المدارس الداخلية التي تأسست في سويسرا. ويقول الباحث في شؤون المدارس الداخلية السويسرية بيتر ميتز إن صناعة التعليم السويسري الخاص نشأت في القرن التاسع عشر مع بزوغ رياضة التزلج على الجليد. وخلال فترة قصيرة تأسست في ذلك الوقت العشرات من المدارس الداخلية التي ما زال معظمها يعمل حتى الآن. وعبر السنوات الماضية تعلم في سويسرا أجيال من أبناء النخبة منهم ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس وأمير موناكو الراحل رينييه وملك بلجيكا السابق ألبرت الثاني ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.

وتقع معظم المدارس السويسرية الداخلية على سفوح جبال الألب بالقرب من منتجعات التزلج على الجليد في غرب سويسرا حيث تطل على البحيرات والمدن القريبة من جانب وجبال الألب الشهيرة من جانب آخر. وتتحدث هذه المناطق اللغة الفرنسية كلغة أولى بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية. وتشتهر هذه المدارس إلى اليوم بالتعليم مزدوج اللغة الذي يلقى إقبالا مستمرا من الأثرياء.

من نماذج المدارس الداخلية في سويسرا كل من: المدرسة الأميركية في سويسرا، ومدرسة ليسين الأميركية، وسورفال مونترو، وكلية ألبين الدولية، وكلية دي لومان، ومعهد لو روزيه، وكلية إيغلون، وليسيوم البينيوم، وكلية شامبيتيه.

ويشير غيدمان من معهد روزنبرغ إلى أن الصفة الغالبة على المدارس الداخلية السويسرية هو أنها دولية في شخصيتها بطلبة وطالبات من جميع الجنسيات. ويضيف أن المدارس الداخلية في بريطانيا يختلط فيها الأجانب بالطلبة الإنجليز ويتعلمون منهم لعب رياضة الكريكت. وتقوم الحكومة البريطانية بتشجيع هذه المدارس لربط الطلبة الأجانب بالثقافة البريطانية، ربما لأسباب سياسية، على حد قوله. أما في المدارس السويسرية فالمناخ فيها دولي تماما وغير منحاز لثقافة معينة.

- تنوع ثقافي وأقساط خيالية

تلجأ بعض المدارس السويسرية لتحديد نسب معينة من الجنسيات المختلفة حتى تضمن التنوع. فمعهد لو روزيه في مدينة روماندي يطبق نسبة 10 في المائة لكل جنسية على حدة. ولكن معهد روزنبرغ يتوخى المرونة في مسألة النسب لأنه ينتقي الطلبة والطالبات بصفة فردية. وعلى هذا الأساس تصل نسبة الطلبة الروس في المعهد إلى نحو 20 في المائة كما تصل نسبة الطلبة الصينيين إلى 15 في المائة من مجموع الطلبة.

ولا تأتي نوعية التعليم السويسري رخيصة، فتكلفة الالتحاق بالمدارس السويسرية يزيد إلى ثلاثة أضعاف التعليم في بريطانيا أو الولايات المتحدة. ويتكلف العام الواحد في مدرسة سويسرية داخلية من 50 ألف فرنك سويسري إلى 110 آلاف فرنك سويسري (الفرنك السويسري يعادل الدولار الأميركي تقريبا).

ولا تتأثر المدارس السويسرية بأحوال الاقتصاد العالمي فهي مستمرة على وتيرة نشيطة حتى عبر سنوات التراجع الاقتصادي العالمي الذي أعقب عام 2008. وهي تنتمي إلى قطاع لا يتأثر بالكساد العالمي ولا بالحروب، فقد استمرت هذه المدارس في نشاطها المعتاد حتى أثناء الحرب العالمية الثانية. وسبب هذا الرخاء هو حياد سويسرا السياسي والعسكري الذي يعتبر فريدا في أوروبا والعالم.

وتمنح المدارس السويسرية شهادات البكالوريا الدولية التي تتيح للطلبة والطالبات الالتحاق بسهولة بالجامعات الدولية. وهي مدارس محدودة في حجم الطلبة الذين يتم قبولهم حيث تعتني كل مدرسة بنحو 200 إلى 300 طالب مقارنة بنحو 3 آلاف طالب في المدارس الداخلية الأميركية. ويجذب هذا العدد الصغير من الطلاب الإقبال على المدارس السويسرية ويجعلها غير معتمدة ماليا على التحاق أكبر عدد ممكن من الطلبة كما في المدارس البريطانية.

- إقبال من الدول الناشئة

يقبل الأهالي الأثرياء على المدارس السويسرية لعدة أسباب منها الأمان ونوعية التعليم. وفي الآونة الأخيرة شهدت المدارس السويسرية إقبالا متزايدا من أثرياء الدول الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية. كما تواجه هذه المدارس طلبا هائلا من الصين، حيث يقول مدير معهد لو روزيه، كريستوف غودن إن طلبة الصين يأتون إلى سويسرا من أجل نظام تعليمي شامل ومختلف. وتتعامل المدارس السويسرية برفق مع الطلبة الأجانب وفق ثقافاتهم ولا تسعى لإحراج أي منهم لضعف قدراته اللغوية أو الاستيعابية.

ويشير غودن إلى اختلاف الثقافات بالقول إن سؤال طالب صيني عن رأيه في مسألة معينة يعد غريباً عليه لأن في الصين هناك رأي واحد هو الصواب، ومن المعتاد في الصين أن يضحك الأساتذة من الإجابات الخاطئة من الطلبة وهو ما لا يمكن أن يحدث في مدارس سويسرا.

ويقول أحد الطلبة الصينيين في مدرسة مونتانا التي تقع في مدينة زوغربرغ بالقرب من جبال بيلاطس إن المدارس الصينية تعلم الطلبة حفظ واستيعاب أكبر قدر من المعلومات، ولكن في سويسرا فإن التركيز هو على التواصل بشتى أنواعه الاجتماعية والرياضية والدراسية.

ويضيف الطالب الصيني أن معرفته بالثقافات الأخرى كان منعدما عندما جاء إلى سويسرا منذ عامين، ولكنه الآن تعرف على طلبة آخرين من جنسيات مختلفة وتناول في مناقشات معهم الكثير من القضايا التي يقدم فيها كل منهم وجهة نظر مختلفة.

- دورات فندقة

يتم اختيار المدرسة السويسرية المثالية أولا على نوعية التعليم الذي تقدمه للطلبة ثم تأتي بعد ذلك عوامل موقع المدرسة من حيث الجمال السويسري الطبيعي والبيئة النقية من اي تلوث. وتتوجه بعض المدارس إلى الحفاظ على الشخصية السويسرية مثل مدرسة مونتانا التي يدرس فيها الطلبة السويسريون بنسبة 35 في المائة ويتحدث نصف طلبتها باللغة الألمانية. وتأسست هذه المدرسة في عام 1926 في مبنى كان في السابق فندقا. وهناك كثير من المدارس في مدينة روماندي تأسست في فنادق سابقة. كما توجد علاقة وثيقة بين المدارس الداخلية والفنادق الفاخرة في سويسرا حتى الآن حيث تعقد حفلات التخرج في الفنادق ويقيم أهالي الطلبة في الفنادق المختارة أثناء زيارة سويسرا لمتابعة دراسة الأبناء في سويسرا. كما تقدم بعض المدارس دورات تدريبية على إدارة الفنادق تجريها عمليا في فنادق سويسرا.

وتعتمد سويسرا سياحيا أيضاً على الطلبة العائدين إليها من أنحاء العالم بعد التخرج من الجامعات لزيارة مدارسهم السابقة والاستمتاع بسويسرا مرة أخرى، كسياح نخبة بقدرات مالية مرتفعة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1028 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع