٤٣يوماً غيّرت العراق.. عملية عسكرية "أسرت" ذهبه الأسود

                  

بغداد - الخليج أونلاين (خاص):ثلاثة وأربعون يوماً غيّرت العراق، هذا ملخّص معركة انطلقت مساء التاسع عشر من مارس/آذار عام 2003، وانتهت في الأول من مايو/أيار منه.

وسواء كانت الحرب جاءت لصلاح العراق، بحسب مدّعين، أو خرابه وفق آخرين، تبقى هي من بين الأحداث الأهمّ على مرّ التاريخ؛ إذ من خلالها تمكّنت الولايات المتحدة من نشر قواتها في الشرق الأوسط، والسيطرة على واحدة من أهم البقع النفطية في العالم، بحسب ما يشير خبراء.

في يوم 4 سبتمبر/أيلول 2002، قالت شبكة تلفزيون "سي بي إس" الإخبارية الأمريكية، إنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، بعد ساعة من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك.


في ذلك الوقت، اتهم جورج بوش الابن، العراق بأنه "حليف لتنظيم القاعدة"، وقال: إنه "ليس خياراً بالنسبة إلينا ألا نفعل شيئاً إزاء التهديد الخطير الذي يشكّله البرنامج العراقي لإنتاج أسلحة استراتيجية".

في حين حذّرت الحكومة البريطانية، في تقرير لها، من "المخاطر التي يشكّلها امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل"، وذلك في محاولة لكسب تأييد الشعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.

ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة، فإن أسباباً أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلّت قيد التداول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعاً للمراقبين؛ انطلاقاً من سير الأحداث ومآلات الحرب وتكشّف أسرار تحضيراتها.

وفي طليعة تلك الأسباب حماس الحكومتين الأمريكية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة، فقد تحدّثت تقارير عديدة عن التحريض على غزو العراق من طرف مسؤولي شركات نفط أمريكية كبيرة؛ من بينها مثلاً مجموعة هاليبيرتون النفطية، التي كان ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، يتولّى إدارتها.

ويستدلّون على صحّة ذلك بأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون -دون التقدّم بعروض مناقصة- في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، عقدين مختلفين؛ الأول بسبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية العراقية، والتزويد بالمنتجات النفطية المكرّرة في العراق، والثاني لتقديم دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليارات دولار.

وأيضاً أكّدت وثائق سرّية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسّسات نفطية وعمليّة غزو العراق، وقالت إن خططاً لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي نُوقشت بين مسؤولين حكوميين وكبريات الشركات النفطية العالمية، خاصة البريطانية منها (بينها شركات "شل"، و"بي بي"، و"بي جي")، قبل عام من تاريخ غزو العراق.

وأفادت الوثائق بأن الحكومة قالت لهذه الشركات، إن من الضروري أن يكون للشركات البريطانية النفطية حصّتها من الاحتياطيات العراقية الهائلة من النفط والغاز؛ وذلك مكافأة للدور الذي ستمارسه لندن، المتمثّل في التزامها سياسياً وعسكرياً بالخطط الأمريكية الساعية إلى إسقاط النظام العراقي.

وبذلك توفّرت الأسباب، وجرى غزو العراق بمشاركة جيوش دول بريطانيا، وأستراليا، وكوريا الجنوبية، والدنمارك، وبولندا، بواقع 300 ألف جندي، وساهمت 10 دول أخرى بأعداد صغيرة من القوات العسكرية في الهجوم البري، الذي بدأ فعلياً في العشرين من مارس/آذار 2003، منطلقاً من أراضي عدد من دول جوار العراق.

ودارت معارك غير متكافئة بين القوات العراقية والقوات المهاجمة، انتهت بسقوط بغداد في خلال 19 يوماً، واستمرّت حتى سقوط كامل أراضي العراق بيد القوات الغازية في خلال 43 يوماً.

وأفرزت معلومات وتقارير سرّبتها وسائل إعلام أمريكية تؤكّد أن إدارة بوش لم تكن تمتلك أي خطة لإدارة العراق بعد احتلاله، وهو ما أسهم في نشر الفوضى والعنف بعموم أرجاء البلاد.

الغاية من غزو العراق تتجسّد اليوم على أرض الواقع، بحسب رأي المحلل السياسي العراقي جاسم الشمري، الذي يشير إلى أن "العراق اليوم أصبح عبارة عن دولة مليشيات".

وفي حديث لـ "الخليج أونلاين"، علّل الشمري ما ذهب إليه "بدليل ما جرى قبل أيام عبر الحكومة العراقية؛ من خلال تسليم ضيوف كانوا دخلوا البلاد بتأشيرات رسمية، لاحظنا أن الحكومة هي من تفاوضت مع المليشيات، وهذه انتكاسة كبيرة بعد 14 عاماً" من الغزو.

وأضاف المحلل السياسي العراقي أن المطلوب من الغزو "تمييع الدولة العراقية. العراق دولة مهمّة، واليوم نحن أمام حالة اللادولة، وتلك أهم أهداف الغزو".

وأوضح: "رأينا قبل عدة أشهر البرلمان يقرّ قانون هيئة الحشد الشعبي، وهو ما يشير إلى انتكاسة أخرى للدولة بعودتها إلى المليشيات؛ الدولة المعتبرة لا تُبنى على المليشيات، إنما تُبنى على النظام".

وشهد العراق بعد غزوه وتغيير النظام الحاكم فيه صراعات طائفية، وظهور أكثر من 50 مليشيا مسلّحة مدعومة من قبل شخصيات وأحزاب في السلطة، أكّد قادتها في مناسبات مختلفة سابقة ولاءهم لولاية الفقيه في إيران.

وتؤكّد تقارير ومقاطع مصوّرة ارتكاب هذه المليشيات أعمال عنف طائفي، في حين أن جميع المليشيات بالعراق انضمّت لهيئة "الحشد الشعبي"، وهي مليشيا تأسّست بناءً على فتوى من المرجع الديني "الشيعي" علي السيستاني صيف 2014.

ويرى الشمري أيضاً، وجود دوافع اقتصادية للوجود الأمريكي في العراق، مستشهداً بما قاله الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي تولّى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بأنه يريد حلب دول المنطقة، ومنها العراق.

يشار إلى أنه، ونتيجة للمحاصصة الطائفية في إدارة البلاد، استشرى الفساد المالي والإداري بشكل واسع، وهو ما جعل العراق يُصنّف بين أكثر الدول في العالم فساداً، بحسب تقارير دولية.

وبرغم الميزانيات الضخمة التي دخلت خزينة الدولة؛ من جراء ورادات النفط للأعوام السابقة، فإن العراق شهد ارتفاعاً كبيراً بنسب الفقر، وصلت إلى 30%، بحسب وزارة التخطيط العراقية.

ويعتبر ارتفاع نسبة الأمية في البلاد، وشيوع الأمراض الانتقالية، وتلوّث البيئة، وانخفاض نسبة الأمان، من أبرز نتائج ما انتهى إليه الغزو، فضلاً عن توقّف عجلة التنمية، وارتفاع نسب البطالة، الذي يعزوه مراقبون إلى تسليم الأمريكان السلطة في البلاد لشخصيات ذات ولاءات خارجية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

528 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع