تشي غيفارا ... أسطورة المتمرّدين

             

صحيفة الحياة:«لا تحزني يا أمي إن متّ في غض الشباب، غداً سأحرّض أهل القبور وأجعلها ثورة تحت التراب... لا يهمني متى وأين سأموت، لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين، يملأون الأرض ضجيجاً كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين...». 50 سنة مرّت على تلك الأقوال التي كتبها إرنستو غيفارا ذات يوم، وعلى رغم ذلك، ما زالت تتردد على ألسنة كل من يعتبر نفسه ثورياً متمرداً على وضعه الاجتماعي والاقتصادي والإنساني.

عام 1967، أُعدم تشي (الرفيق) رمياً بالرصاص بعدما أمسكت به القوات البوليفية بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)، وكان يبلغ من العمر 39 سنة. وخلال سنوات قصيرة من الحراك السياسي والثوري، حقق الثائر الأرجنتيني - الكوبي أهدافاً مختلفة تتناول جميع جوانب الحياة عبر الثورة التي كانت مشتعلة داخله ولم تنطفئ حتى بعد رحيله. وقد يكون ذلك من الأمور الأساسية التي جعلته ثائراً مميزاً بالنسبة إلى الأجيال المتعاقبة، وأيقونة حية يُقتدى بأفكارها، وأيضاً رمزاً «تجارياً» يستعان به لأهداف سياحية وترويجية، ففي أي بلد يقصدها المرء يجد في متاجر التذكارات منتجات تحمل صور غيفارا. ولعل ذلك ينطبق أكثر على البلدان الأقل غنى، حيث لا تزال للثورة والتمرد أصداء و «ذبذبات» جاذبة للشباب. ولا ننسى «حضوره» في أغانٍ وأفلام وكتب تدور حوله كلياً أو جزئياً.

بغض النظر عن أفكاره الشيوعية الماركسية التي يعرفها الجميع، والتي تلعب دوراً مهماً في شهرته المستمرة، يملك غيفارا سمات فريدة جعلته من الشخصيات التي أثرت في مجتمعات كثيرة ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على مستوى أمور حياتية بسيطة، منها تسريحة الشعر وإطلاق اللحية وطريقة اللبس واعتمار الـ «بيريه» وتدخين السيجار الكوبي... حتى أن صورته الشهيرة التي التقطها ألبرتو دياز غوتييريز الملقب بـ «كوردا» وهو المصور الذي كان يعمل لصحيفة «ريفولوثيون» عام 1960، هي أكثر صورة أعيد طبعها في تاريخ التصوير. فملامح غيفارا تدل على «العناد المطلق» كما قال كوردا، إضافة إلى الغضب والحزن، وهي كلها السمات الأساسية للثائر.

ولأنها تعتبر رمزاً عالمياً للثورة، استخدمت شركات كثيرة صورة «هيروييك غيريلا» في حملاتها الإعلانية للترويج لمنتجاتها، لأنها تعلم مدى التأثير الكبير لتشي غيفارا في الناس، مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم السياسية.

على مدى العصور، برز ثوّار ومناضلون كثر في مناطق مختلفة من العالم، منهم مارتن لوثر كينغ في أميركا، نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، عمر المختار في ليبيا، المهاتما غاندي في الهند... وكلهم لديهم مريدوهم من أشخاص ما زالوا يؤمنون بقضاياهم الإنسانية. لكن تشي غيفارا ثائر من نوع آخر، وقد يكون للمراحل الأولى من حياته التأثير الأبرز في «صدق» ثورته ومدى وصولها إلى الناس. فهو ترعرع في كنف عائلة برجوازية متوسطة ودرس مهنة الطب ولم يكن يعرف معنى الفقر إلا عندما قرر أن يجول في بلدان أميركا اللاتينية على دراجته النارية. فهناك، فوجئ بحال العائلات التي لا تملك الحد الأدنى من القوت، والتي تغرق في لجج العوز، إضافة إلى أنها عاجزة عن تغيير الأنظمة الديكتاتورية المستبدة الحاكمة التي تمنعها من الوصول إلى الموارد التي يمكنها أن تحسّن أوضاعها المزرية. فكَرِه البرجوازية وأنظمة الحكم والحكام وتمرّد لأنه أراد بشدة أن يغير حياة هؤلاء، كأن ذلك المشهد كان الشرارة التي أشعلت فيه نار التمرد والثورة. كما أن إعدامه بالطريقة المعروفة لعب دوراً كبيراً في جعله ضحية الاستبداد ووصول رسالته إلى الفئات الشابة، خصوصاً المعروفة بميولها إلى التمرد على كل شيء. ويبقى رفضه المشاركة في السلطة وتخليه عن مغريات النفوذ، السبب الأقوى والأصدق الذي جعله أسطورة حية ما زال الباحثون عن التغيير يطبعون صورها على قمصانهم وراياتهم الحمر.

قبل 50 سنة، قُتل غيفارا لأنه اختار التخلي عن السلطة ومواصلة النضال قاطعاً علاقته نهائياً بكوبا (استقال من قيادة الحزب ومن منصبه كوزير وتخلى عن رتبة القائد وعن جنسيته الكوبية) عبر رسالة بعث بها إلى رفيقه في النضال فيديل كاسترو جاء فيها: «أشعر بأنني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أودعك وأودع الرفاق وأودع شعبك الذي أصبح شعبي. إن الثورة تتجمد والثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي».

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع