التطير والفأل والتشاؤم مسلكيات قديمة يتمسك بها الكثيرون

                       

التطير والفأل والتشاؤم مسلكيات قديمة يتمسك بها الكثيرون: الأفارقة مؤمنون بها ويتخذونها ميزانا في تعاملهم مع أقدار الحياة وتقلباتها

نواكشوط ـ «القدس العربي»:من الأفارقة من يقيس سعد وشؤم يومه باسم أول إنسان يقابله بعد خروجه من بيته أو باسم وطالع أول داخل عليه في مكتبه، فإن كان اسمه يوحي بالخير مثل «سعد» و«سالم» و«عامر»، اعتبر يومه سعيدا وانتظر اقبال الخيرات وإن كان اسمه من قبيل «الأسود» أو «نازل» أو «نذير» لطم وجهه ولعن حظه وانتظر الكوارث.
ومن الناس من يكون تفاؤله وتشاؤمه صحيحا بالتجربة ومنهم من لا يصادف تطيره وتفاؤله أي شيء فيتحول إلى ما يشبه الحلم المخيف.
ويتفاءل ويتشاءم الكثيرون بطبيعة المكالمات الهاتفية الواردة إليهم، فإن حملت المكالمة الأولى خبرا مفرحا كان اليوم يوم سعد وإن كان خبرا سيئا قامت قيامة المتشائم.
ويتحدث متتبعو مسلكيات التفاؤل والتشاؤم عن إصابة الكثيرين بمرض التوحد بسبب أرواحهم المتشائمة التي لا تطبق قول أبي ماضي: «كن جميلا تر الوجود جميلا»، بل ينظرون للوجود كما لو كان ظلمات بعضها فوق بعض.
ومن الأفارقة من إذا سافر تشاءم بالطيور فإن رأى غرابا أسحم عاد أدراجه وأرجأ سفره وإن رأى طائرا أبيض واصل السفر وتفاءل بأن السفر ميمون.
وقد استغربت مرة أن أحد الركاب الذي رافقني في رحلة جوية يتشاءم ويتفاءل باسم ربان الطائرة فكان يستمع وقلبه بالغا حنجرته، لأول بلاغ تلقيه المضيفة حول الرحلة، فإن كان اسم قائد الطائرة مبشرا مثل «صالح» أو «رؤوف» أو «عبد اللطيف» فرح واستبشر وإن كان اسما آخر كالحا عبس وتحسر وتكدر.
ومن المأثور أن العرب كانت تقلب الأسماء تطيراً أو تفاؤلاً، فيسمون اللديغ «سليما» ويسمون العطشان «ناهلا» تفاؤلا باسم الري، ويسمون الفلاة «مفازة» تفاؤلا بالفوز والنجاة.
وكان للعرب أيضا مذاهب في تسمية أولادهم: فمنهم من يسميهم تفاؤلا بالظفر على أعدائهم، نحو «غالب» و«غلاب» و«عارم» و«منازل» و«مقاتل» و«معارك» و«طارق» ومنهم من يسمي أولاده متفائلا بالسلام، كتسميتهم بسالم وثابت؛ ومنهم من يتفاءل بنيل الحظوظ والسعادة، فيطلق أسماء مثل «سعد» و«سعيد» و«أسعد» ونحو ذلك.
ويسمي الموريتانيون القدامى مواليهم بأسماء متفائلة مثل «يسار» و«أبو الخير» و«سليمان».
وأظهرت دراسة حديثة أنّ المتفائلين أكثر ميلاً إلى أن تكون قلوبهم ودورة الدم في أجسامهم أفضل من غيرهم بمرتين؛ وهم بذلك يعيشون لمدّة أطول من المتشائمين.
وشملت الدراسة، التي أعدّها باحثون من جامعة إيلينوي الأمريكية، أكثر من خمسة آلاف راشد، وبيّنت أنّه بالمقارنة بين الذين يتبنّون نظرة سلبيّة إلى الأمور وبين أولئك المتفائلين، فإنّ نسبة السكّر في دم المتفائلين أفضل، تماماً كما هي معدّلات الكوليسترول، في الوقت الذي يبدي المتفائلون نشاطاً أكبر وحيويّة أفضل.
وانشغل العلماء القدامى بسعادة الأيام وطيرتها، وألف العلامة الطباطبائي كتابا مشهورا في المجال قال فيه «إن نحوسة اليوم أو أي مقدار من الزمان أن لا يعقب الحوادث الواقعة فيه إلا الشر ولا يكون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فيه مباركة لعاملها، وسعادته خلافه».
وأضاف «لا سبيل لنا إلى إقامة البرهان على سعادة يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة ولا نحوسته، وطبيعة الزمان المقدارية متشابهة الأجزاء والأبعاض، ولا إحاطة لنا بالعلل والأسباب الفاعلة المؤثرة في حدوث الحوادث وكينونة الأعمال حتى يظهر لنا دوران اليوم أو القطعة من الزمان من علل وأسباب تقتضي سعادته أو نحوسته، ولذلك كانت التجربة الكافية غير متأتية لتوقفها على تجرد الموضوع لأثره حتى يعلم أن الأثر أثره، وهو غير معلوم في المقام، ولما مر بعينه لم يكن لنا سبيل إلى إقامة البرهان على نفي السعادة والنحوسة كما لم يكن سبيل إلى الإثبات وإن كان الثبوت بعيدا».
هذا حسب النظر العقلي، أما حسب النظر الشرعي ففي القرآن العظيم ذكر النحوسة وما يقابلها، قال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ» وقال: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَات» لكن لا يظهر من سياق القصة ودلالة الآيتين أزيد من كون النحوسة والشؤم خاصة بالزمان نفسه الذي كانت تهب عليهم فيه الريح عذابا وهو سبع ليال وثمانية أيام متوالية يستمر عليهم فيها العذاب من غير أن تدور بدوران الأسابيع وهو ظاهر وإلا كان جميع الزمان نحسا، ولا بدوران الشهور والسنين.
وقال تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ» ويؤول معنى مباركتها وسعادتها إلى فضل العبادة والنسك فيها، وغزارة ثوابها، وقرب العناية الإلهية فيها من المتوجهين إلى ساحة العزة والكبرياء.
هكذا المأثورات تتحدث عن شؤم الزمان وبركته، ولن يخلو سلوك أي منا من التعامل في دقائق وثواني حياته مع هذا الثنائي المتذبذب بين الخير والشر وإن بدرجات متفاوتة، فالحياة كلها معركة نفسية داخلية في النهاية.
لكن، هل استبطان التفاؤل والتشاؤم وتطبيقهما في التعامل مع الآخرين وفي سيرورة الحياة سلوك مقبول معقول، أم أنه مجرد تهويمات وتخييلات لا قيمة لها ولن تغير في الواقع شيئا؟ لكل واحد من هذين السلوكين أنصار.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع