حكايات ذاكرة صوريه للدكتور حسين الأعظمي/ الحلقة العاشرة الفصل الثاني - الباب الأول

  

الاخوة والأخوات كتاب وقراء مجلة الگاردينيا المحترمين
تحية وتقدير

أن رئاسة تحرير مجلة الگاردينيا كان لزاما عليها أن تفي بوعدها الذي نوهنا عنه سابقا بنشر حلقات متعدده عن كتاب حكاية ذاكرة صوريه للدكتور حسين الأعظمي ،والذي كان لذاكرة الزمان والمكان دورا مهما في إعداد الكتاب ،وقد أستعان ليس بالتدوين المسبق إنما معتمدا على الصور التي أحتفظ بها منذ سنين ،وساعدته عائلته على أعادة الذكريات ،رغم قطار الزمن الذي غادر ولايعود ،لكن الذاكره مخزونة في ذهن المؤلف زميلكم الدكتور والفنان قارئ المقام العراقي الأصيل الدكتور حسين الأعظمي ،واليوم بأسمكم جميعا نقدم الحلقة ( العاشرة - الفصل الثاني /الباب الأول) ،وفقنا الله وإياكم لما فيه خيرا ....
جلال چرمگا
رئيس التحرير

  

                   حكاية هذه الصورة

            الاعظمي في بطولة المتقدمين بالموصل

  

  

في منتصف عام 1986 ، عاش العالم الرياضي وغير الرياضي ، أحداث نهائيات بطولة كأس العالم بكرة القدم ، التي أقيمت في المكسيك على ما أعتقد .. وفي هذه الايام من صيفنا الحار سهرنا سهرتيـْن متتاليتيـْن حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي ..! في بيت صديقنا عازف الكمان الشهير فاروق العبيدي .. وقد إقتصر الحضور على شخصيات معدودة ، وهم المرحوم صباح مرزا (المرافق الاقدم للمرحوم صدام حسين) والشخصية الرياضية الشهيرة المرحوم فهمي القيماقجي ، ومدرب المنتخب العراقي لكرة القدم الشهير المرحوم عمو بابا ومساعده اللاعب السابق باسل مهدي ، رغم أنهما في هذه الفترة بالذات لم يكونا مع المنتخب ، لأن المنتخب في هذه الاثناء في المكسيك تحت قيادة المدرب البرازيلي إيفرستو .. وهي المرَّة الوحيدة التي صعدنا فيها الى نهائيات كأس العالم حتى الآن .. كذلك كان العميد مناف الصالحي رئيس نادي الشباب الرياضي موجوداً أيضاً ..
ومن جانب الفنانين ، إقتصر عددنا على المطرب الكبير سعدون جابر مع عوده ، وعازف الايقاع عامر البكري وعازف الاكورديون المرحوم رمزي احمد وأنا ، فضلاً عن مشاركة صاحب البيت فاروق العبيدي بكمانه الجميل .. مع مجيء المطربة المرحومة سعاد عبد الله ، حيث مكثت فترة قصيرة ثم غادرت بعد أن غنت فاصلاً ، وقـــد تم التسجيل الصوتي لهاتيـْن السهرتيـْن الجميلتيـْن ..
في فترة من فترات الراحة وتبادل الاحاديث ، تحدثتُ مع المرحوم العميد فهمي القيماقجي الذي سبق أن شغل مناصب عديدة رياضية وغير رياضية في وزارة الداخلية ، إبتداءاً من كونه حكماً دولياً كبيرا بكرة القدم ، مروراً بمنصب مدير ألعاب الشرطة ورئيس اللجنة الاولمبية ومدير الشرطة العام وغيرها .. قلت له .. هل تتذكر يا سيدي عندما أقيمت بطولة العراق للمصارعة الحرة والرومانية للمتقدمين في نادي الموصل قبل إنتصاف عام 1975 .!؟ قال نعم أتذكر ..! وجئتم من بغداد بطائرة خاصة مع جمع من القيادات العسكرية الرياضية لرعاية نهائي البطولة ..!؟ قال نعم أتذكر ذلك .. قلتُ .. هل تتذكر يا سيدي عندما إنتهى أحد النزالات النهائية التي كنتَ ومن معك راعي هذه النزالات النهائية ، ونزلتَ من مكانكَ العالي الى بساط المسابقات النهائية وقبــَّلتَ أحد المصارعين الفائزين وقلتَ له ، بارك الله فيك يا إبني على هذه الاخلاق الرياضية ..؟ قال والله أتذكر جيداً ..! قلت له ، أشكركَ يا سيدي ، فالمصارع الذي نزلتَ اليه من مكانكَ مهنئاً له ومشجعاً ، هو أنا ..! فارتسمت على محياه علامات التعجب والاندهاش ، وأردف قائلاً .. هل يعقل أن يكون ذلك المصارع البطل هو حسين الاعظمي مطرب المقامات العراقية ..؟ إذن كنتَ مصارعاً دولياً بطلاً للمتقدمين في العراق ..! هذا ما لا نعرفه عنك جيداً ..

   

أعود اليكم أعزتي القراء الأفاضل الى بطولة العراق للمتقدمين في المصارعة التي أقيمت كما قلتُ في نادي الموصل الرياضي قبل انتصاف عام 1975 .. التي ذكـَّرتُ المرحوم العميد فهمي القيماقجي بها ،  حيث كان نزالي الأخير في النهائي مع المصارع الموصلي صلاح الذي يلقب بـ صلــُّوح .. واعتقد انه كان نزالي الاخير ايضا في مسيرة المصارعة التي خضت تجربتها منذ خمس سنوات ، حيث اعتزلت المصارعة نهائيا بعد هذه البطولة ، بعد ان حصلت على عدة بطولات محلية خلالها كبطولة الفتيان والشباب وغيرهما ..
لقد كان نزالي مع الموصلي صلوح ، نزالاً عنيفاً جداً بحيث أدماني في وجهي وأذناي وأصابني خلعٌ في يدي اليمنى وإصابة أخرى في كاحلي الايمن ..!! كل ذلك وأنا صامد لم أقابله بالمثل أبداً ، كما لم أقابل أحداً من قبل بأي عنف وسوء ..! وقد وصل الامر في هبوط أخلاق خصمي صلـُّوح  ، عندما  صفـَّرَ حكم النزال معلناً نهايته وانا فائز فيه بالنقاط ، ونحن متماسكان وسط البساط ، فككتُ يدي من تماسكنا بعد الصافرة الاخيرة حيث إنتهى كل شيء ، ولكن المصارع صلـُّوح رغم كل ذلك ، لم يكتفي بما فعله بي خلال النزال ، وانما بقي ماسكاً بي ولم يعر اهتماما لصافرة الحكم ونطحني برأسه بآخر نطحة له في النزال ، إمتعاضاً من نتيجة النزال أمام كل الجماهير الحاشدة في النادي ، ورغم ذلك وباللحظة المناسبة ، مسكتـُهُ وقبــَّلـُتهُ أمام الجماهير كلها التي صفــَّقتْ لي كثيراً في هذه اللحظات ، وهو ما أدى الى نزول المرحوم فهمي القيماقجي الى وسط الساحة وتجشمه هذا العناء ليقبلني ويهنئني على موقفي الاخلاقي المثير والنادر ..    
بهذه البطولة التي فزت بها ، تكون البطولة ونزالاتها هي آخر البطولات والنزالات التي مارستها خلال حياتي الرياضية ، لأنني إعتزلت المصارعة مبكراً بصورة نهائية بعد هذه البطولة ، رغم أنني كنتُ ضمن اعضاء المنتخب الوطني الذي ينوي السفر الى تركيا لإجراء نزالات مع المنتخب الوطني التركي ، وذلك عندما شرعتُ بغناء المقام العراقي في المتحف البغدادي منذ بداية عام 1973 .. ولقائي المنعطف بعدئذ بالموسيقار منير بشير ومن ثم عملي معه ، أو قربي منه عندما كنتُ لم أزل طالباً في معهد الدراسات النغمية العراقي منذ بداية السبعينات ، ومصارعاً في نفس الوقت ..! حتى تمكن في نهاية الامر ، إخراجي من عالم الرياضة والمصارعة الى عالم الفن والغناء والموسيقى ، حيث قال لي بانفعال نتيجة عدم إكتراثي في إهتمامه بي ..!  إن مكانك ليس في الرياضة ، مكانك في غناء الآباء والأجداد ، في الغناء والموسيقى .. في المقام العرقي ، إترك الرياضة وسأريك العالم كله ..!

  


بعد ذلك تم تعييني رسمياً في دائرته مطرباً في الفرقة الغناسيقية التراثية التي أسسها (فرقة التراث الموسيقي العراقي) وبذلك يكون الموسيقار منير بشير قد فتح العالم أمامي وسمح لي بغزو هذا العالم بالفن الغناسيقي ، بالمقام العراقي ، حاملاً على أكتافي تراث بلدي رسالة الى الانســــــــــانية جمعاء ، وهكذا تغير مجرى حياتي كلها ..!  
والصورة الاولى في هذه الحلقة ، تمثل آخر أعضاء فريق الجنسية الذي لعبتُ له أكثر من أربع سنوات متواصلة ، وهي من آخر الصور الرياضية أيضاً ، وهم ، الواقفون من اليمين ، ثابت نعمان وجمال .....؟ وعلي حسين (6) و..........؟ و المدرب عدنان محمد صالح (بطل العراق والدول العربية والعالم العسكري)  الجالسون حسين الاعظمي وعصام منصور وخضير فاروق عباس؟ ورعد مصطفى ، نيسان April 1975 ..
في الصورة الثانية ، أقف مع مدربي البطل الدولي عدنان محمد صالح .. وقبل أن أنهي هذه الحلقة من سلسلة حكاية هذه الصورة .. أود أن أسجل بعض الملاحظات التي عرفتها من خلال ممارستي لهذه الرياضة الجميلة والاقدم في تاريخ كل الالعاب الرياضية ..
1 – وجدتُ أن المستوى الثقافي العام لممارسي رياضة المصارعة ، دون الوسط ..! قلة الثقافة الفكرية والعامة ، وكثرة من جهالة المتعلمين .. وأكثر من ذلك جهالة الجمهور البسيط ..! حيث تنطوي على مثل هذا الواقع أمور كثيرة من الجهل بالمعايير والرؤى لحقيقة هذه اللعبة والرياضة بصورتها العامة .. أهمها معايير الفهم الخاطئ للاعب ورؤيته للجانب الخلقي والتربوي في ملاقاة الخصوم .. إذ يبدو أن غالبية الرياضيين ، يفهموا أن نزالاتهم ما هي إلا نزاع ومكاسرة والفوز بأية وسيلة كانت ..! ويقيني من ذلك خلال ما عرفته من ممارستي لهذه الرياضة العظيمة ، فقد لاقيت الخشونة وعدم الوعي الكافي لفهم الخلق الرياضي ، والأذى تلو الأذى من غالبية خصومي الذين إلتقيت بهم مدة خمس سنوات كاملة من الممارسة .. ورغم كل ذلك ، لا أتذكر أنني جنحت لمقابلة هذه الأذية بالمثل ، والله يشهد ، بل على العكس تماماً ، كنت أقابل ذلك بكل الاخلاق وفي إتجاه معاكس بزاوية منفتحة 180  ْ ..! منطلقاً من أنهم ليسوا أناساً سيئين ..! وإنما يحتاجون الى من يهديهم ويهذب أفكارهم ويرشدهم الى الطريق الصحيح للسلوك والتفكير الاخلاقي والتربوي .. فلكلٍ ظروفه وحياته الخاصة وحظه في الحياة ..
2 - إن هذا الفهم الخاطئ لرياضة المصارعة ، والرياضة بصورة عامة ، لا يقتصر على الرياضيين فقط ، بل يتعدى ذلك الى المدربين والمسؤولين على شؤون الرياضة ، ووسائل الاعلام بأنواعها ، وبالتالي الجهل الطبيعي للجمهور المسكين كتحصيل حاصل لهذا الواقع .. فكثير من اللقاءات الفنية التي أجريت معي بعدئذ كفنان وليس كرياضي ، على صعيد الاذاعة او التلفزيون او الصحافة ، يوجه لي السؤال التقليدي ، كيف جمعتَ بين العنف والمكاسرة والقوة في المصارعة وبين فن الغناء والموسيقى ..!؟ وهذا هو أحد الجوانب من جهالة المتعلمين ..

 
    


إن الاخلاق لا بد أن تسود ، فهي سيدة كل شيء ، فيها الصدق والامانة والرقي والتطور والتقدم والحضارة والمستقبل ، وبدونها كل شيء عدم ..! تراه يكلمكَ بكل أخلاق خارج النزال ، وفي النزال وحش كاسر لا يعير أهمية لباقي الامور التي مرَّ ذكرها ، ففي أقل تقدير ، لا يخطر على بال المصارع بصورة مباشرة ، أن هذه الرياضة أو غيرها هي من أعظم الفنون ، فوالله لو كان لي الوقت الكافي لأعددت مجلداً كبيراً وليس كتابا عادياً ، أتحدث فيه عن نزال واحد فقط وليس عدة نزالات ، لـِما يتضمنه النزال من إحتمالات لا تعد ولا تحصى من الفنون التي توُصِل اللاعب الى أقرب إحتمالات الفوز في النزال ..! فالدعوة إذن للمسؤولين ووسائل الاعلام لنشر المفاهيم التربوية والاخلاقية للرياضة .. لمكافحة هذا الجهل العام ، أو بالأحرى مكافحة جهالة المتعلمين ..! فالقوة الجسمانية التي يحتاجها المصارع في نزاله ، هي وسيلة لتطبيق فنون المصارعة ، وليست غاية بأي حال من الاحوال .. فالكثير من المصارعين الاقوياء جسمانياً ، يخسرون أمام خصوم أقل قوة منهم ، بسبب رجحان إمتلاك الخصم لفنون المصارعة وفنون النزال والادارة الميدانية له للوصول الى برِّ الأمان في النتائج المنطقية .. فالغاية إذن من ممارسة المصارعة ، الاخلاق والفن والحكمة والخبرة ، وتبقى القوة الجسمانية وسيلة وليست غاية لتطبيق كل هذه الامور ..  

3 -أدعو كل أصدقائي المدربين ، والمصارعين وخاصة الناشئين منهم ، أن يعودوا في ممارستهم لرياضة المصارعة على البساط الرملي (الجفرة) على ضفاف الانهر ، لأنها الوسيلة الأكبر لبناء جسم قوي يتحمل المشقات والمطاولة واللياقة البدنية .. فقد كنتُ للأسف ، آخر الاجيال كما يبدو ممن مارسنا هذه اللعبة على ضفاف نهر دجلة الخالد ، ثم ذهبتُ الى نادي الاعظمية الرياضي .. فالبساط الطبيعي
الموجود لدى الاندية لا يخلق أبطالاً كباراً ، وأعتقد أن جانب من أسباب تدهور نتائج مصارعينا هي ترك الاعداد البدني للمصارع على بساط (الجفرة) الرملي

                 

أخيرا ، تركت هذه الرياضة الاثيرة الى نفسي ، منتصف عام 1975 ، وتفرغتُ تماماً الى فن غناء المقام العراقي ، وإنشغلتُ كثيراُ بجولاتي في المهرجانات العالمية ، الأمر الذي أدى الى إبتعادي الطويل عن هذه الرياضة ومشاهدة بطولاتها ، حتى عدتُ إليها بعد ثلاثة عشر سنة ، حين أصبح أغلب مصارعي جيلي ، في إدارة الاتحاد ومدربي الفرق على كافة الاصعدة ، بعد أن طرأ سمعي نيـَّة الاتحاد إقامة دورته التدريبية السنوية في المصارعة الحرة والرومانية والاستعانة كالعادة بمدربين من بلغاريا والمانيا والاتحاد السوفيتي فضلاً عن مدربينا العراقيين ، وكان منهم المدرب والبطل الدولي المرحوم قاسم السيد ..
إنضممت الى هذه الدورة التي كانت بإدارة الاتحاد العراقي المركزي للمصارعة وإشراف الاتحاد العربي المركزي للمصارعة .. من 1 الى 20 / شباط February عام 1988 .. وحصلت على شهادة التدريب الدولية بدرجة جيد ، وهكذا يكون أخي القارئ الكريم ، مطرب المقام العراقي حسين الاعظمي ، مدرباً دولياً في المصارعة الحرة والرومانية ..! ولكنني إعتذرت طبعا عن تدريب أي فريق لإنشغالاتي الفنية الكثيرة ..       

وللحلقات صلة  

حسين الاعظمي عمــَّان
22/3/2008

هدية الحلقة

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/22409-2016-03-15-15-39-16.html

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

662 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع